ثمة آفات كثيرة تنخر في المشهد الثقافي جلها معلل بمستوى الوعي العام والجهل بماهية الأدب، وهي من الماهيات العليا التي لا ينبغي جرها الى الدرك الأسفل. وفي هذا المقام سنقف على تخوم آفة خطيرة، وهي تقييم شكل النص الشعري بفعل المضمون وما ينطوي عليه من انزياح فكري أو عقائدي أو توجه قد لا يستحبه المتلقي سواء كان قارئا عاديا أو ناقدا. أو قد يُستفز به أيديولوجيا فيصب جام غضبه على الشكل الشعري مبخسا اياه ومتجنبا الخوض في المضمون لعلة ما. إنما الأنكى في الموضوع هو إغتيال الشاعر أدبيا بفعل الأيديولوجيا أو الإنتماء بشتى صنوفه، فإذا كان المتلقي أديبا او ناقدا قد يلجأ الى تسفيه نصوص الشاعر أو النيل منها إشباعا لعدائيته أو اهمالها. وثمة تعصب ايديولوجي قد يصيب صاحبه بالعماء فلا يرى إلاّ شعراء محيطه الأيديولوجي وربما ممن لا يتقاطع معهم نفسيا أو مزاجيا فقط أو اخلاقيا. والجدير بالذكر أن المعروف عن الشاعر محمود درويش الذي يلقب بشاعر القضية الفلسطينية تشبعه بالأدب العبري، ولم تعفه نفسه عن قراءته لأسباب سياسية أو عقائدية أو عدوانية. وهذا نهج سليم فالأدب لغة عالمية وليس دينا أو حزبا أو تيار.
أنقذوا محمود درويش ـ عبد الستار الكفيري
لا يسعني، هنا إلا أن أضمّ صوتي إلى أصوات كثيرين غيري ممن طالبوا، من دون تردّد، بإيقاف عرض مسلسل «في حضرة الغياب»، الذي يجسّد حياة وتجربة الشاعر الراحل محمود درويش، بعد وصلات الابتذال التي طالعتنا بها الحلقات الأولى من هذا العمل الدرامي الباهت، مضمّناً صوتي إلى صوت الكثيرين ممن يجأرون: أنقذوا محمود درويش..
كنا نتوقع أن يُنصف هذا العمل الشاعر الراحل محمود درويش بأداء معقول، إلى حدٍ ما، وكنا نظن أن خبرة الممثل فراس إبراهيم، ومعه حسن يوسف كاتب السيناريو، والمخرج أنزور يمكن أن تفضي إلى عمل درامي نوعي هذا العام، ولا سيّما أنه يحاكي قامة شعرية سامقة، تركت أثراً من شعرها عند أجيال وأجيال، بيد أن الصدمة كانت مهولة ابتداء من أولى مشاهد هذا العمل الكارثي المبتذل الذي غاب فيه محمود درويش الشاعر ولم يحضر الممثل البارع الذي استطاع محاكاته بشكل مقبول.
فإلى جانب الاعتراضات الكثيرة التي سُجلت على المسلسل، ومنها رداءة تقمّص الممثل فراس ابراهيم لدور الشاعر الكبير، وسطحيته وافتعاله في التصدي لمثل هذا الدور، المركّب والمعقد، وما كيل له من عجز في أدائه لشعر درويش بسبب الأخطاء اللغوية الهائلة التي شابت هذا الأداء، يمكن أن نضيف هاهنا سبباً آخراً لعله أسهم في تدني مقبولية الجمهور العربي للدور الذي جسّده فراس ابراهيم لشخصية الشاعر محمود درويش.
الأسطوري والعلمي وحدود العلاقة بينهما ـ د. محمد الصفاح
لقد وجد الإنسان نفسه في الكون يرتبط به وجوديا، فأدرك عقب تراكم الخيرات لديه أن مجاله البيئي الإيكولوجي المحتضن له، ينتج ظواهر معقدة، يصعب قراءتها. فظلت بالنسبة إليه سرا عصيا، ولغزا مغلقا، يستفزانه بمفاجئاتهما ويقلقانه، إذ تتولد لديه أسئلة عديدة. إلا أنه لا يستطيع في ضوء ما يحمله من زاد ضعيف على مستوى التجارب والخيرات الحياتية والقدرات الفكرية، صياغة أجوبة نطفئ عطشه النفسي. ونظرا لطبيعة المرحلة التي وجد فيها، أي مرحلة الذكاء الفطري، أو مرحلة ما قبل النضج الفكري، وفي غياب آلية التفكير المرتبطة بالإمكانات العقلية والقدرات التأملية التي لا زالت جنينية، جنح نحو تفسير ما يلاحظه أو يعيشه من أحداث وظواهر اعتمادا على مبدأ الغيب. وبمعنى أدق، فإن التفسير يتم بطريقة ميتافيزيقية ما ورائية، باعتبارها السبيل الأقرب والأيسر، الكفيل بإخراج الإنسان من حيرته، وتسكب الإحساس بالطمأنينة النفسية في كيانه المشتت، تشتت علاقته بالوجود. لأنه كان يعيش بأحاسيسه وغرائزه، لا بعقله الذي كان غائبا وقتئذ عن مسرح التفاعل مع العالم الخارجي.وذلك لأن طبيعة التفاعل كانت نفسية إلى حد كبير. وعليه، يمكن القول أن القاعدة المرجعية للتفسير، اعتمدت وبشكل أساس على الغيبيات، الغير مدركة الخارجة عن حدود المنطق المتمردة على العقل، وهي ما اصطلح عليه بالأسطورة. والأسطورة لغة، كل ما يسطر أو يكتب والجمع أساطير وفي المعاجم : الأساطير، الأباطيل والأكاذيب والأحاديث لا ناظم لها. ومنه قوله تعالى في سورة المؤمنين الآية 83 :" إن هذا إلا أساطير الأولين ". والأساطير قصص خاصة تروى عن الالهة او عن كائنات بشرية متفوقة، أو عن حوادث خارقة وخارجة عن المألوف في أزمان غابرة.وقد تتحدث عن تجارب متخلية للإنسان المعاصر بغض النظر عن إمكان حدوثها أو تسويغها بالبراهين ... إنها أمر واقع ولكنه خارج عن المنطق، والمعقول القابلين للمناقشة والبرهان. والجدير ذكره في هذا السياق، أن الأسطورة كانت في بداية الأمر ملاذا نفسيا للإنسان المتعب، الباحث عن الخلاص والتحرر من إسار الهواجس المطاردة له. إلا أن التطور الذي شمل بنيات الحياة والفكر. شمل أيضا الجانب الأسطوري. إذ تبدى هذا التطور في مظهرين اثنين:
التأويل المُضاعَف والعكسيّ للنص الأدبي ..3/3- القسم الثاني ـ فاتن نور
هذه المادة بثلاثة أجزاء تحت سقف العنوان أعلاه وسترد تباعا، وهي:
1. حول النقد ومظلته السايكولوجية.
2. حول الشعر والتأويل، وثنائية الشكل والمضمون.
3. توطئة حول نقد النقد، ومثالين عن مادتين نقديتين.
توطئة حول نقد النقد، ومثالين عن مادتين نقديتين - القسم الثاني:
ما سنتناوله هنا ليس معنيا بما ورد عن اشكالية الترادف الاصطلاحي التي تطرقنا لها هامشيا ضمن التوطئة العامة في القسم الأول. وفي هذا القسم، لسنا بصدد نقد النص الشعري فهذا خارج اهتمامنا، إنما بصدد قراءة الناقد للنص وأبعادها. وما نجده مناسبا للوقوف عنده.
المادة الأولى: قراءة الأستاذ سلام كاظم فرج لقصيدة "من الناعور، من سِوار النهر" للشاعر سامي العامري. / الرابط مدرج أسفل الصفحة
وقد جاءت قراءته تحت عنوان " النقد الأدبي: جدلية الشكل والمضمون في الشعر المعاصر، قصيدة العامري (من الناعور..من سوار النهر) نموذجاً "./ نفس الشيء
الكتابة والفقدان قراءة في التجربة القصصية عند علي القاسمي ـ عزيز العرباوي
إبراهيم أولحيان كاتبٌ مغربي شاب، عُرِف بدراساته النقدية العميقة المتأنِّية، وترجماته الأدبية الدقيقة. وقد نالت ترجمته لكتاب " النقد الأدبي المعاصر" للكاتبة الفرنسية آن موريل، الذي صدر عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة، ترحيب النقّاد والأدباء العرب، وكان من الكتب الأكثر مبيعاً في معرض الكتاب الأخير في القاهرة.
صدر لابراهيم أولحيان هذا العام كتابٌ عن دار الثقافة بالدار البيضاء عنوانه " الكتابة والفقدان: قراءة في التجربة القصصية عند علي القاسمي". وأهدى الكتاب لأصدقائه في العراق الأدباء: كاظم النصار، وسهيل نجم، ومحمد صادق، ولؤي حمزة عباس، وثائر علي.
يرمي هذا الكتاب إلى تعرية تجربةِ مبدعٍ اكتوى بنار الغربة والتمزق والضياع، فصاغ رؤاه بشكلٍ فنّيٍّ يستهدف متلقياً شغوفاً بمتعة الحكاية المسكونة بالمعاناة والمعرفة والفن. يكاد إبراهيم أولحيان يكون متخصّصاً في الإبداع القصصي للكاتب العراقي المقيم في المغرب، الدكتور علي القاسمي. فبالإضافة إلى الصداقة التي تربطهما وتيسر له معرفة شخصية الكاتب وهمومه ودوافعه، فهو مطلع على الإنتاج الفكري للقاسمي، سواء أكان إبداعاً أدبياً أم بحثاً علمياً في اللسانيات والمعجمية والمصطلحية والترجمة والتربية والتنمية وحقوق الإنسان.
مقاربة نقدية: يسري الغول في قبل الموت، بعد الجنون - غريب عسقلاني
في مجموعته القصصية "قبل الموت.. بعد الجنون" يأخذنا القاص الشاب يسري الغول بين حدي الموت والجنون وكأني به يطرح سؤال الاختيار بين الموت المجاني والمواجهة غير المتكافئة في واقع يمور بالمفاجئات وانقلاب المعايير والتباس وغموض النتائج!!
كتبت القصص ما بين الأعوام 2005 - 2009 وهي السنوات الأكثر دموية التي شهدها قطاع غزة, حيث يعيش الكاتب, فقد شهدت هذه الفترة استشهاد الشيخ احمد ياسين ورحيل الرئيس ياسر عرفات, وتصاعد وتيرة انتفاضة الأقصى, والسجال الدموي مع الغاصب الصهيوني, وصولاً إلى الحرب على غزة, كما شهدت هذه الفترة احتدام الاشتباك مع الذات في الاقتتال الفلسطيني الذي شطر الحال إلى شطرين متخاصمين على مستوى القمة وخسارة الكل على مستوى القاعدة, ولعل السؤال الذي يطل علينا: هل قدم يسري الغول في مجموعته -وهو الكاتب الفياض- كل ما كتب من قصص في تلك الفترة؟ أم أنه اختار القصص التي تدور حول محاور ما!!
في تقديري أنه قدم مجوعة إطار حول أسئلة مشتركة, فتشكلت المجموعة سلسلة سردية لفضاء زمكاني, الأمر الذي قربها من رواية تقوم على التشظي والتبعثر وقدر الفلسطيني المرجوم بالصراع الأزلي, والمعلق بين معطيات واقع جائر ولؤلؤة رؤيا ما بعد الحياة.
جماليات الوصف في رواية زنابق تحت الجليد لعبد الرزاق السومري – د. سلوى عباسي
تجسّد هذه الورقات النّقدية محاولة للجوس في دواخل العالم الفنّي لرواية زنابق تحت الجليدالتي ألّفها الكاتب التّونسي عبد الرّزاق السّومري[1]، و هو في توظيفه المميّز لجمالية الإحالة على الواقع ، واعتماده المخصوص على تقنية الوصف الحيّ (Hypotypose) [2]،كأنّما قد أرادها أن تكون من النّوع الواقعي الجديد الذي تنداح فيه لغة السّرد الرّوائي عن اللّهجة التقريرية التسجيلية الفجةّ ، التي عادة ما تسطع من كتابات الواقعية ،على أساس أنّ الالتزام بتمثيل الواقع هو مبلغ همهّا ، وأبرز مقوّم تستند عليه في خطابها. إذ به تتشكّل ماهيّة الأحداث ،و من خلاله تَرتسم ملامح الشخصيات، وإليه توكل عملية التصوير الفنّي برمّتها و يسلّم وفاض العالم المتخيّل ، بشتّى مكوّناته المرجعية، وخصائصه النّفسية الاجتماعية الثّقافية التاريخية التي قد تميّزه هذا العالم عن غيره من العوالم .
فلا شكّ في أنّ الأدب الواقعي، بمختلف أجناسه لا يعترف بغير الواقع مرجعا و بغير حوادثه ومشكلاته وقضاياه موردا ،منه يغترف كتّاب هذا الاتّجاه موضوعاتهم، وعلى غراره ، ينسجون خيوط حبكاتهم ويختلقون صيرورة الوقائع المسرودة على مدار النصّ ، ويتخيّلون معالم الأطر الزّمانية المكانية، وأشكال التفاعل بينها وبين الشخصيات . إنّ الواقع ،باختصار يطوّق كلّ ما يمتّ بصلة إلى ماهيّة المرجع الحكائي أو عالم القصّةDiégèse)) .
التأويل المُضاعَف والعكسيّ للنص الأدبي ..3/3 ـ فاتن نور
هذه المادة بثلاثة أجزاء تحت سقف العنوان أعلاه وسترد تباعا، وهي:
1. حول النقد ومظلته السايكلوجية.
2. حول الشعر والتأويل، وثنائية الشكل والمضمون.
3. توطئة حول نقد النقد، ومثالين عن مادتين نقديتين.
توطئة حول نقد النقد، ومثالين عن مادتين نقديتين:
(القسم الأول)
في هذه التوطئة لابد لنا من الوقوف على هامش إشكالية النقد التي تستحِث نقد القراءات النقدية أو مجادلتها موضوعيا.
بجانب طبيعة العقلانية العربية التي أشرنا إليها في الجزء الأول، وانزياحاتها السايكولوجية العامة المؤثرة سلبا في حركة النقد الأدبي، ثمة إشكالية لا يمكننا تجاوزها في هذا المقام، وهي أن الحركة النقدية تفتقر الى منهجية واضحة المعالم والبنى، فهي في الغالب مزاجية الطابع تتأرجح بين التقليد والتغريب، وكلاهما مشوش مقارنة بأصوله. فقديما كان النقد بفعل التذوق والتأثر بالمنتج الشعري لفرز جيده عن رديئه، وقد ترأس النابغة الذبياني سوق عكاظ لعلو منزلته آنذاك ونبوغه، لإستقبال ما يعرض عليه من أشعار وفرزها. ولا يعد الفرز نقدا بمفاهيم النقد المعاصر بل "إنتقادا" فهو حكم بياني عام، وقد تطور في العصور اللاحقة فظهر النقد البلاغي في العصرين الأموي والعباسي وبمعايير الجودة اللغوية نحوا وصرفا، والسلامة العروضية وجزالة الأسلوب وحسن التصوير والتركيب وثراء الخيال وما إليه من معايير ومقاييس بلاغية وفنية متبعة. بجانب رصد الظواهر الأدبية وتحدديها ووصفها كظاهرة الغزل الحضري والغزل البدوي العفيف والتجارب الشعرية الشخصية. ولم يكن النقد البلاغي في إرثنا الأدبي عقيم الجدوى، وله صور في تهذيب العملية الإبداعية نسبيا وتجويد منتجها. أما في يومنا الحاضر فالقراءات التقليدية لم تعد تقليدية الأصول فجلها "تقريض" للمنجز الأدبي، أي إعادة تقديمه للمتلقي من قبل الناقد، وغايته وضع المنجز في بقعة ضوء تحفيزا للمتلقي وتكريما للناص في أحسن الأحوال وبمعية شروح إنطباعية.