" الحياة أمل، فمن فقد الأمل فقد الحياة"
- أفلاطون -
بادىء ذي بدء من المهم الى المختصين أو الفضوليين من الناس الاشارة الى أن رواق الفلسفة يقود الى مادة فكرية تجمع بين الأدب من جهة العبارة والأسلوب والعلم من جهة المنهج والنسق وتعني حب الحكمة والرغبة في المعرفة والبحث عن الحقيقة وإضفاء المعنى وتشريع القيمة وتعلم الانسان طرق التفكير وتدربه على فنون الحياة الجيدة وتبعده عن الوقوع في الآفات وتدفع عنه المضار وترشده الى جلب المنافع وتهديه الى الطريق المستقيم وتساعده على الارتقاء.
مارتن هايدجر والعلاقة ما بين الفلسفة والسياسة ـ سميرة اليوسف
لم يخلف الفيلسوف الالماني مارتن هايدجر مبحثا في علم السياسة. غير انه بسبب السياسة نفسها أمسى موضوع جدل لم ينقطع منذ ما يربو على نصف قرن. فهايدجر، وكما لا يخفر، كان نازيا، بل وعلى ولاء النازية لم يتورع بسببه عن الوشاية بزملاء له في الحقل الاكاديمي، وانكار فضل آخرين رعوه في مطلع حياته الفكرية واسبغوا عليه من الاهتمام ما يحتاجه كل ذي موهبة. ولم يكن انكار الهؤلاء او وشايته بأولئك الا لكونهم يهودا او لانهم لم يظهروا من الولاء "للامة الالمانية " ما لم يتوان هو عن اظهاره.
واذ تسوغ هذا المفارقة امرا فإنها تسوغ النظر الى المسافة الفاصلة ما بين إعراض الفيلسوف عن الكتابة في علم السياسة على غرار ما ذهب اليه عدد كبير من الفلاسفة وما بين انضوائه عضوا في الحزب النازي، كمبعث جملة من الشكوك والتساؤلات لم تبرح تظهر كلما أشير إليه من قريب او بعيد: امن الاحق الربط ام الفصل ما بين الموقف السياسي لهايدجر وما بين فلسفته؟ فهل كان للسياسة موقع في فلسفته؟ وما طبيعتها وعلى اي وجه تكون وما اثرها العام على مشروعه الفلسفي، وهو، على ما يزعم، صاحب مشروع فلسفي راديكالى؟ ولم أعرض الفيلسوف عن وضع مؤلف في السياسة طالما انه لم يتوان عن الالتزام بحزب ساسي؟
الآليات الدفاعية ضد الهدر الإنساني ـ زهير الخويلدي
"إننا أكثر فأكثر بصدد التحكم المُحَلَّىSweetened control الذي يسهل تسويقه وتسويغه حتى بالنسبة لأكثر الناس تعرضا للهدر"[1]
نتناول في هذا البحث كتاب الأستاذ مصطفى حجازي "الانسان المهدور" الذي يأتي ضمن سلسلة أعمال أنثربولوجية ضمت كتب " التخلف الاجتماعي: بسوكولوجيا الانسان المقهور" وبعد ذلك " حصار الثقافة بين القنوات الفضائية والدعوة الأصولية" و" إطلاق طاقات الحياة: قراءات في علم النفس الإيجابي و"الصحة النفسية: منظور دينامي تكاملي للنمو في البيت والمدرسة" و"الفحص الفني" و"علم النفس والعولمة: رؤى مستقبلية في التربية والتنمية و"لماذا العرب ليسوا أحرارا؟". فماذا يقصد حجازي بالهدر؟ ماهي أبعاده؟ هل تفطن الى أسبابه وشخص دواعيه وعلله؟ والى أي مدى تمكن الكاتب من تقديم الحلول الكافية بالتخلص منه ومجابهة تداعياته وانعكاساته على الانسان والحياة؟ وماهي الآليات الدفاعية التي يذود بها المرء لمواجهة الهدر؟
توجيهات البيوإتيقا للإنسان المعاصر ـ زهير الخويلدي
"لقد غادرت فكرة تغير العالم والإنسانية الأرض الوحيدة لقصص الخيال العلمي لكي تصل شواطىء الواقع"[1]1
البيوإتيقا Bioéthiqueعنوان كتاب مهم للغاية لبرنار ماتيو Bernard Mathieu وهو أستاذ بجامعة باريس1 وينتمي الى مركز البحث في القانون الدستوري وقد صدر عن دار دالوز سنة 2009 ويندرج ضمن مبحث المعرفة القانونية ويتناول قضايا خلافية ومسائل معقدة واحراجات كثيرة منها ما يتعلق بمنبع الحياة وطبيعة الطبيعة وخصوصية الفرد وعادات المجتمع ومستقبل النوع البشري في تطبيق النانوتكنولوجيا وتأثيرات التحاليل العيادية وعلم الصيدلة ومكاسب المقاربات الطبية والعلوم البيولوجية ومنها ما يتنزل ضمن السياسة والقانون والأخلاق والدين والقضاء والاقتصاد والبيئة.
كما أنه يتناول بالدرس تاريخية مفهوم البيوإتيقا وطبيعة النسق المعياري لما اصططلح على تسميته الأخلاق الحياتية وما يكونه من معايير دستورية وقيم كونية وتوجيهات عالمية ويبحث أيضا في شروط اختيار المعيار الحقوقي ومشروعية التنظيمات الحقوقية والأحكام القانونية. وأدى ذلك الى طرح بعض الأسئلة مثل: ماهي طبيعة الجنين البشري؟ وماهي التوازنات التي تحمي الفرد وتحقق مصلحة المجموعة؟ وهل يمثل النشاط العلمي تنمية للإنسان أم يجلب له العديد من المشاكل ويكاثر له عدة أمراض؟ والى مدى يحصل التقدم الاتيقي بالتقدم التقني؟ ومن يتخذ القرار في البيوإتيقا؟ وماهي الاجراءات الضرورية لتحسين النوع وبلوغ الحياة الجيدة؟
اللغة والفكــــــر عن فيتغشتين ـ بن زينب شريف
سواء كانت رسالة فيتغنشتين المنطقية الفلسفية
أو لم تكن قد برهنت بالصدق المطلق على الموضوعات التي تعالجها ،
فإنها يقيناً تستحق – لعمقها واتساع مجالها – أن تعتبر حدثاًُ هاماً في عالم الفلسفة ( *)
كثيراً ما نعيب على غيرنا سوء فهمه لمقاصدنا الكلامية ،أو يُحكم علينا مسبقا بقصورنا في توضيح ما نرمي إليه من كلامنا ، هذا ما يجعل العملية التواصلية صعبة التَحقق أو بالأحرى تكون عديمة الفائدة بوجود شبه مشكلات تتولد بين المُلقي والمُتلقي. ولكن في حقيقة الأمر أن هذه المشكلات ما هي إلا سوء استخدام اللغة استخداما صحيحاً ، وهذا الاستخدام السيئ للغة دفع العلماء والفلاسفة المعاصرين للبحث في اللغة ومشكلاتها وأنواعها ، حيث احتلت اللغة المكانة المرموقة في الفلسفة الغربية المعاصرة وكان ظهور فلسفة اللغة كمبحث جديد إن دل يدل على خصوبة مجالات البحث وانتشارها في البلدان الأنجلوسكسونية([1] ) .
ولقد كانت اللغة ولا تزال الوعاء الذي يبلور الإنسان من خلاله وعيه وأفكاره و بها يبني جسره التواصلي مع الأخر، ومن خلالها يبني فكره. كما أنه لا يمكننا الحديث عن فكر بدون لغة تمنحه مسوغات الوجود ودلائل الحضور حيث أن كل نشاط فلسفي قائم على رغبة كبيرة للإقناع عن طريق بسط المفاهيم ، وكل تجربة فلسفية لا يمكن الإفصاح عنها إلا من خلال عُنصرَي الفهم والإفهام بعيداً عن كل لبس أو غموض لغوي ، وإن التميز اللغوي للكائن هو التعبير الأمثل عن كينونته فمن خلال اللغة يكتشف الكائن كينونته .
مشروع الجابري في منظور فلسفة الاختلاف ـ يحيى بن الوليد
كان من البيِّن أن يثير مشروع «نقد العقل العربي»، لمحمد عابد الجابري (1936- 2010)، إشكاليات كثيرة وبدءا من إشكالية «عصر التدوين»، الذي عدَّه صاحب المشروع «إطارا مرجعيا» للثقافة العربية، وانتهاء بدعوته إلى «تأسيس عصر تدوين جديد»، ومرورا بإشكاليات، فرعية، أخرى في مقدمها إشكالية «القطيعة الإبستيمولوجية» وإشكالية «العقل المكوِّن» و«العقل المكوَّن» وإشكالية «التوزيع المعرفي للنظم المعرفية»... إلخ.
وقد تمكن الجابري من أن يثير هذه الإشكاليات بسبب من تصوره المنهجي المحكم الذي أفاد فيه من المنجز الفرنسي الحديث سيرا على نهج أغلب أبناء جيله من مفكري الفضاء المغاربي. وهي الإفادة التي جعلته يقدم على تقديم «قراءة جديدة» و«مغايرة»... لكن دون أن يفيد هذا أن «الجديد» ينطوي، أبدا، على «الجدة» أو «المغايرة», وما أكثر المشاريع التي تنطفئ قبل أن ينطفئ أصحابها.
مفهوم السعادة بين النظرة اليونانية والإسلامية ـ عبد الحليم مستور
تقـــــــــــــــديم عـــــــــام :
لعل المتأمل في تاريخ الفلسفة، يدرك على أنه يتأرجح بين ثلاثة مباحث كبرى، مبحث انطولوجي يهتم بالوجود من حيث هو موجود، ومبحث ابستمولوجي يعنى بالقضايا التي تنتمي إلى المجال المعرفي وأخيرا مبحث اكسيولوجي يجعل من القيم موضوعا للدراسة. ويعد موضوع السعادة، إحدى المواضيع الفلسفية التي تضاربت حولها آراء الفلاسفة، واختلف في التنظير لها على مر عصور الفلسفة ، وبالأخص المرحلتين اليونانية والإسلامية، مما يضفي على المفهوم صبغة فلسفية، وقيمة معرفية.ويرجع تعدد دلالة ومعاني السعادة، إلى اختلاف المرجعيات الفكرية والمشارب الثقافية فضلا عن المكانة الاجتماعية التي يعتليها كل شخص. فهناك من يرى أن السعادة تكمن في حسن العيش والحياة الكريمة بامتلاك المال والثروات وتلبية الرغبات، وهناك من ينظر إليها باعتبارها سلوكا فاضلا، والمريض يراها في اكتساب الصحة، والغريب في العودة لوطنه، والوحيد في الصداقة، مما يجسد البعد الذاتي في تحديد السعادة، والتركيز على جانبها المادي الملموس. بيد أن واقع الحال يؤكد أن السعادة تشمل الجانب المادي كما الروحي، وإلا ما الغاية من الحديث عن تهذيب الأخلاق، والخلود إلى النفس والبحث عن الاطمئنان الروحي. وغني عن البيان، أن نعرج على الرابط العلائقي بين السعادة والأخلاق، بحيث نجد الغاية القصوى التي من أجلها كانت الأخلاق هي تحقيق وتحصيل السعادة، علاوة عن تحقيق الرفاهية الإنسانية والتي تتجلى أساسا في كمال إنسانيته. فإذا كانت الأخلاق ترتبط بالفرد وكيفية تحقيق سعادته، فإن السياسة تعقد أواصرها مع المدينة، وبحثها الدءوب في الرفع من شأن الجماعة الاجتماعية، انطلاقا من تحقيق سعادتهم العقلية والخلقية.
مقابسات حوارية مع الغرب وتشريح ادعاء الكونيةـ زهير الخويلدي
"ان ثقافة العالم القديم مازالت حية وتتحكم في مصيرنا ولكن ويا للأسف دون أن ندري ومن وراء صرامة وعينا الذي يدعي الموضوعية"1
أطل علينا الكتاب في جانفي 2013 بعنوان: "تشريح العقل الغربي، مقابسات فلسفية في النظر والعمل". وهو مؤلف جديد من الحجم الكبير نسبيا (440 ص) كان ثمرة تعاون بين الرابطة الأكاديمية العربية للفلسفة وملتقى ابن خلدون للعلوم والفلسفة والأدب و صادر عن تشارك بين دار الروافد الثقافية ناشرون ببيروت وابن النديم للنشر والتوزيع بالجزائر. وقد ضم هذا الكتاب الفلسفي المحض ثلاثة محاور رئيسية توزعت فيها المقاربة التشريحية بين ثلاث حقول معرفية وتطبيقية وذوقية هي النظرthéorie والعملpratique والإبداعcréation . لعل عمل مثل هذا يندرج ضمن الاستشراق المضاد او ما سماه إدوارد سعيد وحسن حنفي بعلم الاستغراب ويتمثل أن يتحول العقل العربي الاسلامي من موضوع البحث الى ذات باحثة ويتحول العقل الغربي من ذات باحثة الى موضوع للبحث وما يترتب عن ذلك من تبادل للمواقع واستئناف حضاري ثان.
عن تطور مفهوم الصراع من أجل البقاء.. ـ فاتن نور
لا يحمل "الصراع" من أجل البقاء، كينونة البقاء بمقوماته الأساسية بالضرورة، كـ التغذية، والتناسل. ويظهر هذا بجلاء في عالم الإنسان، الحيوان العاقل. وهو من المفترسِات غير المتخصصة كما يصنفه علماء البيئة، أي التي تقتات على أي شيء حي تقريبا مثل فصيلة النمور والكلبيات. كما تقتات على نفسها بأكل لحوم جنسها (Cannibalism) في سنينها العجاف أو لضرورات أحوالها النفسية. أو بأساليب أكثر تعقيداً ومأساوية من الأكل بالمعنى الحرفي. فيما تلجأ الحيوانات المتخصصة الى الاكتفاء بالتغذية على نوع واحد من الأحياء، فهي بهذا أقل ذكاءً أو انتهازاً للفرص من سابقتها.
الخطاب ، و فصل الخطاب ـ د. محمد الصفاح
إن غاية الإنسان و هدفه منذ القدم و إلى غاية اليوم تكمن في البحث عن التوازن،الذي يضمن له الوجود المتوازن في الحياة على المستويين:
- النفسي.
-والاجتماعي.
و لعله هدف نبيل،و مقصدية مشروعة،ناضل من اجلها الإنسان،مسخرا بذلك طاقاته و قدراته الفكرية لتحقيق ذلك.و منذ ذلك الحين، و الفكر البشري في صراع مرير، للسيطرة على ظاهرتين وجوديتين اثنتين،هما:
1-الحيرة النفسية.
2-القلق الاجتماعي.
و الجدير بالذكر في هذا السياق ان الإنسان حينما كان يعيش بفطرته خارج النسق المنظم ،المحكوم بالقوانين المنظمة للحياة، لم يفلح ،و لم يستطع الاهتداء إلى السبيل القويم، القادر على تخليصه من الحيرة النفسية و انتشاله من القلق الاجتماعي،اللذين افترساه و أنهكاه، فخر صريعا ،مستسلما ،فطريا، لزمن الفطرة.لكن حينما تطور الإنسان فكريا و اجتماعيا،بفضل ما بناه من اطر فكرية و اجتماعية أخرجته من حياة تحكمها الفطرة ،و العفوية ،و الصدفة ،إلى الحياة المدنية ،المحكومة بالقوانين،باعتبارها الأسس و الأطر التي قامت عليها أركان الحياة المدنية.و يعد الخطاب ،الإطار الفكري،أو الوعاء النظري الذي يعبر عن رؤية فكرية واضحة حول:
لنرفض التاريخانية، فالمستقبل مفتوح(1) : كارل بوبر- تقديم وترجمة : ناصر السوسي
يحتل كارل بوبر (1902-1994) مكانة بارزة في الفكر الفلسفي المعاصر. إنصبت إهتمامات هذا الفيلسوف الفكرية، كما إستفهاماته التساؤلية على العديد من القضايا الحيوية التي انطرحت بحدة في القرن العشرين أهلته ليكون بحق منصتا يقظا لنداءات عصره؛ ومن ثمة محاورا عميقا له، على غرار هايدغر، وهابرماس، وسارتر، وميرلو-بونتي ...
نعم، إنتهى القرن العشرين وما إنتهى زمنه الذي يصر على اجتياحنا. فبانصرامه بزغت حضارة إنسانية بلا هوية إنوسمت بإرباك النماذج والمثل، وخلخلة النظريات الكبرى، واختراق الثقافات، إذ أضحت الهويات اليوم مجاوزة للحدود، ميالة إلى المشاركة، والتقاطع والتواريخ المشتركة على حد تعبير إدوارد سعيد(2).