وضعوا القيد في يدي وساقوني ،وصفحة بثقل الزمن تَشِم نفسَها على مؤخرة الرأس ،عرّجتُ لحظتَها على سبع معارج طباقا ،وسبع سماوات تُمَفصِلها جثثي، كما تَتَمفصَل هي عن رأسي ،غصْتُ في أمعاء التخوم أتتبع رقصاتِ الكون المبهمةَ ،وَتزَحزُحَ أطيافه ...منذ نشأتي كعنصر من خَلْق الله ،والقيود في كل مرحلة تتناسل ، و تبصق في فمي ،..
ترسم حدودا ،وفواصل لأناي ، هذا المخلوق الشاسع، الذي وُلد ليلحَس التعب ،باحثا بنشأته وإنشاءاته في قمم الأدغال عن مَبعثِ نور ..تتمثل لي صورتي لحظة كنت في الرحم ..أمَهد وقتها لكائن إنساني يجمع جزيئاتِ أطرافِه ،والتهيكل بالتدريج في بقعة لا تتعدّى ملمترات ،عليها حراس وعسس تتشابك ترقباتهم ونظراتهم ، تخلق منها حركات موغلة في الأسرار ،قاتلة للرغبات ..والشطط الغاصب يعلن الحَِجْر ويجهش بتطويق ناطق بجداريات المَنع ....كي لاأتجاوز المحيط المحدود ...
نصوص عبد الكريم ساورة : تماهي الذات بين الصحافة والإبداع ـ مالكة عسال
حين لامستُ نصوص المبدع الصحفي عبد الكريم ساورة السردية ، انسخلتْ من ذاكرتي تماما ، سمة ذاك الصحفي الذي كان ينهال على مقاماته بمهماز لغوي مباشر ، لتتمثل أمامي شخصية أخرى من صنف آخر ، مبدع رشَمَ جنس السرد القصصي ((ق.ق .ج)) باحترافية كبيرة ، تشهد عليها نصوصه وهي تؤدي اليمين بأمانة : كتجربة كبيرة تقلّدَ مشعلَها المبدع عبد الكريم ساورة في جانب من الحياة ، والعلاقة بالعالم بكل ماتعنيه المغامرة السردية من كلمة ، وذلك بتحويل كائناته والعلاقات في ما بينها وما تهْدر بها من تنافرات إلى صور بليغة في وصف راق ، انطلاقا من سعة الخيا ل والاحترافية في الصياغة والحنكة والدقة في اختيار التيمات ، والمراس في انتقاء الألفاظ المناسبة والجميلة ، حيث لملمَ الخلطة بجميع عناصرها و بهاراتها في عجنة فنية واحدة ، لينصهر بعضها ببعض وتتدفق شلالا سرديا فاتنا ، يغري بمتعته القارئ من أول لمسة بما يهُبّ عليه من نسائم الخيال الرحب ، وما يخلخل به مبدعنا من التفاصيل اليومية ، ومايَهَبُه للذات الكاتبة من بعد تصوري ، وهي تتفرس الأحقاب الزمانية بعلامات الوجود والكائنات على محك التساؤل والاستفسار ، من أجل الكشف والاستبصار ، وسبْر غور الأشياء ، فتفجرت النصوص محملة بالرمزي والإيحائي آهِليْن بتراسلات وجودية ، يشخص فيها مبدعنا المَراحل التي تمُر منها وضعية المرأة كإنسان ،وكيف كانت تعيش على تبعيتها للرجل ، كمُعيلها الوحيد رغم ماتسديه إلى جانبه من خدمات شاقة ، وكيف أثبتت وجودها كإنسان تتقاسم معه نفس المشاعر والإحساس ، ولما بيّنت أن لها قدرات وطاقات يمكن أن تشاركه بها بنجاح إلى جانبه وفي أغلب الميادين ، سقطت على رأسه الصاعقة ، ولم يتقبل الأمر ، فانتشرت بعض الخرافات التي ترى أن وضعية المرأة هي البيت ...
وجوه بلا ملامح.. ـ قصة : عبد القادر القادري
دلف إلى المحطة تغلفه مسحة من الكآبة، والرأس مثقلة بخواطر وتساؤلات تطيح به في دوامة الحيرة والقلق، وأحس بشعور غريب بدأ يتسلقه من الداخل..هو مزيج من الخوف والضجر، لا يدري على وجه الدقة..الشعور ذاته الذي بات لا يفارقه في هذه الأيام منذ أن عقد العزم على السفر لزيارة الطبيب..
المحطة تعج بكائنات آدمية تتحرك في كل اتجاه..أصوات القطارات تكسر هدوء المكان..ومحنة الرجل لاتهدأ على حال، وبدت له الوجوه بلا ملامح كأنها في حالة ترقب أو انتظار، تروح وتجيء ..
الرجل واقف يتأمل، وقد انبعثت في أعماقه كلمات الطبيب:
كلما أظلمَ الليل.. تذكرتُك ـ نص : سالم الفائدة
في لحظة لا تتكرر إلا إذا بلغت الروح الحلقوم، خرج الشباب من كل فجاج الأرض الموجوعة عبر التاريخ يقلبون أوجاع زمنهم السياسي والاجتماعي باحثين عن أفق جديد في سماء ملبدة بالغيوم . طلع الشباب يصدح بصوته معلنا عن نفس جديد تصدره الأرض الصبورة الطاهرة ،أرض الأولياء والعفاريت، أرض الصلحاء والطغاة .في لحظة الحلم الفبرايري القصير ،فبراير أقصر شهور السنة الكبيسة (28يوما فقط) ،فبراير/ شباط ومعانيه الغابرة .
هل من المصادفة أن تكون دلالته السريالية ،تدل عل الضرب والجلد والسّوط، هل من باب المصادفة أيضا أن يكون شهرا للرياح الشديدة في منطقة شمال إفريقيا ،هل من باب المصادفة أن يرتبط الحلم الفبرايري الجميل والنقي ، بإله النقاء الإغريقي "فيبروس " فبراير يا شهر الشمس يا شهر اللؤلؤ ،يا من غادرتنا بفعل بطش مارس وبرده القارس ،فبراير سننتظر عودتك كل عام لتنبعث فينا ،لتمنحنا الشمس والضياء ،سنحلم بالتغيير القادم عبر العواصف والرعود .
تفاصيل حدث لم يقع بعدـ قصة : هادي معزوز
عدت للبيت في وقت متأخر بعض الشيء، وإن لم يكن هذا من عادتي، كنت منهكا بشكل لا يطاق جراء العمل المتواصل والذي يزرع فيّ شهوة النوم بعمق ، خاصة وأنه كان لي استعداد للقيام بذلك بطريقة سهلة وسريعة رغم خصامي والنوم منذ مدة طويلة جدا، لم أكن أريد القيام بأي شيء آخر سوى وضع رأسي على المخدة والغرق في عالم السبات المؤقت، لا اعلم لماذا تذكرت فيلم the machinist ربما كان أول ملاذ لي وأنا في داخل دائرة الحاجة للنوم، المهم وبينما كنت على وشك تحقيق هذه الرغبة التي لا يمكن أن تستوي وشيء آخر إبان هاته اللحظة، التقطت مسامعي أصواتا كنت قد اعتدت عليها كل ليلة، بل وتعايشت معها لدرجة أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتي اليومية في هذه الشقة .
نــجـــمــة ! ـ قصة : ياسين المرزوكي
عندما التقيت بها أو بالأحرى رأيتها، كنت انسانا منتهيا، اعتقد ان كل شيئ انتهى، كل ما آمنت به وكلما آمنا به، حتى تلك السخريات التي أطلقناها هزلا بالتنين، أصبحت بدون معنى، كان الوحش في أبهى قوته وقد ظهرت رؤوسه السبعة المسننة والشرر يتطاير منها، من سيجرؤ مجددا على ان يقول لا لهذا المسخ العجيب؟ قويا هائجا مترنحا، بعد ان أتبث الزمن صموده امام جميع العواصف التي خرج منها أقوى مما سبق، وخرج أعداؤه ضعفاء مشتتين مهلهلين، ان الوحش يطلب العذراء الوحيدة التي في قريتنا، وكما يحدث عندما يغادر كل شبان قريتنا مخابئهم واضعين سلاحهم، ستخرج العذراء الفريدة في كامل زينتها، ليس لتهب نفسها طائعة، بل لتقاتل حتى النهاية.
في مثل هذا الزمن عندما تغير الريح اتجاهاتها، وتظهر الغيمة الوحيدة للفلاح الذي سكنت شرايينه خلايا الجفاف القاري، فيجثو على ركبتيه من جديد أمام الاله في الصحراء-الهي لك الحمد على نعمك - متمنيا ان تكون غيمته الوحيدة محملة بالمطر، قطرة واحدة تكفي وبعد ذلك فليعد الجفاف، كما كان منذ الازل، ذرة نور واحدة تكفي وبعد ذلك فليكن العدم.
مسألة كرامة ـ قصة : حسن يارتي
شرايينه تتمزق، وغضب يتملكه حتى كاد يُسقطه أرضاً، لولا استناده إلى الجدار، إلى أن استعاد توازنه مجدداً. طويلة هي اليوم، هذه المسافة التي تفصل باب المجمع السكني عن باب بيته.
خطواته متثاقلة، تبعد المسافة أكثر وأكثر.
سحقا للنسوة اللعينات. إنهن يسترقن السمع والنظر من خلف شقوق النوافذ. إنه يسمعهن يتهامسن، وكلماتهن رافقته حتى عتبة بابه، لكن لسانه لا يسعفه للرد عليها.
عيون حمراء تستقر خلف الستائر، وتجفف الدم في أوردته. طأطأ رأسه أكثر فأكثر، وهو يحس بكرامته ومروءته تسحقان، مثلما سحقت دراجة نارية تحت عجلات سيارة مسرعة كما ورد في أخبار التلفزة صباحا.
الجائزة ـ قصة : ذ. عبد القادر القادري
-"مجرد هذيان..".
قالها في نفسه.. وهو يضع القصة جانبا على الطاولة.. بعد أن تعب من القراءة.. فقد إبراهيم القدرة على التركيز..مضت أيام طويلة وهو يبحث، بلاجدوى، عن حدث يصلح لأن يكون موضوع قصة..جف القلم وإعتراه الخمول..مزاجه تغير..غابت عنه الفرحة..حالات من الشرود تحاصره بين الفينة و الاخرى..وصارت الكآبة ظلا لا يفارقه.. منذ أن ترك أهله في القرية.. وجاء الى المدينة ليشتغل معلما بمدرسة الحي..عرف بالإستقامة والاخلاص في العمل..لا يغادر بيته إلا لزيارة أهله، أو لملاقاة أطفاله الصغار في المدرسة..زملاؤه في العمل يلقبونه "بالرجل المعتكف" لكثرة الوقت الذي يقضيه في بيته هائما بين أكوام الكتب و الأوراق..
جال ببصره في أرجاء الغرفة: ليس يرى غير هذه الكتب المكدسة التي علاها الغبار، وهذه الصور الباهتة التي تزين الجدران، وتؤرخ لبطولات قديمة..