ترجمة وسياسة

في العصور القديمة، لم تكن كلمة طاغية بالضرورة تحقيراً وتدل على صاحب السلطة السياسية المطلقة. فالطغيان في العالم اليوناني الروماني، هو شكل من أشكال الحكم الاستبدادي يمارس فيه فرد واحد السلطة دون أي قيود قانونية. في استخدامها الحديث، عادة ما تكون كلمة الطغيان تحقيراً وتشير ضمناً إلى الحيازة أو الاستخدام غير الشرعي للسلطة. يتشارك جميع الطغاة بنفس الطريقة القبيحة، لأن الجميع يسعون إلى نفس التأثير: الترهيب وليس السحر. عادة ما تجتمع عناصر السيرة الذاتية للطغاة، من الصعود إلى السقوط، في كل حالة تقريباً لتكوين رواية موحدة.

الديكتاتور هو زعيم سياسي يحكم دولة بسلطة مطلقة وغير محدودة. تسمى الدول التي يحكمها ديكتاتوريون بالديكتاتوريات. تم تطبيقه لأول مرة على قضاة الجمهورية الرومانية القديمة الذين تم منحهم صلاحيات استثنائية مؤقتاً للتعامل مع حالات الطوارئ، ويعتبر الحكام المستبدون المعاصرون، من أكثر الحكام قسوة وخطورة في التاريخ.

اليوم، يرتبط مصطلح "الدكتاتور" بالحكام القساة والقمعيين الذين ينتهكون حقوق الإنسان ويحافظون على سلطتهم من خلال سجن وإعدام معارضيهم. عادة ما يصل الديكتاتوريون إلى السلطة من خلال استخدام القوة العسكرية أو الخداع السياسي ويحدون أو يحرمون الحريات المدنية الأساسية بشكل منهجي.

وعلى غرار "الطاغية" و"المستبد"، أصبح مصطلح "الدكتاتور" يشير إلى الحكام الذين يمارسون سلطة قمعية وقاسية وحتى مسيئة على الناس. وبهذا المعنى، لا ينبغي الخلط بين الدكتاتوريين والملوك الدستوريين مثل الملوك والملكات الذين يصلون إلى السلطة من خلال خط وراثي للخلافة.

كتاب من تأليف الباحث السعودي متروك الفالح، صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت في العام 2002، يقع في 212 صفحة موزعة على خمسة فصول أساسية. بالنسبة للإطار العام للدراسة، تناقش الأخيرة ظاهرة "تريف المدن" في المنطقة العربية من حيث واقعها وأسبابها وآفاقها متوسلة بالمنهج المقارن، بحيث أضاء المؤلف في مستهل بحثه على الإرهاصات الأولية لظهور المجتمع المدني الحديث في أوروبا بالتزامن مع نشوء الطبقة البرجوازية، مرورا بتأثير الثورة الصناعية التي أفضت إلى "تمدين الريف" بفعل انتقال الحياة الصناعية إلى الأرياف، وما أحدثه ذلك من تحول ثقافي (ثقافة الفردانية بدل الروابط التقليدية كالأسرة... إلخ) وسياسي (الديمقراطية الليبرالية، توسيع قاعدة المشاركة السياسية... إلخ). فكيف يمكن مقاربة إشكالية المجتمع المدني في السياق العربي – الإسلامي؟
أولا: ظاهرة تريف المدن في المنطقة العربية
إن ارتفاع وتيرة التمدن في المنطقة العربية خلال العقود الأخيرة من جراء هجرة سكان الأرياف إلى المدن لا يعني حكما استيعاب مفهوم المجتمع المدني الحديث (بأبعاده الثقافية والقيمية لا المادية - العمرانية فحسب) بالمنطقة العربية، وبدلا من ذلك فإننا نرزح تحت وطأة ظاهرة "تريف المدينة" (خلافا لتمدين الريف بأوروبا) وما يعنيه ذلك من استمرار ثقافة البداوة وعصبياتها بدل روابط المواطنة والتعددية والليبرالية التي تسم المجتمع المدني الحديث. وعليه فإن تأثير العولمة والحداثة يطال فقط الجانب المادي الاستهلاكي لا النسق القيمي للمجتمع.

قيل لنا إن مرتكبي العنف يجردون ضحاياهم من إنسانيتهم، لكن الحقيقة أسوأ. فلماذا نحط من قدر الآخرين ونستعبدهم ونبيدهم. إن البشرية قد تتوقف عند حدود القبيلة أو القرية، أو عند حدود العرق، أو الدين، أو اللغة، أو اللون. واليوم تبدو ظواهر مثل العنف، والقسوة، والتجريد من الإنسانية أمراً منتشراً. لو بحثنا في محركات البحث عن المجموعة البشرية المفضلة والمحتقرة لدينا "اليهود، والسود، والعرب، والمسلمين، والمثليين" وما إلى ذلك - جنباً إلى جنب مع كلمات مثل "الحشرات"، أو "الصراصير"، أو "الحيوانات"، وسوف يتدفق أمامنا سيل لا يتوقف منها. سوف نسمع كلمة "حيوانات" يستخدمها حتى الأشخاص المحترمون، في إشارة إلى الإرهابيين، أو الإسرائيليين، أو الفلسطينيين، أو المهاجرين غير الشرعيين، أو مُرحّلي المهاجرين غير الشرعيين. تظهر مثل القسوة والتجريد  في خطاب المتعصبين البيض، والتيارات اليمينية غالباً، ولكن نجده عندما يتحدث بعضنا عن المتعصبين البيض أيضاً.

إنها ليست مجرد مسألة كلمات. على مر التاريخ، اعتقد بعض الناس أنه من المقبول امتلاك البشر، وكانت هناك مناقشات صريحة من قبل بعض الباحثون والساسة فيما إذا كانت مجموعات معينة (مثل السود والأمريكيين الأصليين) "عبيدًا طبيعيين". وحتى في القرن الماضي، كانت هناك حدائق حيوانات بشرية، حيث تم وضع الأفارقة في حظائر لينظر إليها الأوروبيون.

نظراً لندرة الأدلة المتاحة، فإن دراسات علماء الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية منقسمة بشدة حول سؤال: ما هو عمر العنف البشري؟ استنتج بعض العلماء أن البشر عنيفون بطبيعتهم، شأن عالم النفس النمساوي "سيغموند فرويد"  Sigmund Freud الذي يعتبر أن الإنسان هو كائن يختزن قدراً كبيرًا من العنف في تكوينه النفسي وفي كوامنه الغريزية. وآخرون أنهم في الأساس غير عنيفين، إنما يتعلون العنف بنفس الطريقة التي يتعلمون بها أنماط السلوك الأخرى. مثل عالم النفس الاجتماعي الكندي الأمريكي "ألبرت باندورا" Albert Bandura، ولكن في كلا المدرستين التفسيريتين هناك ميل واضح للاعتماد على نظرية المعرفة الطبيعية لتحليل أنواع البنى النفسية والاجتماعية التي تؤدي إلى تجريد الآخرين من إنسانيتهم وإساءة معاملتهم.

لا تحتاج إلى أن تكون عدائياً لتكون عنصرياً، لكنك تحتاج إلى تصنيف المجموعات. فإذا كنت تعتقد أن أعضاء مجموعة معينة أقل شأناً، وأن لديهم قيمة جوهرية أقل من أعضاء مجموعة أخرى، فإنك تظهر العنصرية. إن التجريد من الإنسانية هو ظاهرة اجتماعية معقدة، ترتبط ارتباطًا وثيقاً بالأذى والإهمال بين المجموعات.

أعادت الحرب العدوانية على غزة مسلمي أوروبا، الذين يبلغ عددهم خمسا وعشرين مليون نسمة، إلى دائرة الضوء من جديد. إن المناقشات المرتبطة بالمسلمين باعتبارهم خطراً أمنياً تصل دائماً إلى درجة عالية من الضجيج بعد وقوع عمل إرهابي مستوحى من الفكر الإسلامي في إحدى البلدان الأوروبية، أو إن شهدت منطقة الشرق الأوسط تداعيات نتيجة الحروب.

يرى بعض مسؤولي الأمن الأوروبيون خطراً متزايداً لشن هجمات يشنها إسلاميون تحولوا إلى التطرف بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس. ومن المرجح أن يأتي التهديد الأكبر من مهاجمين "ذئاب منفردة" يصعب تعقبهم. في ذات الوقت الذي تُوجه فيه اتهامات للمسلمين في أوروبا أنهم يتطلعون إلى أسلمة المجتمع.

فيما يبدي الزعماء المسلمون في أوروبا قلقهم من الزيادة في الهجمات على المسلمين والمساجد منذ غارة حماس في السابع من أكتوبر، ويصفون مناخ الخوف بأنه مؤسف مع انتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت. ويشعر الكثير من المسلمين بالغضب من ضراوة الهجوم الإسرائيلي، حيث يعتبرون أن على الحكومات الأوروبية أن تفعل المزيد لكبح جماح إسرائيل. وأثارت زيارات الزعماء البريطانيين والفرنسيين والألمان وغيرهم من قادة أوروبا لإسرائيل، غضب المسلمين المقيمين في أوروبا، من انحياز أوروبا للموقف الإسرائيلي، ومن اللغة المستخدمة في الخطاب، التي تخلق شعوراً بـ"نحن وهم".

اتهامات زائفة

إن المناقشات المتوترة حول مكانة الإسلام في أوروبا والادعاءات بأن المسلمين الأوروبيين هم جنود في مواجهة وجودية بين أوروبا والإسلام، ويمثلون "آخر" من المستحيل اندماجه، كانت تلاحق المسلمين في جميع أنحاء القارة لعقود من الزمن.

فالخطاب حول "أسلمة" أوروبا المزعومة يتم تأجيجه من قبل الأحزاب اليمينية الشعبوية الكارهة للأجانب، وتم تبنيه من قبل العديد من الساسة الأوروبيين الرئيسيين أيضاً.

تتنوّع العقود و التشريعات المبرمة بين الأفراد في المجتمع سواء على مستوى الحياة العامّة أم الخاصّة بحسب طبيعة العلاقة بين المتعاقدين و كذلك حسب خصوصيّة موضوع التعاقد لكنّها في مجملها لا تخرج عن أن تكون إمّا عقود إلزام أو عقود إباحة.
من عقود الإزام ما نمارسه ضمن حياتنا اليوميّة من بيع و شراء و كراء و خدمات حيث يكون الطرفان ملزمين بجملة من الواجبات مقابل تمتعهما بحقوق فالمشتري ملزم بدفع ثمن ما أصبح مالكا له و البائع من واجبه التخلي عن موضوع البيع مقابل ما سوف يقبض من ثمن و الخدمات كذلك يتم إسداؤها بمقابل واجب الدفع حسب الاتفاق .
لكننا من ناحية أخرى نجد صنفا آخر من المعاملات القائمة على أساس الإباحة لا الإلزام نذكر على سبيل الذكر لا الحصر ما يتاح من رخص و جوازات يكون خلالها الطرف المعني بموضوع التعاقد في الأصل خارج دائرة الإباحة لأنّ الأصل في هذه المواضيع هو المنع فشرط إباحة الجولان بعربة هو الحصول على رخصة للسياقة أمّا قبل ذلك فهي موضوع منع و شرط تجاوز حدود بلد ما هو الحصول على جواز سفر أمّا دون ذلك فممنوع .
ولو عدنا إلى عقد الزواج باعتباره السند القانوني الأوّل لنشوء خليّة جديدة من خلايا هذا المجتمع الإنساني لحق لنا أن نتساءل إلى أيّ الصنفين ينتمي .هل هو عقد الزام بحيث يكون للطرفين حق وواجب تجاه الآخر أم هو عقد إباحة عن أصل منع .
يبدو أنّ العادات و التقاليد و التشريعات تصنّف الزواج ضمن الصنف الأوّل أي عقود الإلزام من خلال الزام كل طرف بحزمة من الواجبات مقابل جملة من حقوق في حين أنّ الأصل في هذا العقد هو الإباحة عن أصل المنع فقد أوجب المشرع هذا العقد ليضع حدّا لما هو ممنوع في الأصل و كان القصد من ذلك تنظيم العلاقات الاجتماعيّة بين الجنسين عبر هذا العقد المبيح غير الملزم .

 "منح المزيد من الحرية يعني بذل جهد أقل للسلطة"
يتم تعريف مفاهيم الحرية والمساواة في المجموعة بدقة من حيث الجهود الفردية للنفوذ أو السلطة. تمت مناقشة الحرية في نسخة "التحرر من" التأثير وليس في نسخة "حرية فعل" ما يريده المرء. لقد تبين أن الحرية الكاملة على المستوى المفاهيمي المثالي تعني المساواة. وبالنظر إلى معقولية التعريفات، فإن هذا يوضح أن "الخطابات الشعبية" السياسية التي غالبًا ما يتم فيها وضع الحرية والمساواة في المعارضة هي مضللة وزائفة. تم تقديم مفاهيم كمية مثل "مزيد من الحرية" و"مزيد من المساواة" وثبت أنها مستقلة عن بعضها البعض. وتتم مناقشة تأثير هذه التمارين المفاهيمية على المقارنة بين الأنظمة السياسية.

خلال الخمسة آلاف سنة الماضية، كان التنافس والتزاحم بين المجتمعات البشرية أو الأنظمة السياسية الكبيرة، والتي تعتبر الدول الحديثة مثالًا واضحًا عليها، غالبًا ما يتم حسمه من خلال آلية "تطورية" بسيطة: الحرب والقوة. ومع ذلك، فإن القوة التدميرية المتزايدة للقطع الأثرية التي تم تطويرها بمساعدة المعرفة العلمية يبدو أنها تقلل من أهمية هذا الجهاز - على الأقل بين المجتمعات ذات القيادة العقلانية إلى حد ما. لأن مجرد استخدام التقنيات الحديثة يزيد من خطر التدمير الذاتي حتى بالنسبة لذلك الطرف الذي لولا ذلك لقال إنه فاز "بالمسابقة". في هذه الحالة، سيكون من المرغوب فيه أن تكون هناك معايير أخرى أقل عنفًا للتحقق مما إذا كان نظام سياسي ما أفضل من نظام آخر. إذا تمكنا من مقارنة نوعية الأنظمة السياسية بطريقة مفاهيمية بحتة، فإن المنافسة العملية بين الأنظمة يمكن اختزالها في محاولات تنوير مواطني النظام الآخر. تركز وجهات النظر الحديثة حول جودة الأنظمة السياسية على جوانب أو أبعاد مختلفة يتم التعبير عنها بمصطلحات مثل الحرية والمساواة والتضامن وحقوق الإنسان والرفاهية. المشكلة في مثل هذا المنهج متعدد الأبعاد لجودة الأنظمة السياسية هي أن الأبعاد المختلفة لم يتم تحليلها بعبارات دقيقة ولم تتم مقارنتها بشكل دقيق مع بعضها البعض. لا توجد سوى معرفة حول كيفية تأثير الجوانب المختلفة معًا على جودة النظام السياسي. في حين أن تأثير كل جانب من الجوانب مع ثبات باقي العوامل واضح تمامًا، إلا أن المشكلات تنشأ عندما يتنوع اثنان أو أكثر منها في وقت واحد. من المواضيع الشائعة في الخطاب السياسي "الشعبي" أن الحرية والمساواة، وكذلك الحرية والتضامن، تتنافس مع بعضها البعض أو حتى غير متوافقة. عندما يتم استخدام هذه التسميات باعتبارها مميزة لأنظمة سياسية معينة، نصل إلى الخطاب المعتاد للمنافسة السياسية بين الدول، حيث، على سبيل المثال، دولة "حرة" ودولة "اشتراكية" (= دولة تتميز بالمساواة و/أو التضامن). نسعى جاهدين للهيمنة. تؤدي هذه الآراء المسبقة إلى توقع أن يؤدي البحث العلمي إلى نتائج مماثلة. أعتقد أن هذا التوقع يتطلب الحذر. في الأمثلة الواقعية، عادةً ما يتم تطبيق المصطلحات الأساسية على الدول دون الكثير من المبررات، وبطريقة دعائية. ومن أجل التغلب على هذا الوضع غير المرضي، يجب دراسة المفاهيم الأساسية بمصطلحات أكثر دقة ويجب مقارنتها مع بعضها البعض فيما يتعلق بمساهمتها في جودة الأنظمة السياسية. وسوف نسير بعض الخطوات في هذا الاتجاه ونقدم بعض النتائج التي تبين أن الدراسة العلمية لهذه الجوانب أو الأبعاد واعدة. وأركز هنا على الفكرة الأهم: الحرية والمساواة. كخلفية لتفسيراتي، أستخدم نظرية المؤسسات الاجتماعية التي تجمع بين وجهة نظر مركزية السلطة للشؤون الاجتماعية بروح مكيافيلي، على سبيل المثال، ونموذج نظامي رسمي لمثل هذه الشؤون،. تهدف هذه النظرية إلى صياغة مؤسسات اجتماعية شاملة مثل الأنظمة السياسية والدول، من بين أمور أخرى. (في العلوم الاجتماعية في الوقت الحاضر يبدو أن وجهة نظر نظرية اللعبة هي السائدة عند مناقشة المؤسسات. ومع ذلك، فإن ما يسمى "المؤسسات" في المنهج النظري للعبة ليست أنظمة سياسية، ولكنها أشياء أكثر محلية وتجريدية مثل "الوعد"، و"الاتفاقية" وما شابه ذلك. حتى الآن، لم يكن التحليل النظري للعبة قادرًا على صياغة وتفسير نظام سياسي واحد من النوع الذي أناقشه هنا.

توفي قبل أيام عن عمر يناهز مئة عام، هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، ومستشار الأمن القومي الذي فر من ألمانيا النازية في شبابه ليصبح واحدا من أكثر الشخصيات تأثيراً وإثارة للجدل في التاريخ الأمريكي، والقوة المهيمنة والمستقطبة في السياسة الخارجية الأمريكية. وكان يمثل كل ما هو متعجرف ومستبد في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

كان كيسنجر مرادفاً للسياسة الخارجية الأمريكية في السبعينيات. حصل على جائزة نوبل للسلام لمساعدته في الترتيب لإنهاء التدخل العسكري الأمريكي في حرب فيتنام، ويُنسب إليه الفضل في الدبلوماسية السرية التي ساعدت الرئيس ريتشارد نيكسون على فتح الصين الشيوعية أمام الولايات المتحدة والغرب، وهو ما أبرزته زيارة نيكسون للصين في عام 1972. لكنه تعرض أيضا للانتقاد من جانب كثيرين بسبب قصف كمبوديا خلال حرب فيتنام الذي أدى إلى صعود نظام الخمير الحمر الذي ارتكب إبادة جماعية ودعمه لانقلاب ضد حكومة ديمقراطية في تشيلي.

وفي الشرق الأوسط، قام كيسنجر بما أصبح يعرف باسم "الدبلوماسية المكوكية" للفصل بين القوات الإسرائيلية والعربية بعد تداعيات حرب يوم الغفران عام 1973. وكان نهج "الانفراج" الذي اتبعه في التعامل مع العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، والذي ساعد في تخفيف التوترات وأدى إلى العديد من اتفاقيات الحد من الأسلحة، هو الذي قاد الموقف الأميركي إلى حد كبير حتى عهد ريغان.

وفي قرار مثير للجدل إلى حد كبير، تقاسم كيسنجر جائزة نوبل للسلام عام 1973 مع نظيره الفيتنامي الشمالي لو دوك ثو عن اتفاقيات باريس للسلام في ذلك العام؛ بسبب غياب السلام الفعلي في فيتنام، رفض ثو قبول الجائزة، واستقال اثنان من أعضاء لجنة نوبل احتجاجاً على الجائزة.

ولد كيسنجر في 27 مايو 1923 في فورث بألمانيا، وكان يهوديًا، فر من الاضطهاد النازي وجاء إلى الولايات المتحدة في عام 1938.

في مرحلة التحوّلات التاريخية الكبرى الجارية اليوم في البلاد العربية، المتتابعة بسيروراتٍ مختلفة، وباحتمالات وصيرورات متنوّعة، وإن كانت لا تزال في مراحل انتقالية تفاعلية، ولم تستقر على نتائج بعد، فإنها تتطلب دوراً مركزياً للمثقفين العرب.

سيإن غياب المثقفين العرب عن المشهد الحالي الذي يقوم فيه الكيان الصهيوني بارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية في عدوانه على قطاع غزة، يعيد من جديد إثارة السؤال المتعلّق بأدوار المثقفين العرب في تاريخهم الراهن، في مجتمعات تتغيّر، ومخاطر مصيرية تتطلب مواقف واضحة، ومجابهة العدوان والقهر، والتصادم مع أنظمة الاستبداد، وقيادة نضال الجماهير لتحقيق أهدافها بالحرية، والعدالة، والكرامة، والمواطنة، والديمقراطية. وكذلك الوقوف إلى جانب الكفاح الذي يخوضه الشعب الفلسطيني لتمكينه من انتزاع حريته وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

منذ القدم كان المثقف صوت المجتمع الصادق وضميره اليقظ، والكثيرون منهم سددوا أثماناً فادحة لمواقفهم بدءاً من سقراط الذي أعدم بسبب أفكاره، عبوراً بقتل الشاعر الشهير الضرير "بشار بن برد العقيلي" ببيتين من الشعر، وفي التاريخ الإسلامي شهدنا ابن الهيثم، وابن رشد، والكندي، وابن سينا، والفارابي، وابن حيان. وعربياً عبد الرحمن الكواكبي، وعباس محمود العقاد، وطه حسين، وإدوارد سعيد، ومحمد عابد الجابري، عبد الوهاب المسيري، عبد الله العروي، محمد أركون، جورج طرابيشي، وسواهم المئات من المثقفين عبر العصور بسبب انشغالهم في قضايا واقعهم.

ألقى الرئيس الأمريكي بايدن خطابًا حماسيًا قبل أيام ربط فيه الصراعات في أوكرانيا وإسرائيل. حيث قال إن كلاً من النظام الديكتاتوري في الكرملين وحركة حماس الإسلامية المسلحة "يمثلان تهديدات مختلفة، لكنهما يشتركان في هذا الأمر: كلاهما يريد القضاء تماماً على ديمقراطية مجاورة". لكنه تجاهل العربدة الصهيونية المنفلتة، وتجاهل صور الدمار المرعب في غزة، وتجاهل آلاف الشهداء الفلسطينيين جلهم من الأطفال والنساء تم ذبحهم أمام أعين الغرب المنافق الذي توحد في مواجهة روسيا واعتبرها تهديداً للأمن الدولي.

ولكن في غزة كان لهم موقف مختلف حيث احتشدوا للبكاء على إسرائيل، وسارعوا في مناصرة الموقف الصهيوني وتسويق روايته، والدفاع عنه في حرب الإبادة التي يستعرض من خلالها الجيش الصهيوني النازي قوته لقتل النساء والأطفال والمدنيين الأبرياء، وتدمير الشجر والحجر. هذا النفاق الصارخ من قبل الغرب وخاصة الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وكندا يؤكد زيف ادعاءات هذا الغرب بالتفوق الأخلاقي والإنساني، ويميط اللثام عن وجهه الحقيقي الذي كان يخفي رذائله بفضائل زائفة.

ما هي الديمقراطية التي يخشى عليها الغرب؟

بالرغم من تعدد المفاهيم لمصطلح الديمقراطية، لكنها تُجمع على أهم مقياس للديمقراطية هو مقياس الحرية الذي يصفه الغرب بمؤشر الديمقراطية. وفقاً لهذا تُظهر التجربة الغربية تحقق بعض معايير الديمقراطية وغياب الكثير منها. إن القول السائد في الغرب أنهم عاشوا عصر ازدهار الديمقراطية، هو كذبة كبيرة صدقها الكثيرون. إن بريق الديمقراطية اللامع في الغرب قد خفت منذ سنوات، بدءًا من بحر البلطيق إلى البحر الادرياتيكي ـ في فترة تصاعد فيها الأفكار العنصرية والمتطرفة ـ لتحل مكانها نزعات ثأرية واستياء قومي مرعب يمور تحت رمال متحركة، تتيح للأفكار المتشددة موطئ القدم الذي تحتاجه.

"أليس الأدب(كما الفلسفة) مجابهة لا تملّ لوضعية إلغازية هي وضعيتنا؟"
" الشعراء والمفكرون" هم بالتحديد أولئك الذين هم في مقدورهم تذكيرنا بكثافة العالم ووضع المألوف الظاهر والمسلّم به في علاقتنا بالعالم ، موضع السؤال."م. بلانت
"ينمّي الأدب والميتافيزيقا إذن خطابهما انطلاقا من هذا العدم الذي، مع ذلك يدفعنا إلى التفكير؛ أحدهما من خلال العبثي والشعريّ، في الرجّة التي يحدثها فينا، والآخر من خلال الدهشة الفلسفية ، التي تفهم بوصفها الشرارة التي تُلهب الفكر وتقذف به في غرابة وضعيته، باستثارة التساؤل الموجّه صوب العالم وصوب الكائن."م. بلانت

***

" كتب دوستويفسكي برهافة حسّ أنّه:" إذا ما سمح العالم لوحش بتعذيب طفل ، فلن أجادل الإله ، بل سأعيد له تذكرتي. " هذه الجملة التي جاءت على لسان إيفان كرامازوف، تصوّر برقّة أبعاد ما نسمّيه بكلّ أريحية منذ ألبار كامي عبثية الوجود البشري. وليس من قبيل الصدفة أن التفكير في العبثية قد كان في البداية تفكيرا في العدالة. لكن هل يمكن لمثل هذا التفكير أن يتجنّب التحوّل إلى استفهام لاهوتيّ وأن يضع موضع السؤال حتى لطف - إن لم يكن وجود- الله، طالما قد صار من المستحيل تجاوز المأزق بشأن أحداث مفزعة و مفجعة تجرح في الإنسان شعوره بالإنصاف الأشدّ أولية؟ وبما أننا قد جعلنا للإله مَهمَّة تحقيق العدالة ، فهل بالإمكان تجنّب انهياره كأصل لمعنى كلّ الأشياء حينما أضحى من البيّن أنّ المبادئ اللاهوتية حتّى لا تستطيع بصورة معقولة أن توفّر تفسيرا للواقع دون أن تتناقض مع ذاتها؟
لا يمكننا مع ذلك أن نتغافل عن وجود أشكال من العبث تبدو قد تخلصت من النسبة إلى تفرّد الوضع البشري. لكن تظهر هذه الأشكال - التناقضات المنطقية والنحوية والتركيبية - في حياتنا اليومية بوصفها أخطاء واستثناءات وأمور غير منتظرة ومزعجة، يتعلّق الأمر بتجنّبها واستبعادها بأقصى سرعة ممكنة من الفضاء الحواري والعقلاني بوصفها مخالفات لا معنى لها. وقد يكون من المفيد بالفعل التذكير بأن أول أهداف فلسفات اللغة ومشاريع أخرى للغة الصورية هو استبعاد إمكانية ورود لامعنىnon-sens وقضايا باطلة، وتعتبر هذه الأخيرة قضايا إشكالية من حيث أنها تُلقي غموضا على الحقل الخاص للتفاهم والفهم والفكر. إذن حينما ننظر في ذلك عن قرب ، يبدو أن جميع أشكال العبث تجتمع وتلتحق بالمنبوذية l’ostracisme التي تصدمها وتنفي عنها كلّ قيمة وضعية أو خلاّقة. يصبح العبث ، - في كلّ المجالات ماعدا ربّما في الفكاهة - ، اللاقيمة non-valeur بامتياز، والخطاب الهذياني و الملتبس أو غير المعقول؛ وفي أفضل الحالات المضحك ، وإلاّ كان خطابا مُدانا وموضع ارتياب دائما. يبدو إذن أنّ العبث " الوجودي" والعبث " المنطقي" يجتمعان في نمط باريدغماتي لغياب المعنى. من هنا نبحث عن تمعين شيئين في آن واحد:1) غياب الوجهة التيلولوجية ( الغائية)، لغائية مرسومة وثابتة . نلاحظ إذن ، على نحو ساخر، بأنّ العبث ، سواء كان وجوديا أو منطقيا، يظلّ تابعا داخل نسق ذهني، في حين أنه يجب عليه أن يكون ذاك الذي يخترق ويعيد النظر في القدرة المطلقة للمعنى. تزعم الفلسفة على هذا النحو بأنها استنفدت مقولة العبث. لكن، في الحقيقة، هل فعلت شيئا آخر غير تحييدها؟ هل توصلت الفلسفة حقّا إلى التفكير فيما يحمل على التفكير في العبث ؟ ألا تعلمنا تجربة الأدب أنه يوجد شيء من العبث ينفلت عن قراءته الفلسفية الخالصة؟ ما هو هذا الإفراط وإلى ماذا يشير؟

أجرى آلان براكونييه Alain Braconnier حوارا مطولا مع جوليا كريستيفا Julia Kristeva لفائدة الموقع الاكاديمي cairn.info الذي نشره يوم فاتح يناير 2010. قبل الاطلاع على فحوى هذا الحوار، يستحسن التعريف بضيفة الموقع في سطور.
ولدت الكاتبة واللغوية والمحللة النفسية الفرنسية جوليا كريستيفا في بلغاريا. هاجرت إلى باريس للحصول على الدكتوراه، وانضمت إلى مجموعة تيل كيل (Tel Quel) بقيادة فيليب سولرز، وتابعت دروس جاك لاكان. بصفتها مُنظِّرة لغوية، درست اللسانييات والأدب في جامعة باريس 7 - دينيس ديدرو Dénis-Diderot وفي جامعة كولومبيا في نيويورك. في الوقت نفسه، عملت كمحللة نفسية وكاتبة. وهي مؤلفة لنحو ثلاثين كتابا كلها مترجمة إلى حوالي ثلاثين لغة، بما في ذلك "سيميوتيكي. بحث من تحليل سيمنطيقي" (1969)، "قوى الرعب. مقالة عن الحقارة" (1980)، "قصص حب" (1983)، "في البدء كان الحب. التحليل النفسي والإيمان" (1985)، "شمس سوداء. الاكتئاب والحزن" (1987)، "غرباء عن أنفسنا" (1988)، "الساموراي" (1990)، "أمراض الروح الجديدة" (1993)، "المؤنث والمقدس" (1998، مع كاثرين كليمان)، "الزمن المحسوس. بروست والتجربة الأدبية" (1994)، "المعنى والامعنى في التمرد" (1996)، "التمرد الحميمي" (1997)، "رؤى أساسية" (1998)، "العبقرية الأنثوية" (3 مجلدات: حنة أرندت، 1999؛ ميلاني كلاين ، 2000؛ كوليت 2002)، "جريمة قتل في بيزنطة" (2004)، "الكراهية والصفح" (2005). تعمل جوليا كريستيفا حاليا أستاذة في المعهد الجامعي الفرنسي وحصلت على جائزة هولبرغ (التي تعادل جائزة نوبل في العلوم الإنسانية) في عام 2004.

آلان براكونييه: كتابك الأخير، "الكراهية والصفح"، يستعرض ويكمل المواضيع الأربعة الرئيسية التي سبرت غورها منذ أولى أعمالك في التحليل النفسي: دور اللغة، والسرد والكتابة، ومسألة المؤنث، إلى حد كبير لم تكتمل من قبل فرويد وحتى تلميذاته من المحللات النفسيات، الأسئلة التي يثيرها الدين وظاهرة الإيمان، وأخيرا المساهمة المعاصرة للتحليل النفسي. هل يمكنك إنشاء خط شخصي يسمح لقرائنا بفهم الروابط التي سمحت لك بالاعتكاف على مواضيع بحث مختلفة بشكل متتابع ومشترك؟

جوليا كريستيفا: طموح فرويد هو، في الأصل وبشكل أساسي، علاجي: عبقريته النظرية، وثقافته الواسعة كيهودي التي جعلت أفكار التنوير (Aufklärung) في حوزته، ساهم غالبا في نسيان ذلك. في مواجهة هذيان الكائنات الناطقة التي نكونها، يكتشف أن الرغبة هي الموجة الحاملة، وأن في هذا التذاوت الغرامي الذي سيكون هو التحويل، تبقى اللغة هي أفضل وسيلة والوسيلة المثلى (الوحيدة؟ ) التي تسمح لكل واحد منا بإعادة بناء هوياتنا الهشة والمهددة دوما. إذا لخصت التشاؤم الفرويدي والتزامه العلاجي بهذه الطريقة، فذلك أيضا من أجل تحديد نطاق وحدود منهجه، منهجنا.

الترجمة:
سؤال إيمانويل رينو:
لقد أعطت نظرية مدرسة فرانكفورت النقدية في الستينيات والسبعينيات، وحتى مع نظرية العمل التواصلي ليورغن هابرماس (1981)، أهمية كبيرة للنظرية الاجتماعية. كيف يمكنك تحديد مشاريع النظرية الاجتماعية التي تم تطويرها وتنفيذها خلال هذه العقود من قبل تيودور أدورنو ويورغن هابرماس على وجه الخصوص؟ وكان لهذه المشاريع، من بين أمور أخرى، وظيفة التغلب على فصل الفلسفة عن العلوم الاجتماعية. هل حققوا ذلك؟

جواب أكسل هونيث:

أنت على حق تماما. خلال هذه الفترة، كان أحد الافتراضات الأساسية هو أن المشروع الشامل للنظرية النقدية يجب أن يرتكز على نظرية اجتماعية قوية. ومع ذلك، في رأيي، فإن النظرية الاجتماعية التي كانت مفترضة مسبقًا في كتابات أدورنو عانت من غياب النظر في العمليات التواصلية التي يستطيع الفاعلون من خلالها تحقيق فهم متبادل للمعايير التي تحكم تفاعلاتهم - وقد سعيت إلى إظهار ذلك في الفصول الأولى من كتابي "نقد السلطة" الذي تُرجم للتو إلى الفرنسية. أعتقد أن هذا "العجز السوسيولوجي" للنظرية الاجتماعية لمدرسة فرانكفورت قد استوعبه بالفعل هابرماس عندما ألهمه التقليد المعياري لإميل دوركهايم وتالكوت بارسونز لبناء نظريته الاجتماعية الخاصة. ولا أزال أعتقد أن نظرية الفعل التواصلي، رغم حدودها وأخطائها، تشكل المحاولة الواعدة لتأسيس نظرية اجتماعية يمكن أن تخدم طموحات النظرية النقدية. يتم التقليل من أهمية هذا الكتاب بشكل غير عادل اليوم على الرغم من أنه يستحق اعتباره مساهمة في النظرية الاجتماعية لا تقل أهمية عن تلك التي قدمها إميل دوركهايم وماكس فيبر وتالكوت بارسونز.

سؤال إيمانويل رينو:

 نقد السلطة، الذي ذكرته للتو والذي يشكل كتابك الأول، صدر عام 1985 في طبعته الأولى. لقد تدخل في سياق لا تزال فيه المناقشات المتعلقة بالنظرية الاجتماعية ذات أهمية كبيرة بالنسبة لأولئك الذين يدعون أنها نظرية نقدية. لقد طورت نظريتك في الاعتراف في السنوات التي تلت ذلك، وهي السنوات التي بدأت خلالها النظرية الاجتماعية تفقد جاذبيتها. هل يمكنك العودة إلى هذا السياق الجديد وحالة المناقشات المتعلقة بالنظرية الاجتماعية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات؟

تؤدي الملفوظات اللغوية وظائف متنوعة. إحدى هذه الوظائف هي الإحالة على العالم. تتحقق هذه الوظيفة عن طريق الجمل الوصفية. وإذا كان الخطاب التخييلي بدوره خطابا وصفيا، من وجهة نظر لسانية محضة، فإنه مع ذلك بعيد عن أن يكون خطابا مرجعيا، لأن جمله لا تحيل على مراجع "واقعية". لكن هذه الصيغة هي بمثابة تحديد سلبي خالص وغير مقنع للتخلييل : إن المشكل الأساسي الذي يجب أن تواجهه كل نظرية ليس هو أن تبين لنا ما لا يفعله الخطاب التخييلي، بل هو أن تقترح تفسيرا لكيفية اشتغاله بطريقة إيجابية (تعوض وظيفة الإحالة على أشياء "واقعية").
التخييل والمرجعية
من وجهة نظر منطقية، وبالتحديد من وجهة نظر الالتزام بالواقع، فإننا نحدد الخطاب التخييلي باعتباره فارغ الدلالة المباشرة. إن العناصر اللسانية التي تؤدي في الخطاب ذي البعد العملي وظيفة الإحالة المباشرة (الوصف الدقيق، أســماء الأعـــــلام، أســــــماء الإشارة ، المشيرات الخ) هي في أغلب الحالات على الأقل فارغة من حيث الدلالة المباشرة. من وجهة نظر فريجه ، فإن الملفوظات التخييلية تحمل معنى ولكن لا مرجع لها : "حينما نستمع مثلا لقصيدة ملحمية، فإن ما يثيرنا فيها، عدا إيقاعها اللفظي، هو أساسا معنى الجمل، وكذا الصور والمشاعر التي تثيرها. وإذا طرحنا سؤال الحقيقة ، فإننا سنهمل جانب المتعة الجمالية وسنلتفت صوب الملاحظة العلمية". هذا التحديد للتخييل كخطاب عديم الدلالة المباشرة تم قبوله عمليا من طرف كل المناطقة، لكن ن. كودمان (1968) أكد على أن الأمر يتعلق هنا بحقيقة ضرورية ولكنها غير كافية بالنسبة للتخييل، وإلا لكانت الملفوظات الخاطئة (وحتى الكاذبة) كلها ملفوظات تخييلية. بل لا يمكن حتى أن نقول إن كل الملفوظات الخاطئة التي توجد في النصوص الأدبية (بالمعنى الجمالي والمؤسسي للكلمة) هي ملفوظات تخييلية. ففي عمل أدبي ذي طبيعة عملية، كالسيرة الذاتية مثلا، فإن الإحالة المباشرة الفارغة سوف تعتبر خطأ أو كذبا ، لا ملفوظا تخييليا. أضف إلى ذلك أن المحكيات التخييلية التي كل ملفوظاتها ملفوظات ذات إحالة مباشرة فارغة هي حالات نادرة: فالرواية التاريخية تستمد الجزء الأكبر من جاذبيتها من الطريقة التي تمزج بها الملفوظات ذات المرجعية المباشرة القوية مع الملفوظات ذات المرجعية المباشرة المنعدمة، والتي تشكل الإطار العام للمحكي. يمكن أن نستنتج أن خصوصية التخييل تكمن قبل كل شيء في كون إحالته المباشرة الفارغة معلنة بشكل صريح (كودمان) أو واردة كافتراض ضمني مفاده مثلا أن لا فرق بالنسبة لنا أن يكون لاسم "يوليوس" مرجع أم لا (فريجه). ومن هنا يصبح ضروريا أن نأخذ بعين الاعتبار مكونا تداوليا في تعريف التخييل (انظر أدناه).

انطلاقا من قلق فلسفي ما فتئ ينتابني بخصوص مصطلح "الأنثروبومورفية" وفي محاولة لاستكشاف نطاق دلالته، توقف مؤقتا مسعاي في هذا الصدد عند حد الأنسنة التي يضفيها الإنسان على الحيوان. ومن أجل إشراك القارئ الكريم في اكتشاف هذا الحيز من القارة التي تشملها الأنثروبومورفية، تجشمت عناء ترجمة مقال جان كلود بودان.

ارتبطت الأنثروبومورفية بصحافة سيئة ويُنظر إليها على أنها ساذجة في أحسن الأحوال. إن الاهتمام بالحيوانات لا يعني إسناد قدرات الإنسان ومهاراته إليها، ولا يعني الغرق في سخافة الحديث معها كما يحدث مع الإنسان. في كتابه ألف باء "A مثلما في Animal"،* يميز جيل دولوز بين صنفين من العلاقات بالحيوان، العلاقات الإنسانية والعلاقات الحيوانية. إن تبني علاقة إنسانية أمر ممكن فقط مع الحيوانات الأليفة أو بالأحرى العائلية، التي تدعم الإسقاطات الرمزية للتحليل النفسي. إن حب الحيوانات الأليفة يؤدي إلى هذا السلوك غير المحتمل المتمثل في التحدث إليها وإقامة مجتمع معها ينكر حيوانيتها. إن الإسناد الأنثروبومورفي مطلوب بالضرورة في هذا الموقف. ويعارض دولوز هذه العلاقة التي تأخذ في الاعتبار وجود العوالم الحيوانية وخصوصيتها. يتضمن التواصل مع الحيوانات تحديد وقراءة العلامات التي من خلالها تبني الحيوانات عالمها الخاص. تحل السيميولوجيا وعلم سلوك الحيوان محل علم النفس التناظري التلقائي. يؤكد دولوز على أن الصيادين، الصيادين الحقيقيين، يصبحون حيوانات بطريقة ما عندما يتعرفون على آثار الحيوانات ويتفاعلون معها، ويتصرفون بطريقة حيوانية مع الحيوانات.

ولكن يمكننا أن نقول إن الأنثروبومورفية ليست مشكلة إذا سلمنا بأنه لا توجد طريقة أخرى للحديث عن الحيوانات والتحدث إليها سوى استخدام لغتنا الطبيعية ومقولاتها. والحال أن من يتصرف بهذه الطريقة لا يدعي إذا سئل أنه يؤمن بمعنى الكلمات التي يستخدمها. فكما تظل لغتنا بطلمية بينما علمنا كوبرنيكي عندما نقول أن الشمس تشرق، كذلك القول بأن الحيوان ذكي لأنه حسب طريقه للهروب من الفخ لا يحمل بالضرورة مذهبًا عن ملكات تشبه ملكاتنا. ومن المؤكد أن الذي ينجو من شبهة الأنثروبومورفية هو الديكارتي، المؤيد للآلة الحيوانية. لا يمكن أن يكون هناك أي غموض: إذا قلت إن قطة معينة تفكر في تغطية برازها، فأنا أعلم أنها لا تفكر في ما تفعله، ولكنها تنتج فعلًا يحدده جهازها العصبي آليا، وما إلى ذلك. والدليل أنها لا تكاد تغطيها بالكامل. الميزة الإبستيمولوجية لهذه النظرية هي أنها تطيع قانون مورغان للبخل الذي يأمرنا بعدم اللجوء إلى ملكات عليا عندما يمكننا الاستغناء عنها لتفسير السلوك. لكنها بدورها تصبح عرضة للسخرية إذا تعهدت، بدعوى الاستغناء عن المفاهيم ذات الأهمية الإنسانية، بوصف صرخة كلبة تم ركلها للتو بالقول إن ما نسمعه صرير نوابض معدنية.

(...) نحتفظ بالخصوص من بين هذه السمات العامّة للخطاب، بالعلاقة بين فعل الخطاب ومحتواه، بقدر ما تحتوي هذه العلاقة الجدلية الأكثر بساطة لتخارج و موضعة  الخطاب. تَتْبَعُ هذه الجدلية استقلاليةُ مختلف أشكال الخطاب المعروفة تحت مسمّى " الأجناس الأدبية ". وباختصار: مهما قيل، فإنّ ذلك يقف بعدُ في مسافة معينة إزاء فعل الخطاب أو حدث الكلام. تتّسع مسافة مماثلة بين الخطاب والمتحدّث، بين البنية الداخلية والمرجعية الخارج - لسانية، وبين الخطاب ووضعيته الأصلية وفي النهاية بين المتحدّث والإنصات الأوليّ. هنا يبدأ مشكل التأويل.  ولا ينحصر هذا المشكل في النصوص المكتوبة، بل يبدأ بالجدلية الدقيقة الحاضرة بعدُ في اللغة الشفهية، والتي بفضلها تتخارج هذه الجدلية، وتتمفصل وتُثُبّتُ في أشكال مختلفة من الخطاب.  والأهمّ من هذا الاستنتاج الأول أيضا، هو اعتبار هذه الأشكال ذاتها، أي الأشكال التي، تسمّى في النقد الأدبي" أجناسا". غير أنّني أفضل الحديث عن أشكال من الخطاب للتأكيد على الدور الذي تلعبه هذه الأنماط الألسنية في إنتاج الخطابات. وبالفعل، يتضمن النقد الأدبي تحت عنوان " الأجناس" ، مقولات تساعد النقد على تبيّن السبيل داخل التنوّع اللامحدود للنصوص. بيد أن أشكال الخطاب هي أكثر من أدوات تصنيف؛ هي أدوات إنتاج. من هنا أفهم بأن أشكال الخطاب هي مصفوفات matrices بواسطتها يُنْتَج الخطاب بوصفه عملا. إلاّ أن هذه السمة للخطاب لم يلاحظها الفلاسفة إلاّ قليلا، لأنّها  تستخدم مقولات لا تتعلق أوّلا بمجال اللغة، بل بمجال البراكسيس، بمجال الإنتاج والخلق. لكن، هذا هو الحال بالضبط: الخطاب عمل، منظّم وفق وحدات أو كليات totalités من الدرجة الثانية، مقارنة بالجملة بما هي وحدة  دنيا للخطاب وبالتالي بما هي وحدة من درجة أولى. يسمّي أرسطو في الخطابة هذه المقولة الأساسية " الوضع"- تاكسيس taxis ؛ ويضعها بين " الاكتشاف" « découverte » ( الحجج) - – heurèsis وبين " الإلقاء" « diction » - lexis. وبفضل هذا " التاكسيس" ( الوضع) ، يوفّر النص المنطوق أو المكتوب نسيجا يجب على بنيته أن تُؤَوّل. إنّ تأويل نصّ يعني دائما أكثر من ضمّ معاني جمل معزولة.  يجب أن نمسك بالنص بما هو كليّة من وجهة نظر تراتبيّة "الطوباي" topoï أي الخطابات التي تكوّنه. يجب أن تردّ وظيفة الأجناس الأدبية إلى هذا المفهوم للنص بوصفه كليّة ، وحدة كلية totalité  - أو ، مثلما سنقول من هنا فصاعدا، وظيفة مختلف أشكال الخطاب : سرد ومثل سائر أو حكمة ، الخ. ومثلما تمارس القوانين النحوية وظيفة توليديّة وتنتج الخطاب بوصفه جملة، فإنّ للرموز الأدبية codes littéraires أيضا في مستواها، وظيفة توليديّة. فهي تولّد الخطاب بوصفه سردا أو بوصفه هذا الخطاب أو ذلك. وبهذا المعنى فهي في حاجة إلى شعريّة توليديّة ستتوافق، على مستوى "التاكسيس" ("الوضع") الأرسطي ، مع " النحو التوليدي " لتشومسكي .

في 7 أكتوبر 2023  شنت حركة حماس وفصائل المقاومة بقطاع غزة، عمليات عسكرية أطلق عليها اسم: الطوفان الأقصى، هذا الموقف العسكري الذي أقدمت عليه حماس، جاء ردا على سلسلة اعتداءات إسرائيلية وممارستها الوحشية، وسط تأييد صهيوني عالمي وسكوت عربي إقليمي.

تحت نيران مكثفة استهدفت سكان مدنيين، ظهر بيان تنديدي من قبل ثلة من الفلاسفة الغربيين، في البداية ساد الاعتقاد أن هذا البيان جاء في سياق فعل تضامني وواجب أخلاقي، غرضه التنديد بجرائم يرتكبها مُحتل غاصب، لكن البيان كان له رأي آخر، حيث هاجم المقاومة الفلسطينية ونعتها بأبشع النعوت، وأسقط عنها حق الدفاع عن نفسها، وفي المقابل انتصر بيان الفلاسفة إلى مشاعر الاستقواء الإسرائيلي، ودعم حقه في الاعتداء ضدا على المواثيق الدولية وأشكال التضامن العالمي.

يحمل البيان، الذي نتحدث عنه، توقيع كل من يورغن هابرماس، و راينر فورست، وكلاوس غونتر، ونيكول ديتلهوف، حيث جاء فيه: "إن المجزرة التي ارتكبتها حماس والمصحوبة بنيتها المعلنة لإبادة الحياة اليهودية بشكل عام، كانت سببا في دفع إسرائيل إلى الانتقام بهجوم مضاد". وقد اعتبر البيان أن الهجمات الإسرائيلية مبررة من حيث المبدأ الأخلاقي.

في نفس السياق، بادرت الفيلسوفة سيلا بن حبيب بالرد على رسالة مفتوحة وقعها مئات الفلاسفة من أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وأوروبا، من بينهم  جوديث بتلر (جامعة كاليفورنيا، بيركلي)، إتيان باليبار (جامعة كينغستون)، دوناتيلا ديلا بورتا (سكولا نورمال سوبيريور)، نانسي فريزر (المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية)، إدواردو مينديتا (جامعة ولاية بنسلفانيا)، ألبرتو توسكانو ( غولدسميث، جامعة لندن) جاء في مضمون رسالتها، أن حركة حماس تمارس "إباحية العنف " ضد إسرائيل، وترتكب جرائم الإبادة ضد شعب لا يجب أن يُنظر إليه كمستعمر استيطاني.

حينما يقرر الكاتب العربي التوجه إلى بلدان الغرب للاستقرار وخوض تجربة الكتابة بلغة البلد المضيف، يجد نفسه تلقائيا أمام تحديات كبيرة تؤثر على إنتاجه الأدبي. فتجربة الكتابة في ثقافة ومجتمع جديدين، يجعل الكاتب يتأرجح بين ضفاف الظروف الاجتماعية والثقافية واللغوية المختلفة وفرص محدودة للغاية للتعبير الأدبي. فلا يمكن بأي شكل من الأشكال تفادي هذه التأثيرات التي تلقي بظلالها السلبية على إنتاجه وتجعل من عملية الكتابة تحدًيا صعبًا ومعاناة حقيقية.

بلا أدنى شك، أبرز التحديات التي يواجهها القلم العربي في بلدان الغرب  في بادئ الأمر هي مشكلة اللغة التي تعتبر لغزًا حين يحاول الكاتب التعبير عن تجاربه وأفكاره بلغة ليست لغته الأم. هذا يؤدي إلى فقدان القوة والعمق الذي يحمله في لغته العربية مع بعض الجوانب التي قد تكون حاسمة في تشكيل هوية واضحة لمؤلفاته سواء السردية، النثرية أو الشعرية.

لا ننكر هنا أن اللغة الأجنبية يمكن أن تكون أداة قوية للتعبير عن تجارب متنوعة، بدليل أن بعض الكتاب يتمكنون من عبور حدود اللغة والثقافة، وفي نفس الوقت يعتنون بجذورهم اللغوية ويحتضنون تراثهم الأدبي بلا عقبات. إلا أنها تشكل تحديًا كبيرا لفئة لا بأس بها من المبدعين الذين يحتاجون إلى التغلب عليه لتحقيق إبداع فعّال ومقبول في الوسط الثقافي الذين يحاولون التسلل إليه.

" لا وجود لشكل هيمنة مطلقة، فمن الممكن دوما أن تتحطّم السلطة في مكان ما. لقد بات من الواضح من هنا فصاعدا بأنّ التحطيم لا يحصل من الخارج. يجب أن يحدث من الداخل. هذا هو المهمّ حقّا. " ( أ. نيغنري)
"يوجد إذن مبرر للأمل: نفذت الحرية إلى رؤوس الكثرة!"
"لقد كنت أقول دائما بأنّ هناك صراعا سياسيا وحيدا جديرا بأن نخوضه : هو صراع الحبّ مع الأنانية".( أ. نغري)

***
 أنطونيو نقري( 1933- 2023 )، شخصية فكرية من اليسار الإيطالي لسنوات العنف، يعتبر فيلسوفا ذا مرجعية مناهضة للعولمة . يقترح، استنادا لمفاهيم الإمبراطورية والكثرة، شبكة لقراءة الصراعات السياسيّة لعصرنا الراهن.

****

   - مجلة الفلسفة:

كان العديد من الفلاسفة، ومنذ القديم، في نزاع مع السلطة. حكم الأثينيون على سقراط بالإعدام. وُأقصِيَ سبينوزا، وحكم على جيوردانو برينو بالحرق من محكمة التفتيش، وهدّد روسو بالسجن ...وقد اتّهمتم آنتم بالذات من المحكمة الإيطالية بالمشاركة في اغتيال النائب ألدو مورو، دون تقديم أيّ دليل عن تورّطكم. ومن 1979 إلى 1983، سجنتم في منطقة تخضع لرقابة شديدة. كيف تنزّل نفسك بالنسبة إلى تقليد الفلاسفة المعارضين؟

 أ. نغري:

- ماذا يعني تقليد؟ لا أحد يتنزل ضمن تقليد. نحن نحيا ونصير، هذا كل ّ شيء. إنّ تاريخ الفلسفة هو عبارة عن لاهوت، عن بناء مجرّد. أنا لا أعتبر نفسي بطل التاريخ المجرّد.  إنّ ما يحدث لك من أشياء، طيلة حياتك، ليست أمور طارئة، ومن الصعب بناء علاقات بينها. وفيما يتعلّق بي، فقد قمت بلقاءات، وناضلت ونشرت بعض الكتب: هذا المسار هو جدّ عينيّ.

- مجلة الفلسفة :

  كيف يتقاطع لديكم النضال والتفكير الفلسفي؟

- أ. نغري:

  لقد جابهت الاثنين، بشكل مواز. لقد استعملت، طويلا، مُعَرّفين مختلفين. استخدمت اسمي كاملا، انطونيو نغري، لمسارِيَ الجامعيّ، لإمضاء ترجماتي لهيجل إلى الإيطالية. وطيلة هذا الوقت كان انطونيو نغري يكتب  وينشر مؤلفات صغيرة ملتزمة، حول " التخريب في المصانع" مثلا. 

- م. الفلسفة:

آخر الأنشطة الثقافية والعلمية

  • تنظيم ندوة في موضوع: جماليات السرد النسائي في الرواية المصرية
    تنظيم ندوة في موضوع: جماليات السرد النسائي في الرواية المصرية نظم مختبر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب بنمسيك بالدار البيضاء، بتنسيق مع فرقة البحث في الإبداع النسائي، كلية الآداب بتطوان، صبيحة يوم الخميس 30 نونبر2023، في رحاب كلية الآداب بنمسيك، ندوة في موضوع "جماليات السرد النسائي في الرواية المصرية"، بحضور ثلة من الباحثين والباحثات من مختبرات ومجموعات بحث تنتسب لكليات وجامعات مغربية مختلفة. كما جرى نقلها مباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمساهمة الدكتورة جيهان الدمرداش من مصر. انطلقت الجلسة الافتتاحية، التي تولت رئاستها الأستاذة مريم ودي، بكلمة للسيدة سميرة الركيبي، نائبة العميد المكلفة بالشؤون الأكاديمية، رحبت فيها بالحضور ونوهت بموضوع الندوة والآفالق التي يفتحها أمام الباحثين والباحثات، ثم تلتها كلمة الأستاذ شعيب حليفي، رئيس مختبر السرديات، الذي أكد أن المختبر، وخلال مسيرته التي بلغت الثلاثين سنة بحلول عام 2023، قد…