محمد يوبأما قبل.....
عند تتبعنا للمشهد الأدبي المغربي المعاصر و للقصة القصيرة بشكل خاص، نلاحظ بأن أغلب القراءات النقدية التي تناولت القصة المغربية المعاصرة، إما دراسات وصفية تقارب الإبداعات القصصية من خارج النص، مكتفية بإبداء الإعجاب أو السخط على هذه الأعمال ،فإذا كانت الدراسة تفرط في إعجاب الناقد بهذه النصوص، فإنها تساهم في رفع مستوى تضخم الأنا عند القاص، وحينها يتدنى مستوى الكتابة لدرجة الإسفاف،أودراسة لا تخضع لآليات ومناهج علمية دقيقة، وفي هذه الحالة يتحول النقد من النقد إلى النقض و الهدم،وحينها يتسبب النقد في تحطيم وتدمير معنويات المبدعين وخاصة الذين بالكاد شرعوا في الكتابة الأدبية و القصصية خاصة.

مع العلم أن الدراسة النقدية في حقيقة الأمر إبداع يقرأ الإبداع، أو لغة على لغة،وهي التي يسميها رولان بارث بالميتالغة، و للوصول إلى هذا الحس النقدي يحتاج الناقد إلى مستوى معين من الموهبة،و الحس الرفيع الذي يصقل بشكل مستمر بواسطة المتابعة الدائمة للدراسات و الأبحاث النقدية.
ورغم احترام الدقة العلمية و التسلح بالمناهج النقدية الحديثة فإن (قراءتين اثنتين لعمل واحد ليستا متطابقتين دائما،لأن المرء وهو يقرأ،يعمل على إنشاء كتابة مخفية،فهو يضيف أو يحذف ما يريد أو لايريد العثور عليه في النص)الشعرية لتودوروف./ مجلة مواقف عدد 33 ونحن في هذه الدراسة المتواضعة نحاول تحري ما أمكن لنا من الدقة و الحرفية العلمية،ولكن رغم ذلك فلابد من تسلط الذات القارئة على الموضوع المقروء،في غفلة من عين القارئ.

bouchikhaأولا: تـمهـيد؛ دروبُـهُ أسـئلةٌ منهـجيةٌ.
نتسـاءلُ بـدايـةً عـن نوع القصة التي تكتبـها مليكة نجيب، أهي الـحديثة أم الـجديدة ..؟، علـمـاً أن الـفرقَ بين الـتُّربتيْـن/ الفارقَ بين النّـوعين ليس كفيـلاً بـأن يجـعـلَ الـقارئ – حسْبَ رأيـنا – بقـادرٍ على تصنيفِ قصص الـمبدعة، علمـاً أيضـاً أن القصـةَ الجديدةَ لاتعني ذاك الارتباطَ الـوثيقَ بـما هو متـأخر زمـناً، "فـما كـلّ متـأخِّــرٍ يحوز صفـتَـهـا ومـاكــلّ متقـدم يضيعـها" (1).

التـفريقُ بين الـنّوعين ليس ترفـاً نـقديـاً؛ إنـما لـما تشـهده الـسّاحةُ النقديةُ أخيراً، في شكل مقالات متفرقة، من استـعمالهـما في وجوه متقـلِّـبة، وكثيراً متشابهة، وإذا كان الـنّوعـان مـعاً يظهـرُ اخـتلافُـهمـا مع "القصة العروضية"، فالأمر بينهمـا لايعدو كذلك؛ إذ سمـاتُهـما الفنيةُ تتـآخى إلاّ فيـما نـذر. فـقـصّــةُ الثمانينيات جعلتْ من مفهوم الـتـجريـب جـواداً تمتطيه؛ ومن ثَـمّ شـكّـلَ هــذا العِـقدُ الزمنيُّ "فضـاءً لانتشـاره بشكـل كبير"(2)، في حين نـوّع قـصّاصو التسعينيات (= القصة الجديدة) من آلاتِـهم وآلياتِ سفرهم الأسلوبية، حتى إنّـهم شـرّحوا النصّ وجـرّبوا في التجريبِ ذاتِـــه، وقد يأتي الحديث لربّما معهم عـن "مابعد التجريب"، ونحن في دولاب مـابعد الـحداثة.

فـالقولُ إنّ القصةَ القصيرةَ في العقدين الأخيرين (= التسعينيات حتى الآن) حـملت رؤيـةً جـديدةً (3) دعـوةٌ صـريحـةٌ أن هـناك تـجاوزاً لقـصّـة الـثـمانينيات، أمـا مـاقبلُ فلا مجال للـجدالِ فـيه؛ وإن كـان من النقاد – عبد الرحيم المودن – من يعـود بتسمية القصة الجديدة، مفهومـاً وبناءً وصياغةً إلى السبعينيات، ويبقى الـجديد في ثيابِ هـذا النوع مـن القَـصِّ فـي مـدى تـحطيـمِـهِ للـنموذج الـتيمـوري على مستوى البناء (4).

" والشاعر المجيد حقا يمتاز من غير المجيد، بأنه إذا تحدث إليك لم يمكنكَ من أن تسير معه كما تسير مع نفسك، وإنما يضطركَ أن تفكر وأن تجهد نفسكَ في أن تفهمه، وتحسه وتشعر معه". بـول فاليري

ظروف تشكّل الشعر العربي الحديث:
عُرف الشعر العربي الحديث  -  وهو لمَـَّا يَزَلْ حَدَثاً يحبو في دنيا التأسيس- في الدراسات الأدبية والنقدية المعاصرة بعدة تسميات أبرزها:
شعر التفعيلة، والشعر الحر،والشعر الحديث، والشعر المنطلق، والشعر المرسل، ، والشعر الجديد.. وقد تناسلت مجموعة من الظروف والعوامل التي تفسر الإبدالات التي مسّت بنية هذا  الفتح الشعري الجديد، لعل أبرزها:أحداث ما بعد الحرب العالمية الثانية،وما رافقها من حركات تحرر ترنو إلى التحرر والديمقراطية والعدالة، ثم ضياع فلسطين زمن نكبة 1948، الذي جعل الشاعر المعاصر يحدق في اليقظة المفزعة والحقيقة المرة، التي حملتها رياح الأزمات والحروب والأوضاع السياسية المتأزمة على المنطقة العربية، بالإضافة إلى انفتاح الشاعر على الآداب العالمية والثقافات الغربية،والإغتراف من الروافد والأيديولوجيات والأفكار والفلسفات المختلفة سيّما الاشتراكية والوجودية،وكذا الشعر العالمي (توماس إيليوت،لوركا،ماياكوفسكي،ناظم حكمت..)والملاحم والأساطير اليونانية والبابلية (جلجامش،العنقاء، سيزيف، عشتار..)،والموروث السِّيري والصوفي الإسلامي والعربي القديم(سيرة عنترة،أبي زيد الهيلالي../ الحلاج، ابن عربي..).

youbeبانوراما حول رواية ليلة إفريقية
صدر للأديب المغربي مصطفى لغتيري رواية جديدة تحت عنوان “ليلة إفريقية” والمتصفح لهذه الرواية يلاحظ بأن لغتيري، كان متشوقا للدخول مباشرة إلى تفاصيلها دون تصدير أو تقديم، نظرا لطبيعة الموضوع الذي تطرق إليه ونظرا للشكل الروائي الجديد،الذي يظهر أنه يريد تحقيق السبق في هذه التقليعة الجديدة في مجال الإبداع الروائي.
وقد استهل هذا العمل الإبداعي بتقديم الراوي نفسه للقراء باسم يحي البيضاوي،بحيث إنه أصبح شيخا تجاوز الخمسين، وأن مجال الإبداع الأدبي و التجديد فيه قد تجاوزه،لأن الكتابة لها عمر محدد تتوقف فيه، ويخلد الكاتب إلى الراحة و اعتزال الكتابة،كما أن كتاباته أصبحت في رفوف الماضي، وأن الزمن أصبح يواكب الروايات الجديدة التي تعالج قضايا معاصرة، بأسلوب حداثي يتلاءم وروح العصر(بصراحة يا أمل،أنا أحيى في ظل أزمة مقيتة،لقد نضب معيني،ولم أعد قادرا على الكتابة،أشعر بأنني انتهيت ككاتب،جيلك حجب النظر عن أمثالي ونمط الكتابة الذي أتقنه تجاوزه الزمن )ص 69 لكن في لحظة من الزمن أحس بأهمية الكتابة الأدبية ،ومتعة لذة الكتابة(فشعرت أن تحولا ما قد طالني،رغبة قوية في الكتابة اكتسحتني،حتى إنني كنت متأكدا من أنني ما إن أتناول القلم بين أناملي،وأضع الورق أمامي،حتى تتدفق الكلمات من تلقاء نفسها)ص126 ولتطوير هذه الرغبة وصقلها من جديد بدأ يبحث عن وسائل للرفع من مستوى تجربته الروائية،ومن هذه الوسائل قراره متابعة مهرجان الرواية المغربية المنعقد بفاس.
وأثناء سفره من الدار البيضاء إلى فاس التقى في القطار بطالبة كاميرونية اسمها كريستينا، فتبادلا الحوار حول معاناة الطلبة الأفارقة،وتحدث كل واحد منهما عن وطنه،مبينا أن المغرب بلد غني بأهله وبخيراته، وأنه بلد مضياف يسع صدره كل قادم إليه،وأثناء حديثه عن المغرب قدم وصفا سياحيا لمدينة فاس واصفا أزقتها ودكاكينها،في وصف مفارق لإفريقيا باعتبارها رمزا للتخلف و الفقر و الوحشية.

abstract-cubeمقدمة:
كان الإنسان الأندلسي شديد التعلق بوطنه، مدافعا عنه ومتعصبا له، لما حققه له من أسباب السعادة ورغد العيش، جعلته يتمثله جنة الخلد كما ورد على لسان ابن خفاجة. فقد عاش الأندلسي في بيئة طبيعية جميلة ورائعة، بكثرة أنهارها وأشجارها ووفرة ثمارها؛ وحقق انتعاشا اقتصاديا انطلاقا من القرن الثالث الهجري، وقدرا غير ضئيل من الاستقرار السياسي خلال القرنين الثالث والرابع... لتظل الأندلس في نظر أهلها جنة لا شبيه لها، إذا فارقها أهلها أحسوا بالاغتراب وشدة الحنين إليها لأنهم يفارقون أجمل ما في الدنيا من رياض وظباء ومجالس غناء وأنس وشراب...
تجليات الظاهرة:
بمرور القرون، بدأ الأندلسي يتأكد أن جنته هذه ما هي إلا واحدة من جنان الدنيا الفانية، وهو يراها تتقلص يوما بعد يوم، وبالأخص في مرحلة ما بعد هزيمة العقاب سنة 609هـ... فعاوده حنين مزدوج قوي: حنين إلى أيام اللذة والمتعة في جنان جزيرته المقدسة، وحنين إلى الحجاز، منطلقه ومنطلق الرسالة التي أوصلته إلى هذه البلاد القصية، "فكأننا نتصور الأندلس في مراحلها الأولى، وقد استغرقها زمن اللهو والطرب والحضارة الباذخة، ثم جاء زمن الندم والتوسل والحنين إلى الديار المقدسة، كأن تلك المراحل الأولى كانت شبابا وهذه الأخيرة شيبا" (1).
لقد برز الحنين كتيمة من أقوى تيمات الشعر الأندلسي التي تستحق التوقف، أما اختيارنا لابن خاتمة فهو محاولة لتتبع الظاهرة خلال القرن الثامن الهجري، على بعد قرن من نهاية الأندلس، حيث تقلصت رقعة الدولة في حدود ما عرف باسم مملكة غرناطة، التي واجهت الأعداء من جهات شتى، وكثرت فيها القلاقل السياسية... لكنها عرفت ازدهارا ثقافيا واسعا، إذ يكفينا أن نذكر أن هذا القرن هو عصر ابن الخطيب وابن خلدون وابن جزي وغيرهم كثير. أما الشاعر ابن خاتمة الأنصاري، فقد كان مقربا من البلاط الغرناطي، لكنه –حسب الباحثة الإسبانية خيبرت صوليداد- لم يأخذ بأدنى حظ من السياسة في تلك الأيام(2)، وقد عاش بين سنتي 770 و770هـ، وعرف في المصادر التاريخية والأدبية بأنه شاعر وناثر ومؤرخ ورياضي وطبيب وكاتب ومقرئ؛ خلف العديد من المؤلفات النثرية إضافة إلى ديوان شعري ضم أربعة أقسام (المدح الإلهي والثناء- النسيب والغزل- الملح والفكاهات- الوصايا والحكم).

youbeفمن حين لآخر يطالعنا بأسلوب المقامة في الاستهلال،حيث إنه ينسب الحكي للراوي وغالبا ما يذكر الكاتب اسم هذا الراوي دون خوف من هذا التصريح (حدثني صديقي عبد الفتاح ذات ليلة...)(حدثنا مصطفى و العهدة عليه)(حدثنا هشام بن عيسى).... لكن القارئ الفطن يشعر وكأن الأبطال يتكلمون وينسجون تفاصيل القصص بلسان الراوي / السارد، ويعبرون عن مشاعره، بل أحيانا نشعر به وهو يغير مجرى حديثهم ليتقمصوا شخصيته، وينظرون إلى العالم من زاويته.
و أسلوب الحكي في هذه المجموعة القصصية واضح المعالم ،يعتمد التقرير والمباشرة المرشوش بنسبة معينة من الترميز  الذي يعطي للقصص ما يسمى "بأدبية العمل الأدبي" ،والكاتب نور الدين محقق يختلف بأسلوبه الذي يتقاطع مع أسلوب المقامة،حينا ويقوم بعملية تكسيره حينا آخر ،  يتمثل لنا ذلك في كون  أن المقامة تنسب الأحداث و الحوار بين الشخصيات لضمير الغائب ، حيث كان الرواة يعتمدونه خوفا من الوقوع في التجريح،والنبش في أعراض الآخرين،بل في كثير من الأحيان يلجؤون إلى التستر وإخفاء علاقات كانت قائمة أبى الرواة الكشف عنها علانية،بل اكتفوا بالتعبير عنها بكل إحساس صادق ، في حين أن الكاتب نور الدين محقق هنا في قصصه يلجأ إلى المزاوجة بين ضميري المتكلم والمخاطب ، متجاوزا من خلال ذلك خطية السرد ، وخالقا دينامية سردية متجددة ، بتعبير الباحث الفرنسي لورون جيني  .
إن الموناليزا ، كما ورد ذلك في قصة " الحمامة المطوقة"  التي وقع في غرامها الشبان الثلاثة وعلى رأسهم السارد نفسه ،عبد الفتاح،  ترمز للصورة النموذج القابع في متخيل كل شاب،إنها رمز المرأة التي تجمع بين ثغر المرأة الباسم إشارة في ذلك إلى الحبيبة، وفم الأم العابس إشارة إلى الأم التي عانت ومازالت تعاني من ويلات ومصائب الحياة.

anfasseمن جديد، يخرج القاص الغزِّي يسري الغول، عن طور الجنون متجهاً إلى رحاب الموت، فينشر مجموعته القصصية الجميلة (قبل الموت، بعد الجنون) ليؤكد بأنه ما زال يكتب ويكتب حتى اللانهاية. فقد صدر من مركز أوغاريت للنشر والترجمة المجموعة الثانية للكاتب والقاص الفلسطيني يسري الغول والتي جاءت في قرابة الـ110 صفحات متوسط القطع، انقسمت المجموعة فيها إلى قسمين رئيسيين، وإن كنت أرى بأن كل قصة هي قسم متوحد في ذاته، فالعوالم والأجواء المتعددة داخل النص تشعر القارئ بمدى عمق الشكل والمضمون لدى الكاتب الغول.
غلاف المجموعة حمل شكلاً سوداوياً ذكرني بأغلفة أفلام الرعب الأفلام التراجيدية الحديثة، إلا أن ما قد يميز الغلاف هو عمق الأشجار التي تحمل في دواخلها روح الحكاية وتضاريسها. فاليوم يعاني الفلسطيني سياسة التدمير والغطرسة التي تمارسها آلة الحرب الإسرائيلية، فلا هي تركت شجرة أو أبقت قبراً كما في قصة الغول (قبر حزين). ولعل القارئ والناقد على حدٍ سواء قد يحملون على الغول سوداوية الحكايات التي تغزو نصوصه، فمجموعته الأولى والتي حملت عنوان (على موتها أغني) أعطت القارئ والناقد انطباعاً عن مدى الألم الذي يجتاح الغول، فهو ابن غزة، التي لم يرحمها أحد. إلا أن ما يميز مجموعته الجديدة هي عمق البنية النصية، بخلاف مجموعته الأولى التي جاء فيها الموت مبالغاً فيه إلى حد ما في بعض القصص كقصة فتاتان برائحة الغربة.

عرف العرب القدامى في دراساتهم مصطلحات عديدة ومتنوعة دالة على مفهوم الخطاب، تقارب مدلوله اللساني المعاصر وقد تقاطعت معه في كثير من المناحي منها الكلام، الكلمة والنص وهو ما يدفعنا إلى تأسيس روابط دلالية تجعلنا نبحث في الحفريات المعرفية والأصول اللغوية الخاصة به في التراث اللغوي العربي.
أ - الخطاب لغة:
مصطلح الخطاب معتمد في تراثنا اللغوي، فقد أبان ابن منظور (ت 711 هـ) عن مفهومه بقوله: الخطاب والمخاطبة مراجعة الكلام، وقد خاطبه بالكلام مخاطبة وخطابا، وهما يتخاطبان(1)، فقد دل على معنى يخص الكلام، وحيثما ورد مصطلح خطاب في كلام العرب فهو يحيل على هذا المفهوم الكلام، واستمدت دلالته من السياق القرآني، حيث يقول عز وجل "وشددنا ملكه، وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب"(2)، ويقول أيضا: "فقال أكفلنيها، وعزني في الخطاب"(3).

مفضلات الشهر من القصص القصيرة