تقديم:
ارتأينا أن نستهل هذه المقالة حول العلاقة بين السيكولوجي والفلسفي في السينما المغربية ببعض الملاحظات الأولية نعتبرها ضرورية حتى نتقدم بخطى ثابتة على أرض محفوفة بالصعوبات و المنزلقات.
- الملاحظة الأولى: أن الرهان الخاص بالعلوم الإنسانية على العموم، و بعلم النفس تحديدا ليس في هذا المقام رهانا سينمائيا خالصا، و ليس مجرد ترف فكري، إنما هو رهان ثقافي و اجتماعي شامل، لأننا ننطلق من قناعة راسخة و هي أنه لا وجود لحداثة حقيقية في غياب علوم إنسانية متطورة، يعتبر علم النفس علما أساسيا من بينها.
- الملاحظة الثانية: أننا عندما نتحدث عن السيكولوجيا أو علم النفس، فنحن نأخذه في كامل علاقاته وتفاعله مع سائر العلوم الإنسانية الأخرى، و على رأسها السوسيولوجيا و الأنثروبولوجيا، و ليس بمعزل عنها. كما أننا نأخذ بعين الاعتبار مجمل التطورات الحاصلة في الحقل السيكولوجي العالمي، الذي عرفت أبحاثه تطورات هائلة خاصة في العقود الأخيرة بفعل التطور الحاصل في مجال التكنولوجيات الجديدة للإعلام و الاتصال.
3- الملاحظة الثالثة: أشير في هذه الملاحظة الثالثة إلى أن التحليل النفسي، الذي هو مبحث أساسي من مباحث السيكولوجيا، قد ظهر إلى الوجود بشكل متزامن مع ظهور الفن السابع. ففي نفس السنة، 1895 ، التي عرض فيها لأول مرة فيلم للأخوين لوميير بالمقهى الكبير بباريس، نشر فرويد مؤلفه " دراسات في الهستيريا " و هو كتاب مشترك مع الطبيب النفسي جوزيف بروير. لكن المفارقة أن فرويد رفض كل الاقتراحات التي وجهت له للتعامل مع السينما، و خاصة اقتراح غولدوين بإنجاز أشرطة سينمائية مستوحاة من قصص الحب الكبرى في التاريخ. و كذلك اقتراحا آخر من الشركة الألمانية UFA لإنجاز شريط سينمائي حول مفاهيم التحليل النفسي، و حول آلياته و طبيعة اشتغاله، لكن رد فرويد في الحالتين كان هو الرفض. أُورِد هذا الموقف في بداية هذه المقالة لأنبه إلى ضرورة الحذر الشديد و التحوط المنهجي بخصوص هذه العلاقة الملتبسة، تفاديا للسقوط في الابتذال الذي تخوف منه فرويد، و الذي كثيرا ما سقطت فيه المؤسسة الهوليودية في تعاملها مع هذا البعد السيكولوجي. (2)
بعد هذه المداخل التوضيحية، أسجل أيضا بداية أن البعد السيكولوجي، ظل حاضرا بقوة في السينما المغربية منذ بدايات تأسيسها كسينما ذات عمق ثقافي و اجتماعي خاصة مع أفلام "وشمة" لحميد بناني، و " قفطان الحب لمنقط بالهوى" لمومن سميحي، و " عرائس من قصب" للجيلالي فرحاتي على سبيل المثال. ذلك أن البعد السيكولوجي للشخصيات هو الذي يمنح هذه الأفلام قوتها و عمقها، و كلما كان الشريط السينمائي واعيا بهذا البعد النفسي، و متمثلا له بالدقة اللازمة كلما ساهم ذلك في إنتاج أو بناء كون سينمائي منسجم و متكامل.