anfasse.orgفتحت الباب بشعري الأشعت و أنا أتذمر..من جاء يقتحم علي خلوتي في هذه الساعة؟.. فوجدتها، و تلك الابتسامة المنحوتة دوما على محياها، ابتسامة لازالت مركونة في رفوف ذاكرتي..
صاحت بوجهي:"أأنتظر ساعة لتفتحي، أواقفة أنا على عتبة قصرملكي؟"
كان أسلوبها الهجومي المضحك مستفزا للمشاعر، فلا تحس إلا و أنت تدخل معها في لعبتها التي تنتهي دوما بنوبات من الضحك المجنون..
فتحت الباب و لم أعتقد للحظة أنها ستكون آخر ضحكة تتشربها مسامعي و أنه لقاؤنا الأخير..فقد كانت في هذه الحياة مجرد عابر سبيل...
اشتاقت إلي و جاءت لتروي ظمأ شوقها..أمضينا الليلة كلها نتسامر و نتضاحك و نتبادل الأسرار و آخر الأخبار كما هي عادتنا كلما التقينا..لم تشإ النوم..و كأنها أرادت أن تنحت ذكراها في أعماقي..

anfasse.orgتلاقت العيون في زحمة العبور نظرات خاطفة اختزلت ملايين السنوات الضوئية من الانتظار ولوعة الأشواق, مند الوهلة الأولى بدا له بريق ثائر في عينيها وهكذا كان ....                           
كانت كغجرية تعزف نشيدا قوميا بالحان عذبة وزغاريد العذارى تزفها ليلة يخجل القمر من مداراة ابتسامتها الملائكية .............. بطلا كان شامخا, أسطوريا كجبل ظل راسخ مرَ العصور رمزا للعزة و الكبرياء, يحفها براحتيه الدافئتين...
 سعادة لا يوازيها سوى أفراح أعياد الميلاد تلك التي تذكرنا بأن طبيعة وجودنا عنوانها الحب, عقيدتها التضحية و سرها لغة العيون....طبيعة سقائها قبلة في الجبين أو عناق حار يحيل أي كائن حي على انبعاث جديد...طبيعة فصلها ربيع, ربيع مزهر كأشجار ألليلك....  

anfasse.orgيوقظني صراخ الجيران من قيلولتي ، أقوم ساخطا أوزع الشتائم ذات اليمين والشمال .. أتوجه إلى الحمام ، أغسل وجهي ، الجو حار جدا والزقاق فارغ إلا من صراخ جاري وزوجته .. لقد احترفا معا إفساد قيلولتي ، مر يومان وهما على هذه الحال ، صراخ وشجار في وقت القيلولة بالضبط .. ولكن يبدو أن اليوم أقسى من اليومين السابقين فلهجتهما أشد عنفا وقسوة ، الزقاق فارغ إلا من بعض الرؤوس المتلصصة من النوافذ و من خلف الأبواب تتابع أطوار المباراة الكلامية بين الزوج وزوجته ، أنزل درجات البيت وأتوجه إلى باب جاري وأنا أبحث عن الكلمات المناسبة ولكنها تتبعثر حالما يفتح بابه ، وجهه أحمر قان وعروق عنقه بارزة ، لاشك أنها تكاد تنفجر من شدة الصراخ:
               ـ لعنوا الشيطان أسي محمد ، راه حشومة هادشي ، راكم ماباقيينش صغار
              ـ أسيدي الشيطان الله يلعنو ويخزيه ، ولكن هاد لوليا غادي تخرج لي عقلي

anfasse.orgألفت وجوههم حتى بدت لي بالرغم من بشاعتها مألوفة، تعودت على رماح نظراتهم تخترق جلدي و كلماتهم تخدش آذاني و أنا أحتمي خلف أسوار نظارتي السوداء و أنظر إليهم فيقشعر بدني عند رؤية وجوه مختومة بطابع الشقاء.
كان موعدهم الصباحي مع ذلك المكان "الموقف " كما الصقور على قمم الجبال، عيونهم جاحظة لا حياة فيها كرسوم للشقاء معلقة على جدار الحياة، نظراتهم متربصة بفريسة مرتقبة، حتى إذا لاحت انقضوا عليها كما الذئاب الجائعة دون رحمة أو شفقة فتفر بجلدها تحملها رياح الخوف بعيدا لتترك خلفها معارك حامية من الكلمات الساقطة و أحيانا اشتباكات بالأيدي و لكمات.
تراهم تارة مجتمعين و أخرى متفرقين، شباب فقدت ملامحهم بهجة الحياة و شيوخ انهكتهم نوائب الدهر و رسمت أخاديدها العميقة على وجوههم...إنها معركتهم اليومية من أجل البقاء..بقاء للأقوى بل للأسرع..

anfasse.orgرأت الكوخَ بهيمةً، وهو يغطسُ في ليلِ السواد، طيلة ليلةٍ دوّخها فيها الشخير، وفراشاتٌ سوداءُ ظلَّت ترّفُ لعينيها، وتشهقُ لها يائسة.
ولمّا الفجرُ تنفس؛ ارتفعتْ، ثمّ استقامت على ساقين مثل بوصتين، فثقل الرأسُ؛ وانطلق طاحونةً تجرشُ نارا.
عيونُ الصغار تفتحتْ، فخالتِ الرضيعةَ من لفافتها قد قفزت، فضربتْ بلا وعيٍ ثدييها، ولقد قال عقلها: جفَّ الكيسان.
وانحدر الدمعُ الساخنُ، وجلدُ الخدينِ الناشفُ اشتعل.
وعوت طائرةٌ في السماء، فأصغت؛ حتى صار العواءُ أنينا، ثمَّ انتحر، لكنَّها اهتزت فجأةً في زمجرةٍ، وفوقها الصفيحُ اهتاج، والأرضُ مادت، وبدايات النور المتسللة بكتْ!
وقفتْ في عتم الليلِ مثل شبح، حتى رأتْ فمَ الصغيرةِ قد عاد خاتما انغلق، فشرعت ترتدي ثوبَها، وحلقُ زوجها كان لم يزل يصفرُ معربدا، ورأتْ سطحَ الصفيحِ يفتلُ موجاتِ الشخير، ويلقي بها على الحيطان، فتلتفُّ؛ لتسقطَ  حشرجةً عائدة، ثمَّ تتقطعُ على حفرةِ الفمِ المزمجرة!

anfasse.orgكصيحة البداية ، يتسلل خيط النور لعوالم اللامنتهى ، حيث ندرك بقدر طاقة استيعابنا ،، ندرج ويملأ صدورنا هواء الأمكنة رطبا ، يحملنا بتثاقل للقبض على الحرف. كواحدة من الجماجم المصطفة ، الفاغرة ، الحاضنة لعيون همقاء ، وشفاه مرددة " كلام الله" كطوفان
من الآيات يتجدد رسمها على "اللوح" لتستقر في الأدمغة مثل لازمة تتردد على الألسنة.
القدمان يوفظان لمدرسة" مولاي علي بوغالب" هذا الشكل الغريب بتقاويسه ، والباسقات يترك ظلها أشباحا تثير الذعر داخلي ، ولو كان ذلك وسيلة لمماهاة المكان وأنا أسترق النظر من نافذة /الفصل غير أن المدرس أخذ بالنقر على الإطار الأسود كوسيلة لجذب الانتباه.

anfasse.orgاللوحة الأولى  :
الإسم : الوطن
الحجم : صغير جدا
الفنان : العربي فقير
الزمن بعد الغروب مباشرة أو قبل الشروق...فالأشياء تبدو بدون ظل ، الأشخاص دون ملامح واضحة
...الألوان متقاربة  بفعل قلة الإضاءة ...أكواخ صغيرة وحقيرة...صحون إلتقاط  القنوات الفضائية
تبدو كقبعات مقلوبة ...أطياف أشخاص يصعب تحديد جنسهم ، واقفة قرب الأبواب وأخرى بجا نب سقاية ...طفل صغير يداعب حيوانا على حاوية أزبال مثقوبة ....عمود كهرباء يخترق كوخا في أقصى اليمين من اللوحة ، العمود مائل ودون إنارة ....السماء بلا نجوم ...دون ضوء في الأفق..

anfasseهذا ليس زمن الثورات والمفاجآت الكبرى فحتى الجهة التي تدعمك لتحقيق غايتك تدعم أعداءك في نفس الوقت فاعطِ الربابةَ للرب فإنه السوق !
فكَّرَ بهذا الكلام وهو تعبير كان لأحد المعتقلين معه قبل أسبوعين
فابتسمَ بحزنٍ ولكن ها هي صديقته تطرق الباب بوجلٍ وبشيءٍ من الخجل فتفتح لها أمُّهُ الباب .
صديقته تعرف أنه بالأمس وصل فقد اتصل بها قبل ذلك وأخبرها بِنيَّة العودة بعد ثلاثة أيام , رغم أنه لم يحدثها ولا أمَّهُ عن المعتقل إلا قليلاً وبعبارات مُهِّونةٍ .
هو يسكن مع أمه على أطراف المدينة وهي تعيش مع أهلها في إحدى قرى الوسط .
فكَّرَ بصديقته هذه التي تمتلك الكثير من السماحة والحس الرفيع بالحاجة إلى الثورة والتي تملك فهماً آخر لها ,
هل ستألف طقوسه الجديدة وهي التي تعرف أن سر تمرُّدهِ في الدنيا هو أنه يمتلك قلباً مُجنَّحاً غيوراً على الناس ؟
الواقع والحلم بقيا متلازمَين في السنوات الأخيرة غير أنهما لم يتجاذباه بإلحاح كما في هذا اليوم فهو محمومٌ لصيقُ سريره .

مفضلات الشهر من القصص القصيرة