دلفت الغرفة متسللا على رؤوس أصابعي، كانت قطتي نائمة ، لم أشأ إفساد نومها الهادئ، أو حلمها الجميل ، تناولت من على رفّ المكتبة كتابا دون أن أعبأ بعنوانه ، استلقيت على الوثاب ،قلبت الصفحات دون غاية مقصودة، ثمّ شردت في القطة و قد استلذت النوم على الأريكة جاعلة رأسها في حضنها و بين ذراعيها، كانت تحرك إحدى أذنيها بين الفينة و الأخرى لتطرد الذباب . ترى ما الذي يمكن أن تحلم به هذه القطة البريئة ؟ . وددت لو استطعت الولوج إلـى حلمها لأشاركها فيه ، ربما قد تحلم بي و قد صرت ميسور الحال ، أعيش إنسانا كامل الإنسانية يتحسن عيشي،ويتحسن عيشها هي أيضا،وتراني أقتني لها غلب المصبّرات الخاصة بالقطط من السوق الممتازة، و تنعم معي بحمام دافئ كلّ صباح و مساء ، و تنعم بلمسات فاتـــنة هيفاء تدلكها حتى النوم .
الصّفعة – قصة : محمد بقوح
حين انتهيت من إعراب الجملة .. جملة النحس ، و قبل أن أضع النقطة الختامية ، تطبيقا لنصيحة معلمنا الملازمة له في كل حصة دراسية ، نزلت على الجانب الأيسر لوجهي صفعة قوية ، شتت توازن جسدي النحيل ، لتتلعثم قدماي الصغيرتان ، فأسقط كسكير ثمل على أرضية الفصل ، و وجوه التلاميذ واجمة لا تفهم ، دون أن أعلم بدوري لماذا و كيف وجدت تلك الصفعة اللعينة القاسية و المؤلمة جدا طريقها إلى وجهي .. ، أما الشيء الوحيد الذي ظل بريقه عالقا بين ثنايا ذهني ، هو تطاير الطبشورة البيضاء ، التي كانت تئن بين أناملي المبللة بالعرق الساخن ، في فضاء القسم ، لتصيب جبين تلميذ آخر ، كان يتابع فصول درس القواعد في مقعده في الصف الثاني .
و بإشارة من المعلم .. تلك التي أصبحت عند التلاميذ معهودة مع مرور الوقت ، بحكم صدورها المتكرر كل يوم تقريبا ، يحضر بسرعة البرق أربعة تلاميذ كبار في السن ، يتميزون بقوة أجسادهم الضخمة ، لكن أيضا ببلادة فكرهم و كسلهم الذي لا حدود له .
رسائل من قلبي إليك.... – نص : ضحى عبدالرؤوف المل
أيَّـها الراحل نَحو قلبي المُهاجر إليك... إنحنِ للزمان وضمّ قلبي الذي تاه في مَتاهات الحَياة، بعد أن فاضَ به الحُزن وتراكَمت فيه الأُمنيات، كأنّها في كُتب مُغلقة وأفكار مُبعثرة على أوراق لا تزال رمادية اللون، كأنَ الغيث قد انقطع عَنها، فمتى يَــكون الرحيل وكيف؟؟...
حَبيبي... ذاقَـت النفس مَساوئ أفعالها وازداد ألمها حين انبسطت كفّا الحياة لها لتزداد ألماً بما كسبت، فغداً تجفّ زهور الياسمين على عُروشها ويموت الورد...
حبيبي... أنا المثخنة من الرحيل... أنا شهيدة ذاك الطير الأسطوري الـموشوم بالعشق وفي قلبه انغرس خنجر قطّع أوصال الروح حين أزهرت في زمن كالح ميت تتراكم فوق أجفانه أعباء السنين...
حَبيبي... لا تخذلني بعدما كان رحيلي إليك طيفاً!.. روحاً!.. عطراً منثوراً حول زهرة تدور في مَـداراتك، فأنا يا حبيبي أمشي الهوينا في عـــــالم يلفح وجوه المُتعبين ويلملم شتات أنثى كافَحت كدوري مُترنّح بين سنابل القمح، وهي تُغني أغنيات وطن عاد به الزمن الى حيث أباطرة الرومان لتكون روحاً سماوية وفي عَينيها لمحة حبّ حَيّ...
حصة – قصة : مجدي السماك
في ذلك اليوم البارد.. وصل الأستاذ مصطفى إلى غرفة الفصل وكان متأخرا سبع دقائق.. وكانت في عينيه حمّرة غريبة أخفت بياضهما وأطفأت ما فيهما من بريق كان بالأمس يلمع. وما إن دخل في هدوء الزاهدين ووقار الناسكين، حتى وقف أمام التلاميذ بكل ما في هيئته الضخمة من مهابة.. وعلى الفور انطفأت الضوضاء التي أشعلوها وأججوها بضحكاتهم الساخنة البريئة التي كانت تجلجل وهي تعلو لتنقلب بقدرة قادر إلى ما يشبه الفرقعات. ومع هذا نسي أن يقول لهم صباح الخير وانتصب أمامهم وهو عابس كالقضاء المستعجل فبدا جلد وجهه كأنه مدبوغ. ثم بيده اليمنى امسك قطعة تباشير بحجم منقار دجاجة، واتجه بها إلى الزاوية العليا من السبورة وبخط عريض كتب.. حكمة اليوم: من طلب العلا سهر الليالي.. ثم كتب تحتها بخط عريض أيضا: اطلبوا العلم ولو في الصين. بينما كانت كفه اليسرى منهمكة بالذهاب والإياب على فتحة فمه وهو يتثاءب محدثة قرقرة أحبها التلاميذ كثيرا فارتاحت قلوبهم لها وانتشت.. فابتسموا في خجل مكتوم. وتركوا العنان لأنوفهم لتتمتع برائحة عطره التي فاحت.. رائحة لذيذة عبقت الفصل وكانت أقرب إلى رائحة السيريلاك.
جلسة في حضرة امرأة – قصة : بوتالوحت أحماد
"فاتح " هكذا كان يسمى ،وكان يقول أنا فاتح!! الذي فتح الله عليه !
- وهل من فتح الله عليه يسكن براكة !؟ يقول صديقه . يضحك "فاتح "ذو اللحية التي تشبه لحية "ماركس" لكنها قذرة . يقامران ،فاتح يقامر بمقادير من القمح تسولها من البيادر في موسم الحصاد أوإستخلصها من السنابل التي جمعها من "الحصائد " ودقها على حجر كبيرقرب " براكته " . صديقه" سلام" يقامر بنقود حصلها من عمله في أوراش البناء في المدن البعيدة .
يتابع" فاتح " الكشف عن أوراق اللعب ،تتعثر الأوراق بين أصابعه القذرة وتلتصق ، "تفو" يعالجها بأطراف الأصابع المبللة بالبصاق،يخلص الأوراق بعضها عن بعض و يرميها على مائدة مستديرة و واطئة ،يستعملها لفرم أوراق" الكيف" كما يستعملها للأكل أو" الركزة " حين ينتشي بتذخين "الكيف"وشرب "الماحية " .
- هذه المائدة أستعملها لأغراض كثيرة ،كما إستعمل موسى عصاه لمآرب أخرى .
- دع عنك موسى وعصاه ،وخلصنا بكشف الاوراق ،يقول صديقه . من الباب المنفرج قليلا ،تطل الرؤوس الصغيرة الفضولية ، تتلصص على اللاَعبَْْين .
حالة – نص : رامي ياسين
كلّ ألوانِ الدّنيا اقتربتْ من بعضها وتمازجَتْ لتصيرَهُ، هذا اللون المفضّل عندكَ، ولا تدري لماذا هو مفضّلٌ، ترى غيره ولا تحسّ سواه، يعيشك وتعيش وجعه، فرحه..وكآبته، تعيش حالته، حالتكَ.. إنّه لونكَ أنتَ..
تختارهُ الآن ويختاركَ بمحضِ عشقٍ وبدهشةِ الصّدفة.
وكلّ صورِ الذّاكرة اقتربتْ من عينكَ هلاماً هشّا، لا تمدّ يدك عليه لتنثره بعيداً بل أنتَ لا ترى سوى صورتكَ"الآن".. هي صورتك "الآن".. تعيشها حقيقةً تريدها وتريدكَ وتعيشُ بها ولها وفيها.
وكلّ نساءِ الأرضِ اقتربتْ من أناملِ يديكَ.. جسداً، فكرةً، صورةً، إحساساً..ولا تشعر الّا بها، وحدها "هي" هكذا وحدها، ليس لشيء انما لكونها "هي".
تقبّل أنامل يديك ان ذكرتها أو تخبّئها داخل جلدك كي تصيرها وتصيرك أكثر.
كيوبيد - قصة : نصيرة تختوخ
ظل كيوبيد يطاردها بسهامه في المنام دون أن ينال مراده.
حين استفاقت وَجَدَتْهُ مسجونا في صورة على غلاف المجلة المرمية عند قدم السرير.ابتسمت و حملت المجلة برفق , وضعتها في الدرج و نظرت إلى الساعة.
كل مايفصلها عن إجازتها السنوية أسبوع واحد ، سبعة أيام يتغير بعدها إيقاع الحياة و يعلو لحنها الجميل.
إلتهمها الشارع الكبير و هي تعبره قاصدة مقر عملها.لم تنتبه للإعلانات على واجهة المركز الثقافي الزجاجية إلا و هي تعبر نفس الشارع في المساء.
لقاء ات و ندوات ومسابقة قصصية قرأت تفاصيل الاشتراك فيها وأعادها الإعلان إلى ذكرياتها مع القلم.
منذ زمن لم تكتب أي شيء يمت للأدب بصلة،منذ زمن لم تطلق العنان لخيالها كي يصهل حيث يشاء و يعربد كما يشاء ويرقص و يجن بلا قيد أو موعد.
إفاقة - قصة : زينب حميتو
كل شيء في مدينتي كان يصرخ بأنك الحلم الجميل الذي يعمّر بالنوم فقط، وسحابة الصيف التي لاتخلد في السماء. كل الجدران المسخومة بالضباب ودخان السيارات، الحبلى بألوان الطائشين تقول -متأخرة-بأنك مجرد فكرة.....لا يمكن أن أشيخ برفقتها. تتصادم الذكريات بشرايين الرئة، فأعجز عن التنفس ويصير التنهّد صعبا.
ولكنني، أتنهد، متعبة من مطاردة البشارات برحم مدينتي العقيم، و وعود السيارات الفارّة. أشيح بنظري عن الجدارن الواهمة ولوحات الإعلانات الكاذبة،.....وتراتيل المتسولين التي تستحضر كل أيقونات العالم السحري لأمعن النظر بكفيّ فقط. كانتا ذات يوم نضرتين،غضتين .....كيف سرقني العمر بكل وقاحة وأنا لا أزال أنتظر البداية؟؟؟
استفزّني السؤال، فحرّكت قدميّ برتابة على رصيف عجوز متخن الجراح والحفر والتجاعيد.....وبرك المطر، حتى أدخل إلى مكان يعد بالدفء.