تعتبر القصة بأشكالها المختلفة (قصة ، أقصوصة ، قصة قصيرة جدا....) حالة من التعبير عما يخالج نفس المبدع من آلام و آمال و أحزان،عاشها في الواقع وعكسها أدبا،بشكل متخيل أضفى عليها ما سماه جاكبسون بأدبية العمل الأدبي، بمعنى أنها لا تعكس الواقع بشكل آلي بل تنقله من واقعيته الحرفية إلى عالم الفكر لتتلون بألوانه و تتصف بصفاته.
وبذلك يصبح الفكر وعاء تنصهر فيه كل التجارب الحياتية والمتغيرات الاجتماعية،فينقله المبدع القاص بشكل أو بآخر انطلاقا من أيديولوجية ومن قناعة خاصة،تخرج إلى عالم الكتابة كطلقات صادمة تلتقط الواقع وتفسره في ضوء رؤية القاص إلى العالم.
و إذا كان الفكر وعاء الواقع الاجتماعي،فإن اللغة وعاء الفكر،تعبر عنه بطرق و أساليب مختلفة،تتنوع وتتلون بدورها حسب المقام و السياق الذي تندرج فيه.
وبما أن الكتابة تعبير عن الواقع المعيش بجمالية المبدع و فنية الفنان،فإن القاص يكون حينها حريصا على اختيار اللغة المناسبة لالتقاط اللحظات البارزة التي يريد نقلها إلى القارئ،بلغة تبتعد عن التقريروالمباشرة،و تنزاح إلى الترميز و التشفير الأدبي الجميل.
المنهج الثقافي :"البحث عن الهوية المفقودة" – محمد يوب
عندما نتحدث عن المناهج يتبادرإلى الذهن الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت مؤسس منهج الشك المؤدي إلى الحقيقة،وقد اتبع مجموعة من القواعد في تلقي المعرفة العلمية ومن بينها البداهة أي أن القارئ لا يتقبل الشئ على أنه حق قبل التأكد بالبداهة أنه كذلك،بمعنى عدم الاستعجال في تقبل الأحكام المسبقة.
كانت هذه مقدمة خاطفة لكيفية التعامل مع المناهج النقدية المتراكمة التي أغرقت صفحات الكتب و المنتديات،فمنها ما هو واضح و جلي يتغلغل إلى أعماق النصوص ويدرسها بشكل علمي ممنهج،ومنها ما يهدم النصوص لأنه يتسلح بأدوات وميكانزمات آلية تروم النقض بدل النقد،وهي بذلك بعيدة كل البعد عن الدراسات النقدية العلمية الممنهجة.
والغرض هذا الطرح المبسط هو تمهيد القارئ لنسق جديد من النقد الأدبي يستفيد من مناهج سابقة،أي أنه يستفيد من علم النفس،وعلم الاجتماع،و النقد التاريخي،و النقد الوصفي،والبنيوية،والتفكيكية…
إننا هنا بصدد التعرف على منهج قديم جديد،في مجال النقد الأدبي ألا و هو المنهج الثقافي،الذي يعود تاريخه إلى القرن 18 في أوربا،لكنه تطور و ازدهر في تسعينيات القرن العشرين،مع الناقد و المفكر الأمريكي “فنسنت ليتش”،الذي دعا إلى نقد ثقافي (ما بعد بنيوي) أي أنه دعا إلى تجاوز البنيوية،واعتماد جوانب أخرى تساهم في فك ألغاز النصوص الأدبية .
عبد الكريم الطبال : شعرية الاحتفاء بجلال المعنى - د.امحمد برغوت
صرح " ميرلوبونتي" ذات مرة بأن المعنى هو سر الوجود، إذ لا وجود بلا معنى و الاحتفاء بالمعنى كان دائما هو الشغل الشاغل لمن خبر تشكيل القصيدة ذات المعاني الإنسانية الخالدة . غير أن صياغة هذه المعاني و منحها بريقها الوهاج شعريا عملية تتطلب معرفة عميقة ناتجة عن ذلك القلق الخلاق و التساؤل الضروري لكشف المخابئ السرية ، و خلق الدهشة البكر التي بها امتلك الإنسان مفاتيح الأسرار الكامنة وراء تشكيل العالم.
إن دوحة الشعر ظلال معانيها وارفة تمنح المستظل بها الجمال و الجلال و الجرأة على التوغل في ما هو محجوب عن الرؤية .
توقد المعنى و اشتعاله هو قدر المراهنين على خلق الدهشة العالية ليأتي بعده التورط في تشكيل قامات الحروف المؤهلة لصياغة التعابيرالقادرة على إشعال فتيل الدلالات و إيصالها إلى المتلقي لتوريطه في عملية البوح الشعري الخلاق .
و من أجل بناء الجسور الآمنة التي تنتقل عبرها المعاني لتحقيق الخطاب المرتجى، لابد من توفر مهارة نحث اللغة و صياغتها و تسلق حواف الكلمات باعتبارها لباسا لابد فيه من شروط الملاءمة في مقاسات الطول و العرض و المدى و الحركة و الصورة و الإيحاء حتى تستقيم معاني القصيدة على هيأتها البهية .حينذاك تقوم القصيدة بأداء أدوارها بدقة متناهية و تأسر المتلقي بمطابقة دوالها بمدلولاتها.
ناقد عراقي يدرس أناشيد طائر المنفى - حيدر قاسم الحجامي
الأدب العراقي المهاجر يولد في منافي متعددة برؤى جديدة وروح جديدة فيكتسب التميز والتحرر من قيود السلطة.
يتحدث الكاتب مهدي الحسناوي عن المنفى الحديث الذي قاد إلى ظهور أدب عراقي بملامح جديدة، كنتاج لظاهرة وقعت وغيرت وجه الزمن، وظلت تلك الظاهرة مغيبة بفعل إقصاء متواصل وحنث غير واضح الأسباب كما يقول الكاتب.
ولد الأدب العراقي المهاجر في منافي متعددة برؤى جديدة وروح جديدة فكان أدبا مميزاً، معبراً ومتحرراً من قيود السلطة لا رقيب عليه سوى الإبداع، وإلا فمن ذا الذي يجرؤ على أن ينكر تلك التجارب النابضة بالشعر الهامسة بالوجد المليئة بالأحاسيس التي ولدت أو اضطرت إلى أن تترك حاضنتها الأولى بفعل زمن القسر الرهيب وطواحين الموت العملاقة، ومقاصل تخنق كل أرجاء الرؤية في المكان والزمان العراقي آنذاك.
وإذا كانت التجارب الإبداعية وجدت لها من يدفع بها في زمن مضى فإن ثمة تجارب كان عليها أن تولد في زمن لا ترعى فيه القصائد التي تشجع قطف الزهور والرؤوس على السواء.
وحين لا يجرؤ أحدٌ على البوح بكلمة تضيق مساحات البوح بالكثيرين، فيضطروا إلى أن يعملوا أجنحتهم علّها تكون قادرة على لن تحلق بهم بعيداً عن عين هذا الزمن ورقابة الحرف.
التحليل السيميائي السردي لرواية "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ - عبد المجيد العابد
أصبح من الشائع اعتبار السيميائيات(Sémiotique)عند المهتمين بهذا الحقل المعرفي علما موضوعه دراسة العلامات، والعلامة، كما حددها بورس( CH.S.Peirce)، كل شيء يحل محل شيء آخر ويدل عليه، سواء كانت علامة لفظية أم علامة غير لفظية، طبيعية أم اصطناعية؛ هذا بالرغم من أن أمبرطو إيكو(U.Eco) ذهب إلى أن موضوع السيميائيات ليس العلامة، وإنما الوظيفة السيميائية، وهو في ذلك يستند إلى يلمسليف (Hjelmslev)في هذا التوجه.
ارتبطت السيميائيات ابتداء بالعالم الأمريكي تشارلز سندرس بورس من خلال كتابه "كتابات حول العلامة"، وهو عبارة عن محاضرات لبورس جمعت بعد وفاته؛ فقد أرسى قواعدها منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، جعلها مناط دراسة التجربة الإنسانية عامة، منطلقا بالأساس من اعتبارها محرك باقي العلوم الأخرى، سواء كانت علوما إنسانية أم غير ذلك، وبورس إذ يراها كذلك، ينطلق من إبدالات نظرية أملتها التخصصات المتعددة التي أقام عليها نموذجه النظري السيميائي(الرياضيات والمنطق والفيزياء...). وفي الوقت نفسه الذي كان يبني بورس فيه هذا النموذج النظري، افترض اللساني السويسري فرديناند دوسوسور(F.De Saussure) وجود علم جديد سماه السيميولوجيا(Sémiologie)، سيكون جزءا من علم النفس العام، وسيدرس كل العلامات الدالة التي لا تدرس اللسانيات إلا اللفظية منها، حيث تعنى أساسا باللسان، وستكون اللسانيات بذلك ضمن علم أشمل هو السيميولوجيا.
صاحبة مؤلف "جمال الروح" الكاتبة والشاعرة اليمنية منى لقمان - بشير عمري
"عصفورنا العربي النادر هو ذاك الأديب النحات الذي يجسم الجمال لكل المستويات"
من اليمن مهد نهضة العمران العالي في التاريخ انبجس اسم إبداعي ينحت في صخر اللغة جمال المعنى وجمال الروح فيجعل من صمهما نطقا سيمفونيا يسر السامع والناظر في ذات الآن.
إنها الشاعرة والكاتبة منى شوقي لقمان صاحبة التحفة الأدبية "جمال الروح" الصادر مؤخرا عن دار سندباد بالقاهرة، هي قلم انصرم كالوهج من قوالب كلاسيكيات التأليف الفكري والأدبي الجامد التي أضنت القارئ العربي قبل أن يقرأها حتى، فكتبت بأسلوب ينبذ شرطية المستوى ويقفز عن احتكارية النخبة قراءة المنتج الفني والجمالي للعقل والوجدان العربيين.
عن تجربتها في حقل الخاطرة وواقع الكلمة الجميلة في المشهد الإبداعي العربي قبلت مشكورة التحدث إلينا الكاتبة والشاعرة اليمنية منى شوقي لقمان.
ـ يرى الكثيرون أن فضاء الخاطرة أضيق من أن يستوعب جراحات الوطن وآلامه التي هي قضية المتلقي العربي ومادة إمتاعه في ذات الآن إلى أي حد تتفقين مع مثل هذا الرأي؟
لا متناهية الرمز في لغة الجسد - عماد كامل
تتخذ الكتابة القصصية غالبا عند لانا عبد الستار لغة الجسد عوضا عن الكلمات،الجسد الذي يعيش حالة من التوتر فيفصح عن خلجاته الذاتية،الجسد الذي يعيش في حالة قلق من ضغوطات المجتمع ألذكوري،فيحاول البحث عن التميز والفرادة من اجل أن يكسب حريته المسلوبة. إن وعي الكاتبة بذاتها بالبحث عن قيمة التفرد هو الذي جعل كلماتها سهلة مفعمة بالحياة،فـ(لانا) حينما توجهت للجسد اعتبرته كإعلان عن تحررها، وكرد فعل على ممارسات المجتمع الذي يسحق جسد المرأة ويحوله إلى مصدرا لإغراء الرجل وغوايته وسببا لخطيئته،وهذه العوامل جعلت من كتابة(لانا) علامة تدل على الاحتجاج والتمرد على القمع والقهر الاجتماعي المتجذر في مجتمعاتنا تاريخيا،هذا القهر انعكس في مرآة الكتابة فحاولت الكاتبة صياغة رؤية استشراقية لمستقبل المرأة ومحاولة لتفكيك قيود الإكراه التي تقيد المرأة في حاضرها ومستقبلها،كفرد إنساني يحق له ممارسة حياته الطبيعة،إذ جاء عنوان(ليلة بقرب الحبيب) دالا على إن الكتابة بلغة الجسد هي اللغة التي اعتمدتها الكاتبة،وهي لغة تحاول أن تعكس الصورة الجمالية للجسد عبر(الايروتيك) السردي إذ تقول (داعبت المياه الساخنة المتدفقة من كل صوب خلايا جسدي المرهق،مشيت على الرخام الأسود تاركة خلفي أثارا بخارية لقدمي،تشرنقت المنشفة البيضاء الحريرية حول صدري وبطني ممتصة الماء المتقطر ورحت أداعب شعري بزيت الشعر وأنا خارجة من الحمام مدندنة لحن أغنية عاشقة ومسكينة والنبي) ومن هنا فأن لغة الجسد أشركت في سياقاتها حاسة البصر مع حاسة السمع، كما إنها خلقت متعة ولذة للقارئ في الصورة التي قدمتها وكأنها مشهد سينمائي،وفي مقطع أخر تصور انفعالاتها الداخلية وما يتركه رؤية الملابس الداخلية في البوتيك على نفسها التواقة إذ تقول:
الكتابة السلطانية: ضوابط و مؤهلات - د. عبدالرحيم الخلادي
على ضوء وصايا عبد الحميد الكاتب
تمـهـيد:
تحتل الكتابة السلطانية مكانة شريفة ضمن الدرجات العلى لأهم مناصب الدولة، لكونها تتولى صياغة وتدبيج الرسائل الصادرة باسم السلطان فتؤدي وظائف نبيلة وخطيرة في نفس الآن، مما يجعل السلطان ينتقي كتابه من الصفوة المثقفة والملمة بالأحداث وبضوابط الكتابة والتعبير. ولا زالت أهم البلاطات الإسلامية تهتم بالكتابة السلطانية أيما اهتمام، مستحضرة طبيعة المتلقي والعديد من الشروط التواصلية، بواسطة خطاب رسالي محدد المعالم، أثار اهتمام النقاد منذ القديم فحاولوا تتبع أهم آلياته بالنقد والتقويم حتى يتسنى للرسالة السلطانية أن تؤدي وظائفها في تفاعل تام مع النشاط الدبلوماسي والسياسة الخارجية للدولة. وإذا التفتنا إلى تراثنا فإننا نجد العديد من الأفكار والمعطيات والوصايا في الموضوع؛ لكن تستوقفنا رسالة أهم بكثير، دبجها عبد الحميد الكاتب ووجهها إلى الكتاب مضمنا إياها العديد من النصائح القيمة التي لا شك أنها ستنير درب كل كاتب أو مقبل على مهمة الكتابة السلطانية.
1- عبد الحميد الكاتب: