تمهيد: ” التاريخ هو مقبرة من الطبقات الأرستقراطية “ (باريتو).
يعتبر الصراع من أخطر العمليات الاجتماعية نظراً لنتائجه السلبية الناجمة عنه لكونه تصادماً بين القوى الاجتماعية حينما تتحول المنافسة من إنسانية إيجابية إلى شكل هدام، ومن هنا يحاول المنافسون القضاء على الخصم ومن ثم الانقياد للأهواء الجامحة التي تسيطر عليهم، بل ويحكمهم مبدأ البقاء للأقوى، ويستغل كل طرف جميع الوسائل والطرق المشروعة والمحرمة للقضاء على الطرف الآخر المتصارع معه، بما في ذلك القتل، والاغتيال، الدسائس، والمؤامرات، والخيانة، والتنصت، الفتن، ... إلخ.
ويعرف الصراع بأنه " العملية التي من خلالها يرغب كل فرد أو جماعة لتحقيق أهدافه الخاصة عن طريق إبعاد الخصم أو تحطيمه والقضاء عليه والذي يرغب في تحقيق الأهداف نفسها ".
يسعى باريتو من خلال نظريته الصراعية إلى تفسير القوى الحقيقية التي تحدد حالة التوازن داخل النسق الاجتماعي، أي تفسير العناصر التي تعمل داخل النسق وتؤثر عليه بالتالي تتفاعل معه. ويتضمن هذا الهدف التركيز على الديناميكية الاجتماعية للصراع والتغير بدلاً من دراسة النظم الاجتماعية الثابتة.
ويرى باريتو أن العناصر الأساسية التي تكمن وراء تلك العمليات هي عناصر فردية تتكون على مستوى الوحدة الصغيرة وتتكون من حالات نفسية (سيكولوجية) ومبادئ عقلانية من إنتاج المجتمع تحدد بدورها السلوك الاجتماعي والعمليات الاجتماعية. وتستند رؤية باريتو على أساس طبيعي مؤداه النظر إلى الرواسب باعتبارها عناصر أساسية لفهم المجتمع.
بذلك طور باريتو نظريته عن الصراع والتغيير الاجتماعي التي تتناقض تناقضاً صارخاً مع النظرية الماركسية في حين ركزت نظرية ماركس على دور الجماهير، قدم باريتو نظرية نخبوية بشأن التغيير الاجتماعي، التي رأت أن المجتمع تهيمن عليه بصورة حتمية نخبة صغيرة تعمل على أساس المصلحة الذاتية المستنيرة هذه النخبة تحكم الجماهير الذين تهيمن عليهم الأفكار غير العقلانية وفقاً لنظام باريتو، فإنه لافتقار الجماهير إلى العقلانية، فمن غير المرجح أن تكون هذه الجماهير قوة ثورية. يحدث التغيير الاجتماعي عندما تبدأ النخبة الانحطاط ويتم الاستعاضة عنها بنخبة جديدة مشتقة من النخبة غير الحاكمة أو العناصر العليا من الجماهير، وبمجرد وصول النخبة الجديدة إلى السلطة، تبدأ العملية من جديد.
- نظرية باريتو عن الصراع الاجتماعي: يعد فلفريدو باريتو الإيطالي (1848 -1923) من أبرز علماء الاجتماع الصراعين في إيطاليا والعالم. ظهرت نظريته الصراعية في كتابه الموسوم " مقدمة في علم الاجتماع - Introduction to sociology " عام 1916 وهو مؤلف ضخم يقع في جزئين وتُرجم الإنكليزية عام 1935 حيث صدر بعنوان: " العقل والمجتمع - Mind and Society " أما قبل ذلك فقد نشر مجموعة من المقالات في السياسة والاقتصاد. ونشر أيضاً كتاباً بعنوان " النظم الاشتراكية - Socialist systems " عام 1902 وكان عبارة عن تحليل نقدي للفكر الاشتراكي ولتدخل الحكومة في الاقتصاد.
يعتقد باريتو في نظريته الصراعية بأن الصراع يكون بين النخبة والعوام. ذلك أنه يعتقد بأن المجتمع ينقسم إلى طبقتين اجتماعيتين متخاصمتين هما: طبقة النخبة وطبقة العوام. وفي هذا السياق سنحاول توضيح الإطار المفاهيمي لنظرية باريتو تمهيداً لفهم نظريته عن الصراع الاجتماعي من خلال مناقشة أفكاره عن دورة النخبة وتداول السلطة بين الثعالب والأسود.
أولاً- عناصر الإطار المفاهيمي والتحليلي في نظرية باريتو: في هذا العنصر التأسيسي سيتم شرح وتوضيح أهم المفاهيم التي بنى عليها باريتو نظريته عن الصراع الاجتماعي، وهي كالآتي:
1- طبقة النخبة: جماعة من الأفراد يمتلكون خصائص مميزة تجعلهم أكثر قدرة على التميز في أداء أدوار شديدة الأهمية في حياة مجتمعاتهم ولا سيما مجال توجيه المجتمع واتخاذ القرارات السيادية المهمة في مختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.