Abstract Blue backgrounds 16حنين
كلّما علكني الزمان بين فكيه، سمعتُ لأضراسه اصطكاكا يوقظ  فيّ الحنين للتدرُّع بسرابيل أمي.
 
ضجيج
فررتُ إلى وحدتي من قسوة يوم مكتظ  بالضوضاء ..سمعتُ للصمت جلبة، التفتُ لظلي وابتسمت.

reflections wip7    نصبوا خيمة، جلبوا إليها الأواني والقدور، وما تيسر من مؤونة جاد بها أهل البيوت والدور، وراحت نسوة الدوار بعد انحباس المطر طيلة خريف وشتاء، يستمطرن الغيث بطقوس "تاغنجة": ألبسن المحرارة لباس العرائس والكراكيز، وحملنها فوق الرؤوس، يتبعن البقرة الدبساء ذات الهُزال البيّن، ويتبادلن الأهازيج على وقع التّعاريج، وعيونهن على مؤخرة البقرة، عسى أن تتبول فيستبشرن بقدوم المطر... تحولت "تاغنجة" فجأة إلى ما يشبه المأتم، إذ خرّت البقرة ميتة أمام اندهاش الجميع، وهبت ريح عاتية، اقتلعت أوتاد الخيمة المنصوبة، فتفرق الناس على عجل يبتغون المخابئ والملاجئ...

anfasse990anfأحاوِلُ افتعال التعقيد في بعض سلوكيّاتي وبعض كتاباتي. أعرف مسبقا أنّني لا أجيده، مُفتعلا حتّى. لا أجيدُ قراءته أيضا. "خريف البطريرك" قرأته في خريفيْن ولعنت ماركيز عشرين مرّة. الأفلام الّتي لا تسير على خطّ مستقيم أقتلُ فيها البطل قبل النهاية وأغفو. القصيدة المغلّفة بمليون سبب للجنون أتركها، وأحترمها بالضرورة. الرواية المجنونة أجالسها مرغمة، احتراما لذاتي. أقول في نفسي: كيف لي انّ أحلَّ معادلتيْن بعقلٍ واحد؟ حياتي المتعثّرة بثلاثة مجاهيل وحياة نصٍّ وقحٍ موارِب؟

stock-footageفتح عينيه ببطء شديد وكأنه يبصر لأول مرة. ركز بصره على الأكسسوارات الدائرة بالمصباح المتدلي من سقف الغرفة كمن يلاحظ ذلك لأول مرة. فجأة أمسك بطرف الغطاء واختفى تحته. تقلب مرتين وأعاد رفع الغطاء؛ لكنه ما زال ممددا. فكر ماذا سيحدث لو أعاد الغطاء؟ سينام لساعة أخرى أو ساعتين! وعندها سيستيقظ لاعنا نعمة النوم. أزاح الغطاء عنه كليا؛ لكنه بقي ممددا على السرير. أخذ يتثاءب ويتلوى ويفرك عينيه ويحك شعره حتى استنفذ جميع حركاته. وبكل خمول استجمع قواه ونهض أخيرا من فوق السرير.

Dark-Red-Abstractكنتُ هناك أقفُ في الزاويةِ الآسنة، إن أُسقطَ النعاسُ جبهتي؛ ردَّتها حبيباتُ الطلاء، وحيدا في الصمت، كآلةِ رصدٍ لزحفِ الزمان، أعضائي موزعة .. متباعدة ..  رأسي منتصبةٌ في كيس، ذراعاي خلفي موصدتان، ينهبُ دمهما البعوض، قدماي تنتفخان في البعيد، أذناي تغادران؛ تغربلان الصوت الذي يأتي، ويروح، يلامسني متموجا، ثم يمضي تعذّبهُ الرِّيح. تقول عينايَ لعتمةِ الكيس: هذا عصر، هذا فجر ..
 والصمتُ يعود، يخالطُه الطنينُ.
كانت أياما من صمتٍ وطنين، أمسيتُ كائنَ الكون الوحيدَ المتبقي على وجهِ الأرض .. صاغرا للّدغِ أمارسُ فنَّ الانتصاب، يسري في دمي خدَري، تغافلني رأسي، تسقطُ على صفحةِ الجدار، فتدقُّها حبيباته البارزة، أرفعُ قدما؛ لأحكَّ الأخرى، دمي كان طعاما شهيّا في البقعةِ الهائجة ...

paris-abstrحدث هذا قبل سنة ونيف... كنت أمر من اللحظات الأخيرة في باريس، باريس التي يحلو لي تخيلها كعروس تعيش شيخوختها دون أن تنجب، باريس التي غابت فيها تقاسيم الآلهة، باريس بليلها الذي يأتي باكرا، ونهارها الذي ما إن يبدأ حتى يتبخر مثل شمعة الشعراء، المطار هو الآخر لا يقل أهمية عن هذه المدينة الغريبة، فضاء يتسع للجميع بجنسياتهم المختلفة، وأفكارهم ودياناتهم، الكل يسير وفق نظامها، حتى الأمريكيون الذين يؤمنون بقوتهم وبطولتهم وتفوقهم، يجبرون أنفسهم على احترام خاصياتها، لا يضحكون بصوت مرتفع، وكأنهم يتفادون نظرات الآخرين التي تحولهم إلى أبطال كرنفال في مدينة الأنوار، كنت الوحيد المنكسر هنا، أجلس مناجيا نفسي في إحدى مقاهي المطار، أنظر للساعة بين الفينة والأخرى، أتمنى أن تتوقف عقاربها كي أعيش أكثر مدة في باريس، بقدر ما أسمع نداء الضفة الأخرى، كان كل شيء يبعث على الانكسار بما فيه الانكسار نفسه، فجأة سمعت صوتا عبر مكبر الصوت يقول بلغة رسمية :
    ــ نداء إلى المسافرين المتوجهين للدار البيضاء، ستتأخر الطائرة لمدة نصف ساعة بسبب عطل مفاجئ، نجدد اعتذارنا مرة أخرى... شكرا.

DSC 0063SCC تسلقت جدار قصر (القادر)، ووثبت إلى الحديقة. اختبأت بين سيقان أشجار الليمون وأغصان الزهور الشوكية؛ من أجل أن أشاهد (حواء). كانت الساعة قد تخطت العاشرة ليلاً والظلام قد نشر ذراته السوداء في فضاء بغداد. رغم إنها ليلة اكتمال القمر إلاّ أن سحب الخريف قد دثرته وحجبت ضياءه. من بين كتل الظلام قدحت عيناي تتلصلصان كعيني ذئب متحفز للانقضاض على فريسة. ترقبان نوافذ القصر بحثاً عن نافذة مضاءة. كنت أبذل الجهد من أجل السيطرة على وجيب قلبي وارتجافات تركزت بين ساقيّ وأسناني. بدأت تجتاحني مشاعر بركانية تمتزج فيها حمم رعب من فضيحة ورغبة مستعرة لمشاهدة (حواء).

anfasse55555حين انتهى عبد القادر من التهام البيضة الرابعة شعر بالشك  ، لكنه اكتفى بغسل فمه و دعك أسنانه بالسواك ، ثم ارتدى فوقيته السوداء ، و لم ينس أن يتطيب بالمسك كعادته .  و قبل أن ينتعل الصندل ارتفع صوت فرقعة ممزوجة بأزيز طويل  ، فتملكه شك جارف ، لكن أنفه لم يفلح في رصد أية رائحة مريبة ، و تساءل إن كانت كل الفرقعات لها رائحة ، و حتى يغلق الباب على الشيطان قرر تجديد الوضوء.

    مضى إلى المسجد تحت شمس ظهيرة صيفية ،  و كان عقله محشوا بشكوك تقتحم النوافذ دون استئذان ،  أخذ يداعب لحيته الكثيفة ، و يفكر في هذه المشكلة التي ما فتئت تنغص عليه حياته منذ شهور . لام علماء الأمة  لأنهم لم يهتموا لأمرها بالشكل الذي يليق ، و إن كانوا قد بذلوا جهدا عظيما في تأليف موسوعات فقهية حول الغازات المعوية . خطرت له فكرة مفاجئة : « ماذا لو تم اختراع جهاز علمي للتحقق من صلاحية الوضوء ، و إذا تسرب شيء من الفجوة الخبيثة بدأ الجهاز في الاستغفار ».  راقته الفكرة لكنه أدرك سريعا سخافتها فارتسمت على وجهه ابتسامة بلهاء ، و لم يلحظ تلك النظرات الساخرة في عيون التلاميذ القادمين من الثانوية ، كانوا في مثل سنه تقريبا ، لكن لحيته الكثيفة جعلته يبدو أكبر منهم بأعوام .

مفضلات الشهر من القصص القصيرة