هنا بعد ألف عام من الفداء، حيث الشيخ المزمن والأوراد البكماء، يطيب لي صحبي أن أنيخ ناقتي على ضفة التحنان، أنا الوحيد كشجر الطلح الباسق سهوا في العراء ، أرتل أمام نجمة الصبح خيباتي. وهناك حيث هناك ، يصنع الكنعاني أحلام روحه الصارخة يوما ما في الصيف الحاد أمام غابات الزيتون والسنديان ، يرسم العناوين الكبرى والصغرى لوطن يلتقطه من مزق الخيانة.هو الصوت وأنا الصدى.مثخنا بالتاريخ والجغرافيا ووهج الأنحاء العطشى، جاءنا، هو المحارب ضد تعب الجراح، وضد رقصة الشظايا.هو هو ولو تدلى من الشرق خطوه.ولد محمودا وعاش مرا ومات درويشاشاعر ينزف وطنا، ويقيم بين النار والماءالحديث عنه كالحديث عمن نحب، هل َّ بأوراق الزيتون، هل َّ كالنجدة، جاءنا والزنبقات السود في قلبه كاللهب، كانت فلسطين وقتها جرحا فاغرا فاه، مشمولة بالأسى والفقدان حد الحافة.
غضب شعره ونثره صراخ، بهذا الكلام المختلف علم الناس أنك قد جئت، جئت مخيلة وموقفا. لا ترجو الهمس لا ترجو الطرب..هجير حرفك وصوتك لظى، عام 1964 كان الغضب ضيفا على القضية الفلسطينية، والنار أولها لهب ومسراها غضب. حكيت عن أناشيدك الحرة، عن عشق الطين ومودة الأنوثة، عن إنسان يحبو ، عن أمل يلوح من زمهرير الصمت.الحديث عن درويش حديث عن شاعر يبعث يوميات الحزن القارس، رجل يبعث يوميات العربي من خليجه المتخم وسطحية وانبطاحا إلى المحيط المشطور ميوعة وحيادا.رجل كنعاني يردد كفنه الأبدي ومرثياته الشامخة وموته الساخر في غابة الإنسانية .رجل جاء بأجمل حب، وأنار من بعيد الموعد الأول عن الرصاصة الأولى ، وعن حنين الضوء إلى لوركا والقصيدة.بالغنائية العارمة شفعت أوراق الزيتون بعاشق من فلسطين واعترفت بالضياع بين تموز والأفعى ورددت خلسة:عيونك شوكة في القلبتوجعني وأعبدهاوأحميها من الريح وأغمدها وراء الليل والأوجاع أغمدهافيشعل جرحها ضوء المصابيح ويجعل حاضري اعز علي من روحيفكم زمن قطعت يا محمود بين السجن والبيت ولقاء الأصدقاء، هكذا يكبر الشجر ويذوب الحصى. ولأن العدو الصهيوني محنة على الأرض وأفعى على الصدر ، رسمت على الأفق لوحة الجرح القديم وصرخت:يا سادتي:يا شامخين على الحراب، الساق تقطع والرقاب، والقلب يطفأ، وفلسطين وحدها تردد أغاني الأسير، والأرض تهود شبرا فشبرا، ونجمة فنجمة.ولأنك وحيد وبعيد، جاءها صوتك مرا ، وجاءها الغيث:أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي ، ولمسة أمي و في الطفولة يوما على صدر يوم، وتكبر في الطفولة يوما على صدر يوم لأني إذا مت أخجل من دمع أمي .فهل ما يزال في عيونكم أيها الفلسطينيون فائض من الدمع ؟يطول قمر الشتاء كالمتسول المخذول، كنت وكان الشعر دم القلب، ملح الخبز ، ماء العينين ،موالا للقتيل 48، حوارا في تشرين يوم الموعد آخر الليل، فهل ما تزال العصافير تموت في الجليل.سنة أخرى فقط وتكبر ظلال الحاكم العربي، يطير الحمام كالهام على رحلة المتنبي إلى مصر، كما يجثم كابوس على أحلام قامتك وأنت مسجى على أسرة جراحي القلب، الفارق ظاهر، أنت تبحث عن فائض من الحياة، عن مجرد فسحة من الزمن كي تديم عمر الصراخ وتلعن الطواغيت ولو من حرير. وهو يبحث عن حياة الفخر والطعان ومجد الهجاء والرياسة على الأعاجم، فما يفلح أن يحكم العربي غير رديف خيمته، أو ربيب فخدته والعهدة على مذهبه القرمطي.أنت العاشق السيئ الحظ، يكتب الراوي عند أبواب الحكاية أربعة عناوين شخصية من قصة الموت الذي لا موت فيه.سيأتي برابرة آخرون ، وكم مرة ستخرج إلى ما لست تعرف ، لا نودع طفولتنا إلا مرة واحدة ، لكنك تمتلك أعمارا مضاعفة، وحتى وإن توقف القطار الأخير من بيروت، فرحلة الطير الفلسطيني لن تنتهي قريبا من السور، ولأول مرة يرى البحر يصرخ:هنا أنا أقرب من هنا، أنا يوسف يا أبي، أرى ما أريد أحد عشر كوكبا في المساء الأخير على هذه الأرض.جاءت النكبة، وتلتها النكسة، وفي الألفية الثالثة صدقنا مسرحية السلم العالمي ومجلس الأمن الدولي وهلم جرا ، فحلت (الفقصة) في بغداد، وها قد اندحرنا قبل أن نبدأ المعركة، وفي زحام قاحل كبر الأسير ونام اليهود على سطوح دمشق وعمان، وبالوا على القاهرة.هل نفعتنا في شيء وعود العاصفة؟ أيها الجندي الحالم بثأر الزنابق البيض، عبس العبوس في صباحاتنا، وأضربت عن الفرح أغنياتك الفصيحة.فلم تعد بيروت تفاحة للبحر، ولا الأحذية الثقيلة كوابيس.:: هذا زمن الهدنة مع المغول . هي ذي حيرتك أيها الراحل .