حلم الليلة الماضية حلما جميلا ، رأى فيه كل هوامش أفكاره تحتل البؤر و رأى كل ما كان يغمه قد صار على ما يرام ..... باختصار وجد أن حياته قد صارت مكانا مثيرا و جميلا و يصلح فعلا للعيش ،عندما استيقظ قرر أن يبقي نفسه داخل الحلم ، لذلك غادر السرير بعينين مغمضتين . وقف أمام المرآة ،غسل ذاكرته من كل ما فات و نسق ملامحه كما اشتهى ثم تناول فطوره بتأن و لأول مرة استساغ مذاق الخبز الجاف و الجرعات المتتالية من كأس الشاي المعتادة .
في الخارج مشى ليرى العالم عبر ظلام جفنيه كما يريد ، الوجوه باسمة بصدق ، الشوارع غادرتها الحفر و المطبات ورود نبتت هنا و هناك و زينت الشرفات اللامعة ، جرائد توزع بالمجان و كتب على مد البصر ، مقاه انتقلت إلى ما بعد عرض مباريات الكرة ، الكل ملتزم بالسير في نظام خفي تحرسه يد لا مرئية . شرطي المرور العابس غالبا بدوره بادره بالسلام مبتسما بود ، بائعة الفواكه أيضا تبسمت له ولو لم يبتع منها شيئا . انتشى كثيرا و احس بجسده بالكاد يلامس الأرض.
بعد خطوات معدودات دنا منه صوت فرامل قوي يرافقها منبه سيارة مزعج ، احس - في حلمه- بالصدمة ثم بجسمه يحلق في الهواء لهنيهات قبل أن يرتطم بعنف بالأسفلت .
فتح عينيه ببطء و أبقاهما مركزتين على زرقة السماء راعه علوها و بعدها الكبيران ، قبل أن تزاحمها وجوه ووجوه ، ضاق حجم الرؤيا شيئا فشيئا بتزاحم السحنات و الأسئلة .
- مالو .. مالو.. ؟
أعاد إسلام عينيه للظلمة و حاول أن يتغلب على الألم الشديد الذي دب في كل أنحاء جسمه ..... بحلم أبدي .