1: تعدد السرد ووحدة الرؤية
تعتبر القصة القصيرة جدا من الأجناس الأدبية الحديثة التي تتصف بصفة الزئبقية و الانفلات الذي ينهض ويتحرك على مستوى المفردات و الجمل القصصية،وتزداد تعقيدا وصعوبة في الدراسة النقدية عندما تسرد بصيغة الجمع،حيث تتعدد الرؤى وتتعدد معها أساليب السرد المختلفة عند القصاصين المشاركين في هذا المشروع القصصي.
وفي "نقش في الحرف"لجماعة برشيد تزداد المجموعة القصصية صعوبة وتمردا على القارئ/الناقد لما تحمله من أوجه رؤى متباعدة ومختلفة باختلاف وجهات نظر أصحابها،مما ينتج عنه صعوبة في اختيار آليات قراءتها،فيشعر القارئ وهو يقلب صفحاتها أن كل قاص قد نفت شيئا من روحه في اختياراته التجريبية،وصب فيها رؤيته إلى العالم،انطلاقا من منظوره الخاص ومن زاوية قراءته للعالم،لكن هذه الرؤى المتناقضة المنطلق لها نفس الهدف ونفس التوجه،وحينها يصبح الاختلاف و التناقض في الرؤى يخدم المشهد الثقافي و السياسي و الاجتماعي...
إنها رؤى ثاقبة إلى العالم،رؤى تتقاطع عموديا وأفقيا مع الطرح العام لكافة المثقفين المغاربة،وتعبر عن آلامهم و آمالهم بكل صدق وإحساس مرهف.وكان لهذه الطريقة في الكتابة أثر كبير في نفسية المتلقي حيث إنه أصبح عنصرا مشاركا في عملية السرد القصصي.لقد أصبح المتلقي هدفا عندما استوعب المجموعة القصصية وتذوق دلالاتها وحمولاتها الفكرية،ومن تم أصبح عنصرا مشاركا متورطا في عملية السرد،وذلك من خلال قراءة ماوراء السطور،فلا تلبث عيناه تزيغ عن القراءة إلا ويجد نفسه منغمسا في جوهر مواضيع المجموعة القصصية ومقترحا لمجموعة من الحلول الممكنة التي تعطي تفسيرا وتأويلا للأسئلة المطروحة،والإشكاليات التي تبقى معلقة وتحتاج إلى إجابات تقترب أو تبتعد من المشروع الفكري و المنهجي المخزون و المنقوش في ذاكرة الأدباء الخمسة.
بين أروقة الأدب ومخافر الشرطة : رداً على رد ربعي المدهون - يسري الغول
كعادتي دوماً حال انتهائي من قراءة بعض الروايات الفلسطينية التي تستثيرني أحداثها وأفكارها، فإنني أسعى جاهداً للكتابة حول الراوية المقروءة. وأذكر أني كنت قد كتبت سابقاً قراءة نقدية حول رواية (عين سفينة) للروائي الفلسطيني خضر محجز وكانت قراءتي قاسية جداً بالنسبة لمؤلفها، لأنني عملت على سبر أغوار ما كان يرمز له في جوف روايته تلك. وأذكر يومها أيضاً بأن جريدة الحياة الجديدة رفضت أن تنشر القراءة، الأمر الذي دفع بالدكتور خضر محجز نفسه لأن يطلب من الجريدة أن تنشر النقد دون وجود أي معارضة من جانبه، فهي في النهاية مجرد قراءة نصية.
واليوم فإنني –وبعد قراءتي لرواية السيدة من تل أبيب- أردت أن أضع بعض التوصيات الهامة والملاحظات – حسب ما أرى- للاستفادة منها في الطبعات القادمة، ولعل ذلك بدا واضحاً من خلال ما كتبت في سياق النقد، حيث ذكرت على سبيل المثال لا الحصر في موضع لقاء البطل بأمه "أعتقد أن الكاتب بحاجة لإعادة صياغة المقطع بما يتناسب مع حجم الموقف واستغلاله لاستدرار مشاعر القارئ الجياشة". وحين ذكرت أيضاً، "وهذا خلل طارئ داخل الرواية أعتقد بأن على الروائي المدهون معالجته في الطبعات القادمة".
لكنني –وللأسف- فوجئت برد قاس من طرف السيد ربعي المدهون، والتهديد باللجوء إلى القضاء، وغيرها من الاتهامات والتجريح. ولست أدري منذ متى كان النقد الأدبي يدفع بصاحبه إلى ساحات القضاء. ولعلي بحاجة هنا إلى توضيح وتفنيد بعض الأمور للسيد المدهون حول قراءتي لتك الرواية.
بلاغة الرواية:واين بوث نموذجا - محمد أنقار
إن سجل القيم واسع شاسع. وعندما ينتقي المؤلف الروائي من ذلك السجل ما يعتقد أنه يتناسب وشخصيته أو أحداثه الروائية، يمهد بذلك الطريق للناقد الروائي كي يسأل إن أفلح المؤلف في ذلك وقدم ما يكفي من العلل لتبرير ذلك الاستعمال الأدبي.
حالات بلاغية:
البلاغة بحر صاخب متعدد الألوان، غزير الإمكانات، متفاوت الاختيارات. وهي بسبب هذه الغزارة تتداخل في كثير من الأحيان مع أبواب النقد والتحليل والتأمل والتفسير والتأويل والشرح والتعليم. كما أنها قاسم مشترك بين المبدع وممارسي كل تلك المهام العقلية حيث يمتح الجميع من جماليات الإمكانيات التعبيرية المتاحة أو المحتملة، إما بقصد النظر النقدي أو بقصد الخلق والابتكار. بيد أن إقرارنا بهذه الرحابة قد يفوت علينا في عديد من المناسبات فرصة التأمل المجهري في قضية من قضايا البلاغة أو اجتهاد من اجتهادات أعلامها. لذلك يحسن في مثل هذه الأحوال العمل على تقليص مظاهر الرحابة ولو على سبيل التبسيط وتقريب المفاهيم.
ويمثل كتاب واين بوث Wayne C.Booth حول بلاغة الرواية Rhetoric of Fiction مناسبة فريدة من تلك المناسبات حيث يقدم هذا الباحث اجتهادا بلاغيا معاصرا يخص الرواية بصفة أساسية. وأظن أنها فرصة فريدة ما دام عنوان الكتاب قادرا وحده على إحداث رجة في عقلنا النقدي. وربما من أجل هذه الفرادة –وبتأثير أسباب أخرى تخرج عن نطاق هذا المقال- سنقدم على عملية التبسيط المشار إليها آنفا.
ردا على يسري الغول : النقد في خدمة مخافر الشرطة - ربعي المدهون
ليس من عادتي الرد على أي انتقاد يوجه لروايتي "السيدة من تل ابيب" التي كانت على القائمة القصيرة لجائزة بوكر العالمية للرواية العربية في دورتها الثالثة 2010، ولا أسمح لنفسي بذلك أساسا. لكن حين يتجاوز النقد أبطال روايتي، إلى المس بشخصي، وينزلق إلى التشهير بي، اعتمادا على أكاذيب، وتلفيق تهم وتزوير للنص الأدبي، وتقويل شخصياتي ما لم تقله، واتهامي بمواقف غير وطنية، في عملية تحريض علني مثيرة للاستغراب، فلن أكتفي بالرد الذي أورده هنا، مؤكدا على حقي المكفول بالرد على مقال السيد يسري الغول، المعنون "بين كتاب في جريدة وبوكر الرواية العربية"، وإنما سأحتفظ بحقوقي القانونية، إذا ما تبين لي، بعد الاستشارة، أن ما ساقه الغول من الفاظ واتهامات وتحريض يقع في إطار الذم والتشهير والنيل من السمعة الشخصية من دون حق أو سند.
أعترف بداية بأن الغول يبدأ بمقدمة موضوعية، وملاحظات نقدية تعبر عن وجهة نظر عقلانية وهادئة، تشيد بقوة بالرواية حتى جزئها الثالث، الذي "آلمني كثيراً لتوقف كل عناصر الرواية الحقيقة (..) فكان عنصر التشويق (...) قد ولى إلى غير رجعة، وبدأت التقريرية الصحفية تطفو على سطح سيرة الكاتب الذاتية، أو روايته حسب تصنيفها، وانتقلت الرواية من الأحداث المشوقة والمهمة إلى أخرى لا قيمة لها عند القارئ،" كما كتب يقول عنه.
السخرية السوداء في"وطن وسجائر... بالتقسيط"للقاص أحمد السقال – محمد يوب
عندما يريد القارئ المتتبع للمجاميع القصصية قراءة مجموعة قصصية قراءة نقدية، يقف حائرا حول المنهج الذي يلائم هذه المجموعة أو تلك، لأن طبيعة السرد القصصي ومدى تأثيره على المتلقي هو الذي يفرض نفسه عليه،ويحثه على الوقوف مليا أمام الكلمات المفاتيح التي تغلب على هذه المجموعة والطابع العام الذي يغلب على هذه القصص،الشئ الذي يدفعه للاهتداء إلى الأدوات والآليات النقدية الممكنة التي تساعد على فك ألغاز وخفايا هذا النص القصصي أو ذاك.
وعندما قرأت "وطن وسجائر بالتقسيط" للقاص المغربي أحمد السقال أثار انتباهي طريقة السرد التي تناول بها السي أحمد أغلب مواضيع قصصه، حيث إنها في أغلبها قصص تدخل في إطار ما يسمى بالسرد القائم على السخرية السوداء،هذا النوع من الكتابة الأدبية التي تعتبر بحق من الصعوبة بمكان، نظرا لما تحتاج إليه هذه الكتابة الذكية من تقنيات عالية وأدوات لغوية وبلاغية،التي تساعد على نقل الواقع المبكي بأسلوب مضحك،بمعنى أن طريقة الكتابة التي تخوض سرديات السخرية السوداء ينبغي عليها أن تجمع بين الكوميديا والتراجيديا في قالب واحد متناغم ومتلائم لاوجود فيه للتناقض والارتباك الذي يقضي على جمالية هذا النوع من الكتابة،والسخرية السوداء كانت معروفة في التراث العربي القديم وبشكل خاص عند الجاحظ وهو ما يسمى في كتاباته الأدبية بالأسلوب المضحك المبكي أو "ضحك كالبكاء".
تفكيك النقد - عبد السلام بنعبد العالي
يتميز التفكيك عن النقد. فالنقد يعمل دوما وفق ما سيتخذه من قرارات فيما بعد، أو هو يعمل عن طريق محاكمة. أما التفكيك فلا يعتبر أن سلطة المحاكمة أو التقويم النقدي هي أعلى سلطة.إن التفكيك هو أيضا تفكيك للنقد. وهذا لا يعني أننا نحط من قيمة كل نقد أو كل نزعة نقدية . لكن يكفي أن نتذكر ما عنته سلطة النقد عبر التاريخ"
J.Derrida, Points de suspension, entretien avec D. Cohen
Ed. Galilée 1992.
تذكرنا عبارة " تفكيك النقد" بعبارة أخرى أكثر قدما هي عبارة "نقد النقد"، فهل يتعلق الأمر بالشيء ذاته ؟ وإن كان الجواب سلبا، فما الذي يميز العملية الأولى عن الثانية؟
ربما كان علينا، تمهيدا للجواب عن هاته الأسئلة،أن نتساءل أولا مشروعية الحديث عند النقد بصيغتي التعريف والمفرد. هاتان الصيغتان هما اللتان كان دريدا، فيما قبل، يستعمل بهما لفظا أخر لا يبعد كثيرا عن لفظ النقد في السياق التفكيكي , هو لفظ الميتافيزيقا. ونحن نعلم أنه تدارك الأمر فيما بعد منبها أن علينا بالأولى أن نتحدث عن ميتافيزيقات. ربما كان هذا أيضا شأن النقد . قد يقال وأن المقصود هنا هو النقد من حيث هو استراتيجية ، وليس شكلا بعينه من أشكال النقد ، غير أن هذه الملاحظة لن تبدو مقنعة إن راعينا أن تلك الاستراتيجية تلونت عبر التاريخ. وهو أمر يشير إليه دريرا نفسه في السطر الأخير من النص السابق.
بين "كتاب في جريدة" وبوكر الرواية العربية : قراءة نصية في رواية "السيدة من تل ابيب" لربعي المدهون - يسري الغول
مثلت انطلاقة "كتاب في جريدة" في نوفمبر 1997 انطلاقة رائدة في عالم الثقافة والأدب، فقد أراد القائمون على المشروع في حينه أن يبلغوا بهذا العمل الرائد ترسيخ وحدة اللغة والثقافة. وتعرُّف أبناء الوطن الكبير على كبار الكتاب والمفكرين والأدباء في العصر الحديث. ولعلي في ذلك الوقت كنت في بداية مشواري الأدبي؛ لذلك كنت انتظر أول أربعاء من كل شهر كي أبتاع جريدة الأيام المشاركة ضمن هذا المشروع. ولا زلت حتى اللحظة أذكر كم كانت متعتي في الحصول على الكتاب الشهري الذي تنوع خلال تلك الحقبة الطويلة بين الأعمال الإبداعية، والفكرية والتنموية، محتفظاً بذلك الكنز الثمين في مكتبتي كميراث لأولادي وغيرهم ممن أثق باحترامهم للكتاب.
مثَّل "كتاب في جريدة" خطوة كبيرة لي نحو التقدم والإبداع، حيث تعرفت من خلاله على كبار الروائيين والقصاصين العرب مثل بهاء طاهر وزيد مطيع دماج وإيميل حبيبي وغالب هلسا وعبد الرحمن منيف وإبراهيم الكوني وغائب طعمة فرمان، وغيرهم الكثير. كنت أقرأ أعمالهم بشغف، تاركاً كتب الدراسة كي أعيش عوالمهم، وأغوص في بحور أفكارهم. ولقد فتح لي "كتاب في جريدة" كوة من المعرفة نهلتُ منها الكثير الكثير. حيث أنني كنت أستعير جميع أعمال الروائي أو القاص الذي أجدني مشدوداً إليه حال فراغي من روايته أو مجموعته القصصية التي تصدر عن المشروع، فقرأت لبهاء طاهر خالتي صفية والدير وقالت ضحى وشرق النخيل وواحة الغروب والحب في المنفى وغيرها من الروايات التي لا تسعفني الذاكرة بها الآن. وقرأت جميع أعمال الروائي الرائع منيف، بدءاً بخماسية مدن الملح وانتهاءً بأرض السواد.
البنية الإيقاعية في شعر ممدوح عدوان - د- امحمد برغوت
يعتبر الإنتاج الحديث للشعر العربي المعاصر، والمتمثل في شعر الرواد (شعر الخمسينيات): السياب – البياتي- نازك الملائكة... هو الانطلاقة التجريبية الأولى التي تأكدت معها – فيما بعد- المبادئ القاعدية لتحويل الشكل الشعري للقصيدة وبنيتها الإيقاعية والذي سيبلغ مداه وأبعاده العميقة في شعر الستينيات الذي استوعب مجموعة من العلائق المنطقية التي أصبحت القصيدة تتدرج في إطارها، بفعل التطور الفكري والفني الذي خضعت له القصيدة العربية الحديثة، وذلك تحت تأثير عوامل داخلية وخارجية؛ إذ تلاشت الوظيفة الأفقية للبيت الشعري داخل عملية تكييف حديثة لحركة الحداثة التي مثلها: أدونيس ويوسف الخال- على وجه الخصوص ومجلة "شعر " ومريدوها – على العموم-، وحلت محلها نظرة جديدة تزاوج بين ما هو أفقي وما هو عمودي على نحو تناغمي منسجم، معتبرة أن العملية الإبداعية على مستوى الشعر: "عقدة عضوية " تتقاطع فيها جميع المظاهر الشكلية والمضمونية، حيث يكمل بعضها البعض.
" ومع تلاشي الوظيفة الأفقية للبيت الشعري في صيغته التقليدية، واعتماد البيت الوحيد البنية؛ سادت إرادة الابتعاد عن الانتظام الهندسي للزخرفة الشعرية الاتباعية، بهدف الحصول على حرية إيقاعية، وكذلك – وهذا هو الأهم – على حرية في البناء الشعري."1
وعلى هذا الأساس، أصبح للشاعر كامل الحرية في إطالة الإيقاع أو اختصاره، تبعا لإرادته ودفقته الشعرية وذوقه وحاجته، متمتعا من ناحية أخرى بحرية اختيار القافية التي يختتم بها أبياته.