34يفسح״ ميشيل״ كلبه ״ البيرجي ״ على رصيف الشارع الرئيسي . ودون سابق إنذار يرفع الكلب إحدى رجليه .
شرْ رْ رْ رْ !! ينساب الماء بين قدمي  نصب  الزعيم٬٬  يفيق الرئيس مذعورا يظن أن الأمر يتعلق بمحاولة للإطاحة بعرشه٬
يركل الكلب ..إبن الكلب ..تطوح الركلة ب״ المجحوم״ عاليا !..عاليا  !.. تتلقفه أحضان الإسفلت   ..لكن بدون برد ولا سلام .  
يحاول أن يحتج ٬ يطالعه وجه الرئيس غاضبا٬ يغص حلقه بالنباح كما غصت حلوق ملايين رعايا الرئيس بالإحتجاج   في حياته .       
يعود الزعيم إلى وقفته المهيبة ممتشقا سيفه الملطخ بدماء أبرياء شعبه .
العابرون في الشارع الرئيسي-  الذي هو بإسم الرئيس- يمشون مطرقين ٬ غير آبهين بما يفعله كلب״ ميشيل״ في الشارع
الرئيسي ٬ يستغرقهم التفكير في كيفية تحصيل  المواد الأساسية في ظل إرتفاع أثمنتها .  لكن في آخر الشارع ينتصب
المختار״ لقرع ״  بائع النقانق خلف عربته ٬لا تبدو منه إلا رأسه المليئة بالمقالب ...يحك فروتها  تتطاير القشرة منها ٬يتابع  المختار
كلب ״ المسيو ميشيل ״  الذي يمر أمام عربته مجرورا من طرف صاحبه . يخرج المختار عن صمته حينما يتجاوزه  الكلب
وصاحبه ״ آه ! الكلب أكبر من  مولاه!! ״  .

wland02هم يسرقون الآن جلدك
فاحذر ملامحهم وغمدك
كم كنت وحدك
يا ابن أمّي يا ابن أكثر من أب,
كم كنت وحدك
ـ محمود درويش ـ
يتهافت النّاس على الدخول في حركة مائجة من الازدحام والجلبة وكأنما يدفعهم دافع إلى الفرار من الشارع.
القاعة فسيحة تتّسع لعدد كبير من الكراسيّ والزّائرين.فضاؤها الدّاخليّ بديكوراته الأنيقة وأساليب تنضيد محتوياته على طرازات غربيّة بارزة الازدهار , يوحي بالتألق والفتنة .. على جد ران الغرفة الوسيعة تتدلّى صنوف السّتائر متناسقة في الطّول والشّكل مع طريقة التّشكيل المعماري للقاعة, وتتعدّد ألوانها بما يسمح بانسجام مميّز بينها وبين ألوان الجدران وطلائها وألوان المقاعد ولمعانها .وقد تتلاءم إلى مدى واضح مع ما يوحي به الرّكح من بنّيّة باردة تتحوّل إلى بريق برونزي كلّما شرقت فيه أضواء الفوانيس. وكلّما تراقص الضوء ,مضى ذائبا في ألوان الستائر, وسائحا في أخشاب المقاعد والركح. فإذا هما متناغمان في تأثيث مشهد الدفء والحفاوة للوافدين على المكان.

bellefemmeشاحبة الوجه ، تدور مترنحة  كعصفور جريح بين جدران الغرفة المعتمة إلا من ضوء تسلل خلسة عبر ستارة خضراء شبه مسدلة ، يسمح لي بالقاء نظرة على ساقها المتورمة ، وذراعها المصبوغة بالبقع الداكنة الزرقاء ، خلفتها آثار حقن الفحوصات المخبرية التي أجرتها على مدار يومين بعد تعرضها لتخثر دم في  الساق تشير الى جلطة مرت بسلام   .
كم من الوقت مضى على ذرف دموعٍ ساخنة أحرقت الوجنة وفتحت أخدودا على خدها الطري..؟
- لمَ لا تستلقين على السرير حسب أوامر الطبيب ، وتدعين الدواء يسري في الشرايين تخلدين بعدها  الى الراحة، مع كأس من العصير يعيد الى وجهك بعض نضارة وتتناولين قطعة بسكويت بعد إضرابك عن الطعام  ؟
- أخلد الى الراحة ..؟ ومن أين أشتريها لو كانت تباع ، وهذا الأسود ، الصامت ، الأخرس القابع على سريري يزيدني توترا، تشنجا ، وعصبية ، يأخذ ما تبقى لي من هدوء ، يحيلني الى بركان ملتهب يحرقني ، يصهرني ، يجرفني نحو سفح  عذاب مهلك  ؟
- ماذا دهاك وأنت الصلبة القوية ، المتزنة ، العاقلة ، الناصحة والمرشدة التي تضم صبرا إلى صبر توزعه وصفة طبية  ، وأنت من يتحدى الصعاب ، يتجاوز المحن، يصغر المشاكل ، يبدد  الهموم ، تواجهين بالعقل والمنطق نوائب الزمان ؟
- لا داعي لهذا الموشح ، أدرك من أنا ، وأدرك قدراتي ، أعلم من أكون وماعلي التصدي له  في  ممرات حياتي لكن في وضعي الحالي أشعر أني هشة ، ضعيفة ،مستسلمة لا أملك بصيص نور لخلاص ..!

AWLAD AAISAنظراته تعانق الأضواء المتلألئة من وراء الأفق...فتشرد روحه... تَلُوحُ له أشرعة آماله و هي تنعطف عند الأفق.. يتراءى له طيف حبيبته يلوح له من هناك...فاتحة ذراعيها لاحتضان أحلامه..تعده جنة الخلد.آآآآآآه من حبيبته، تلك الحورية من سلالة عيسى أرقت منامه...تأتيه كل ليلة تمشي بغنج و خيوط الشمس تتدلى ثائرة على ظهرها... يشحب وجه القمر أمام ضياء وجهها..و عيون تغريه بالإبحار في زرقة سمائها.
كل يوم كان يضرب لها موعدا عند قمة هذا التل، يناجيها فتحمل أمواج البحر آهاته إليها.. و نسيم المساء يداعب آماله و يسافر بأفكاره إلى ما وراء الأفق..ليعانق حلمه.

في كل يوم كان الحلم الجميل الذي تبناه يكبر في أحشائه حتى تحول إلى وحش ينهش أفكاره و يأسر إرادته ... أصبح كالمسحور.. لا يرى نورا غير ذاك المنبعث من وراء الأفق.

و حل اليوم الموعود.. اليوم الذي سيذهب فيه للأندلس فاتحا...قلبه للحب الجديد...سيغادر الليلة على متن قارب عند منتصف الليل . و ضع ماءا في حقيبته و فواكه جافة تعينه في رحلته على كتم صرخات أمعائه حين تنهشها مخالب الجوع... ثم جلس و عيناه تراقصان عقارب الساعة في إيقاع دقات قلبه المتسارعة كلما اقترب موعد الرحيل..

kmachineللرجة أن تأتي كالريح تجثث جذور الأشجان
أوردة القلب
من غيمة النبض
تنهمر القطرات رذاذا
وبالكف غير الريح أقبض عليها
فيسري  يسري
حلمها أثيرا
يسمح للرموش
بالانسدال
وللنفس بالارتشاف من حوض
الأوهام .

choualiتركت غيابها يفاجئ نشرة الأخبار الصّباحيّة تُذيعها الأبواب المشرعة على الأبواب أسرارا وجه أسرار، وأفْجرت تخرج من مسكن ضيّق بنهج ضيّق من حيّ مكتظّ .
كانت على بساطة مترفة الأناقة ، وقوام حسن يميس في بنطال وسترة ناعميْ الزّرقة ، يباهيان سماء عينيها الرّائقة بدقّة التّفاصيل المنحوتة على مدى الجسد وصِفر الخصر المستدقّ. 
عمّ مسافة حصباء وزمن نعسان ، تدرك القطار الأوّل نحو العاصمة يأتي مهركلا على هزيز يرجّ السّكينة ويقضّ ضجعة الحيّ الغافي لحينه على صقيع الحديد فينهض أهلهُ على الصّفير الصامّ متأفّفين تتطاير أفواههم أخْلافا وسُبابا وأوجاعا . 

تسافر إليه من شعور كفيف يتلمّس الوجوهَ المتفرّقة بحثا عن إطار عاطفيّ يلائم الصّورة الرّاسخة بالخيال ، ولهفةٍ معصوبة الرّأس لا تفكّر إلاّ بصوته الثريّ يسري فيها خريرا كجرعة النّور تشْهَقُها العتمة اليائسة فتحيى ، ويزهر ليل الضّجر ببساتين فيحاء ذات ثمر وريحان وظُلل من أفياء الحلم الوثير.

40كنت أمارس حماقاتي الذهنية فأقفز بعشوائية بين الممكن والمستحيل وبين الماضي والحاضر حتى بلغت ذات الطريق الخالية دوما في مثل هذا الوقت المتأخر نسبيا،فأنا أقطن بمدينة صغيرة تنام فيها الحياة في فصول الشتاء مبكرا جدا. أعبر من تلك الطريق كلما مررت من هناك وكنت حقا أستعذب الصمت والظلام الذي تدكه أعمدة ضوء خفيف ، من جهة اليسار سور يحيط بمركب ترفيهي ومن جهة اليمين سور اخر أكثر علوا يلف بناية فخمة مترامية.وليس ذلك باللأمر الهام،فقد كنت أسير كما فعلت مرارا، مطأطأ الرأس صامتا غائب الفكر في شارع شاحب أضواءه خافتة تنكسر في حدود الزوايا الضيقة التي تحيط بأعمدتها، وحين تنعكس على ربوع الشارع تبعث القليل من السكينة في النفوس وقد استعذبت المشهد وكنت كمن يتوق إلى المفاجأة لما أقنعت نفسي أن ما أراه حقيقة وليس هلوسة ، عفوا ، كان علي للأمانة أن أقول "من" رأيته فقد كان ذلك أشبه بشخص وليس محض هلوسة بصرية، وحتى تلك اللحظة لم أكن قد قرأت كثيرا عن قصص الأشباح ولم تغرني قط تلك الأفلام التي يعتقد مخرجوها في ما هو خارق لقدرة العقل البشري على الفهم، من عساه يكون فأنا إلى حدود اللحظة قانوني جد ا، أسير على يمين الشارع لا أسب أحدا ولا أغتاب أحدا ، و حتى السياسة لفظتني لأني لم أستهويها كثيرا.عندما رفعت بصري كان القادم مثلي تماما أو على الأقل ذلك ما أراد أن يظهره لي، يسير جهة اليمين خطوة خطوة..

PAYS_13تسللتْ وئيدة الخطى تسبقها رائحة الحناء بالقرنفل البلدي.قبل التحاقي بالفراش مازحتها متسائلا عن كيفية تخلصها من سنة مسح الرأس لإتمام الوضوء، تركتها تغمس ضفيرتها الفاحمة في بلل أخضر.
تسمعت صدى نقر رؤوس بنانها فوق بساط يفصل بيني وبين النافذة الوحيدة في الغرفة، أحكمت إطباق الصدر على العجز، فتوقف صفير الريح على وقع زخات مطر متقطع بين رعدة ورعدة، أحسست بدنوها من فراشي، تؤخر رجلا و تقدم أخرى كأنها تطمئن على استواء غطاء ضقت به ذرعا رغم الجو البارد، رفعت من وتيرة افتعالي شخيرا يتماوج بين ثنايا صمت الشتاء، كنت أعرف أنه علامة في ذاكرتها على غرقي في نوم ثقيل، توقف الخطو، ثم تراجعت منسحبة في حذر نحو الباب، تجر خلفها ما تبقى من حس لوجودها في خيالي.
لعلها ثاني ليلة أبيتها في بيت بنيتي" سلمى"، بعد فراق خمس سنوات ، ظـللت أتحجج لديها ببعـد المسافة بين " الحسيمة" و" الرباط"، و ظلت توهمني بتصديق خطابي رغم يقين علمها بأن تفاهة زوجها أصلُ هذا التباعد الكريه، كم يحزنني شعورها بذنب قبولها الزواج منه رغم حدة موقف أمها، كنت الشريك في الانتصار عليها، هل رحلت عنا بعد عام فقط تحمل غصتها؟ !

مفضلات الشهر من القصص القصيرة