يمكن للمفاهيم أن تكتسب عدة دلالات ومعاني لحظة أن نحيلها علي إحدى حقول الوعي و المعرفة أو تتحدد ضمن احدي مجالات الحياة ، وللمفهوم صفة غالبا ما تسبق ماهيته وحقيقته التي لا يأخذها الوعي مشروطا بشرط الوعي الراديكالي والجذري من أجل وعي المفهوم في جوهره ، أو بعده المحتجب والمستور في اللغة ونحن نجعلها نسق المعاني الدالة علي الأشياء والوقائع بواسطة المفهوم وقد حددنا وجوده وظيفياً ، كمعني دال علي الموضوعات الخارجية وقائم في الاستخدام والتداول ، قبل أن يكون للذات وداخلها الذي لا يمتلك سلطة الوعي علي المفهوم وقد تحدد زمانياً أو تكون في أفق الزمان ووقائع التاريخ المجرد والملموس .
ولا تبلغ الذات في علاقتها بالمفاهيم إلا حد الصفة و الصورة الخارجية للمفهوم وقد تكون في الزمان أو كان إحدى تجلياته التي تعكس واقع الوعي، وتحدد المفهوم انطلاقا من حقيقة الماضي والحاضر المباشر، قبل أن يكون المفهوم جزء من الكينونة وجدل علاقتها بوجودها الذي ينفتح على الزمان كإمكان للوعي و للذات التي تعي وجودها كماهية تتجاوز حدود الواقع أو شرط الوعي وصورته القائمة في الحاضر وذلك لحظة أن يكون المفهوم نتاج علاقة مع الوجود الكلي والانطولوجيا التي لا تستحضر الوجود المجرد والمتعالي ، ولكن الحاضر الذي يتجاوز حقيقته كموضوعات تحدد ماهية الوعي أو تحدها ، فالحاضر لا يستنفذ حضوره الزماني ، وهو يتخذ صورة وشكل الموضوعات الخارجية ، دونما أن يبلغ جوهرها وحدها النهائي بواسطة الفعل المباشر الذي يبقي جزء من كلية الزمن أو احدي الموضوعات الخارجية التي لا تنفتح علي كينونة الذات لحظة حدوثها و لحظة دخولها في الزمن من خلال ماهيتها التي تشرط الذات وزمانها ، فتكون وعي بحقيقة الزمن كموضوع من الموضوعات قبل أن يكون الزمن إحساس وحد س للذات ؛ ولا تبلغ الذات في الحاضر حد موضوعها النهائي وقد تجرد من علاقة الذات وأصبح كائن في زمانه الخاص الذي لا ينفتح علي لحظة الحاضر كتمثيل للوعي والكينونة أو يجعل حاضر الذات ينفذ علي زمن الموضوعات ، وقد أنجزت وأصبحت كائنة ومكتملة لا تقبل الحذف والإضافة أو النفي حتى ضمن وعينا الأشياء كصيرورة تمثل حقيقة الوعي وقدرته علي إعادة تكوين الأشياء كلما تصاعدت حركة الزمن وكانت جزء من الجدل (الديالكتيك) الذي يُظهر الزمن كمحتوي للذاتية وشرطها الذي تتحقق فيه ماهية الوعي وقد تجاوزت المباشر، الذي يتم إمتثاله من طرف الوعي كحد للموضوع قبل أن يكون المباشر حقيقة الموضوع وماهيته أو الوعي الذاتي بالموضوع إذا ما كان الوعي المقصود وعي بالجوهر، أو الكينونة وقد انفتحت في علاقاتها بالخارج علي المباشر الذي لا يقوم في الوعي من خلال حقيقة الحس والإدراك ولكن الحدس الذي يؤجل صورة المباشر ويعيد إنشائها سواء علي مستوي الوعي من خلال الافتراض والتصور، أو الإحساس وهو يخترق كثافة المباشر ويجعله أول الماضي وأخر الحاضر ، وكما في الفن الذي يبزغ فيه إحساس يُظهر الوجود والأشياء كحقيقة ثانية وغير التي كانت من خلال العادة والعلاقة الآلية وفي غير فكرتنا عن الأشياء ووجودها، وتولد فينا روح الدهشة كما لو كنا نتعرض للأشياء للمرة الأولي ، فإن علاقة ذاتية بالمعني الجوهري مع الخارج لا بد وان تعلق صورة المباشر وتلغي الحاضر في تعلقه بالموضوعات وحضوره في الفعل ، لتجعل من الحاضر حدس للزمان يتعالي علي موضوعات الخارج وذلك في اللحظة التي يقوم فيها . وكما في الموسيقي وهي تؤجل لحظة الآن الحاضر من خلال الخيال أو الذاكرة وتقوم بكسر الفتنا مع الصوت المعتاد و تخلق فينا بواسطة حاسة السمع إحساس بالزمن وقد تجرد من صفة الحضور وتجاوز حد الآن ، فإن علاقة ذاتية تستنفد أقصي حدود الإحساس بالخارج ، لا بد وان تجعله خارج مغاير لصورته ومباشر أعمق من رؤى العين ؛ يقول موريس ميرلوبنتي - إن امتياز المباشر انه يؤدي بنا إلي أعماق المعني والي خفاياه – ولكنه المباشر مشروطاً بالعين وقد تحررت من صورة المألوف في الحاضر ، و كانت عين العقل التي تعلق المفهوم وتعيد تكوينه بواسطة علاقة أبعد منها حضور الذات في الآن أو وجودها كذات أمام الموضوعات .