الرمز من التقنيات التي يكثر استخدامها في الشعر المغربي المعاصر،وهو وسيلة يعتمدها الشاعر للإيحاء بدل المباشرة و التصريح،فينقل القارئ من المستوى المباشر للقصيدة إلى المعاني و الدلالات التي تكمن وراء الكلمات،كما يقوم باستكمال ما تعجز الكلمات عن تبيانه.
يقول أدونيس( الرمز هو ما يتبح لنا أن نتأمل شيئا آخر وراء النص،فالرمز هو قبل كل شئ معنى خفيا وإيحاء،إنه اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة،أو هو القصيدة التي تتكون في وعيك بعد قراءة القصيدة)
ويرى كارل يونغ أن الرمز(أحسن طريقة ممكنة للتعبير عن شئ لايوجد له معادل فكري آخر،من الحق أن مضمونه المنطقي أو العقلي يستطاع إدراكه وفهمه لكن مضمونه اللامنطقي لا يمكن تفسيره تماما،وإنما يلتقطه الحدس)
وهذا المدخل يساعدنا على فهم المستويات الدلالية في القصيدة ،المستوى الظاهري وهو المستوى المباشر،و الثاني باطني ينمو نموا طبيعيا من المعنى الأول.وعملية نمو مستوى الرمز ليس عملية إنابة عن المستوى الأول فالمستوى الأول ضروري وأنه أحسن طريقة للتعبير،وهو الذي يلائم منطق العقل ويوافقه.
و الرمز لا ينهض على محاكاة الواقع،وإنما ينطلق منه ويتجاوزه لإنشاء علاقات جديدة مرتبطة بعالم الشاعر،وفي هذه المرحلة يصبح الشعر أكثر صفاء وتجريدا،لأنه يقدم صورا حسية توحي بما هو معنوي.وهو بذلك عندما ينطلق من الواقع يرتبط بالذات فتنهار المعالم المادية وتنهض على أنقاضها علاقات جديدة مرتبطة بالرؤية الذاتية للشاعر.
ماذا تبقى من صهيل أدب الإلتزام؟ - سعيد موزون
إن من عجائب الأدب أنه عالم مضطرب كموج البحر ليس له حدود ثابتة، ينطلق بنا - من خلال فرسانه ومدارسه ونقاده وكتّابه وعشاقه ومنظريه - من نظرية إلى أخرى ومن مذهب حتى آخر، فتقوم دوامات من الجدل والنقد حوله تتسع وتنداح بأفكار ورؤى ترفع المنجز النصي إلى أعلى علّين أو تخفضه إلى أسفل سافلين،إنه بحق قفّاز لكل الأصابع.فلماذا نخندقه في قفازات صغيرة لا تتسع له؟
أقول بنبرة تحشرجها الدهشة: أي بئر عميق القرار يريد أن يئدنا فيها قِدِّيسو أدب الالتزام وفرسانه بهذا الأدب؟ مِن" الشكلانية " التي ترى أن دور الأدب هو العناية أولا بالبناء المبتكر وطرائق توليد النص والأسلوب والأشكال السردية، وباختصار التركيز على التقنية بكافة وسائلها، ومن الفلسفية العدمية التي ترى أن تغيير الواقع والعالم أمر مستحيل، وأن الحقيقة الوحيدة الباقية هي ذات الكاتب الذي تسوقه نرجسيته إلي أن يصف بأدق التفاصيل أدنى انفعالاته وأتفه تجاربه الجنسية وذكرياته الأشد سطحية؟؟ إن أول ما تستلزمه الكتابة هو حرية الإبداع حتى يشتغل المبدع في مساحات وارفة يتحرك فيها كيف يشاء ويذرعها جيئة وذهابا كيفما شاء، ويحاور فيها نصه بلغة يختارها بمعجمه ومضمون من وحي خياله بعيدا عن إملاء نمطي ونسق تكراري يجتر وجودية سارتر أو خبز ماركس أوشكلانية الروس، ويا ليت شعري ما بال الخطاب الإبداعي وكأنه بدون هذه الأنساق لا إبداع له ولا أدب! فإذا التزمنا هذا الالتزام- حسب شروطه وملفوظه- فإلى متى نظل ملتزمين بمعطى معين لا نريم عنه ؟ وإذا التزمنا به فما هي آفاق هذا الالتزام ؟ وإلى أي حد نظل مستمرين في هذا الالتزام والعالم من حولنا يتدفق بمعطيات جديدة ووقائع تعرف قطيعة متجددة بسابقتها؟
السينما المغربية والرداءة الفنية – عزيز العرباوي
هل أفادت السينما المغربية من السينما العربية الرائدة والسينما الأمريكية والغربية لتقدم لنا سينما مغربية حقيقية لا ترهات وأفلاما ممسوخة؟ وهل استطاعت السينما المغربية أن تستثمر كل الأدب المغربي المكتوب أو بعضه لتنتج أفلاما تستحق المتابعة والإعجاب؟ ومتى تتراجع هذه السينما عن غيها وتجاوزها لكل الأعراف والقيم المغربية وتبتعد ما أمكن عن مناطق الخطر التي تؤدي بالتماسك المجتمعي إلى الهاوية؟ .
هذه أسئلة وأحرى ممكنة، تتبادر إلى الذهن كلما صادفت فيلما (مغربيا) على شاشات القطب العمومي المتجمد، والذي يصعب على المرء أن يغير المحطة حتى ينهيه، ليس لأنه من الخوارق في عالم السينما والتمثيل ، وإنما لأنه عجيبة من عجائب السينما وغريبة من غرائب فن التمثيل سواء من حيث السيناريو غير المتجانس أو من حيث ممثلين لا يجمعهم إلا المشاركة في عمل واحد، أما طريقة التمثيل والأداء فإنها تدعو إلى الشفقة أكثر مما تدعو إلى السخرية والضحك على أوضاعهم داخل الفيلم. وأما المخرج فحدث ولا حرج، لأنه يجهل ما يقدم إلى المشاهد والمتلقي، ولا يدري أنه يمارس الغباء في فيلمه وأنه يكرس الرذيلة والخيانة الزوجية والعنف المادي والمعنوي والانحلال الخلقي والتربوي،.... وهلم جرا .
أحلام الكنعاني - عبد العاطي الزياني
هنا بعد ألف عام من الفداء، حيث الشيخ المزمن والأوراد البكماء، يطيب لي صحبي أن أنيخ ناقتي على ضفة التحنان، أنا الوحيد كشجر الطلح الباسق سهوا في العراء ، أرتل أمام نجمة الصبح خيباتي. وهناك حيث هناك ، يصنع الكنعاني أحلام روحه الصارخة يوما ما في الصيف الحاد أمام غابات الزيتون والسنديان ، يرسم العناوين الكبرى والصغرى لوطن يلتقطه من مزق الخيانة.هو الصوت وأنا الصدى.مثخنا بالتاريخ والجغرافيا ووهج الأنحاء العطشى، جاءنا، هو المحارب ضد تعب الجراح، وضد رقصة الشظايا.هو هو ولو تدلى من الشرق خطوه.ولد محمودا وعاش مرا ومات درويشاشاعر ينزف وطنا، ويقيم بين النار والماءالحديث عنه كالحديث عمن نحب، هل َّ بأوراق الزيتون، هل َّ كالنجدة، جاءنا والزنبقات السود في قلبه كاللهب، كانت فلسطين وقتها جرحا فاغرا فاه، مشمولة بالأسى والفقدان حد الحافة.
انعكاسات في مرآة الأدب :قراءة في ( رواية دنيا زاد ) للأديبة : مي التلمساني - حسن غريب أحمد
الأديبة الشابة (مي التلمساني) التي قدمت لنا هذه الرواية الجديدة (دنيا زاد) وبالطبع هي ليست الرواية الأولى التي تقدمها للمطبعة الأدبية (مي التلمساني) ولكنها قدمت لنا من قبل رواية "نحت متكرر" ولقد كنت متابعاً لهاتين الروايتين. وإذا أردنا أن نقترب من عالم (مي التلمساني) .. نستطيع القول أن (مي) إلى جانب أن لها هذه التجارب الروائية .. تشتغل بالدراسة والنقد وذات قلم في الكتابة أعتقد إنها من الأقلام الشابة الواعدة لآن. (مي) تنتمي لأسرة ذات علاقة وشيجة بالفن وهي أسرة التلمساني وخاصة بفن السينما وهو قريب جداً من فن الرواية والإبداع و "دنيا زاد" هي رواية كما يتضح من العنوان تحاول أن تقطف الأسطورة القديمة والشهيرة في (ألف ليلة وليلة) من أول تسمية العمل ذاتها .. فتلعب بالاسم هذه اللعبة المزدوجة للمخلوق الروائي الذي سنكتشف فيما بعد عندما نمضي في قراءة العمل أنه مخلوق مهدد بالفناء لا يبيقيه على قيد الحياة سوى الكتابة وسوى تسجيل مولده المجهض.
تتميز رواية "دنيا زاد" بأنها رواية حداثية وإن كانت بسيطة وعفوية في الوقت ذاته .. وأبرز مظاهر هذه الحداثة ... أن الأصوات فيها متعددة والانتقالات فيها كثيرة فالراوي يمكن بأن يكون ضمير الراوي الكاتب نفسه لكنه لا يستأثر ولا يحتكر عملية السرد بل تدخل الشخصيات أيضا هذا المجال لتتحدث سنجد مثلا أنه في بداية الرواية تعطي صوت الرواية لزوجها الذي لا تسميه وإن كانت تصفه فيحكي نفس الأحداث التي سبق للراوية أن حكتها لكن من منظوره الخاص وبوجهة نظر أخرى ..
الماغوط شاعر التمرد والعبثية - عماد كامل
(مأساة محمد الماغوط انه ولد في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط.ومنذ مجموعته الأولى"حزن في ضوء القمر" وهو يحاول إيجاد بعض الكوى أو توسيع ما بين قضبان النوافذ ليرى العالم ويتنسم بعض الحرية.وذروة هذه المأساة هي في إصراره على تغيير هذا الواقع،وحيدا،لا يملك من أسلحة التغيير إلا الشعر.فبقدر ما تكون الكلمة في الحلم طريقا إلى الحرية نجدها في الواقع طريقا إلى السجن) سنية صالح
تتألف الفرح ليس مهنتي من32 قصيدة وهذه القصائد متناثرة، فلكل مقطع شخوصه وأحداثه،فشكل القصيدة يتصف باللاترابط والتبعثر والتشتت وكأن الشاعر يحاول التمرد على قانون السببية ليضفي على عالمه منطق التفكك والتشتت والتبعثر ولعل الصفة الغالبة على(الفرح ليس مهنتي) إنها تشترك في ما بينها بقتامتها وكآبتها.
فإذا وقفنا عند القصيدة الأولى وعنوانها(من العتبة إلى السماء) كمثال نبين من خلاله الطريقة التي كتبت بها المجموعة يلاحظ القارئ كثرة القفزات المتنوعة والانتقالات داخل القصيدة الواحدة وهي تعكس في اغلبها صور القتامة واليأس والكآبة، ويبدو إن الشاعر يهدف من خلال قصائده إلى تجسيد قيمة اللاترابط والتفكك والعبث وهي قيمة تتولد بفعل التمرد.
حدود السرد وحدود السيناريو في "كائنات من غبار "للروائي هشام بن الشاوي - محمد يوب
1: تقديم
عندما يريد الناقد قراءة عمل من الأعمال الإبداعية يصطدم بمشكلة المنهج الذي سيعتمده لدراسة هذا العمل أو ذاك،قصد تبسيطه وتقريبه للقارئ،وهذا المنهج ينبغي أن يتصف بقدر معين من الموضوعية العلمية،وأن يعتمد لغة تقرب هذا العمل للمتلقي وتشعره بلذة القراءة، وتزداد هذه العملية صعوبة في دراسة الأعمال الروائية.
لأن الرواية أولا وقبل كل شئ كتابة مشكلة من مجموعة من الجمل،ذات حمولة فكرية و أيديولوجية،وكل ما يصدر عن الأديب من أحداث وشخصيات وتفضئ زمكاني،يتخذ صفة الأدبية بواسطة اللغة،ولهذا السبب تعتبر اللغة مكونا أساسيا من مكونات العمل الأدبي عامة و الإبداع الروائي خاصة.
و اللغة بدورها لا تستقيم في الأعمال الروائية دون سرد و المقصود بالسرد،هو لغة الرواية وأسلوبها وطريقة كتابتها،أي الانتقال باللغة عبرمراحلها من الألفاظ إلى التراكيب،ثم التعابير فالدلالات،هذه اللغة التي تنقل الأحداث من المحيط الخارجي إلى الصور الفنية و الجمالية.
وفي السرد الروائي ينبغي التمييز بين المقطع و الخطاب،فالمقطع هو الجملة اللغوية التي تتوزع ألفاظها حسب التفسير المعجمي،أما الخطاب فهو تحول هذه الجمل من المعنى المعجمي إلى السياق الدلالي.
وفي لغة السرد نجد"المحكي بالمعنى الحرفي للكلمة"le recit proprement dit وفيه يتدخل السارد في العمل الروائي ويكون طرفا مباشرا في نسيجها.
نظرات في المنجز النّصي الساخر عند ابن الرومي - سعيد موزون
إلى :ألق الشعر زمن حيرة الشعر وتمرده: ابن الرومي و أبي الشمقمق ..
مقدمة حول مأساة الشاعر مع التاريخ والنقاد والدارسين:
إن الحديث عن ابن الرومي ذلكم الهرم الهجَّاء في الشعر العربي برمته - إلى جانب الحطيئة والأخطل والفرزدق وجرير وبشار ودعبل - ليستلزم منا كلاما عريضا طويل الذيل، سيّما حينما تلفى في بطون الكتب كلاما عنه كهذا الكلام:
"إنه لعنة السماء".
"إنه شاعر هجَّاء لم يسلم أحد من لسانه".
"رجل متطير قليل الحيلة، موسوس لسانه أطول من عقله، وهجاؤه لاذع يجيد السب والشتائم".
"كان لسانه أطول من عقله حتى قتله الهجاء".
هذا الكلام في الحقيقة واقعٌ مزعج يظلم الشاعر في شعره، وهو لا غرو أقصى ما تردده كتب الأدب عن ابن الرومي،"هذا الشاعر الكبير ظُلم من القدماء والمحدثين على السواء فلم يعطه هؤلاء ولا أولئك حقه ولم ينصفوه، وأطلقوا عليه بعض الأحكام العفوية أو المقصودة لتشوه أدبه"[1]، فلا تكاد تجد له أثرا في الموسوعات الأدبية القديمة ولا التراجم ولا كتب تاريخ الأدب كالأغاني للأصفهاني و"العقد الفريد" لابن عبد ربه، وطبقات ابن المعتز و"الكامل في اللغة والأدب" للمبرد ... اللهم إشارات يتيمة يسيرة عن بعض أخباره منثورة في استحياء في بعض الكتب مثل: "طبقات النحويين" للزبيدي، و"زهر الآداب" للحصري، و"العمدة" لابن رشيق و"رسالة الغفران" للمعري و"الفهرست" لابن النديم.