" العقل: ما يعقل به حقائق الأشياء، قيل : محله الرأس، وقيل: محله القلب."[1]
استهلال:
يتعرض العقل في كل الأزمان إلى الذم عند الإنسان العامي الذي يستقي معارفه عن طريق التقليد ومن الموروث ويتبع الظاهر من الدين ويسلم بالمعنى الحرفي للنصوص والآيات والأحاديث دون تبصر أو تمحيص ودون تمييز بين الصحيح والضعيف وبين الجيد والرديء من التفاسير. ويلحق منهج التأويل نفس الهجوم الذي لحق العقل وذلك لوثاقة العلاقة بينهما وقوله بتعدد الحقائق ونسبية المعارف والتباس الدلالات وتشعب المسالك المؤدية إلى المعاني. ولعل أسباب ذم العقل وانكفاء التأويل عديدة وصادرة من مشارب مختلفة وفي معظمها تعود إلى المحافظة على السائد من الموروث والخضوع للسلطة الفقهية القائمة وتفضيل الاستقرار في الدراسات التفسيرية والبحث عن السلامة والنجاة في الدنيا.
علاوة على ذلك أدى الاعتصام بالعقائد البالية من طرف فقهاء السلطان إلى تحكيم بعض الآراء الفقهية القاصرة وكذلك العودة إلى تصورات خرافية والاستناد إلى رؤى ايديولوجية مغلقة واعتماد سياسة للحقيقة فيها الكثير من الغلو والانتفاعية مع استبعاد بعض المجتهدين فضائل النقد والتنوير والحداثة والعقلانية.
السيميائيات وإستراتيجية وبناء المعنى ـ د. نصر الدين لعياضي
المقدمة:
بدأت السيمولوجيا تفرض نفسها على الدراسات الأدبية والثقافية والإعلامية والفنية منذ السبعينيات من القرن الماضي. وشكلت تيارات مختلفة تنوعت حسب مواضيع الدراسة مثل: السرد الأدبي والصحفي، الشريط المرسوم، الكاريكاتير، الإشهار، المسرح، السينما، الفنون التشكيلية، الصورة، التلفزيون، المرئيات، المودة واللباس، الفن التشكيلي، الإعلام الجديد والتفاعلية، والثقافة
يرى بعض المختصين أن البنيوية والسيميائيات تقعان في حالة تشابك نظري. فالحفاوة التي حظيت بها البنيوية في الأوساط الفكرية والأكاديمية، في الستينيات من القرن الماضي، تعود لكونها تستطيع أن تضفي طابعا علميا على العلوم الاجتماعية. لذا لا غرو أن تجد السيميولوجيا، كعلم ناشئ، شرعيتها في ظلال علم مرموق وقديم مثل اللسانيات. لذا اتجهت إلى دراسة المواضيع الجديدة وفق نموذجه.
يرجع البعض هذا الاشتباك النظري إلى اشتراك السيميائية في استخدام جل المفاهيم التي تستخدمها البنيوية. وقد رأى بعض السيمائيين، مثل الباحث فيرو إليسيو Véron Elíseo ، منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، في هذا الاشتباك سببا لما أسماه بـ" الانحراف البنيوي" للسيمياء". لقد كان يعتقد أن الإفلات من هذا الانحراف مرهون بالتخلص من بعض المفاهيم الأساسية في الفكر البنيوي مثل: العلامة، والمدونة. ويبدو أن سيمولوجيا السينما بقيادة متس كرستيان Metz Christian قد ابتعدت قليلا عن بعض مفاهيم البنيوية، بل رأت أنها غير ملائمة لموضوعها، حيث يصعب ترحيلها من السياق اللساني إلى السياق السينمائي. فالدال في السينما يكون في علاقة تشابه مع المدلول.
حوار فلسفي مع الدكتور اسماعيل مهنانة ـ اجرى الحوار نورالدين علوش
مرحبا بكم على هذا الموقع.
أهلا بكم أشكركم وأشجّع ما تقومون به
نريد في البداية أن نعرف من هو الدكتور اسماعيل مهنانة؟
الدكتور إسماعيل مهنانة أستاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة قسنطينة/الجزائر، وباحث في ميدان الفلسفات الألمانية والفرنسية، والتحليل النفسي، نشرت له عدة دراسات في هذه الميادين، وأحد مؤسسي الرابطة العربية الأكاديمية للفلسفة ويشرف على/ويساهم في سلسلة الكتب الجماعية للرابطة، صدر له في 2011، كتاب 'الوجود والحداثة" الدار العربية للعلوم، بيروت.
الحق في الحقيقة الحقيقية ـ مــزوار محمد سعيد
" يستطيع قضاة هذه الدولة أن يدينونا من أجل ما فعلنا، و لكن التاريخ الذي يجسد حقيقة أسمى سيمزق ذات يوم هذا الحكم، و يحلّنا جميعا من خطيئة لم نرتكبها."
نعم، هي الحقيقة التي تتكرر في كل مناسبة، في كل لحظة حاسمة، في كلّ عنوان مميّز، في كل عقيدة ذات مصداقية، و الأدهى في كلّ هذا أنها رغم تكررها المستمر فهي ما تزال مجهولة، غائبة عن الإدراك و التعريف، و هنا يمكن أن نطرح التالـي الذي يبدوا غريبا بعد كل ما تمّ من التنظير و البحث فيه، مـا هي الحقيقة؟
الحقيقة لم و لن تكون الحرباء التي تبدل لونها بحسب المنتمي إليه، إنها شفافة لدرجة أنها لا تخفي شيئا وراءها، و قاسية لدرجة أنها لا تترك منفذا لغيرها، و عذبة لتروي كل عطشى التفكير و البحث، لأنها الطرح و الحجة، و هي البلاغة و البرهان، إنها الصدق الكاذب، و العلم المجهول، بالإضافة إلى كلّ المنمقات الممزوجة بالصراحة و الصرامة و الاحترام المكنون لكل ما هو جدّيٌ و مرح، لدى فالحقيقة مطلوبة في كل الاتجاهات، و عند كلّ الشخصيات و الأشخاص كما المؤسسات و الأنظمة. إنها الحق و الصحيح الذي يكرهه الظالمون. فالرجل الميّت ما يزال يبحث عن حقيقة الحقائق، و التي تمثل بالنسبة إليه ذلك السنجاب الذهبي، و التائه معظم الوقت بين الأزمنة و الأماكن.
الاسلام الحداثي والثورة الدائمة ـ زهير الخويلدي
" الأفكار الدينية هي بالضبط العناصر الأكثر عمقا في تشكيل الذهنية الوطنية وهي تحمل في ذاتها قانون تطورها وتمتلك قدرة ضاغطة خاصة بها"[1]
ان التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تشهده المنطقة العربية يجب أن يرافقه تطور في نظرة العقل الاسلامي الى نفسه وتجديد في الرؤية الى العالم والموقف من الصراع الاجتماعي ويجب أن يشمل هذا التطور جميع المناهج والأدوات والآليات المستعملة وليس فقط الآراء والنظريات والرؤى وأن يطال البنية العميقة وليس فقط التمظهرات الخارجية.
ان انضواء القوى الاسلامية في الحراك الثوري لا ينبغي أن يتم بطريقة اعتباطية وجانبية ويؤدي الى ركوب الثورة أو الالتفاف عليها أو جني ثمراتها وقنص السلطة واحتكارها. وكلنا يعلم ما جرى للاسلام من سوء تقدير وبلاء وكوارث على من أساء فهمه وأخطأ في تطبيق تعاليمه في التجربة التاريخية وجعله في معسكر معادي للطموحات التقدمية والثورية التي تتوق اليها الشعوب المنتفضة وموالي لبعض التوجهات العولمية الاختراقية والتوسعية.
ليس صحيحا أن الاسلام لا يقوم بدور سياسي الا بطريقة غير مباشرة ورمزية وأنه يتمحور ضمن الحياة الشخصية للأفراد ويقف وراء الهوية الثقافية للمجموعات ويكتفي بالتبشير بالماوراء. ان دوره الحقيقي هو علاوة على ذلك الآن وهنا وهو دور مباشر وفعال في الحياة الاجتماعية والحراك السياسي وعليه أن يدخل المعترك ويقلع عن السجال في القوالب الجاهزة والأمور الهامشية ومسائل اللباس والمظهر والعبادات وأن يهتم بالجوهر والمسائل التشريعية والمعاملات ويفتح الطريق أمام المجتمع للخروج من المستنقع ويستنشق هواء الحرية وينطلق أفراده نحو الخلق والابداع والاقبال على العلم والتنوير والثقافة الحية.
خبرة السنين و ثقافة الأيام ـ مــزوار محمد سعيد
إنّ التقييم كمقوم للقيم يبدو للوهلة الأولى عنوان فخر، يجذب لكل فلسفة أطرافها، فتختل الموازين، و تختلف الآراء حول الواحد الذي ينتج العديد من الأشكال، و التي تأخذ صورا كثيرة يوما ما، إنها حال البشر، يختلفون على الاتفاق، و غير ذلك من التطويرات التي تبعث على التصورات المتنوعة، قصد ولوج العام، و التستر بظله الفاضل، و إلا بدا الأمر نشوزا وجب تخطيه، إنها منمقات العالم الذي يجمّل الرسوب بمساحيق الجهل بالاختلاف، فمن خبايا العالم أن وجد الإنسان، و وجدت الصدامات، و هذا ما يدعوا إلى التساؤل: ماذا عن لغة الحرب؟
إنّ العيش في تراكيب مندمجة تحت لواء واحد يُفرض فرضا، من الصعب في مكان تحقيقه، و إن محاولة بعث الروح في جسد ولد مريضا لمن السذاجة إدخاله دائرة البحث و التفتيش، لكن تبقى المحاولة مشروعة ما دامت تبقى في إطار المحاولة لا غير، فإنّ عدّة الصراع لجوهرية في تحرّك الأفكار بسيارة الهجوم، و مقود الدفاع بين الفينة و الأخرى في مدينة شاسعة تسمى الحياة، فالحي ليس حيّ الحركة أو التنفس بقدر ما هو حيّ برؤيته القابلة للتبني، فالأمّة التي لا تصبر على أهل الفكر أمّة بلغت من الانحطاط الاجتماعي مبلغ عدم العودة للمنهج الصحيح و الناجح، و سبيل ذلك هو البديل الغير مجدي في كثير من الأوقات، بل و تتطور إلى هدف حتميّ الانجاز، فسبب إقرار الصدام و محاورة الظلم من باب الاستغناء عن حقائق مبرهن عليها، لهو قمة الذاتية الراجية للسيادة و السيطرة، و إنّ الإقصاء لأجل الإقصاء لهو عصب التمرد الفكري، و دليل ذلك وجهة الأخطار التي تعنّت التوجه، حتى و لو كان هذا الاتجاه مرفوضا منطقيا.
سؤال الذات وحقيقة الهوية ـ محمد القرافلي
يمثل الشريط* حوارا فلسفيا يتمحور حول مفهوم الهوية. ويتميز الفكر الفلسفي عموما بكونه فكرا حواريا ينفتح على الأخر الشبيه أو المختلف، الذي يقاسمنا أفكارنا أو المختلف المعارض. كما أن الحوار الفلسفي لا يهدف إلى نقل معلومات جاهزة أو تكرار أفكار متداولة أو إصدار أحكام مجانية وبدون سند نظري بل يتوخى إعادة النظر في مصادر تلك الأفكار وشروط تشكلها ويقصد النظر في بنية العقل الحامل لها وفي أبعادها ودلالاتها. لذلك يشترط في الحوار الفلسفي أن يكون تفاعلا نفسيا وفكريا وأخلاقيا وان تحكمه ضوابط فكرية منها التهيؤ الفكري للحوار والإلمام بموضوع الحوار ومجالاته والاهم من ذلك الالتزام بالأخلاق الفكرية من حسن إصغاء للآخر واحترام لموقفه ومن التزام بآداب الاعتراض. ولعل المشاهد للحوار المعروض يستشعر ويرى ويدرك قيمة الجهد المبذول من طرفي الحوار، المتحاور(اليزماغو Elise Marrou) والمحاور(رفائيل انتهوفن Raphael Enthoven)* بالخصوص الذي حرص على خلق فضاء يتلاءم وموضوع الحوار ويتجلى ذلك الجهد في إلمامه بأفكار محاوره وطروحاته وكذا إعداده لمختلف السندات والوسائط الممكن توظيفها قصد تعميق الحوار وتفعيله ، ويظهر ذلك العتاد من خلال الانطلاق من الحياة اليومية، وفي المتن الفلسفي الذي يتم استحضاره، وفي اللوحات الفنية والأشرطة الموظفة... مما أضفى على الحوار عناصر الإثارة والتشويق ونأى به عن التكرار والابتذال والسطحية والمشادات الصبيانية التي تعج بها البرامج الحوارية في القنوات العربية.
الفلسفة بين الحقيقة التقليدية والحقيقة الثورية ـ زهير الخويلدي
" الفلسفة تنزه في فردوس الحقيقة"
عدت اليك أيتها الحبيبة الغالية وفي قلبي شوق الي لغتك ومعانيك بعد أن أعيتني معارك السياسة والحماسة ، فأنا لا أستطيع أن أفارقك وان هجرتك الى حين، عدت اليك وأنا على يقين أن قدري هو أن أعلمك لمريديك ما حييت وأن أسترسل في التدريب عليك والتفنن في طرح أسئلتك والتهرب من أجوبة عمالك وكهنتك. عدت اليك وقد كان الملل ينتابني من تكرار دروسك واجترار مادتك وضعف نجاعتك وعزوف الطلاب عن طلبك ومحاصرة النفاق مبادئك.
اني على علم أنك تطلبين الحقيقة وأنك تنفرين من التقليد وتمجدين الثورة وأن عاشقك يسترسل في وصالك دون أن يقعك ويكد في سبيل فيستشهد من أجلك ولكن ما العمل وهذه حالك وأنت الملكة التي تتربع على عرش القلوب وتجرس على الأريكة في قصر المعرفة؟ كيف أنطق بلسانك وأهمس باسمك وأنت بعيدة المنال ومرتفعة المقام؟ وأي الطرق المؤدية اليك وأنت الدرة المكنونة والجوهرة النفيسة؟ وكم من شخص تاه في بحر عشقك دون ان يذوق طعم الحقيقة؟ والى متى هذا الهجران ونحن لا نؤمن الا بحقيقته؟
كيف نسكت ونحن نرى الحشد يحول الوهم الجماعي الى حقيقة فردية ناقلا اياها من محور السياسة الشمولية والحزب الواحد الى دائرة الفلك الايديولوجي وحراس التاريخ التذكاري وكهنة السوق الجدد؟ ولكن هل يمكن فلسفيا أن أخرج من رأسي وأطل على العالم وأقول شيئا شاملا وكونيا وصالحا للجميع وأنا أعبر عن عمق وضعيتي الخاصة؟
الأخلاق كإرادة ـ البوعيادي محمد
الأخلاق تمثل إنساني قبل كل شيء، إشكالية الأخلاق الإلهية المرتبطة بالأسطورة المتطورة(الدين) و الأخلاق الإنسية لم تنته إلى الفصل الكلي بين هذه و تلك ، و ككل الصيغ الصورية للعقل و العاطفة البشريين تتموقع الأخلاق ضمن واحدة من أكبر إشكاليات الفكر الحديث : إشكالية الفكر و الواقع، على اعتبار الأخلاق قواعد صورية مجردة، إذا : هل تكون الأخلاق مستقلة عنا استقلالا كليا بمعنى أنها إلهية المنشأ و المقصد؟ هل الأخلاق ناجزة بمعزل عن تمثلاتنا و إدراكنا و تصوراتنا الذهنية و السيكولوجية؟ إذا نفينا استقلال البنية الأخلاقية عن قوة خارجية و علوية ، فهل تكون الأخلاق عبارة عن منظومات من الخلق الإنساني و مرصوفات إيديولوجية من خلقنا نحن، تخييل بشري هادف ؟ ألا يمكن أن تكون الأخلاق باعتبارها تمثلات بشرية مجرد آليات لتنظيم العالم وفق رؤى معينة بالذات؟ هل من تاريخ للأخلاق يساعد على كشف بنيتها المضمرة؟ و هل الأخلاق ضرورة في عالم التنظيم القانوني للمجتمعات ؟ ألم يقضي العقد الاجتماعي على ضرورة الأخلاق باعتبارها بنية ناتجة عن المخيال الاجتماعي للناس لا تربطها صلة بالتنظيم الدولتي المُبَنين ؟
مــن الواجــب إلــى مـفـهـــوم الــشـخــــص : نــمـــودج كــــانــط ـ احماد يعقوبي
يميز كانط بين نمطين من القوانين: فهي إما أن تكون قوانين الطبيعة وإما أن تكون قوانين الحرية, وما يبحث عنه كانط هو فيما إذا كانت توجد قوانين كونية وضرورية(1), فيجب التمييز إذن بين ميتافيزيقا الطبيعة وميتافيزيقا الأخلاق. وحين يقول كانط بميتافيزيقا الأخلاق فلكي يفصل بين الأخلاق والتجربة, وحتى تكون للفعل قيمة أخلاقية فيجب أن يكون القانون ينبني على ضرورة مطلقة, وهذا يعني ألا يكون للطبيعة البشرية دخل في مبدأ الإكراه, فمبادئ الإكراه يجب أن يبحث عنها في المفاهيم القبلية للعقل الخالص, فلا يمكن إذن للتجربة أن تكون مصدرا لأي قانون أخلاقي , لذلك ترتكز كل فلسفة أخلاقية على ما هو خالص, وتعطي قوانين قبلية(2).
يتوجب إذن على ميتافيزيقا الأخلاق حسب كانط أن تفحص فكرة مبادئ إرادة خالصة ممكنة, وليس أن تفحص أفعال وشروط الإرادة الإنسانية التي يمكن استخلاصها من السيكولوجيا, ولكي تتأسس ميتافيزيقا الأخلاق, تحتاج إلى نقد للعقل الخالص العملي(3), فما يوجه العمل إذن هو كيف تكون الأوامر الأخلاقية ممكنة؟ وعلى أي أساس ينبغي أن تقوم الأفعال الإنسانية؟ وهل توجد شروط تحدد للسلوك الإنساني مجاله وحدوده؟ ومن أين تستمد تلك الشروط مشروعيتها؟ ومن أين تستمد مبادئها؟
شذرات من حطام الكائن : تعاليم الموتى - محمد القرافلي
أ- فضول طفولي
قضى الأب لحظات يتجول بابنه في مدرسته، مقر عمله، ويستفيض في إبراز خصوصيات الفضاء ومحاسنه،وبعد أن استشعر أخيرا علامات الرضا من بريق عيون ابنه البريئة توجه نحوه في زهو: هل أدركت الفرق بين مدرستكم ومدرستنا وانه لا مجال للمقارنة، نفوقكم من حيث شساعة المساحة وجمالية الفضاء وروعة الطبيعة وعلى مستوى التجهيزات والبنيات التحتية. طأطأ الابن رأسه إشارة اعتراف واستسلام. ولما هما بالمغادرة والعودة إلى البيت تناهت إلى الاحشاد الغفيرة من رواد المؤسسة، التي تلتصق ببابها الحديدي وتتدافع على جنبات سورها الإسمنتي الذي يطوقها، وإلى مسامع كل الحضور أصوات ترنيمات، مألوفة وغريبة في نفس الآن، تتكرر في كل لحظة وعند مرور موكب كل جنازة: وقفنا ببابك يا مول الموالي ترحمنا بفضلك على كل حال، مولانا نسعاو رضاك وعلى بابك واقفين يا من يرحمنا سواك يا ارحم الراحمين. وتزداد حدة تلك الأصوات كلما اقترب الموكب من سور المقبرة الذي يحاذي سور المؤسسة ويفصل بينهما ممر قلما يتسع للجموع المهرولة خلف الجنازة خاصة إذا كان اسم صاحب الجنازة لامعا ومعروفا. تنبه الصغير إلى البلبلة التي يحدثها موكب الجنازة إذ تخرس أصواته صوت كل لسان وتنطق كل أصم ، كما تشل حركته كل متحرك وتحرك كل ساكن، وترى عيون اليافعين المتجمهرين أمام باب المؤسسة مخطوفة وأحاديث يومياتهم مقطوعة كأن صاعقة نزلت عليهم...بعدما غاصت الجموع خلف أسوار المقبرة التفت الابن نحو والده مصدوما ومستغربا: