تداخل النص بين القديم والجديد ـ د.عبد الرحيم الخلادي
إذا كانت الدراسات المتعلقة برصد العلاقات بين النصوص قد نشطت بشكل كبير منذ سنوات الستين من القرن الماضي انطلاقا من التصورات التي أعلنت عنها الباحثة البلغارية "جوليا كرستيفا " تحت عنوان " التناص" والتي بنتها على ما قدمه الشكلانيون الروس حول مفهوم الحوارية الذي انبثق بقوة عند باختين في دراسته لدوستوفسكي....فإن النقد العربي لم يغفل هذا الموضوع بل كان سباقا إلى طرح العديد من مفاهيمه وحدوده وقضاياه بصيغ متعددة ، وتنبه منذ القديم إلى هذا التعالق بين النصوص والذي جعل رولان بارث – مثلا – في العصر الحديث يؤكد بأن (كل نص تناص). فقد أورد أبو علي الحاتمي هذا القول " كلام العرب ملتمس بعضه ببعض وآخذ أواخره من أوائله والمبتدع منه والمخترع قليل إذا تصفحته ، والمحترس المتحفظ بلاغة وشعرا من المتقدمين والمتأخرين لا يسلم أن يكون كلامه آخذا من كلام غيره ، وإن اجتهد في الاحتراس ، وتخلل في الكلام ، وباعد في المعنى ، وأقرب في اللفظ وأفلت من شباك التداخل (...) ومن ظن أن كلامه لا يلتبس بكلام غيره ، فقد كذب ظنه ، وفضحه امتحانه " (1)
من هنا نطرح تساؤلات حول طبيعة معالجة النقد القديم لموضوع التناص، وحول مفاهيم السرقة والمعارضة ، وحول ما يتيحه التناص من قدرات هائلة لتنظيم هذه التداخلات جميعا.
استشعار التناص :
كانت ذبذبات الإحساس بتداخل النصوص الشعرية بعضها مع بعض ، ومع غيرها تلتقط عبر رادارات ملكة الشاعر وذوقه وحفظه، منذ القديم ، فكل نصوصه نتاج تلاقح وتفاعل وتحاور مع نصوص أخرى بكيفيات متعددة ، ولم يفت الشاعر الجاهلي التعبير عن هذا الأمر برأيين مختلفين :
يقر الأول بأخذ اللاحق من السابق ، حيث كان اعتماد المقدمة الطللية منهجا متبعا في استهلال القصيدة الجاهلية ، وهو ما عبر عنه امرؤ القيس بقوله :
عوجا على الطلل المحيل لأننا نبكي الديار كما بكى ابن خذام (2)
بل إن الشعور بإعادة إنتاج ما سبق إنتاجه استشعره الشاعر آنئذ :
مـــا أرانا نـــقـول إلا مــعارا أو معــادا من قولنا مـكــرورا (3)