دمشق في خاطر كل سوري هي الجامع المشترك لأحلامهم، وخيباتهم، يفتخرون بالإقامة فيها، ولو كانت في بيت متواضع مستأجر في دف الشوك أو القابون.
تمرُّ كل الطرق إلى دمشق بالصحراء الحقيقية أو المجازية.
ترى فيها بعض الأحياء الراقية، ولكن ينجذبُ نظرك إلى مساكن الديماس التي يتكدس فيها البشر كسردين مرتب، أشبه ما يكون بأحياء الفقر في ريودي جانيرو.
لا تثور دمشق، ولا تتغير بسهولة، هي كسوقها الأشهر -الحميدية- تشتري كل البضائع وتبيعها بنصف الثمن المعلن.
تستقبلُ الثائرين المنتصرين برؤوسهم الحامية، وتودع المهزومين بقلب بارد.
هي أرض لكل لاجئ، فلا يمضي فيها أربعين يوما حتى يعتقد أنه أطلَّ عليها من قاسيون، وعندما تودي به الأقدار إلى القارعة يصير جزءا من ماض رحل كأنه لم يوجد ولم يعش بها قط.
تعطي دمشق سكنا و أمانا بسهولة لكل من يطرق بابها، لكنها لا تمنح قبرا لأحد إلا بصعوبة بالغة.
ما أكثر من اشتهى وهما فلحق به في دمشق، وما أكثر من باعته من الميدان وحتى المالكي والمزرعة.
في دمشق يعرف الجميع أين يقع القصر الرئاسي، ومقر رئاسة الوزراء، بل تعرف الشوارع بمقرات الأفرع الأمنية، حتى فلسطين فيها تحولت إلى فرع أمني، لكن لا أحد يستطيع التنبؤ بغدٍ ما فيها.
يعتقد القادم إليها أن انقلابا ما يحضَّر هذا المساء، ومع ذلك بقيت هي ذاتها منذ عقود، كأنَّ الزمن يعبرُ عند أطرافها ويجرف بهدوء قادمي الأمس وراحلي اليوم، دون أن تأبه بأحد منهم.
كانت الدبابات الاسرائيلية في حزيران عام ١٩٦٧في سعسع، على بعد أمتار من دمشق، لكن قلق المنتصر كان أكبر بكثير من خوف المهزوم ، أو هكذا أوحت ردود أفعاله!
هُزمَت دمشق مرات ومرات، تلقت الصفعة تلو الصفعة، لكنها لا تستسلم أبدا، هي بالأحرى لا تعترف بالهزيمة، لذلك يستمر المهزوم بحكمها، لأنه يظن أن من يحكمها يملك العالم.
" مقطع من رواية مخطوطة بعنوان طيور بيض فوق القدس"