
تيار الثقافة الأصولية التي كانت تحن إلى النموذج الأرقى المحافظ للقصيدة العربية الاتباعية.
تيار الثقافة المحدثة والمتفتحة على نماذج فن القول في الثقافات الأجنبية.
إلى أن حسمت اللسانيات الحديثة هذا الجدل الذي عمر طويلا في النقد العربي، وفصلت في الأمر حين اعتبرت أن اللفظ والمعنى في كل الاحتمالات هما وجهان لعملة واحدة.
أثارت انتباهي مقولة الجاحظ وأنا أتصفح ديوان الشاعر الرقيق محمد الشنتوفي: "الغابة الأولى"(1)، لأكتشف بعد ذلك مدى الجهد الذي بذله صاحبه في البحث عن المعاني التي أهلته لينغمس في طقوس الكتابة والتوغل في التأمل الرصين الذي حرضه على ولوج عتبة الإشراق الشعري.
يختزل عنوان الديوان حمولة دلالية تستفز القارئ منذ الوهلة الأولى، إذ يحيل على مدى احتفاء الشاعر بجلال المعنى المغيب، "فالغابة الأولى" كناية يمكن أن تنسحب على كل ما ترسب في الذاكرة ـ تحت سبق إصرار الشاعر ـ فهي ملجأه الذي يحتمي به، هي مجاله الذي يستقي منه ما يزخر به من رؤى، إنها العالم المجازي الذي يترصد فيه طرائد الشعر العصية في عملية بوحه الشعري، إنها في النهاية زاده الذي استوحى منه قصائده المبثوثة في هذا الديوان.