امْتثلَتْ تلك الغابات لأمطار الشتاء ،مُنتشيَّة في غَبَشِ يوْم شتوي تَتَلأْلأُ فيه قطرات الماء وقد عَلِقَتْ في الفضاء القريب ،رسمَت ألوان الطّيف وسَمَّت نفسها قوس قزح ، قطراتٌ علِقت دون إذْن منها ،رسَمَتْ ألوَان الحياة واستسلمت لتلك القِوى الخفيَّة الّتي جعلتها هناك بين السماوات والأرض. لكنني ما أردت لها الضعف والهوان .
قلت في نفسي : أيمكن أن أحدثها عما فعلت بها تلك القوى التي لا يُرى لها أثر، فنسمع لها عزيفا تارة، وحفيفا حين تدرك أوراق الشجر تارة أخرى؟.
كذلك ترسم تلك القوى علاماتها على كائنات ضعيفة ،وتَبْقَى ذلك الشيء الخفِيَّ الذي لا يُرى .
قتيلُ الليل! ـ قصة : عمر حمَّش
في إحدى سهراتِنا الخالدة؛ شدّني انعكاسُ ضوءِ القمر على صفحاتِ بطونِ القبور، حتى أصابني خفوتُهُ بالثَمَل، فآثرتُ التوَحدَ مع القبورِ، وأن أنعمَ بصفوِّ ليلةٍ هادئة، ولكي أتخلصَ من رفقتي؛ شرعتُ أروي حكاية القطّةِ مع جدتي، وكيف خطفت زغاليل الفراخِ في العلن.
قلتُ: عندما لاحقتها جدتي، قفزتْ القطَّةُ إلى الجدارِ، ومن فوقِه بعربيّة فصحى تكلمت، وتوعدت جدّتي!
حادثة ... عمر ـ قصة : رشيد بلفقيه
مشى كثيرا ، دون اتجاهات محددة تقريبا او باتجاه أشياء كان يظنها هناك ، لكنها كانت سرابا كلما اقترب منه و مد أصابعه ليلمسه و يقبض عليه كان يتبدد من أمامه و يتطاير ساخرا إلى أبعد مما قد تحمله انفاسه المتقطعة .
مشى كثيرا أكثر مما تتحمل جل نعاله في طرق متشعبة ، ضيقة ، فارغة ، معقدة، راقية ، وضيعة ، مجنونة في أحايين كثيرة و بشعة ، متناقضة جدا في أحايين أخرى .قاسم مشترك وحيد بين كل تلك الاسفار انه كان غالبا يمشي بالموازاة مع ذاته.
استسلم للتثاؤب مرة أخرى ،مد يديه محاولا طرد الضباب المنتشر أمامه. مط شفتيه ضرب أخماسا في أسداس وهو مقرفص في مساحة خطوة ضيقة تفصله عن إسفلت طريق . جديد برد مبرح، برد يستلقي في شقوق الكلمات ،يحث الفراغ العابر على التحول إلى شتاء دائم، دوّن بالبخار الخارج مع أنفاسه ..
الراقصة و الذئاب ـ قصة : أسماء عطة
وسط ساحة كبيرة تعددت بها منصات يعتليها رواد الفن الشعبي، في إحدى المناسبات الوطنية، كنت أتأمل _وأنا ابنة العاشرة_ أجساد نسوة ترتعش على إيقاعات موسيقية، كنت أتخيلها تارة كأجساد عصافير مبللة تنتفض وتارة أخرى كأبدان صعقت بالكهرباء تضطرب. كانت تبهرني الحليّ التي تزين معاصمهن، أعناقهن وجباههن وكذا لباسهن التقليدي البهي، كما كانت تثيرني عيون الكبار التي تكاد تخترق بنظرتها تلك الأجسام الممتلئة كالسهام. و أنا لا أزال أتابع المشهد إذ بلغ مسامعي حديث سيدتين تقفان قبلي وهما تلوكان سيرة الراقصات بين فكيهما وأنا أتتبع كلامهما بالنظر إلى هذه ثم إلى تلك وألاحق ملامحهما التي تتغير بين اللحظة والأخرى من الاستغراب إلى الاستنكار مرورا بابتسامات ماكرة. كانتا تتحدثان عن جمال "الشِيخاتْ" اللواتي تنحدر من مناطق عدة من البلد وعن إغرائهن للرجال بحركاتهن الجريئة والتي توحي بالكثير..."جميلة" كانت إحداهن، قالت السيدة السمراء التي تقف عن يميني أنها تسكن قريبة من بيتها بحي "الميزيرية" كانت تشير بالبنان لفتاة وسيمة حوراء العين طويلة القامة خفيفة الحركة، تخالها أفعى تتلوى على نبرات مزمار، نظرتها حادة، لا تبتسم كالباقيات...
أنا وحدي ـ قصة : جمال البكاي
أريد النزول من القطار ... تعبت من السفر المقيت باحثا عن المجهول ، أنظر من النافذة لأكسر الروتين ، لا أرى منظرا محددا فكل شيئ يمر بسرعة ، لا أريد النهوض من مكانى كى لا أتيه وسط الزحام ... يتحدث مكبر الصوت هنيهة معلنا أن القطار سيتوقف بعد قليل ، أحمل حقيبتى ومعها ثقل أعباء الحياة ... أخترق الوجوه ...
بئر أبي ذر الغفاري ـ نص : د.ماجدة غضبان المشلب
البئر أظلم عميق..
سمعت صراخهم..
_أتسمعون يا رفاق؟، هنالك من يصرخ..
_عاد لما كان عليه..
_أنت تسمع ما لا نسمع، و ترى ما لا نرى..
_عدت الى جنونك من جديد..
_الدليل اننا خمسة افراد، و لم نسمع شيئا..
حطمت دائرة الأذرع المغلقة، المبطنة بضحكات السخرية و الاستهجان..
لصَّة ـ قصة : أمينة السعيد
في طريقهِ ٳلى مقهى "توارج" صادف بشاعتها .. لا لم تكن بشعة كان جمالاً وحشياً ولم يكن مستعداً بما يكفي من الفراغ لملاطفتها حينَ اقتربت منه لثوانٍ معدودة .. فاجٲه القرب ٲولاً لكنه استسلم فالتصقت به وشعرَ بمثاليتها ما ٳن وضعت يديها على كتفيه كزوجة ، قال لها ٲنتِ مثاليّة في تطرّفكِ كهيجل.
قالت له بل ٲنا رومانسية كروسو وعقلانية كديكارت عندها سرقت قلبه ، بالحق كانتْ لاتزال تواصل سرقة قلبه ضمّها ٲكثر فهو لم يصادف امرٲةً تدرك فنّ اختلاف المدارس وتطويعها جسدياً ... كانت حلماً ٲراد ٳنهاءه بقبلة فقاطعته :
- لا تكن عبداً لمعتقدك ولا تحرم ذاتك من متعها الصغيرة حتى لو كنتَ مشغولاً لٲن احتمال تكرارها ٲقل من 3%
المرايا المنكسرة ـ نص : أمينة التبات
اَلمرايآ المُنكَسِرة تَخْدِشُ جروحَ الْقَلْبِ التّي لمْ تَندَمِل بعدْ.. شَظايآها منْ حوْلي كَثيرةُ الثرْثرة، لا تَزالُ تذْكُر ضَوْء القَمر الحزين، الكُرسيُّ الْعَتيق، وَ شَجرةُ الزيزفونِ الرآقصة علىَ ايقآعاتِ الخُشوعْ..
وُجوههآ كَئيبه،، تمآمَا كَـ كَآبةِ لَيْلتِنا العَجوزْ.. وَ هيَ تُرتّلُ علىَ مَسامِعنآ أشْعارَ الصمْتِ قَبْلَ الحُبّ بِـ قَصيده.
أَرىَ فِيها وَجهَ القَمَر المُحمرّ خَجلا، و أزْهآرُ التَوْليبِ مُخضّبة بِـ أحمَرَ لا يليقُ بِها، وَ الفُستآنُ الأسوَدُ الذّي أرْتَدي يَصيرُ "حُبّا"، وَ نَسمآتُ اللّيل تُمْسِكُ روحي تُرآقصها.. وَ أنت.. أنتَ تَبْتَسمْ كَـ وَجْهِ الصُبْحِ بَعدَ الدُموعْ..