بدون سابق إنذار وقفت أمام شباك الاعتراف في شموخ نبيل، وكأنها تُهِّم بأداء أغنية أوبيرالية أو تستعد للعب دور كليوباترا، كانت نظرتها بالرغم من الضوء الخافت تحمل أكثر من معنى للحياة، رسمت علامة الصليب على صدرها ثم قالت بصوت مبحوح أشبه بصوت ملائكة السماء عند تسبيحهم للرب :
ــ تبدأ القصة منذ هاته اللحظة بالذات وليس لها أي امتداد في الماضي...
صمتَت برهة ، وانتبهت بدوري لهذه العبارة الغريبة التي لم أستطع فك شفرتها، فخلتها رسولا بهيئة امرأة، أرسلها الرب لي بعد أن بدأت أرتاب في بعض معاني الإنجيل، ارتعدت فرائصي لهذه الفرضية، لكني استجمعت كل قواي بعدئذ، وبين قرارة نفسي رهبة أمام هذا الشبح، لدرجة تمنيت أن تكون أمامي ورقة، وفي يدي قلم بغية تدوين اعترافها، هذا إن كان اعترافا. وبينما هممت برسم علامة الصليب وطلب المغفرة من الرب أردفت قائلة بنفس الصوت، ونفس النظرة، ونفس التحدي:
رواية مجهولة الأوصاف ـ نص : مالكة حبرشيد
ضاع العمر يا ولدي
عبارة نقشها الصبر على جدران الحقيقة،
مذ انتابني أول مخاض ؛
كي أضع الابتسامة جنينا معاقا،
لا يستوي على ملمح.
أقامت الدمعة حفل عقيق بحضور ما مات مني.
أما ما تبقى،
فقد كان عند براح المدينة الساخرة؛
حيث الوجوه تعاقر العصي التي وضعها الواقع عائقا،
في طريق عجلة الزمن.
الزعيم! ـ قصة : عمر حمش
في حارتنا لم يكن الونش يحظى باحترامٍ يذكر، رأسُه الثقيل الأشعث أثار غيظنا، وكرشه زاده قُصرا .. لكننا كنا إذا ما غاب؛ افتقدناه .. وذهبنا إلى باب بيتِه، ننادي جماعةً :
يا ... ونش!
أبوه صاحب الشارب الكبير يخرجُ؛ لتقدح عيناه، ونحنُ نقفز متباعدين:
روحوا .. يا .. أولاد الكلب!
لكن الونش كان يأتينا، يغافله، ويأتينا . ..
دوما كنا نضربُ الونش، من شاء يضرب قفاه .. ومن شاء يقرصُ خديه الواسعين .. أو ينتف شعره المتهدّل المتسخ .. وهو يوزع الابتسامات .. وفقط يهمهم:
اسكت يا رجل!
قريبا من الموت ـ قصة : المصطفى المغربي
هدأت أصوات الرصاص، أنين و ارتطامات بالأرض، بكاء و عويل، لحي تطارد رائحة العطر، بنادق موضوعة على مؤخرات رجال يساقون إلى الأمير. آخرون خائفون يهتفون الله أكبر، عاش الأمير. أطفال خائفون مبهورون لا يفهمون ما يقع. تكدس نسوة جميلات هناك في آخر الشارع كقطيع. كل هذا كان يمر أمام سمع و بصر سميح كلقطات متتالية من فجوة تحت الحطام ،الذي لولا السارية التي حمت نصفه العلوي لهشم رأسه. نسي رجله التي لم يعد يحس بها ، لعلها بثرت، وظل يراقب و ينصت لما يجري في الشارع، و ينتظر قدره.
حلم ـ قصة : بسمة الشوّالي
تبسّم النّهار خجلا لمّا فاجأته الشّمس ممدّدا في حجر اللّيل يغمغم حُلما.
نسائم تتلوّى من حرّ في الفضاء. المدينة تنهض من نومها على صفير القطار كسلى منتفخة الجفون ومنبّهات السّيّارات تنوب عن أصحابها في إضرام العراك الصّباحيّ بعد نَوْم أرِق.
تضوّعت ذاكرة المنزل، في غفلة من دلاء الماء وشراسة المكانس، روائحَها القديمة العطنة، وتنهّدت أركانه أسفا على شعب من الحشرات والقوارض الصّغيرة والزّواحف والطّيور الدّاجنة كان يعْمُرُه موفور الأمن والغذاء.
إثر ليلة عمل مُضْن، كان الجوّ يعبق بعطور المبيدات الحشريّة وسوائل التّنظيف، والجدرانُ المفعمة بللا تلتمع ويتأوّد منها بخار أمْيَسُ استثارته لمسات الشّمس.
عطش ـ نص : عبد المطلب عبد الهادي
دخل الحلبة مزهوا بكسوته الزاهية الألوان، يحمل سيفا وقطعة ثوب أحمر،
علا الهتاف والتصفيق من أعلى المدرجات، رد التحية على الجماهير المتحمسة والمتعطشة للدم..
ارتفعت الموسيقى وفتح الباب الخشبي الكبير..
خرج الثور يفور ويضرب الأرض بقوائمه، انتظره المصارع أن يهجم.. استفزه بالثوب الأحمر.. لكن الثور جمد في مكانه ورفض الهجوم على المصارع..
اقترب المصارع من الثور ووكزه بسيفه :
لـطنجة سحر ـ نص : عبد الواحد الزفري
مصادفة عجيبة أن أجد بطنجة مقهى شبيهةٍ بالتي كانت لصديقنا "الهيبي" لكن أثرها امَّحى ْكباقي المعالم الأثرية بمدينة القصر الكبير العتيقة؛ مقهى تقبع في ركن ليس ببعيد عن " سور المعكازين" و "حومة الشياطين " اختارت لنفسها مكانا يضمن لروادها وقارا وزهدا عما يُرَوٍّجُ له فتيان وفتيات "البولفار" المنفتحين على كل "موضات" الغرب السافرة، كما أنها بعيدة كل البعد عن ضوضاء الحياة الباذخة لرواد " الكورنيش"؛ أصحاب الأموال السكرانة.
ملامح صاخبة ـ قصة : هادي معزوز
...و أضافت كاترين بلغتها المتلعثمة :
ــ يبدو أن اختلافنا في فهم محمود هو السبب، كان من الأنسب ملازمته والوقوف إلى جانبه كي يتخلص من مشاكله.
رد عليها وسيم بسرعة وكأنه كان ينتظر فترة إتمام كلامها :
ــ أعتقد بأن المشكل أكبر من ذلك بكثير... محمود صديق منذ الطفولة، أعرفه جيدا، وأعرف لحظات فرحه، ولحظات حزنه، ربما غموضه يحسب عليه، وأنتم تعرفون عجرفته وغروره...
قاطعته سامرة في اتفاق ضمني معه :
ــ اسألني أنا التي كنت حبيبته ذات يوم، إنه صعب المراس.
ثم أردفت بعد إطلاق زفرة عميقة :
ــ لكن مع ذلك فإنه ظل نموذجا للجدية والعطاء، وهو ما يبرر عجرفته وغروره.
قال سمير بعد ذلك محاولا إضفاء طابع العمليّة على هذا النقاش :