abstract-oil-paintings-01" لا يمكن لأحد العيش في عالم غير قابل للسرد أو البقاء بعد حياة غير قابلة للسرد على نحو جذري"[1]
لقد تضمنت الفلسفة المعاصرة تعليما أوليا وكونيا حول الوضع البشري يكون في شكل تقرير ترفعه الفعالية النقدية إلى الملكة التأويلية العلاجية للعقل، وينبغي أن يظل الإنسانيl'Humain الانتماء المشترك للبشر في العصر الكوكبي وأن تحدث مغامرة كبرى تعصف بأوضاع البشرية المتردية وتتلقف الإنساني المحاصر وتنقذ البعد الحيّ وتنتشله من النسيان وتعترف بالتنوع والتفرد والتعدد رمزيا وماديا.
لقد ارتبط الوضع البشري في الزمن مابعد الحديث بمنزلة التي أعطيت للثقافة والمثقفين بعد التحولات العميقة التي غيرت قواعد اللعبة بين العلم والأدب والفنون وسببت أزمة سرديات والتي أثرت في وضعية المعرفة في المجتمعات المتطورة وجعلت الخبراء يقتصرون على نظرية الفكر الضعيف. لقد أصبحت الفلسفة في ظل النزاع بين العلم والأدب مجرد ماوراء خطاب حول الشرعنة تقدم توجيهات نافعة في إطار البحث عن الحق والعدل وتضفي المشروعية على قواعد اللعبة وترسم الحدود بين التصورات[2].

ما يلتفت الانتباه في الفعالية السردية هو تسرب أفعال الكلام الى النظرية المعرفية عن الذات وغزو تداولية رواق الفلسفة خاصة وأن " قاعدة التوافق بين الباث والمتقبل لعبارة لها قيمة حقيقية يمكن أن تكون مقبولة إذا ما اندرجت ضمن منظورية إجماع ممكن بين كائنات عاقلة : إنها سردية الأنوار حيث يشتغل أبطال المعرفة على هدف حسن من الناحية الإيتيقية والسياسية هو السلام الكوني".[3]

haydare-ali-salamaاستأثرت الإشكالية الأسلوبية لبنية النص الفلسفي العراقي بأهتمام كبير من قبل الفيلسوف الراحل مدني صالح، وتعددت صور ذلك الأهتمام على اختلاف مؤلفاته ومقالاته، التي انشغلت بقضايا الكتابة الفلسفية وطرق وأشكال إنتاجها، من مرحلة تدوين الكتب الفلسفية، وانتهاء بأنتاج المقال "الفلسفي/الصحفي" الذي طالما استحوذ على اهتمام الراحل، لما لهذا الجنس الأدبي المتميز من علاقة وثيقة الصلة بواقعه السايكولوجي والثقافي والأنطولوجي، حتى بات يشكل انموذجا يعكس طبيعة تفكيره النظري من جهة؛ وطبيعة مقاله الفلسفي المكتوب/والمنشور من جهة أخرى. من هنا، تبدو قضية الأنهماك بالمورث الفلسفي للراحل مدني صالح، قضية تأويلية/وابستمولوجية بأمتياز، وذلك لغزارة النظام الدلالي والميتافوري من جانب؛ ولفرادة الأسلوب اللغوي من جانب آخر.

images44567تقديم:
يعتبر الكتاب الذي بين أيدينا بمثابة محاولة للبحث عن ماهية المعرفة، أي تعريفها، حدودها، مشاكلها، فهو عبارة عن مسح تاريخي لماهية المعرفة وأنماطها، حيث يمثل كما أشار المترجم إلى ذلك رحلة في موضوعات المعرفة، ما هو الشيء الذي يدعى المعرفة؟، فبرغم ما يبدو عليه السؤال من كونه مسألة بديهية من الوهلة الأولى، غير أنه في الواقع من أصعب الأسئلة التي يمكن أن تطرح على المستوى الفكري، فهو يساعدنا على الإبحار في محيط نظرية المعرفة ومواجهة تياراتها الفكرية.
فبريتشارد أستاذ الفلسفة في جامعة سترلنج وأستاذ الإبستمولوجيا في جامعة ادنبره في المملكة المتحدة، يقيم كثيرا من الآراء التي وردت في كتابه على أسس أولية ضرورية لابد منها تتلخص في سؤال هو ما هي المعرفة وما هي أنواعها وما هو الاعتقاد وهل تتناقض المعرفة مع الاعتقاد أو تتكامل معه.
بحيث يتناول هذا الباحث الأكاديمي البريطاني دنكان بريتشارد في كتابه المترجم إلى اللغة العربية "ما المعرفة" أمورا عديدة تتعلق بهذا الموضوع الفلسفي.

image122367  محمد عثمان الخشت مفكر وفيلسوف مصر الكبير حاول – ولا زال – أن ينتقل بالفلسفة إلى رحاب أوسع من تلك التي سار فيها الفكر العربي والإسلامي قرونًا طوالاً ،  إن شخصية الخشت شخصية علمية من الدرجة الأولى آمنت بالعقل ودوره المحوري في إقامة صرح حضاري لأمة ترنو إلى تبوأ معقدها الملائم لها بين الأمم ، فبالعقل حلل وبالعقل نقد وبالعقل قارن ، ولذا كان من الصعب الفصل بين عقله وفكره بالقدر ذاته الذي يصعب فيه الفصل بين عقله ودينه ، أو دينه وفكره . فقد حدد الخشت الموضوعات التي وجب عليه معالجتها ، وهي تلك الموضوعات التي وجبت معالجتها تحت تأثيرات حضارية وعقدية تتطلع إلى أن يكون الفكر الإسلامي مشاركًا في صناعة العالم من حولنا ، لا الوقوف عند حدود التلقي والمحاكاة التي أوحت إلى العالم من حولنا أننا مجرد شراح لفكر دارس ، وجب الانفكاك من أسره ونفض غباره عن كواهلنا تحقيقًا لصحوة تنويرية تنتشل الأمة من واقعها المرير .

ولما كان لدى الفلاسفة في المدارس المختلفة أفكارهم التي يحكمون من خلالها على الشيء ويجيبون عن الأسئلة المثارة حوله من خلال دروب النظر والتأمل الممكنة ، فقد كان الدكتور الخشت يهدف إلى هذا ، غير أنه كان لا يبعد كثيرًا كما فعل كثيرون ممن شطحوا بعقلهم وحاولوا ولوج مناطق ما أبعدهم عن أن ينالوا منها شيئًا ذا قيمة . وإن كانت الفلسفة بتحديها الدائم وشكوكها الجاهزة تقريبًا، قد ألقت عليه بظلالها القوية فراح يشكك في آراء كثير من الفلاسفة السابقين عليه ناقدًا حينًا ومحللاً حينًا آخر ، كما راح يشكك في صحة الكثير من الآراء التي اعتنقوها عندما وجد أنها لا تتوافق مع منهجه العام ، كما فعل مع رينان وهيجل وكانط وغيرهم ممن تناولهم بالدراسة والنقد .

speed identityمُقدّمة
       يعتبر مفهوم الهوية من بين المفاهيم المُبهمة ، فقد ندّعي في بعض الأحيان أننا نحيط بهذا المفهوم، لكن سُرعان ما نكتشف أننا لا نعرف أي شيء عنه ( ! ) ، فمفهوم الهوية مفهوم ترحالي ، فقد نجده في عدة مشارب معرفية متعددة ؛ مثلا في المنطق والميتافيزيقا الانتروبولوجيا، والعلوم الحقة  والسيكولوجيا والسوسيولوجيا.
فلسفياً، يرجع استعمال مفهوم الهوية إلى فلاسفة ( ما قبل " سقراط " ) ، و خصوصا مع " بارمنيدس "  و" هيراقليطس " ؛ الأول عندما اعتبر الهوية وحدة الوجود و الفكر ، أما الثاني فاعتبار جوهر الهوية  في وحدة الأضداد أو اللوغوس ، وهنا لا ينبغي أن ننسى مقولة هيراقليطس " إنك لا تستحم في النهر مرتين " [1] ، فالوجود واحد لكن داخل الوحدة يوجد التغير و الاختلاف .
غالباً ما يُعرَف مبدأ الهوية من خلال المتساوية الشهيرة [ ( أ ) = ( أ ) ] . تفصح هذه المتساوية عن وجود علاقة تساوي بين طرفين ؛ أي بين ( أ ) و ( أ ) آخر ، و هذه العلاقة هي علاقة منطقية و ضرورية، ولكن هل- فعلاً- هذا هو المبدأ الذي يوجد وراء هذه المعادلة ؟ ، ألا يوجد شيء غامض وراء هذه الصيغة ؟ ألا يمكن القول أن المبدأ الذي يقول أن [ ( أ ) = ( أ ) ] هو مُجرّد تكرار أو عبارة تحليلية - توتولوجية - كما عَبّرَت عن ذلك الوضعية المنطقية ؟ ثم ألا يبدوا من السذاجة أن نعرف الشيء بنفسه ؟ عندما نعرف الماء بالماء ؛ ألا يبدوا أن حديثنا يتضمن الكثير من الحشو ؟ إذن ما هي الهوية ؟ وهل يمكن الحديث داخل الهوية عن التغير و التعدد و الاختلاف؟ أم أن مبدأ الهوية لا يسمح بهذه الأمور ؟

bio-mimetismeيقف الإنسان دوما مشدوها أمام الطبيعة التي لا يمكن إلا أن تكون دوما فيه وبمحاذاته، في كل الأمكنة وفي كل الأزمنة، في الخيال كما في الأحلام، وفي الحضور كما في الغياب، والحال أن هذا الأمر يطرح أمامنا جملة من الأسئلة التي سنعرضها على القراء، ليس من باب الإجابة عليها وما أمكن ذلك، وإنما بغية إعادة قراءة العلاقة بين الإنسان والطبيعة وما أعسره من أمر، وبين الاثنين نقف أمام سيرورة وتاريخ طويل مشروط بقوانين هاته الطبيعة، وعليه فهل نُقِرُّ حقا أن الإنسان جزء لا يتجزأ من الطبيعة، أم نعتبره جسما خارجها لا يخضع لضروراتها خاصة البيولوجية منها؟ ما الذي يريده الإنسان من الطبيعة ومن العالم على حد سواء؟ ماهو هدفه وما هي غايته؟ وهل استطعنا فهم الطبيعة كما ينبغي أن يكون عليه الأمر أم أنه كلما اعْتَدَدْنا بما نعتقده إنجازات منا، كلما توسعت الهوة بيننا وبين الطبيعة؟

magical-blueإن استحضار الزوج ( فلسفة، تربية) متحاورين في مقام تخاطبي موحد، يوحي في الذهن إلى افتراض وجود علاقة. هذه العلاقة أو العلاقات المقدرة يستعصي تقريبها بمقتضى المقدمتين التاليتين :
ـــ إن الحديث عن مسألة ازدواج الفلسفة والتربية بلسان المطلقات لا يتولد عنه إلا الغموض، ذلك أن الزعم بحضور الفلسفة في التربية والإدعاء بأن شكل هذا الحضور يتمثل في إنتاج خطاب فلسفي عن التربية أو ما شابه ذلك من مثل هذه الأساليب، يوجهنا من المشكل إلى ما هو أشكل. ذلك أننا ننطلق من مشكل البث في طبيعة العلاقة بين طرفين ( الفلسفة والتربية) إلى طرح مسائل جديدة أكثر التباسا من حد العلاقة ذاتها. والحق أننا نجد اليوم كثيرا من الدراسات والتناولات، التي عوض أن تحد طرفي العلاقة وطبيعة ازدواج طرفيها، تقر دفعة واحدة، بلغة مطلقة، بأن العلاقة هي خطاب فلسفي، أو تصور فلسفي أو تفلسف حول التربية. علما أن محاولات رد العلاقة إلى هذه الإمكانيات الدلالية يقود إلى تساؤلات تنتج فقط الدور والتسلل لحد اللانهاية.
تشهد الفلسفة، بنصوصها وتاريخها، على نفسها بلبس في الدلالة وغموض في التعريف. بل تقدم نفسها إلينا في صورة الاختلاف والمغايرة، بدءا من مدلولها إلى مبادئ الفلسفة ذاتها ؛ فنحن لا نستطيع أن نرسم للمفاهيم الفلسفية حدودا صارمة أو وظائف إجرائية مطردة، فهي نوعا ما مفاهيم غامضة، مع العلم أنه لا ينبغي أن نفهم من هذا اللفظ دلالته القدحية، فغموض المفاهيم الفلسفية ليس عيبا يجب إلصاقه بها، بل هو دليل على غناها.

Coquelicot 3152"يدفع الإرهاب الشامل إلى الحد الأقصى بعدين اثنين هما غياب الأهداف الواقعية والقدرة على استخلاص فائدته من عطوبية الأنساق المعقدة"[1]
ماهو دور الفلسفة النقدية في تشريح العلاقة بين الإرهاب والعولمة والتمفصل بين الأديان والعنف المدمر؟
ذلك هو السؤال الذي حاول يورغن هابرماس أن يجيب عليه  بالاعتراف منذ البداية بالطابع المزلزل للحدث التاريخي واتصاف التساؤل الفلسفي عن الخبر بدراسة الصاعقة  التي تخلف البطش والرعب. ولهذا حاول إعادة التفكير في دلالات الهجومات الإرهابية ومدى انتمائها إلى الأحداث الفارقة في الأزمنة التاريخية ومدى تورط العولمة والوسائل الحديثة للاتصال في صناعة الإرهاب وانتشارها بشكل سريع.
لقد حصل إجماع على أن الإرهاب علامة مرض بالنسبة للحضارة الكونية ودليل على أزمة بنيوية في الديمقراطية التمثيلية وفشل الفصل العنيف بين السرديات التأسيسية والقوانين الوضعية ويمثل خطرا داهما على الحياة السياسية التشاركية وعلى النظام التشريعي الضامن لها ويسبب الشلل البطيء للآليات الدفاعية والميكانزمات المقاومة حينما تتعرض الجماعة السياسية لهجوم خارجي وتتحسس ضعفا هيكليا داخلها.
إذا كان جاك دريدا يفسر هذه التصرفات بكونها ردود أفعال دفاعية ناتجة عن الحداثة نفسها والتنوير الذي شرعن الاستعمار وضاعف أشكال اللاّمساواة بسبب التحديث القسري والسريع والإرادة السياسية الغازية ويري أن "العولمة" هي عبارة منمقة تعد الإنسانية بالرخاء والوفرة ولكنها تخفي البؤس والعنف والظلم  ويأمل أن تشفى الإنسانية من هذا الوباء الرقمي بأن يتم إخماد النيران والحروب وفض النزاعات التدميرية والتقليل منها ومراقبتها والانتصار عليها بالتدرج وعبر مراحل وبطريقة بطيئة ومدروسة فإن هابرماس يفسر وجود التطرف والإرهاب بالعنف الذي أفرزته العصرنة المسقطة على أنماط الحياة التقليدية وفشل الحداثة في الانتشار على الصعيد الكوني ووجود مقاومات هووية ويشير إلى أن العقل الإنساني مثلما يسمح بالتواصل الشفاف والتنظيم الإداري والتقدم التكنولوجي يفرز أيضا الانفصال والاغتراب والعنف.

HS4222 1339678093" إذا كانت ثمة من صدمة قد أحدثها الحادي عشر من أيلول ... فإنها لا تقوم على الأثر الجارح الناجم عما جرى فعليا وعما جرى حاليا وقد يتكرر مرة أخرى بل من تصور يقيني لخطر أسوأ مقبل"1[1]
لقد ضرب الإرهاب مجددا في عاصمة الأنوار والحرية وخلف القتل والرعب والحيرة على وجوه الناس وارتبط بالالتباس والألغاز والغموض وحالت عدة صعوبات وعراقيل وتحفظات دون فهم هذه الظاهرة ولعل هذه العملية المدانة قد عرفت من جهة التنفيذ والضحايا ولكنها تظل مجهولة من جهة المخطط والمستهدف، ولذلك استنجد المتابعون بالصحافة والإعلام وعلماء السياسية والاجتماع والنفس والأنثربولوجيا الثقافية والأديان للمساعدة والتعمق في التحليل والتوضيح، ولكن للفلاسفة رأي سديد ومنهج فريد ولقد سبق لجاك دريدا أن حاول تشخيص هذه المعضلة إبان أحداث 11 سبتمبر 2001 وقدم نظرة تفكيكية عن هذا المرض المزمن وتوقع قبل غيره الانتشار العالمي لهذه الظاهرة واستفحالها.

في هذا الصدد تتوقف الفلسفة كثيرا أمام الأحداث الحاسمة في التاريخ التي تولد الدهشة والذهول وتمارس فن التفكير بحذر شديد ولكنها تقدم جوابا يضع هذا الحدث الهائل موضع مساءلة جذرية وتنقيب مستمر وتقليب من جميع جوانب وجوده ولا تتسرع إلى تعويم المسألة وتلخيص الأسباب والدوافع وتحديد الأدوات والأساليب ولا تنتهي بسرعة إلى توقع النتائج والتداعيات ولا تبادر بعجالة بتقديم وصفات علاجية مفترضة.  بطبيعة الحال مع جاك دريدا هذا الحدث الإرهابي لا يوقظ الفلسفة من سباتها الدوغمائي فحسب بل يدفعها إلى التفكير في نفسها، كما لا يمكنها التفكير فيه بالمسلمات المفهومية المنقوشة في الخطاب المعتاد والمكرر وإنما تنحت تفكير فلسفي جديد تساءل فيه موروث الفلسفة السياسية وعدم التعويل على الخطاب الذي يتم تداوله من قبل الميديا والخطابة الرسمية الذي يستسهل تعريف مفاهيم دقيقة وشائكة مثل الحرب والإرهاب[2].

7041017-inspiration-rectangleمقدمة  :
يشكل مفهوم النُّخبة منطلقا منهجيا في كل فهم حصيف لحركة التاريخ الإنساني وما يعتمل فيه من صيرورات وأحداث، ويعوّل عليه كثير من المفكرين في مقاربة التكوينات السوسيولوجية للمجتمع، والخوض في عمق الظواهر الأيديولوجية للحياة السياسية الطبقية في سياق تفاعلها وتكاملها. فالتاريخ الإنساني بما ينطوي عليه من تعقيدات، وما يكتنفه من صيرورات لا يمكنه أن يُرصد ويحلل ويفهم دون الخوض المعمق في دور النخب التي تحرك المجتمع الإنساني وتتحرك فيه في الآن الواحد لتشكل بفعاليتها ملمحا جوهريا من ملامح الحركة التاريخية في المجتمعات الإنسانية. وضمن هذا التصور فإن اي محاولة لفهم ديناميات الواقع الاجتماعي، وصيرورة الحركة التاريخية، لن تفلح ما لم تنطلق من فهم عميق للدور التاريخي الهائل الذي تمارسه النُّخب في توجيه الحياة الاجتماعية في مختلف تعيناتها وفي شتى تجلياتها. فالنُّخب - كما يراهن كثير من المفكرين والمنظرين - تصنع التاريخ الإنساني، تحركه وتحدد صيرورته، وترسم ملامح التغير الاجتماعي، وتمارس دورها الفعال في توجيه الحياة الاجتماعية في مختلف تجلياتها.

abstract-wallpapers 2560x1920هل يمكن الاعتقاد بأفكار صائبة لا يمسها الخطأ، ولا تسقط طريحة المعاودة وإعادة الترتيب؟ وهل بإمكان الإنسان تحقيق التطور والسمو بنفسه وبالعالم وهو الراكن إلى أفكار يظن أنها ليست من التغير بشيء؟ هل تعتبر الأفكار بريئة بحق، أم أنها أفكار مجردة عن كل حكم أخلاقي محض؟
    عندما نعود لتاريخ الإنسان ومعه تاريخ العالم بصفة عامة سنلاحظ أنه تاريخ تَخَبُّطٍ وَتَيْهٍ، تاريخ البحث على الحقيقة ليس لفحصها وإنما لامتلاكها، الإنسان كائن فضولي بطبعه لا تستوي لديه إرادة الحياة إلا بالبحث عن الحقائق، وبما أننا فقدنا الأمل في هذا البحث الأجوف ومنه قد تنهار المنظومة الإنسانية عن بكرة أبيها، فقد تمكنت الميتافيزيقا من إيجاد شيء ينتفي وطابع التغير والذي ليس إلا الهوية، أي تلك الفكرة التي تحتضن مبدأً ما كي يصبح قاعدة لا تؤمن بسيرورة الزمن ولا بصيرورته، والحال أن الميتافيزيقا وبفضل جنوحها للطمأنينة ساهمت في ظهور الأفكار الثابتة المبنية أساسا على الهوية وطرد الاختلاف.