morning-abstrعندما قررت – عن سبق إصرار وترصد – أن أختلي بك الصباح المحاط بالشتاء ، احترت ، أيَّ بداية مشروعة سيكون لها الحق في جمع شتاتي والأخذ بيدي كحارس شخصي , تحميني من الفواصل المنتشرة ومن علامات التعجب هنا وهناك ومن المفاجآت التي دائما أعرف أن اللغة تخبؤها لي بين كل سطر وسطر !
أي بداية ستكون شعلةً لقاء صباحي أحد أطرافه سيكون بعيدا من أرض اللقاء ..؟
هل أرجع إلى نصوصي المحنطة في الصفحات لأفتش عنها عن بداية ((معلبة)) جاهزة , تصلح لأكثر من استخدام بعد أن يتم تسخينها على بعض مشاعري الصباحية ؟ أم هل أجلس – على عجل – خلف لوحتي لأقول لك :
اكتب إليك هذا الصباح وقد طاردني الصقيع في الخارج فقررت أن أحتمي بك , وان أجلس قبالةَ مدفئة حضورك لألتقط أنفاسي بين أحضانها , ولأحدثك عني وعن يومي وحتى عن ذلك البيت الشعري الذي قرأته لنزار قباني عن غير سابق موعد :
{كم صار رقيقًا قلبي حين تعلم بين يديك
كم كان كبيرًا حظي حين عثرت يا عمري عليك}

new-facebook-chatالقلم منكفئ على نفسه  يأبى أن يترنح ، أن يتقيأ! يكتب أي شيء ، القلب مهموم مكلوم ، الليل كما النهار ، والخميس كالجمعة ،حزن يعانق هما ، ولا شيء يحدث ، المعجزة التي ظللنا ننتظرها لم تقع بعد!
  " غدا عيد الفطر" قرأت الخبر على شريط القناة الأولى ، لم يحرك فيك شيئا ، الامتناع عن الأكل أو الأكل لا فرق، قمت تبحث عن ديوان المتنبي تبغي قصيدة مطلعها " عيد بأية حال عدت يا عيد"!
  تقضي الساعات الطوال تتأمل شاشة صفحتك على الفيسبوك ، في انتظار أن تظهر إحدى الغائبات لتنسى نفسك بها لحظات، ثم تعود إلى بؤسك الثقيل . يطول انتظارك ولا أحد يظهر ،فقط تلك الفتاة التي تعودت حضورها – نزهة دائما على الخط بحكم شغلها بمخدع هاتفي بالمدينة الحمراء، لم يعد الحديث معها يطربك ، فهي  امتزجت ببؤسك حتى صارت إحدى حواشيه !

ayyachi-tabete أرقها طول الأمد في متاهات العنوسة، كلما سلكت سبيل بحث عادت من حيث لا تستطيع إطلاق زغرودة فرح: تخطت سبعة أمواج على شاطئ سبعة أبحر كما أشارت عليها النساء اتقاء نحس ضبابي الشكوك، وعبرت على متن القوارب نهرا عريض الضفتين كي تلوذ ببركة "لالة عايشة البحرية"، وتمسحت بجذع نخلة ناءت جنباتها بحمل مرميات العوانس والعاقرات،دون أن يطرق بابها طارق أو يلتفت اليها عابر زواج...
نصحها فقيه المسجد أن تُعرض عن تُرهات النساء، وتلزم دعاءً صاغه خصيصا على المقاس، فباتت تردد صباح مساء: " اللهم أنزل علي من السماء عريسا".
تغلغل في ذهنها المهووس بالزواج معنى الدعاء الحسي، فصارت تمشي في الشوارع وعيناها إلى السماء، تراقب نوافذ المنازل والعمارات، علها ترمق إشارة سعد منتظر...
هوى عليها ذات صباح كئيب، رجل خر من الطابق الثالث للعمارة، كان ينوي الانتحار. فكان جسمها الممتلئ سببا في إنقاذه من موت محقق، بينما سقطت المسكينة مغشيا عليها من قوة الارتطام.

ayyachi-tabeteكان علال البوكاضو ألحن بحجته من الآخرين، وأجرأهم على التقاضي، وأكثرهم دراية بمزاجية القايد موسى الذي ولاه المعمرون إبان الحماية على قبيلة العونات وما جاورها، فحظي بجوار القائد، الذي كان يستعين به على إصدار أحكامه المجانبة للصواب كما تراه الظنون، غير قابلة للاستئناف أوالطعون...
لاتعرض القضايا التي يفصل فيها القايد موسى إلا في حضرة علال، الذي كان يتدخل في كل مرة، فتكون أحكام القائد مستوحاة من إيماءات علال وتلميحاته. لم يفهم الناس سر المكانة التي حظي بها لدى القائد، إذ لاقرابة بين الرجلين ولا تقارب، ولا فضل لعلال على القائد إلا بما يرسله لسانه من كلام محبب لدى صاحبه. كان الناس يتقاضون لدى القائد وهم يدركون أن الحاكم الحقيقي هو علال. يتضايقون لكنهم لا يجدون لهذا البلاء صدا، فباتوا يهابون سطوة علال مثلما يهابون القائد، وصاروا يطلبون وده ورضاه، فيجزلون له العطاء، ويتفننون في إبداء الاحترام والدروشة إزاءه.

PaintingonPaper1-Jane-Daviesعادة ما تولد الفكرة من توتر الذهن أمام المدهش وغيرالمعتاد . يكسر حدث ما ألفة رتيبة مع وقائع غير متجددة, فيوقد الذهن شعلة تسري في المعاجم : حروف تلتقي وكلمات تحن إلى استوائها على رصيف العبارة. يلتقط المؤلف مسودته ثم يشرع في تحديد معالم كذبته المقبلة. قيل أن الإبداع يتطلب المواجهة ومناداة كل لون باسمه, حتى وإن تأرجح قوس قزح فوق رأسك كحبل يشتهي الرقبة ! لكن مشكلة حُسني أنه من صنف الرخويات, يكره رائحة الدم ولا يطيق الكتابة بشفرة حلاقة. كان في مقتبل خربشاته حين استدعاه "الباشا" ليُحدثه عن افتتانه بالشباب الذين يُعبرون عن انتمائهم بنضج, ولا يتهيبون العصي و البنادق المحشوة ببارود تالف.لم يعلق بذاكرته غير دوي الصفعة الأولى و سيل اللعنات التي اقتلعت أجداده من رحاب الفردوس لتلقي بهم في جحيم دانتي.

1710469837استيقظتْ تُنافس شروق الشمس ،محمّلة بجملة من الترتيبات ،لاتعرف رأسها من ذيلها ؛حركاتها المتسارعة وأطيافها المتراقصة  في كل ركن تدل على ذلك ،هيأت وجبة الإفطار  من شاي وخبز حاف ،ثم زحفت إلى أشغال أخرى تنتظرها في طابور ممتد ،نادتني بصوت عنيف احتجاجا على تأخري في الصحو والتراخي في تدبير أمري ،قصدت المائدة المقعدة التي تخلت عن إحدى أرجلها  ،وعوضتها أمي بصخرة حتى تصحح الخلل ولا يختلّ التوازن وتضيع الوجبة  ،فتُحدِث ثقبا في جدول الميزانية ..نهضت أفرك عيني أنفض عنهما ترسبات النعاس العالقة ،أسرعت إلى مايسمى الحمام :خُم  الدجاج إن شئت  مُنزوٍ في ركن ما ،قبل أن تتصيدني  عينا أمي وتحدُث كارثة،فتحت الصنبور وملأت آنية ماء تجنبا لاختراق  الثوابت المتفق عليها والمعلقة على كل جبين من أفراد  الأسرة، والتي أجبرنا عليها جلاد الزمن وعلينا  ألا نسقط خيطا منها ؛فقائمة المنع تنص على عدم الغسل مع انفتاح الصنبور ،ليس محافظة على نعمة الله  من خلقه ،وإنما تحسّبا للفاتورة التي قد تنزل كالصاعقة بحديدتها الثقيلة  على قمة الرأس وتكسر الترتيب ..

flamenco-fiesta( إلى أستاذي : صاحب الغليون الحائرْ و المعطف الطويلْ )
أصابتْني لعنة الكتابة في زمنٍ لا أعرفه و مكان لا أتذكّره ، كتبتُ في بداياتي الأولى دون أن أفكّر في موضوع بعينه أو أتمثل قارئًا يتربّص بي ، كانت الرغبة تجتاحني و تخنقني فأكتب.... و لطالما شعرتُ بمتعة غامرة بتلك الممارسة اللذيذة المهيبة التي كنت أقترفها سرًّا يشاركني فيها أبطال ماتوا بصمت.. ونساء جميلات أنهكهنّ العشق و الانتظار.. و أطفال عراة إلا من أحلامهم ....تلك التي تأخذهم إلى جنّات تسري من تحتها مغامرات جميلة كالحزنْ ...
الشخص الوحيد الذي كان قد رسم بصمةً في عقلي وفكري و قلَب كياني رأسًا على عقب ، هو مدرّس الأدب العربي الحديث في الجامعة.....لقد كان يحدثنا دائما عن الروائيين العالميين مُظهراٌ هوَسه بالروائيين الروس واللاتين  و الأمريكان ، كان مكتبة متجوّلة و ممثِّلا بارعا بطريقته المسرحية في عرض الدرس ويديه اللتيْن تراقصان دخان غليونه في كبرياء ، كان دائما يرسم عوالم روائية خيالية عجيبة مليئة بشخوص ينهشها الحب والقتل والعنفوان !

abstract-art-implosionsمن أين كنتُ سأدري بما أتى، في البدءِ لم يكنْ يظهرُ في العلن، كان فقط يهمسُ، وأسمعُه طنينا، افعل، خذ، هات، كان آمري ومرشدي، وكنتُ الطائعَ المتلقي، كان برفقتي أين حللتُ، يسكنني، ولا يغادرُ، أستمعُ إلى لهاثِه، فأحتارُ، أأنا هو، أم أنا أنا، كيف أفرّقُ ما بين أنفاسي وأنفاسه، يبكي، فأبكي، يضحكُ، فأضحكُ، ويصرخُ؛ ليسبقني، كان لي نبيَّ النبوءات، فيلسوف حكايتي منذ البدءِ إلى المنتهى، يفكّكُ، ويركّبُ، يبشّرُ، وينذرُ، واحترتُ، أأمقتُه، أم أحبّه، على بسطة الخضار كان يحركُ سبابته، فأمدّ سبابتي، أنتقى ما انتقاه.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة