كان كل شيء يتدهور ويتفتت ويتقلص تدريجياً، تراقبه الأعين ببرود ولا مبالاة، لاعتيادها عليه، لكن من يراقب جيداً سوق مريدي، يستطيع أن يخرجه من هذه القاعدة، فمع الشروع بالتدهور والتفتت والتقلص، كأن هذا السوق يتنامى ويتماسك ويتمدد، المساحة الأصلية للسوق اصبح يشغلها بائعون ومتبضعون يزدادون يوماً بعد آخر، إضافة إلى مساحات جديدة يحتلها هذا السوق يومياً، بحيث يغدو من الصعب تحديد نقطة بداية او نهاية له، وكل بائع مهما ابتعد بمسافة عن السوق فهو مراديّ الهوى، وعينه تراقب دائماً المسافة التي بينه والسوق، وكيف يظهر فيها نهار كل يوم جنبر جديد، حتى تتزاحم في النهاية فوق مساحات صغيرة متجاورة.
احتضار الأمل - سهام البسابسي
في الجهة الخلفية من السيارة أرواح حبيسة، استكانت في أحضان الزمن، عيون تبصر و لا ترى شيئا.. و أفكار شاردة تجتر أحكام القدر..
جلس صابر بين تلك الأرواح المنجرفة وراء تيار القضاء بقسمات جامدة منحوتة من صخرة الجرانيت... لا شبح ابتسامة في الأفق يبشر بانفراج جو العبوس ..في رحلة يومية بين جبال تزيد من إحساسهم بتفاهتهم و عقم أحلامهم...
شرد صابر بفكره...و انفلتت ذاكرته من سجن المكان مسافرة عبر الزمن تنبش في ذكريات الماضي البعيد.. تذكر يوم أعلنت نتائج البكالوريا.. و كيف استقبله أهله و جيرانه بالمشروبات و الحلوى.. و هو كالطاوس يختال بينهم مستقبلا عناقاتهم و زغاريدهم و كأنه ملك في حفل بيعة و ولاء..كيف لا و قد حصل على الامتياز و الدنيا تفتح له أحضانها و تسقيه من طيب كأسها.. و هو مأخوذ بها، مفتون برقتها، ثمل بعشقها...
مسرح الأقنعة – قصة : البسابسي سهام
أنقذه صوت أمعائه من تساؤلاته و هي تصرخ مطالبة إياه بالشفقة لحالها...دخل مسرعا إلى غرفته لينزع عنه ملابسه و يدخل إلى المطبخ..
كوابيس عاطل في المهجر – قصة : يوسف الطاهري
أنهى فطوره و في رأسه تغرد عصافير بشدى الألحان. توجه إلى غرفة بناته الثلاث عندما سمع ضجيجا ما يأتي من غرفتهن . داعبهن بداخل فراشهن. وعدهن بأنه سيسافر بهن إلى باريس لحضور حفل ازديان طفلة لخالهم .
من عادته أن يكتب أو يطلع على أخبار اليوم عبر الانترنيت كل صباح. ثم يخرج للبحث عن الشغل إن كان عاطلا عن العمل أو لقضاء حاجيات اليوم. وغالبا ما يأخذ معه الحاسوب المحمول ليتوجه إلى أحد المقاهي التي أحدثت قاعة يسمح التدخين بداخلها.
لكنه قبل أن يغادر بيته هذا اليوم، أحس بأن هذا الشعور الفريد الذي يغمره جاء لسبب ما. بعد التفكير قليلا، تفطن أنه ينتظر ردا عن ملف طلب التعويض عن البطالة. و فتح الانترنت، ليعرف هل تمت دراسة ملفه .
" أورسولا" - قصة : م ع الرحمان دريسي
يدان بيضاويتان ترتجفان ونبضات تئن من تحت عروق كأخاديد مهجورة تعزف اللحن الأخير.عينان ساهمتان نحو الله وأنا وأبي لا نستوعب مداها,فترتقي هي ونمكث نحن على حواشي فراش الموت..
مولاي..مولاي..هكذا كانت جدتي تمزق اهابي في لحظات احتضارها.الأب الصامد يشد على يديها,فألمح على صفحة وجهه بريقا هادئا شديد البهاء يمنحني الجسارة لأنحني اليها لأسمع:
"كنت هالة نورانية في حلم راودني قبل ميلادك.."
النظارات العجيبة – قصة : جمال الدين الخضيري
كان قد انزوى في ورشته ردحا من الزمن محدودبا على منظاره، تتكدس أمامه نظارات مختلفة الأحجام وقارورات كيميائية متعددة الألوان. لم يخرج من محارته التي تشرنق فيها إلا عندما توصل إلى مراده. باستطاعته الآن أن يعري أي واحد مهما كان، من علية القوم أو أسافلهم، ذكورهم وإناثهم. ندت عنه ضحكة أشبه بالمواء ثم قال بوعيد:
- عوراتكم في مهب الريح، ومفاتن نسائكم مستباحة ممددة أمام مرأى عيني في أدق تفاصيلها، لن ينفع معها دثار أو لباس مهما غلظ وتفضفض.
لوحة على جدار القلب - قصة : محاسن الحمصي
ليس بيني وبين(سيرافين )وجه شبه لا شكلا، لا مضمونا او حياة، تلك الخادمة - التي جرفها عشق مزج الألوان وريشة أنامل إبداع تزهر، لتتجسد على أقمشة خام في وحدة قاتلة،جوع ، برد،عزلة ،شهرة مؤقتة- قادتها الى الجنون، لكننا نتشابه في ذات العشق (الرسم)هي أتقنته،وأنا توقفت عند حدود التذوق لهذا الفن الراقي والبديع،لأتقن فنون الحياة الارستقراطية – الصورية - بأن أجيد كل شيء ولا أجيد شيئا ..!
ميولي منذ الصغر اتجهت نحو الفن بكل أنواعه ، حلمتُ أن أكون راقصة بالية ، مطربة ذات
صوت مخملي، ممثلة على خشبة مسرح ، مذيعة ،رسامة ، عارضة أزياء ، سياسية بارزة تناكف الحكومات، كابتن طائرة ، أو حتى مضيفة ، المهم ان أكون فوق السحاب مكانة و شهرة ..!
ولم أكن لأجد معارضة من أهل أو مجتمع، لكن أحلامي أخذت منحنى آخر، فبت أقف في طابور المتفرجين أمتع نظري وأغذي روحي بكل مدهش من تلك الفنون .
أنهض متثاقلة فيومي حافل،لا مجال لاستعادة الذكريات والأمآل التي تبددت مع الايام ،والواقعية هي ما يعايشني ويلتصق بي رغم خروجي عن المسار وتمردي في كثير من الاحيان .
موعد مع الحياة – قصة : محمد الشاوي
لكنه رغم كل ذلك لم يفكر يوما في تغيير عمله لأن وجدانه ارتبط بتلك المهنة ولا يستطيع مهما حصل أن يفكر في العودة إلى قريته البئيسة. خصوصا وأن الشغل أضحى في أيامنا عملة نادرة ،ومثل تلك المهن التي يشغلها أمثال طارق رغم أنها تثير بعض الإشمئزاز في النفوس فإنها تذر على صاحبها ما يجعله يتحمل نظرات الاخرين وعجرفة بعض الزبناء .ورغم الإحباط الوجودي الذي يداهمه أحيانا فقد أمضى أياما روتينية طويلة حتى أنه تعود على كل ما تم ذكره من الإستيقاظ صباحا والتعامل مع أمزجة متقلبة على الدوام..لكن في ذلك الصباح بالضبط لم يدر في خلد صديقنا أن انقلابا سيطرأ على مجرى عيشه ..بل إنه كان على موعد اخر مع الحياة..