تتميز الحكاية المثلية، بكونها نصوصا حجاجية حكمية ترمي إحداث تغيير أو إطراء عبرة في نفس المتلقي رغبة في الاقتداء به والحرص على تغيير المجتمع وتوجيهه إلى ما يتوجب فعله أوتجنبه. وتعد حكاية "القرد والغيلم"، من بين هذه الحكايا المثلية التي صاغها ابن المقفع بطريقة فنية سلسة يرتاح لها القاريء وينساق وراء ما ورد فيها من أحداث ومفاهيم مثل: الصداقة والعداوة؛ إذ حرص منذ البداية على تتبع مسير السرد رغبة في العمل بفكرة أو العدول عنها، وقد سلك المؤلف في ذلك بناء منهجيا موفقا اعتمد فيه السرد والحجاج. فكيف بني السرد في هذا الباب، كيف تشكل الحجاج، ماعلاقة السرد بالحجاج؟ هل يخدم أحدهما الآخر؟ أم إن وظيفتيهما جاءت موازية تتناسب مع المقصدية التي ترومها "كليلة ودمنة" بشكل عام، وحكاية "القرد والغيلم" بشكل خاص، ثم ما طبيعة العلاقة بين السرد والحجاج، هل هي علاقة تداخل أم تنافر؟ بصيغة أخرى، ما وظيفة السرد والحجاج في هذه الحكاية؟ وكيف ساهما في تشكيلها بطريقة تخدم عملية التلق أكثر من أي شيء آخر؟
هذه الأسئلة وغيرها، هي التي سنحاول مناقشتها في ثنايا العرض. ولكن، قبل الشروع في معالجة الموضوع الذي نحن بصدده، ارتأينا أولا أن نشير إلى مفهوم السرد والحجاج؛ حتى يتسنى منح رؤية تصورية تتماشى مع التحليل، ثم نظهر التداخل بينهما أثناء تحليلنا باب "القرد والغيلم".
مفهوم البنية السردية:
واكب تطور الأجناس الأدبية ظهور عديد من المدارس النقدية والأدبية والفلسفية نتج عنها اختلاف كبير في المناهج؛ هذه المناهج سعت جاهدة إلى استقصاء ،الأجناس، ودراستها دراسة دقيقة غايتها الأهم، فحص النصوص وفهمها، وذلك حسب توجه كل مدرسة. ومع التسرب الفكري والثقافي، نشأت جملة من النظريات منها؛ النظرية السردية التي كانت وجهتها الأساس قراءة النصوص وفهمها من حيث المبنى والمعنى، فقد حرص النقاد والمفكرون مثل: تيزﭬيتان تودوروڤ،جيرار جنيت ورولان بارت وغيرهم، على مسايرة النظرية السردية تلك النصوص، لأجل ذلك، اجتهدوا في تعريف السرد والبنية السردية، وأهم هذه التعريفات تذهب إلى تعريف السرد من منظور الحكي كالآتي: