حيدر حيدر، أديب من فصيلة النسور.
ميزته ميزتان: حياته، وأدبه.
كلاهما كتابٌ يقرأ المرء في ضفتيه حياة رجل، وحياة أدب. حياة رجل أحبّ الصعب فتبعه، فكان مثالاً لكائن دمه رحيل وانتظار ومعنى، وروحه توقٌ للنائيات العواصي. وهجسه إدارة الظهر لنداءات الحياة الرخية. آخى الليل لقناعته أن الضوء خدين المساهرة، وعايش المنكوبين الحزانى الباحثين عن (إثياكاهم) فمشى في دوربهم الوعرة، وقاسمهم الغربة والمنفى والهجر لإيمانه الجوهري بعدالة قضيتهم، لم يكن شبيهاً بـ همنغواي أو لوركا، أو رامبو.. كان شبيهاً بـ حيدر حيدر تفرداً، وامتيازاً، وعزلة. رضي بالقليل من أجل المبادئ الكبيرة، وجار على نفسه ورغائبه وهو شاب في أول شروقه استجابةً لنفس جبارة رأت في ترف الحياة ورغدها زبداً أو دبقاً ليس إلا! وهو الذي عايش كبار أدباء سورية وهو منهم، فإن بحثت عن الريادة ستجده في مربعها الذهبي، وإن بحثت عن الأصالة ستجده أحد صانعيها، وإن دخلت مدونة الثقافة ستجده أحد شيوخها.. فُتحت أمامه أبوابٌ وساحات، وفُرغت لـه المطارحُ، والأمكنة الوسيعة المريحة، فنحاها.. لكي يذهب إلى الخنادق، والقواعد الفدائية.. ترك الموائد كي يقاسم الحزانى المنكوبين طعامهم في علب السردين والتون، والتي حالما تفرغ (كم كانت تفرغ سريعاً!).. تصير أكواباً للشاي الساخن الذي تعلوه طيوف الزيت، كما قاسمهم لباس (الفوتيك) الأخضر معنىً في الصيف والشتاء. رجل طوى حياته، كما طوى الفصول والمناسبات.. وعلقها على حلم استعادة الفلسطينيين لبلادهم، وتاريخهم، وحلمهم. لم يكن جيفارا، ولا سيمون بوليفار، وإنما كان حيدر حيدر الذي وهب سنين حياته الزاهية لنضال صعب ومرّ ستكتب حكايته مدونةُ التاريخ الصادقة.
أما حياة الأدب، فهي الحديقة السرية التي عاش فيها حيدر حيدر ليكتب لنا قصص البراري، والوعول، والرعويات الأولى، والعطش الأزلي للضوء، وأسطورة الأزمنة الموحشة، والرغائب التي تنادي بالفيضان أو الطوفان وقد فجعت باليباس العميم، وليروي لنا، كشاهد عصر، عن الكائنات الهجينة التي راحت تلتهم وتلتهم فلا ترتوي أو تشبع، كائنات استحواذية أشبه بقطع الإسفنج.. تأتيك ناشفة (فتغط) ثم تخرج ريانة، تفرغ ريها ليس لحمد، وإنما لكي تعود ناشفة مرة أخرى. أفزعته لزوجة الزيت الذي صار سيداً على حيواتنا، ومُوجوداً لحقبنا.. فهجا الزيت اكتشافاً، واستخراجاً، وبيعاً، وتبعات.
ميزته ميزتان: حياته، وأدبه.
كلاهما كتابٌ يقرأ المرء في ضفتيه حياة رجل، وحياة أدب. حياة رجل أحبّ الصعب فتبعه، فكان مثالاً لكائن دمه رحيل وانتظار ومعنى، وروحه توقٌ للنائيات العواصي. وهجسه إدارة الظهر لنداءات الحياة الرخية. آخى الليل لقناعته أن الضوء خدين المساهرة، وعايش المنكوبين الحزانى الباحثين عن (إثياكاهم) فمشى في دوربهم الوعرة، وقاسمهم الغربة والمنفى والهجر لإيمانه الجوهري بعدالة قضيتهم، لم يكن شبيهاً بـ همنغواي أو لوركا، أو رامبو.. كان شبيهاً بـ حيدر حيدر تفرداً، وامتيازاً، وعزلة. رضي بالقليل من أجل المبادئ الكبيرة، وجار على نفسه ورغائبه وهو شاب في أول شروقه استجابةً لنفس جبارة رأت في ترف الحياة ورغدها زبداً أو دبقاً ليس إلا! وهو الذي عايش كبار أدباء سورية وهو منهم، فإن بحثت عن الريادة ستجده في مربعها الذهبي، وإن بحثت عن الأصالة ستجده أحد صانعيها، وإن دخلت مدونة الثقافة ستجده أحد شيوخها.. فُتحت أمامه أبوابٌ وساحات، وفُرغت لـه المطارحُ، والأمكنة الوسيعة المريحة، فنحاها.. لكي يذهب إلى الخنادق، والقواعد الفدائية.. ترك الموائد كي يقاسم الحزانى المنكوبين طعامهم في علب السردين والتون، والتي حالما تفرغ (كم كانت تفرغ سريعاً!).. تصير أكواباً للشاي الساخن الذي تعلوه طيوف الزيت، كما قاسمهم لباس (الفوتيك) الأخضر معنىً في الصيف والشتاء. رجل طوى حياته، كما طوى الفصول والمناسبات.. وعلقها على حلم استعادة الفلسطينيين لبلادهم، وتاريخهم، وحلمهم. لم يكن جيفارا، ولا سيمون بوليفار، وإنما كان حيدر حيدر الذي وهب سنين حياته الزاهية لنضال صعب ومرّ ستكتب حكايته مدونةُ التاريخ الصادقة.
أما حياة الأدب، فهي الحديقة السرية التي عاش فيها حيدر حيدر ليكتب لنا قصص البراري، والوعول، والرعويات الأولى، والعطش الأزلي للضوء، وأسطورة الأزمنة الموحشة، والرغائب التي تنادي بالفيضان أو الطوفان وقد فجعت باليباس العميم، وليروي لنا، كشاهد عصر، عن الكائنات الهجينة التي راحت تلتهم وتلتهم فلا ترتوي أو تشبع، كائنات استحواذية أشبه بقطع الإسفنج.. تأتيك ناشفة (فتغط) ثم تخرج ريانة، تفرغ ريها ليس لحمد، وإنما لكي تعود ناشفة مرة أخرى. أفزعته لزوجة الزيت الذي صار سيداً على حيواتنا، ومُوجوداً لحقبنا.. فهجا الزيت اكتشافاً، واستخراجاً، وبيعاً، وتبعات.