محود درويششكّل رحيل الشاعر محمود درويش دافعا إضافيا لقراءة تجربته الشعرية التي اكتملت وإن ظلّت وتظلُ مفتوحة على «اكتشافات» جديدة تطلع من غنى الشاعرية. ومن انطوائها على تعددية باذخة فيها الجمالي مثلما فيها الفني. دون أن نغفل بالطبع كل تلك الفضاءات الوجودية والفلسفية والتراثية وحتى الحسّية. والتي امتزجت جميعا لتضع القصيدة الدرويشية في حالة اشتباك دائم ومتجدد مع وعي القارئ وذائقته الجمالية.

في الحديث عن تجربة شعرية كبرى كتجربة محمود درويش نجد من الضرورة الإشارة إلى مراحلها المتعدّدة. والتي حملت كل واحدة منها سمات فنية و»قضايا» شعرية ميّزتها. وكان الطابع الأهم في كل تلك المراحل التطور العاصف الذي أخذته التجربة صعودا. وبالذات منذ خروجه من فلسطين. ووقوفه على أرض الشتات بكل ما عناه ذلك الوقوف من ارتطام بواقع الحياة العربية. وبالأخص إشكالية الوجود الفلسطيني في غابة متشابكة من القوانين و»العادات» العربية. وهو ارتطام قفز بقصيدة الشاعر من فردية عزفها على ناي القضية الواحدة وشبه الوحيدة. أي مواجهة الإحتلال المباشر. إلى جدلية التناقضات الحادّة والبالغة العصف لحياة عربية كانت ولا تزال فلسطين تشكل لها عنوانا يتجاوز الإحتلال إلى عناوين أخرى كثيرة هي في المآل النهائي قضايا الحرية والمساواة وحقوق الإنسان والتنمية. والتي تجعل من فلسطين أكبر من مساحتها الجغرافية. بل تجعلها وسيلة إيضاح للمأزق العربي برمته.

edwardkhratn.jpgيختط المبدع المصري إدوار الخراط لكتابته الشعرية، مناحي احتمالية تستتيح لها آفاق حرية الاستخفاف بالتوسيم الجنسي القار، والانشراع على شتى الأجناس الأدبية والتآلف معها في منظومة تجانس متراكب، له من الطواعية ما يبديها جنس أجناس تتحاور ضمنها حول احتمال من احتمالاتها المتعددة.
هاته الكتابة التي ما فتئت بدفقها الحركي الطليق تستثير أسئلة النقاد، سنكاشفها بالوصف والتأويل من خلال ديوان: "صيحة وحيد القرن"(1) الذي أبرقه المبدع في غضون سنة 1998 بعد دواوين تواترت مباغثة القارئ، في سياق استرسال كتاباته الروائية .

تبعث حرية الكتابة سؤال الشعري على وضع الفيصل بين كتابتين متوازيتين:
أولاهما، مقيدة تهجس بهاجس " أسبقية الماهية على الوجود"، لذا ترتهن بالبعد المكاني في وجودها المنجز فعليا تبعا لتصور " ماهي " سابق عن وجودها النصي.
هاته الكتابة التي لا تلبث أن تتعلب في علبة الهوية الجنسية، تعتبر الأدب " شيئا في ذاته" أي شيئا معطى جاهزا ونهائيا، لذا فما يحدها هو "الهو الغائب" هذا "الهو" الذي يعقل حريتها في خطاب كينوني مغلق، تتطابق فيه مع ذاتها النصية تطابقا يعدم الاختلاف.
ثانيتهما، مطلقة تهجس بهاجس " أسبقية الوجود على الماهية "، لذا ترتهن بالبعد الزماني في وجودها المنجز افتراضيا، تبعا لتصور " وجودي" سابق عن ماهيتها المؤجلة دوما، في سيرورة تلقيات لا تشترط خلالها وجودها بذاتها، وإنما تشترطه ب"الأنت" المخاطب، الذي يخرجها من نطاق الكمون إلى نطاق التحقق الفعلي المتنزل على محور الزمن، حيث تتلامح بجلاء عبارة عن خطاب تعدد كينوني دائم الانبجاس، ودائم الانجذاب إلى جاذبية الاختلاف في الصوغ الشعري، وفي القراءات التي تحتملها، إذ تنزع طليقة إلى النائيات الاستعارية واحتمالات انتظامها.

bach.jpgثراء عصر الباروك الموسيقي مازال أمرا مثيرا للدهشة ، في هذا العصر الذي يحدد المورخون بدايته  ببداية القرن السابع عشر (١٦٠٠)  و ينهونه تقريبيا بوفاة  "باخ " عام ١٧٥٠ بلغت الموسيقي أوج  بهائها و إزدهارها، ٌآزدهارا  لم تعرفه في عصور سابقه بل و ربما في كل  تبعه من عصور أو  يجدر بنا القول  أن ما عايشته الموسيقى في هذا العصر من تطور كبير في القواعد و الأساليب كان أضعاف ما عرفته  من تطور في تاريخها السابق كله و ما أرساه من تقاليد فنية  كان أساسا للتتطورات اللاحقه في القرنين الثامن و التاسع عشر.امتاز تيار موسيقى عصر الباروك باتساع و تنوع رقعته، فلم يقتصر الإنتاج الموسيقي علي قطر واحد بل اتسع ليشمل عددا من  المدارس المختلفة في العديد من البلدان الأوربية فبدأ بدايته الحقيقية في إيطاليا بظهور العبقري مونتيفردي Montiverdi(١٥٦٧-١٦٤٣) الذي أخرج أول أوبرا حقيقية و خلافاءه من أمثال "كوريللي Corelli ( ١٦٥٣-١٧١٣) و فيفالدي Vivaldi(١٦٧٠-١٧٤٣)  و "سكارلاتي "Scarlatti(١٦٨٥-١٧٥٧) و قد كان لمدرسة الباروك الإيطالية فضلا عظيما علي موسيقي ذلك العصر فقد أرسي أعلامها القواعد الخاصة بقوالب السوناتا و الفوجه  Fugeو الكونشرتو ، كما نشأ علي أيديهم فن الأوبرا و إلي جانب المدرسة الإيطاليه كان هناك الباروك الإنجليزي  الذي حمل لواءه "هنري بورسل " Purcell الذي ألف عددا كبيرا من الأوبرات تأثر فيها إلي حد كبير بالأوبرا الإيطالية و أيضا بإسلوب معاصره الفرنسي " لولي " (١٦٣٢-١٦٨٧)الذي قاد بموهبته الثورية هو و معاصره"كوبران " Couperin(١٦٦٨-١٧٣٣) ثم "راموه " Ramu( ١٦٨٣-١٧٦٤) مدرسه الباروك الفرنسيه التي صنعت للموسيقي الفرنسية إسلوبا خاصا و سمعة ممتازه  تجاري الإيطاليون فيما حققوه من نهضة موسيقية ، أما ألمانيا فقد كانت الموسيقي فيها أقل شأنا من نظيرها في إيطاليا و فرنسا إلي أن جاء العبقري العظيم " يوهان سبستيان باخ" (١٦٨٥-١٧٥٠) الذي اقترنت موسيقي الباروك باسمه و قدم أروع و أخلد منجازاتها و ارتفع بالموسيقي إلي سموات علا لم يطأها عقل قبله و لا بعده

cours-de-theatre-id68.jpgتعتبر مسرحية أشباح ثورة اجتماعية وأكثر قوة من مسرحياته السابقة في ذلك الوقت، حيث تمكن إبسن  أحد رواد المسرحية الحديثة  أن يعري الكذب والنفاق الاجتماعي  وانعدام أو تقلص الاحساس بالمسؤولية الذي يؤدي للعجز وتراجع مساحة الفرح الإنساني . الغرض من هذه المسرحية هو تسليط الضوء على العناصر الأكثر ضررا وتدميرا في الحياة. و قبل أن تصدر المسرحية ، أرسل ابسن رسالة إلى ناشره " فريدريك هيجل" حيث يحذره قائلا :"أشباح ستكون إلى أبعد حدّ في بعض الدوائر مثيرة للانزعاج ولكن يجب أن تكون هكذا. إن لم تثر ضجة لم يكن من الضرورة كتابتها ". لكن أشباح كانت قنبلة موقوتة أكثر مما كان يتوقع ابسن. شخصيات المسرحية قليلة: السيدة هيلين ألفينج، ابنها أوزفالد، القسيس ماندرز، النجار انجستراند، والخادمة ريجينا انجستراند، وكذلك الحاجب وهو المتوفي ألفينج، زوج هيلينا ووالد أوزفالد. رغم أنه توفي، إلا أنه يؤثر على كل ما يحدث في المسرحية، وتجري الأحداث في منزل فخم بروزنفولد وفي أقل من أربعة وعشرين ساعة.
تبدأ المسرحية لنعرف أن أوزفالد الذي يعمل فنانا في باريس رجع إلى أهله. في نهاية المسرحية نعرف أن رجينا وأوزفالد أخوة من الأب، كما نعرف أن أوزفالد ورث مرض الزهري المميت من والده. الخادمة رجينا التي وعدت بأن تذهب إلى باريس مع أوزفالد ستغادر أوزفالد عندما تعرف أنها أخته من الأب. احترق الميتم الذي ستفتحه السيدة ألفينج. ستسوء حالة أوزفالد في فترة مرضه الأخيرة و يوشك أن يكون مجنونا. طلب من أمه أن تمنحه المورفين لكي ينهي حياته، كما جاءت به إلى  الحياة يريدها أن تأخذه بعيدا عنها .

قامت السيدة ألفينج بما سمته عائلتها القران الجدير بالاعجاب، تكتشف بعد فترة وجيزة من زواجها أن زوجها سكير وفاجر. تصاب بيأس وتلجأ إلى صديقها الشاب، القس ما ندرز الذي كان يهيء لانقاذ النفوس على الرغم من أنها مغلفة في جثث متعفنة. يحث القس ماندرز ميسز ألفينج للعودة الى زوجها وواجباتها تجاه بيتها. ميسز هيلين ألفيج شابة وغير ناضجة ، وكذلك تحب القس الشاب ماندرز. أوامره كانت مطاعة لذك عادت إلى بيتها، وعانت خمسة وعشرين عاما من البؤس والتعذيب المستمر بلا نهاية. تحملت ذلك الشقاء من أجل ابنها الذي ولد من تلك العلاقة العجيبة. ابنها اوزفالد كان كل شيء في حياتها ويجب الحفاظ عليه بأي ثمن. و للقيام بذلك ستضحي رغم توقها الكبير  بإرساله بعيدا عن الأجواء المسمومة في منزلها.
من مشاهد المسرحية: أم مثقلة بالذنوب

مسييز ألفينج:  كان أوزفالد على حق في كلمة.
القس ماندرز: على حق!
ميسز الفينج: هنا في وحدتي وصل بي تفكيري إلى نفس النهاية، ولكني لم أجرؤ على الافصاح عن آرائي، إلى أن جاء إبني يتحدث عني.
القس ماندرز: أنت تثيرين شفقتي، ولكن دعيني أتحدث إليك، ولن أتحدث بوصفي مدير أعمالك ومستشارك ولكن بوصفي الصديق القديم لزوجك. بوصفي القسيس. القسيس الذي لجأت إليه يوما عندما أخطأت في الحياة.
ميسز ألفينج: وماذا يمكن القسيس أن يقوله لي؟
القس ماندرز: سأثير ذكرياتك بعض الشيء والوقت مناسب لذلك .  غدا الذكرى العاشرة لوفاة زوجك. غدا سيزاح الستار عن نصب لتخليد ذكراه. غدا سأتحدث إلى أناس كثيرين، أما اليوم فسأتحدث إليك وحدك.
ميسزو ألفينج: تفضل.
القس ماندرز: أتذكرين ولم ينقضي عام على زواجك، أنك وقفت على حافة الهاوية. إنك هجرت بيتك، أنك فررت من زوجك ، نعم  فررت ورفضت العودة إليه رغم توسلاته وصلاته.
ميسز ألفينج: وهل نسيت مدى تعاستي آنذاك .
القس ماندرز: إنها روح التمرد التي تدفعنا إلى طلب السعادة في هذا العالم. ولكن بأي حق لنا نحن ألآدميون أن طلب السعادة؟ علينا أن نؤدي واجبنا. كان واجبك البقاء إلى جانب ذلك الرجل الذي ارتبطت به برضاك المقدس.
ميسز الفينج: لعلك لم تنس كيف كان الفينج يحيا وكم كانت ذنوبه وآثامه .
القس ماندرز: نقلت إلي الشائعات الكثير عنه، وإذا لم تخطئ تلك الأقاويل، فإنك أول من ينكر حياة ألفينج في شيليه، ولكن للزوجة أن تقيم نفسها حكما على زوجها. كان من واجبك أن تحملي الصليب  الذي حملتك إياه الإرادة العليا. ولكنك تمردت ورميت الصليب، وهجرت الدار وخاطرت باسمك و سمعتك، وكدت أن تدمري سمعة قوم آخرين.
ميسز ماندرز: تعني سمعة شخص آخر.
القس ماندرز: كان من الحمق أن تلجأي إلي.
ميسز الفينج: إلى قسيسنا.. إلى صديقنا الحميم.
القس ماندرز: لنفس الاعتبار. إنك مدينة بالشكر لله، أن وهبني تلك اللحظة صدق العزيمة فنجحت في طرد الشيطان عنك وإرجاعك ثانية إلى دارك وزوجك.
ميسز ألفينج: كان هذا واجبك؟
القس ماندرز: لم أكن إلا أداة بسيطة في يد إرادة عليا. ألم تشعرين بالراحة النفسية بعد أن أرشدتك إلى طريق الطاعة وتحمل أعباء الحياة؟ ألم تسير الأمور على النحو الذي توقعت ، فتبرأ الفينج من أخطائه كما يجب على رجل أن يفعل، وعاش إلى جانبك زوجا طيبا، كريما، عطوفا حتى مات؟ ألم يصبخ إنسانا خيرا امتد خيره فشمل الجوار؟ ألم يرفعك إليه حتى صرت شريكة له في أعماله؟ لا أنكر مسيز ألفينج أنك جديرة بالثناء. ولكن لنتحدث الآن عن خطيئتك الثانية الكبرى في الحياة.
ميسز ألفينج: ماذا تعني؟
القس ماندرز: كما تنكرت لدور الزوجة يوما، تنكرت لدور الأمومة. كنت نزاعة إلى التحرر والتمرد ولم تعرفي يوما كيف تتحملين التزاما أو قيدا. فقدت دون عناية أو شعور مسؤولية كل ما ألقاه الواجب على عاتقك. ذات يوم لم يرق لك أن تكوني زوجة فغادرت زوجك.  ورأيت أن الأمومة حمل ثقيل فأرسلت ابنك إلى الخارج يعيش بين الغرباء.
ميسزو ألفينج: هذا حق.... لقد فعت ذلك.
القس ماندرز: وهكذا أصبحت غريبة في نظري.
ميسز ألفينج: كلا، كلا، لست كذلك.
القس ماندرز: نعم، أنت غريبة في نظري. تلك حقيقة لامهرب منها. تدبري الأمر يا ميسز ألفينج؟ لقد أثمت في حق زوجك، وإقامة تلك المؤسسة لذكراه اعتراف منك بالإثم. وعليك أن تعترفي الآن بإثمك في حق ابنك. تبتعدي عن طريق الخطأ وانقذي البقية الباقية التي تستطيعين لأنك أم مثقلة بالذنب. ذلك واجبي نحوك.

كيف كان الحال؟

هل كانت مؤسسة الزواج المقدسة كما يسميها البعض تبنى على أنقاض علاقات اجتماعية غير واضحة المفاهيم ، وبالتالي آلاف من الاطفال الأبرياء يدفعوا ثمهنا حياتهم في حين أمهاتهم تواصل حتى النهاية من دون أن يتعلمن كيف هي الحياة إجرامية بشكل مخيف. تتحمل مسز الفينج عبث زوجها وتقاسي الأمرين حتي تحافظ علي سمعته وإن كان الثمن باهظا. تعيش مع الحقيقة المرة إلى الأبد ،حقيقة ما رأته من الحياة الماجنة من والد طفلهاالذي عاش في محيط ضيق، لم يجد فيه هدف  لحياته . تضحي من أجل طفلها أوزفالد الذي كان النور الوحيد لها.   كل ما يجري في دماء الانسان هو ما ورثه عن والديه، بل أغلب الأفكار والعادات والممارسات يكتسبها من محيطه الاجتماعي . في مسرحية أشباح تتحمل مسز الفينج عبث زوجها وتقاسي الأمرين حتي تحافظ علي سمعته، وكان من نتيجة هذا تدمير حياتها وحياة ابنها الوحيد الذي ورث عن ابيه مرضا سريا لاشفاء منه، والابن هنا ضحية أشباح تكمن وراء التقاليد البالية التي تقف عائقا دون تكامل الشخصية.

كل امرأة "ضحية" إلا ووراءها رجل

كتب ابسن هذه المسرحية كي يشخص المجتمع الذي يحكم على الظاهر أكثر من الباطن، مجتمع يعيش تحت أغطية كثيرة مستورة ، كان المجتمع الأوربي يعاني منها على شكل أمراض اجتماعية وجنسية. توغل عميقا في ثنايا علاقات المجتمع الأسرية والعلاقات غير الشرعية، ووضعية المرأة التي تصبر وتضحي لاجل انقاذ اطفالها على حساب حياتها وتعاستها، وتصبر على فساد الزوج حفاظا على سمعة العائلة والمركز الاجتماعي.

الشخصية التي فقدت كل شيء هي السيدة ألفيج . ستدرك أنها هي السبب في جعل زوجها ينجب طفلا خارج نطاق الزواج لأنها حرمته من سعادة الحياة وتضع اللوم على نفسها. فقط الآن اكتشفت أنه كان من الممكن أن تعيش معه حياة سعيدة وتتحمل أيضا ذنب انجاب أوزفالد. ذنبها سبب ارتباطها برجل لا تحبه. لذلك لم تكن قادرة على مقابلته. كانت تخشى من شراسته ووحشيته. كانت فقط مهتمة بالحفاظ على المظهر الكاذب للزواج وتأدية الواجبات التي تعلمتها من أمها، و خالاتها وصديقها القس ماندرز. هل كانت ستعطي المورفين لأوزفالد حتى يموت... هذا ما لا نعرفه . كما جرت العادة يترك ابسن المشاهدين لطرح أسئلة مهمة وكبيرة. سئل إبسن من طرف الأديب  وليام آرتشر (الذي ترجم إبسن إلى الانجليزية) عن ميسز ألفينج إن ساعدت أوزفالد على الموت أم لا. ضحك ابسن وقال: "لا أعرف. يجب معرفة ذلك بنفسك. لا أريد أبدا أن أحلم في اتخاد قرار أسئلة صعبة." يبدو الأمر تقريبا  عندما تسرد كل المآسي على النحو التالي، تصبح كثيرا من الأشياء الجيدة، ما يعرض على خشبة المسرح فهو بعيدا عن الكوميديا. يشعرالمشاهد بالألم حينما يرى الشخصيات واحدا تلو الآخر في طريقها تدريجي!
 ا إلى التفكك. والسبب الذي يجعل المسرحية مؤلمة وليس مضحكة، لأن ابسن بطبيعة الحال يعرف متى سيأتي بالإفصاح عن بعض الأسرار. يعرف كيف سيستخدم التقنيات الأدبية وكيف سيستعملها على خشبة المسرح. وتلك هي عبقريةإابسن ككاتب مسرحي. في واحدة من المسرحيات يعالج ابسن مواضيع مثل الزنا، الأمراض التناسلية ، وسفاح القربى والقتل الرحيم. لكن مسرحية أشباح يضا تتحدّث عن الفرق بين البيئة الاجتماعية في النرويج وبلدان جنوب أوروبا، و الحياةالقمعية هنا في وطنه "النرويج" عكس الحياة السعيدة التي تعيشها الشعوب هناك ، لذلك تتعرض آلية مؤسسة الزواج في بلاده للنقد القاسي .
إنها ستكون فضيحة إذ أرجعت المكتبات مئات النسخ إلى دار النشر. الكثيرون لم يريدوا حتى الاعتراف باقتناء الكتاب. الناقد في الجريدة الصباحية يقول بأن هذا الكتاب لا يجب أن يوضع على مائدة في بيت مسيحي. لم تجرؤ المسارح في مدن كريستيانيا، ستوكهولم ،  وكوبنهاغن على عرض مسرحية الأشباح. استغرق الأمرعامين قبل أن تعرض للجمهور النرويجي،و كانت الممثلة السويدية أوجست ليندبرج  قد جاءت الى كريستيانيا مع الفرقة المسرحية، ورغم ذلك  لم تعرض المسرحية في مدينة  كريستيانيا . العرض الأول كان في عام 1900 ، سنة بعد افتتاح المسرح الوطني، عرضت المسرحية على مسرح ثابت في العاصمة. و في ألمانيا ، كانت المسرحية ممنوعة للعرض لعدة سنوات.
قدّمت مجموعة من الهواة الدنماركيين والنرويجييين المسرحية في شيكاغو بالولايات المتحدة للمهاجرين من الدول الإسكندنافية. كان ذلك أول مرة تعرض فيه مسرحية ابسن على جانب المحيط الأطلسي. جمع وليام آرتشر مجموعة من الاقتباسات من الجرائد الانجليزية عندما عرضت مسرحية الأشباح في لندن لأول مرة. " المجارير المفتوحة، ووجود جروح مقرفة مع ضمادة ممزقة، عمل قذر يعرض علنا، حقل مستشفى بنوافد وأبواب مفتوحة على مصراعيها .... هذه المسرحية كلها ابتدال وأنانية، خشونة وسخافة ... عرض منفّر ومثير للإشمئزاز  ... عرض مريض وتخريبي، خطر على الصحة وتاريخ سيء ..."
حتى في النرويج تعرضت المسرحية إلى انتقادت سيئة وبغيضة. لكن هناك من كانوا يساندونه. بيورن ستيارنا بيورنسن كان واحد منهم. وأملي سكرام كانت أيضا واحدة من الذين كانوا يؤيدونه. كان دعم بيورنسن على وجه الخصوص حارّا لابسن. كانت بينهما عداوة منذ أن نشر ابسن مسرحية اتحاد الشبيبة. على الرغم من ذلك كان من بين القلائل الذين تحدّثوا علنا بطريقة لطيفة عن مسرحية الأشباح.   كتب ابسن في رسالة:" الشخص الوحيد الذي كتب بحرية وجرأة بطريقة جيدة عني، هو بيورنسون. جرأته تشبهه. في الحقيقة له عقل ملوكي كبير ولن أنساه أبدا. بعد وقت قصير كانت مسرحية أشباح تكاد أن تكون واحدة من أكثر مسرحياته عرضا. ومن جديد سيكون إبسن متقدما بفارق كبير عن جمهوره .

الحلقة القادمة:

ما الذي جعل مسرحية أشباح مؤثرة في جمهور اليوم ؟

pain.jpgهل يمكن أن تشكل القصة القصيرة وعاء ا مثاليا للحكي السير ذاتي ؟ وهل بإستطاعة هذا النمط السردي  منحنا متعة القصة المشوقة المستوفية الشروط والناضجة ’ أم أن الحكي السير ذاتي هو مجرد فضفضة للتفريغ.. لحظة اختناق كبير’ ومجرد محاولة لعتق الروح ’ بل عتق حكايات منسية وتسريحها للأبد .. مادام صاحبها قد اقتنع أنه لا شفاء من أثقالها  سوى حكيها ولو للمرة الأخيرة ليستريح ؟ ثم ما  الجديد الذي يمكن للقص السير ذاتي أن يمنح القصة وهي  محكومة بآليات كتابة دقيقة ؟ وهل يمكن اعتبار كل المحكيات السير ذاتية قصصا.. ما دامت تجتزئ من روح صاحبها  ’بل تقتطع  من كيانه و تاريخ نجاحه وفشله في الحياة ’ لحظات قد لا تثير أي رد فعل  لدى البعض ؟
 
عندما نتحدث عن السيرة الذاتية في القصة القصيرة ’ يبرز واضحا للعيان أننا أمام محكي متنوع.. راصد للحظات الأشد وقعا في حياة ينقلها كاتبها بصدق ممزوج بحرقة كبيرة تبرز جوانب خفية أو منسية  إبان حياته .. فالقص السير ذاتي هو التقاط لتفاصيل  صغيرة جدا من الواقع .. ومن منظور خاص يمكننا أحيانا من أخذ ولو صورة جزئية عن مرحلة في رقعة جغرافية جد  محدودة .. لكن أهميته الكبرى تنجلي بعد إسقاطه كعينة للمسح على مجال  أكبر وأوسع .. مما يعكس  حقيقة الواقع’ وبالتالي التعرف عن قرب عن جانب من "التاريخ" المحلي  ..خصوصا في جانبه الاجتماعي والنفسي الذي   يسلط الضوء على نمط حياة فئة اجتماعية ما  لها خصوصيتها . .
من هذا المنطلق ’ سوف لن تكون دراستنا لهذه المجموعة ذات طابع علمي سوسيولوجي.. أو أنتروبولوجي.. بقدر ما سنحاول الإجتهاد قدر الإمكان لفتح مكونات القص على آفاق أخرى..  نظرا لكون القصة أضحت مع كاتبها القاص محمد الحاضي وعاءا لتجميع معطيات عديدة.. من خلال إشارتها الوامضة إلى الوقائع.. التي بقدر ما تعكس حدثا له خصوصيته.. بقدر ما تعري عن حقائق الحياة في زمن القسوة بداخل مكان له أهميته القصوى ( القرية).. و بالتالي فالصورة ستستكمل بظهور كتابات أخرى مضيفة معطياتها التي ستمكن من تكوين رؤية واضحة المعالم وتصور حقيقي بل و واقعي . .

mamdouh_adouane.jpgإن قراء ة أي نص أدبي تتضمن مواجهة بين صورة العالم لدى القارئ، وصورة العالم كما يصورها النص. والقارئ عادة ما يفترض أن النص يصور العالم كما يعرفه. لكن النص قد يؤكد له هذه الفرضية وقد يخالفها.
وإلى جانب الجدلية التي يثيرها التقابل بين صورة العالم لدى القارئ وصورة العالم كما يطرحها النص، هناك جدلية أخرى مهمة في تفسير النصوص الأدبية؛ وهي الجدلية القائمة بين الحقيقة التاريخية التي يفترض أن النص يصورها، وبين التقاليد اللغوية الأدبية المتوارثة التي تتدخل في طريقة صياغة هذه الحقيقة وتصويرها. ويتأثر تفسير المفسر للنص برؤيته لدور هذه التقاليد في تصوير الحقيقة في النص.
ويؤكد "كريستوفر بطلر" في كتابه: "التفسير والتفكيك والإديولوجية"(1) أن الأطر المعرفية والإيديولوجية تتدخل إلى حد كبير في اختيار الأبنية اللغوية وفي تفسير دلالاتها. وينتهي من ذلك إلى تعريف الأبنية اللغوية في النص الأدبي ـ التي يطلق عليها اسم: الأنظمة الشفرية ـ بأنها حقل دلالي يكتسب تفسيرا اجتماعيا أو عقائديا وفق النظم الحضارية السائدة في المجتمع، أو وفق رؤية المؤلف أو القارئ للعالم.
إن كل نص يركز على بعض الأنماط والنظم الحضارية دون غيرها، تلك النظم التي تمثل القيم المعيارية في هذه النصوص.
ومعنى هذا أن القارئ يفترض أن النص يحاكي العالم بصورة ما، ويختار أحد نواحي التجربة الإنسانية ويركز عليها دون غيرها. ولكن علاقة النص بالعالم الخارجي، أو بالإطار العقائدي أو الحضاري السائد خارجه ليست بهذه البساطة. أي ليست عملية تصوير تعتمد على المحاكاة البسيطة؛ إذ أن النص عادة ما يخفي حقيقته عنا بما أنه نص أدبي خيالي مصطنع يخضع لمجموعة من التقاليد والقواعد المفتعلة. وهذا ما يثير مسألة الاستقلال النسبي للنص الإبداعي.

pablo-neruda.jpgكتب الشاعر التشيلي الكبير بابلوا نيرودا  قصيدة شهيرة اختر لها عنوان " أغنية حزينة "  و القصيدة في مجملها تعبير صريح من شاعر عاش الكثير و عانى الكثير ، عن حالة من التمرد ضد الأعراف النفسية و الاجتماعية التي تربى عليها الناس و صاروا على نهجها و جعلوها الهادي و القنديل في حياتهم البسيطة . تحكي القصيدة حكاية رجل بسيط قضى ليال عمره دون أن تشغله أشياء هذه الدنيا و محسوساتها ، رغم أنه كان دوما على موعد مع حسابات خاصة يقوم بها و يتلهف نحوها ، غير أنه لا يفصح عنها و يستأثر بها لمفرده ، و تنتهي القصيدة و لا يفصح الشاعر عن حساباته الخاصة لتظل كل القراءات ممكنة ، و تصبح هذه الحسابات الخاصة هي حسابات كل إنسان على وجه الأرض ، فمن منا لا تشغله مواضيع معينة  يقضي أياما و ليال يفكر فيها و يبحث فيها و يحسب لها ألف حساب و حساب . في القصيدة يقدم بابلوا نيرودا استغناءه عن المال و الأملاك الخاصة و التي يعيش الكثير لحظات تهافت كبير عليها ، فهي بالنسبة له لا تشكل هاجسا يشغله ، بل أكثر من ذالك هي أشياء غائبة من خانة تفكيره البتة ، و هو ما تدل عليه عبارة " لا " التي تتكرر عند نهاية كل مقطع أكثر من مرة فيقول :
أمضيت ليالي حياتي كلها
وأنا أحسب، لكن في حساباتي
ما كنت أدرج لا أبقارا
ولا جنيهات إسترلينية

anfasse.orgكقارئٍ ممسوسٍ بالشغفِ إلى اكتشافِ كلِّ جديدٍ في العوالمِ المختبأةِ في الكتبِ والموروثِ الإنساني فإنني أدينُ لفطرتي السليمةِ في أحيانٍ كثيرةٍ. وأدينُ دائماً لذائقتي النقيَّةِ التي قلَّما تخطئُ في اختيارِ المجموعات الشعريةِ اللامعة.
فأنا دائبُ البحثِ عن الدواوين التي تحملُ في طياتها الرؤى والأساليب الجديدةَ والتقنيَّات العالية والمبتكرة لصياغة القصيدة العربية الحديثة وتلك المتفلِّتة والمتطلِّعة إلى ما وراء الحداثة.
وقد كانَ ديوان الشاعر الفلسطينيِّ الأصل والأردنيِّ النشأةِ يوسف أبو لوز والمُسمَّى " ضجرُ الذئب " أحدَ الدواوين الشعرية التي أفدتُ منها كثيراً وفتحت شبابيكي على عوالم ومناخات طالما حلمتُ بها.. ذلكَ أنَّهُ من الكتب الشعرية القليلة التي بهرتني بقيمتها النوعيَّةِ العظيمة. من دون أن يكون لصاحبها ذلك التقديسُ في المحافل الأدبية هنا وهناك.. ذلكَ أنها شكلَّت مفصلاً أساسيَّاً في مسيرةِ صاحبها الشعريةِ.
عدم معرفتي بالشاعر الجميل روحاً ونصّاً يوسف أبو لوز جعلني أتردَّدُ في البدايةِ باقتناءِ الديوان ظنَّاً مني أنهُ لا يحملُ الضالة التي أبحثُ عنها.. ولأنني ربمَّا أصبحتُ أميلُ إلى الأسماءِ المكرَّسةِ كغيري من الشعراءِ العربِ الذين لا يريدونَ أن يجهدوا أنفسهم بالبحثِ عن الشعريَّات الجميلة المستترة وراءَ حجابٍ رقيقٍ من الخجلْ.
ولكنني في النهايةِ غامرتُ وراهنتُ على جودتهِ  بعدَ قراءةِ بعضِ سطورهِ القليلة.. وهكذا اشتريتهُ ولم أكن بعدُ قد إطَّلعتُ على ما أثارهُ هذا الديوان من ضجَّةٍ أدبيةٍ ودويٍّ شعريٍّ.. ولم أكُ أعلمُ أيضاً أنهُ حصَدَ جائزة عرار الأدبية في الأردن فور صدورهِ عام 1992  عن إتحادِ الكتاب الأردنيين والمؤسسة العربية للدراساتِ والنشر. مما حدا ببيت الشعر الفلسطيني أن يصدرهُ بطبعة ثانيةٍ أنيقةٍ بعدَ ذلكَ بسنوات.