69تتميز الحكاية المثلية، بكونها نصوصا حجاجية حكمية ترمي إحداث تغيير أو إطراء عبرة في نفس المتلقي رغبة في الاقتداء به والحرص على تغيير المجتمع وتوجيهه إلى ما يتوجب فعله أوتجنبه. وتعد حكاية "القرد والغيلم"، من بين هذه الحكايا المثلية التي صاغها ابن المقفع بطريقة فنية سلسة يرتاح لها القاريء وينساق وراء ما ورد فيها من أحداث ومفاهيم مثل: الصداقة والعداوة؛ إذ حرص منذ البداية على تتبع مسير السرد رغبة في العمل بفكرة أو العدول عنها، وقد سلك المؤلف في ذلك بناء منهجيا موفقا اعتمد فيه السرد والحجاج. فكيف بني السرد في هذا الباب، كيف تشكل الحجاج، ماعلاقة السرد بالحجاج؟ هل يخدم أحدهما الآخر؟ أم إن وظيفتيهما جاءت موازية تتناسب مع المقصدية التي ترومها "كليلة ودمنة" بشكل عام، وحكاية "القرد والغيلم" بشكل خاص، ثم ما طبيعة العلاقة بين السرد والحجاج، هل هي علاقة تداخل أم تنافر؟ بصيغة أخرى، ما وظيفة السرد والحجاج في هذه الحكاية؟ وكيف ساهما في تشكيلها بطريقة تخدم عملية التلق أكثر من أي شيء آخر؟
هذه الأسئلة وغيرها، هي التي سنحاول مناقشتها في ثنايا العرض. ولكن،  قبل الشروع في معالجة الموضوع الذي نحن بصدده، ارتأينا أولا أن نشير إلى مفهوم السرد والحجاج؛ حتى يتسنى منح رؤية تصورية تتماشى مع التحليل، ثم نظهر التداخل بينهما أثناء تحليلنا باب "القرد والغيلم".
مفهوم البنية السردية:
واكب تطور الأجناس الأدبية ظهور عديد من المدارس النقدية والأدبية والفلسفية نتج عنها اختلاف كبير في المناهج؛ هذه المناهج سعت جاهدة إلى استقصاء ،الأجناس، ودراستها دراسة دقيقة غايتها الأهم، فحص النصوص وفهمها، وذلك حسب توجه كل مدرسة. ومع التسرب الفكري والثقافي، نشأت جملة من النظريات منها؛ النظرية السردية التي كانت وجهتها الأساس قراءة النصوص وفهمها من حيث المبنى والمعنى، فقد حرص النقاد والمفكرون مثل: تيزﭬيتان تودوروڤ،جيرار جنيت ورولان بارت وغيرهم، على مسايرة النظرية السردية تلك النصوص، لأجل ذلك، اجتهدوا في تعريف السرد والبنية السردية، وأهم هذه التعريفات تذهب إلى تعريف السرد من منظور الحكي كالآتي:

25إعتراف !!
الدخول في عالم سامي العامري كالدخول في حقل ألغام محاطٍ بأسلاك شائكة ، الداخل فيه مُغامرٌ متهوِّرٌ أو أحمق والخارجُ منه قتيلٌ أو مُثخنٌ بالجراح التي لا تندملُ ولا من علاجٍ لها لا في طبِّ جالينوس ولا في طب إبن سينا. قرأتُ الكتب الأربعة ، وما زلتُ أقرأ وأنا أكتب عنها وعنه ، التي أرسل لي أخيراً مع كلمات إهداء جميلة مُعبِّرة فهو يعرف أني كنتُ أولَّ مَنْ كتب عنه وعن ديوانه الأول الذي يحملُ عنوان ( السكسفون المُجنّح ) . كان يومذاك في الأوج من التألق الرومانسي مع صديقته الألمانية ( ريتا / ربّة الشفاء ) لكنه ، وفي عين الوقت ، كان في القرار السحيق من سوء أوضاعه الصحية كما أخبرني شاعرٌ سوريٌّ صديق صلتُهُ وثيقة بسامي العامري . هذا هو سامي العامري في حياته اليومية الشخصية كما هو في شعره وقصصه ، وجهان لعملة ذهبية واحدة تحمل اسمه على وجه وتحملُ صورته على الوجه الآخر . وضعتُ بتأنٍ تخطيطات حاولتُ أنْ أكون دقيقاً فيها لكي لا أظلم الرجل ولا أظلم نفسي ... أبيّنُ فيها خصائص سامي الشخصية جداً منها والشاعرية فإنه إنسانٌ شاعر وشاعرٌ إنسان فكيف يفترقان أو كيف يفترق الوجهان ؟ إستخلصتها لا من باب التجريد والرجم بالغيب بل مما قال هو في نصوص كتبه التي قرأت في هذه الأيام والتي أصبحت بفضله في حوزتي هدية منه وهو الكريم النشأة والطباع والسليقة .
1ـ لا أغامرُ كثيراً إذا ما أطلقتُ عليه الوصف التالي : الدون جوان العامري ـ المتصوّف النيتشوي الذي لا يتحرك ولا يقرُّ له قرارٌ إلاّ ساعياً على قدميهِ
أو جالساً مُرتكِزاً على قوائمَ أربع هي : الكتابة والقراءة ـ والسيجارة ـ وفنجان القهوة أو الشاي ـ ثم الخمرة . كيف نجح سامي في جمع كل هذه الخلائط في نفسه فصوّرها ومثلّها شعراً وقصّاً أم أنها فرادى ومجتمعة فرضت نفسها عليه بالتعاضد مع بيئاته ونشأته وقاسي ظروفه سواء في وطنه العراق أو في المانيا حيث دخلها عام 1984 لاجئاً هارباً من حرب صدّام حسين الكارثة مع إيران . هرب سامي من موت شبه أكيد في جبهات الحرب الضروس عسكرياً مُجنّداً رغم إرادته في الجيش العراقي ... هرب من هذا الموت ليواجه إحتمالات أكثر من موت واحد غير أكيد .

134تعتبر القصة فنا من الفنون الأدبية التي اهتمت عبر الزمن الطويل بنقل الواقع المعيش وتسجيله بطريقة فنية و جمالية .
وبهذا المعنى فالقصة تأريخ لمرحلة تاريخية يعيشها القاص وينقلها في عمله القصصي بطريقة فنية متخيلة ، ترقى بالواقع المعيش من مستوى الواقع الملموس المضطرب ، إلى المستوى الفني و الجمالي الهادئ الذي يرقى بالنفوس ويمتعها ويهذبها .
و المجموعة القصصية " الأرقام الضائعة " للقاص المغربي بوعزة الفرحان ، واحدة من مجاميع قصصية كثيرة و متعددة عرفتها الساحة الأدبية التي نزلت إلى الواقع المغربي و نقلته أدبا .
الأرقام الضائعة المكونة من اثنتي عشرة قصة مشكلة في مجموعها مائة وتسع صفحات من الحجم المتوسط ، يرصد الكاتب من خلال هذه الصفحات واقعا مخالفا متحولا ، ولفهم هذا الواقع لابد من تفكيك هذه النصوص القصصية ، وذلك بالانطلاق من داخل النص لأن مهمة الناقد " تفكيك الخطابات وفك عرى النصوص للكشف عن الوجه الآخر للأمور".
و الوجه الآخر لهذه المجموعة القصصية هو الذي يعنينا ، أي ينبغي علينا كشف الجوانب السياسية
و الاجتماعية و الثقافية فيها....... في ضوء السميائيات السردية ، وسنشتغل على ثيمات مختلفة منها :
1. ثيمة سميأة الغلاف
2.ثيمة سميأة الأبطال
3. التفضيئ الزمكاني
4. الانتقال من الدور الثيميائي للأبطال إلى الدور التصويري
5.الانتقال من النموذج العاملي إلى المربع السميائي

قبل تفكيك النصوص القصصية لابد لنا من الوقوف سميائيا على ثيمة الغلاف الذي جاء باللون الأزرق ، الذي يدل عادة على كل ما هو فسيح و ممتد في الأفق .
فهو لون مرتبط بالبحر وبالسماء ، إنه لون يمتد عبر الزمان اللامتناهي ، عبر الفضاء الرحب ، فضاء البحر و أمواجه العاتية و المضطربة اضطراب الأشخاص المشكلة لهذه المجموعة القصصية ، التي تتصارع فيما بينها من أجل تحقيق غد أفضل ، و لو كان ذلك على حساب جلد الذات ، ورميها إلى مصير مجهول ، مصير الغرق مثلما وقع لعلال الجنداري .

50توطئة:
تمتد جذور النصوص التي وظفت أسطورة العالم الآخر إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وتراكمت تلك النصوص عبر الزمن لتشكّل نوعا أدبيا له خصوصيته، أطلق عليه في الدرس الغربي المقارن عدة تسميات أهمّها, (Apocalypse),  (Visions)  (Escathologie) (Voyages dans l'audelà)، يمكن أن نلاحظ ظلال الدين المسيحي واليهودي على معظم هذه المصطلحات، فيتعلّق (Visions) برؤى القساوسة والقديسين، وارتبط مصطلحا (Apocalypse) و(Eschatologie) بموت المسيح وبعثه في نهاية الأزمان.

لم يختلف النقاد في تسمية هذا النوع الأدبي فحسب، بل اختلفوا في تحديد مفهومه وخصائصه، وفي هذا الصدد "يذهب كولين (J.Collins) أن وجود عالم آخر غير هذا الطبيعي الواقعي المتاح للإنسان هو العنصر الثابت في كل الأخرويات (...) لكن هيرمان بريت (Herman Breat) يرى أن الكتابة الأخروية في مجموعها تعرض للمجهول عن طريق المعروف، وهي تركّب اللاواقع مع الواقع من خلال التماثلات التي تقدمها بينهما، هكذا يبدو العالم الآخر في هذه الكتابات كعالم أرضي مقلوب ومواز لعالم الدنيا"(1).

يظل هذا الكلام نظريا، عاما لذا سأنتقل إلى عرض نماذج أدبية لاكتشاف خصائص الأدب الأخروي التي تجعل منه نوعا أدبيا، له مقوماته الفنية، وأسئلته الإشكالية الخاصة، تناقش هذه الدراسة أسطورة العالم الآخر في نماذج أجنبية  مختارة، لأن هذا البحث ليس معرفة تاريخية-نصية تعنى بإحصاء كل الشواهد، لكنه معرفة استقرائية، تعتمد الانتقاء –وإن كان الانتقاء انحيازا- والقياس، والنمذجة، وسأبدأ بـ:
الملحمة البابلية/جلجامش:
تروي ملحمة جلجامش قصة الملك البابلي جلجامش في رحلة بحثه عن العالم الآخر بعد أن فجع بموت صديقه أنكيدو، وقد تعرف إلى حقيقة مذهلة اسمها الموت / الفناء، فسينتهي به المطاف كما انتهى بأنكيدو، إلى مكان ضيق بائس:

arcencielإن القارئ للمجموعة القصصية قوس قزح ، للأديب حسن برطال ، يجد نفسه أمام كشكول من القصص القصيرة جدا المكونة من 144 أقصودة ، تجمع بين متعة الحكي الذي يعتمد على السخرية وبساطة اللغة المؤديان لهذا الحكي .
وهذا الكشكول الفكاهي الساخر لا يمكن أن يتصف بهذه الجمالية وبهذه الفنية لو لم يكن متنوعا وقصيرا ، لأن الفكاهة لا تكون فكاهة و لا تؤدي المعنى المقصود منها دون هذا التنوع وهذا القصر .
إن تيمة العنوان توحي بمضمون المجموعة القصصية ، إن قوس قزح على المستوى السيميائي للغلاف ، هو مجموعة من الألوان المختلفة المشكلة لقوس قزح .
ففي الغلاف كل هذه الألوان ،  وفي القصص كل ألوان الطيف التي تعرفها الفئات المشكلة للمجتمع ، ففيها قصص عن الفقراء و أخرى عن الأغنياء و ثالثة عن الأطفال ، ورابعة عن الهم القومي و الإنساني ، عن القضية الفلسطينية .... وغيرها من الألوان الظاهرة و الخفية.
وهذه المجموعة القصصية ، تعبر بشكل أو بآخر عن المبدأ الذي اعتمده الأديب حسن برطال ،  وصدر به مجموعته ،وهو " كلما كنت قصيرا جدا ....كلما كنت الأقرب إلى الأرض " بمعنى أنه كلما كان دقيقا في اختيار الألفاظ المؤدية إلى المعنى كلما كان أكثر تعبيرا عن الأشكال و النماذج البشرية المشكلة لفئات المجتمع.
ولهذا تجده في قصصه أكثر دقة وأكثر تعمقا في حياة الناس ، لدرجة أن القارئ إذا حذف كلمة واحدة بل حرفا واحدا ، يمكن أن يحدث خللا في المعنى .
ولهذا السبب نجد الكاتب  قد استغني عن العكازات اللغوية التي يعتمدها الأدباء ، وهي حروف العطف وحروف الجر وغيرها. نجده  اكتفي بالجمل ولا شئ غير الجمل ، و في عالم القصة القصيرة جدا كلما كانت العبارت قصيرة ودقيقة كلما كانت المعاني واسعة وبليغة .

youbeالألواح البيضاء مجموعة قصصية للأديب المغربي نور الدين محقق،وهي مكونة من ثمان قصص،لا يجمع بينها إلا عنوان الغلاف،الذي هو في نفس الوقت عنوان قصة من هذه القصص الثمانية.
و القصة التي اقتبس الكاتب منها عنوان مجموعته القصصية هي القصة الرابعة التي توسطت هذه السلسلة الإبداعية،إنها الجوهرة الثمينة التي توسطت العقد،لقد جاءت في منتصف المجموعة،و كأن الكاتب يريد أن يرسل إشارة عبر أثير الكلمات،أن هذه القصة المفصلية هي انعكاس لمرحلة فاصلة في حياة البطل،الذي يميز بين أنواع مختلفة من الألواح منها الألواح السوداء،هي التي تعبرعنها في  القصص الأربعة الأولى،وأخرى ألواح بيضاء تخبر القارئ بما يأتي من أيام ستغير مجرى حياة البطل من حياة البؤس و الدمار إلى حياة مليئة بالأمل و ترقب غد أفضل .
إنها ألواح بيضاء،بياض صفحات جديدة يبدؤها البطل  بعد رحلة طويلة في مستنقع الحياة الآسن المليء بالمتناقضات،صفحات بيضاء سيشرع في تعبئتها بمرحلة جديدة كلها سعادة وفرحة و أمل في الحياة .
إن الكاتب بثقافته الواسعة انطلق من مفاهيم فلسفية تشير إلى أن عقل الإنسان يبدؤ صفحة بيضاء و أن التجارب في الحياة،والظروف ومتغيرات الحياة،هي التي تساهم في ملئ هذه الصفحة،و تعبئ هذه الألواح البيضاء بنقط سوداء فرضتها طبيعة الحياة المعقدة،فرضتها الظروف القاسية التي عاشها البطل في الحي بين أسرته و أبناء حيه،إنها التجربة التي بدأت بالخطئ،وساعدت منغصات الحياة على استمرار هذه التجربة بهذا الخطأ .
إن المجموعة  القصصية كما قلت،تنقسم إلى مرحلتين مرحلة ما قبل الألواح البيضاء،ومرحلة الألواح البيضاء،و ما سيأتي بعد ذلك من تاريخ مشرق بهي .
إن مرحلة ما قبل الألواح البيضاء،هي مرحلة الأحلام التي تمنى البطل تحقيقها،لكن الظروف المحيطة و إكراهات الحياة منعته من تحقيقها على أرض الواقع .

maghouteيعتبر الشاعر السوري القومي العربي محمد الماغوط رائد قصيدة النثر العربية والتي كانت محط انتقادات كثيرة وواسعة وخاصة من لدن شعراء القصيدة التقليدية ونظرائهم في الشعر الحر الذين قللوا من قيمتها الإبداعية وحكموا عليها بالنقصان والتيهان والضعف والموت وقللوا أيضا من شأن شعرائها وكتابها وجعلوهم من الذين يجرون وراء وهم اسمه الشعر الحديث .

لم يتأثر الشاعر محمد الماغوط بكل تلك الانتقادات التي كانت تحكم على قصيدة النثر وكتابها دون دراسة وتحليل عميقين قادرين على وضع سكة النقد في طريقه السليم. ورغم أن شعر الماغوط كان فيه الكثير من سمات الشعر الحر، بل كان قادرا على كتابته والتفوق فيه ولكنه آثر أن يبدع على طريقته وأسلوبه الخاص ووفق رؤية أدبية وشعرية يتقنها ويقتنع بها، خاصة وأنه لم يلجأ إلى أي نظرية شعرية أو نقدية ترسم له منهجه الشعري الذي ارتأى التفوق فيه .

تفوق الشاعر محمد الماغوط في تجربته الشعرية وأصبح بعد مدة ليست بالطويلة رائدا في قصيدة النثر وشاعرا لا يشق له غبار فيها وفي صنعتها. بل أصبح أستاذا للعديد من الشعراء الشباب الذين قلدوه وأعجبوا بتجربته الشعرية وأسلوبه الشعري الرائع في كتابة قصيدة النثر. وبذلك خرجت قصيدة النثر عند الماغوط من النظام المعتمد في الشعر الحر، وأصبحت تبتديء من الشاعر نفسه، بما يعرضه ويقدمه لقرائه، وهذا ما أدخل قصيدة الماغوط في التنوع والتخالف والقدرة على تحديد الغاية والأهداف السياسية من كتابتها دون التقيد بشكليات وقواعد أصبحت متجاوزة في قصيدة النثر وفي تجربته .

أdarwicheعرف أن مقالتي هذه تجيء متأخرة. أسباب كثيرة، موضوعية وذاتية، حالت دون صدورها قبل اليوم، ولا مجال أو حاجة إلى تفصيلها هنا. مع ذلك، أجدني مدينا بالاعتذار لمحمود، وللقرّاء جميعا، معلّلا النفس بأنّ التأخّر يظلّ، مهما طال، خيرا من الإقلاع عن الكتابة نهائيّا. ثمّ إنّ هذه المقالة، أخيرا، قد تساعد القارئ، أو الناشر في طبعة جديدة، في تلافي هذه "الأخطاء" الهامشية التي جرّها الجدل، دونما مبرّر ، إلى مركز الحدث.
قبل النظر في هذه "الأخطاء" بالتفصيل الدقيق، وقد تناولتُ المجموعة كلّها تناول المحقّق للمخطوطات القديمة، هناك ملاحظات ووقائع تمهيدية لا بدّ لنا من إيرادها، لتشكّل أساسا لموقفنا، ولما نقترح من "حلول" .
1.   الملاحظة الأولى أنّ درويش لم يخطئ، ولا يمكن أن يخطئ، فيأتي بخلل في الوزن. تلك واقعة يعرفها كلّ من قرأ  نتاج درويش الكثير الطويل، وهذا ما رمينا إليه  بإيرادنا الأخطاء بين مزدوجين في عنوان مقالتنا هذه . بل إنّ كلّ شاعر، جدير بهذه التسمية، من القدماء والمعاصرين، لا يخطئ في الوزن أيضا، فكيف بدرويش الذي كرّس موهبته وسني عمره متمرّسا حاذقا بهذه "الصناعة" ؟ قد يخطئ الشاعر، القديم والمعاصر، في اللغة، واعيا أو دونما وعي، فيشغل ناقديه في التأويل والتخريج، أمّا الوزن فلا يصيبه الخلل بتاتا في نتاج الشاعر الشاعر. صحيح أن الوزن التفعيلي، وعند درويش بوجه خاصّ، أكثر تركيبا وتعمية من الشعر التقليدي السيمتري، إلا أنّ درويش أثبت دائما براعة إيقاعيّة مدهشة في هذا الشكل الإيقاعي بالذات.
2.  الملاحظة الثانية أنّ إصدار هذه المجموعة، بعد وفاة الشاعر، بناء على المخطوط الذي خلّفه في غرفة عمله في عمّان، كشف بالذات عن الخلافات بين من أسهموا في تحقيق وتبويب وطباعة وإصدار  المجموعة. كأنما كان صدور هذه المجموعة إيذانا بكشف الخلافات وتبادل التّهم بين هؤلاء السادة، لا فرصة مواتية للنظر في الفنّ الشعري الراقي الذي أنجزه درويش في هذا الكتاب، وفي  شعر المرحلة الأخيرة من حياته بوجه عامّ، وهو أمر يؤسف له فعلا. في هذا السياق، أودّ أن أؤكّد أيضا أنّي لا أنتمي إلى أيّ جهة؛ لا أناصر هذا ولا أعادي ذاك، وأنّ ما أكتبه هنا يقوم على النظر في المجموعة ذاتها، وعلى ما كُتب بهذا الشأن، لا غير.