
فالكلُّ يعي ثقل وزن الأدب العربي والأدب الروماني، ففي الأدب الروماني بدأت أولى صرخات المسرح العالمي منذ حركات الأبطال والكهنة في صلاتهم المكتومة بحضن الآلهة، ومن ذلك إلى صور الفروسية والعشق المحموم في قصائد العشاق والفرسان العرب.
أقولُ يجب الانتباه لأنَّ المهمَّةَ القرائية هنا لا تقل أبداً عن عملية كتابة النصوص، لأنها _ أي عملية القراءة _ إعادة خلق وتخيُّلٍ مستمرٍ للنصوص ، إذ لا بدَّ من المحافظة على المسافة المهمة واللازمة التي تتمركز بين لغة الأدبين وأعني بهذه المسافة : الفجوة التي تنحدر منها حركة التأويل، أي لا بد من قراءة تضع مدى مفتوحاً أمام المقروء لكي تفترض له حركة في كل لغة على جهة ومن المسافة التي أَشَرْنا لها والتي تتمركز في هذا الـ(بين) تنحدر حركة المعنى والدلالة التي يدير دفتها التأويل.
وها هو الأديب والمترجم المبدع (منير مزيد) يضعنا أمام كوكبة مختارة بتدقيق القارئ / الشاعر ، الذي يجيد القراءة في المنطقتين الأدبيتين لذا فليس من المستغرب أن نجد شعراء جهده الأنطولوجي هذا كلهم من الصُنَّاع المهرة وذلك وفق ما يُجبرنا النص من خلال البيئة الدلالية التي يهندسها الشعراء الرومان في هذه العمل المهم والذي سيجد صدىً باذخ التهليل ، ذلك لأن هذا هو العمل الفريد من نوعه بين الأدبين العربي والروماني .
وهنا نود تقديم إلماحة عن النصوص لإعطاء مفاتيح أوالية للقارئ العربي من خلال هذه الترجمة المهمة لاقترابها من النص بنسخته الأصل ، وذلك ليس كشفاً منا ، إنما هو تحصيل حاصل فالمترجم شاعر معروف ، وعارف بالسلوك الشعري في المنطقتين وهنا أعني منطقة الشعر ومنطقة الترجمة.
لقد اجتهد المبدع (منير مزيد) في استخلاص مجموعة من ابرز شعراء رومانيا مقدماً إياهم للقارئ العربي في محاولة إغناء رؤية هذا القارئ ، ذلك لأن هذه المجموعة المهمة من الأسماء الشعرية الرومانية تمثل لوحة بانورامية تكاد تختزل مجمل الأساليب الشعرية للأدب الروماني المعاصر ، فها نحن ننطلق في الفضاء الرحب للشاعر(آيدي كريستي) إذ أن لهذا الشاعر مهارة واسعة في الاشتغال على حساسية التجاور بين الملفوظات الشعرية بحيث يختزل كل ما يريد الإلماح إليه ولكنه يُبقي على خارطة طريق تُرشد الى المعنى المراد ، إذ أن القارئ يلاحظ أن المعنى الكلي يتدفق من المسافة الفاصلة بين ملفوظاته .. ففي قصيدة (أخيراً كل الحيطان تتهاوى) نجد أن عملية البث تستند الى ضغط كثيف للمعنى في المقول .. كما في قوله :