السؤال مهارة تعليمية - حميد بن خيبش

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

كانت الأسئلة ولا تزال مفاتيح لتبديد حيرة الإنسان إزاء ذاته والموجودات من حوله. كلما استوقفه غموض أو غرابة، إلا وتوسل بتلك العملية الفطرية التي حقق بفضلها قفزات علمية وحضارية هائلة. بل ليس من المبالغة القول بأن أي حدث تاريخي أو علمي أو حتى مأساوي لم يخلُ من سؤال أو أسئلة سبقته، وحفزت البشرية للبحث عن أجوبة.

نتساءل عن كل شيء في حياتنا اليومية، لكن تكمن المشكلة في عدم امتلاكنا المسبق لصيغة تحدد الأسئلة التي يجب طرحها، وتلك التي ينبغي تنحيتها. وحتى يكون السؤال في محله فالمرء بحاجة إلى ما يشبه الموهبة التي يمكن أن يتعلمها؛ كأن النجابة تتوقف على طرح السؤال الجيد الذي يتناسب مع السياق، أي مع البيئة العامة التي توفر للسائل والمتلقي فهما أفضل للتوقعات. لذا تضعنا كتب اللغة والأدب أمام آلاف الوضعيات التي تختبر مقدرتنا على تفكيك الغامض والمبهم والمدهش، بنحت مثير عقلي واضح، يتوقف عليه حدوث استجابة ملائمة، وذلك هو السؤال!

ضمن حكايات وأخبار متفرقة، يحيل ظاهرها على الطرفة والإمتاع، ينبه ابن الجوزي قارئ كتابه (أخبار الأذكياء) إلى ثلاثة أغراض ينشد تحقيقها وهي:

-  معرفة أقدارهم (الأذكياء) بذكر أحوالهم.

- تلقيح ألباب السامعين إذا كان فيهم نوع استعداد لنيل تلك المرتبة.

- تأديب المعجب برأيه إذا سمع أخبار من يعسر عليه لَحاقه.

وبين المعرفة والتلقيح والتأديب يتشكل فن السؤال باعتباره مرآة النجابة، ومظهرا أساسيا يكشف عن قوة الفطنة، وقوة جوهرية العقول:

" قال رجل لهشام بن عمرو القرَظي: كم تعُدّ؟ قال: من واحد إلى ألف ألف وأكثر، قال: لم أرد هذا، قال: فما أردتَ؟ قال: كم تعدّ من السن؟ قال: اثنتين وثلاثين سِنّة، ستة عشر من أعلى وستة عشر من أسفل، قال: لم أرد هذا، قال: فما أردتَ؟ قال: كم لك من السنين؟ قال: مالي منها شيء، كلها لله عز وجل، قال: فما سنك؟ قال: عظم، قال: فابنُ كم أنت؟ قال: ابن اثنين، أب وأم، قال: فكم أتى عليك؟ قال: لو أتى عليّ شيء لقتلني، قال: فكيف أقول؟ قال: قل: كم مضى من عمرك؟".

تفتح الأسئلة إذن خيارات التعلم للانتقال بالفرد من وضع التلقي السلبي إلى وضع التعلم النشط والحيوي والمتكامل. لا غرو إذن أن تشكل الأسئلة جوهر العملية التعليمية في فضائنا المدرسي، إذ لا يتصور في الأذهان تدريس خال من طرح الأسئلة، خاصة في ظل المقاربات الحديثة التي تبدي وعيا أكبر بضرورة التمحور حول المتعلم وتلبية احتياجاته.

إن طبيعة الأسئلة التي تروج داخل فصل دراسي، تسهم بشكل كبير في تحديد مهارة المدرس ومستوى أدائه. ذلك أن اختياره للأسئلة وقدرته على توجيهها يحددان ما إذا كان مؤهلا لتوفير فرص تعلم نشط، يأخذ المتعلمين إلى عالم رحب من الفضول والمناقشة والتفكير الناقد، أم أنه يقيم حواجز منيعة، تحول بينهم وبين تحرير قدراتهم الإبداعية.

يرتهن جزء كبير من أداء المدرس بقدرته على التكيف مع الموقف التدريسي، من خلال استدعاء جملة من المهارات التعليمية التي من بينها بالتأكيد مهارة طرح السؤال، وهي المهارة التي تتضمن: إعداد السؤال، واختيار المتعلم المجيب، والاستماع إلى الأجوبة ثم معالجتها، وفي الأخير تشجيع المتعلمين على توليد الأسئلة وتوجيهها. وفي هذا الصدد حدد تيري. جي. فادم TERRY.J. FADEM جملة من القواعد التي يحسن بالمدرسين أن يستحضروها خلال تفاعلهم داخل الفصل وهي:

- كن مباشرا.

- تواصل بالعين إذا كنت تطرح السؤال وجها لوجه.

- اِستخدم لغة سهلة.

- كن مختصرا.

- ركز على الموضوع الذي تتناوله.

- تأكد من أن الغرض من وراء السؤال واضح.

- لابد أن يكون السؤال ملائما للموقف والشخص.

- يجب أن يعكس أسلوب السؤال النية من ورائه.

- اِعرف كيف ستستفيد من الجواب. (1)

ولأن مهارة طرح الأسئلة يُفترض أن تحقق نوعا من الأمن الذاتي لدى المتعلم، سواء خلال استدعائه للمعلومات، أو معالجتها لتطوير تعميمات أو معرفة جديدة، فإن المسؤولية تقع على عاتق المدرس في إشاعة جو من الثقة والتقدير والإيجابية، وذلك بتفادي الأسئلة التي يحذر تيري. فادم من طرحها، من قبيل:

- الأسئلة التي تهين الشخص أو تقلل من شأنه.

- الأسئلة الشخصية التي تتضمن بالخصوص إساءة استخدام للسلطة.

- الأسئلة التي لا تضيف شيئا مفيدا او غير مرتبطة بالموضوع.

- الأسئلة التي تطرح بالنفي: ألا يمكن، ألا توجد، فرغم أنها أسئلة توفر رؤية متبصرة للأمور، إلا أنها تطرح بشكل يُظهر الشخص المجيب بأنه متذمر.

- طرح السؤال دون ربطه بالسياق، أي البيئة العامة التي توفر لكل من السائل والمتلقي فهما أفضل للتوقعات.

- الأسئلة مسبقة الحكم، لأنها تثير المخاوف، وتلحق الضرر بالأفراد: لماذا تتبنى هذا المعتقد الخاطئ؟

- الأسئلة المضللة والغامضة.

- الأسئلة التي تعزو إلى المتلقي صفات سلبية (ألم تكن تعرف ذلك؟).

تعرض الأدبيات التربوية عددا من الأساليب والاستراتيجيات للمدرسين الراغبين في تطوير مهارات طرح الأسئلة. وهي في مجملها تحث المدرس على تحقيق ما تسميه بالأمن الذاتي، والذي يتطلب إعداد قبليا، واستعراضا ذاتيا للأسئلة، وتخطيطا مسبقا يمكّن المتعلم من تعزيز تعلماته وفحصها، وتوليد أفكار جديدة. وجوهر هذا الإعداد والتخطيط ينطلق من قاعدة أساسية مفادها: أن كل سؤال أخطط لطرحه يخاطب في الحقيقة سبعة عناصر أساسية، يحددها تيري فادم كالآتي:

- البيانات: ما الذي أحتاج إلى معرفته؟

- التحديد: هل أنا محدد بشكل كاف؟

- الوقت: لماذا أحتاج إلى معرفة ذلك الآن؟

- الأشخاص: هل هذا هو الشخص الملائم لطرح السؤال عليه؟

- المعنى الضمني والاستنتاجات: ما النتائج المحتملة لهذا السؤال؟

- الرد: ما الذي يجب أن أفعله ردا على الإجابة؟

- الأسلوب: كيف سأطرح السؤال؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- تيري. جي. فادم: فن السؤال. مكتبة جرير. الطبعة الأولى. 2011

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟