خصصت مجلة الفلسفة philosophie magazine عددها السنوي الأخير للفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو. في محاولة مني لتقديم فكرة تقريبية عن هذا الإصدار الجديد، ركزت على مقدمات أربعة مقالات اخترتها كنماذج.
شاركت في هذا العدد فيكتورينا دي أولفيرا بمقال تحت عنوان: "الفرد في مواجهة السلطة".
قالت في مستهله إن ميشيل فوكو مات قبل أربعين عاما، لكن فكره ظل أكثر راهنية. سواء انتقد علاقات الهيمنة، أو هاجم السجون، أو الطب النفسي، أو الحياة الجنسية، فقد نفذ بصفته مؤرخا هذه المهام الهامشية، بينما وضح كيف تسير السياسة ومعايير الحياة اليومية جنبا إلى جنب.
تورد فيكتورينا جملة لميشيل فوكو من كتابه "أركيولوجيا المعرفة" (1969) يقول فيها: "أكثر من شخص مثلي بلا شك، يكتبون حتى لا يكون لهم وجه". لكن، تلاحظ الكاتبة، هذا الوجه مألوف جدا، حتى لغير المتخصصين في الفيلسوف. اجتذبت دروسه في كوليج دو فرانس، التي قدمت من عام 1970 حتى وفاته في عام 1984، حشدا كبيرا من المستمعين استوعبهم بالكاد المدرجان اللذان تم تخصيصهما لهذه المناسبة. إنه نجم يأتي الطلبة من جميع أنحاء العالم للاستماع إليه. إذا كان ساحرا، فربما يكون ذلك أيضا لأنه غير راضٍ عن مقاعد الجامعة ومهتم بالهوامش، في الوجود التي ليس لها الحق في أن يتم الاستشهاد بها في البحوث الأكاديمية. فكر فوكو في مثليته الجنسية، التي اختبرها في البداية بخجل، ثم اعتبرها أسلوب حياة في حد ذاته واقتراحا أخلاقيا. كان من الممكن أيضا مقابلته في نوادي المثليين بالعاصمة؛ الشيء الذي بلا شك ليس عبثا بالنظر إلى الاهتمام والفضول اللذين يثيرانه. وإذا أراد في البداية أن يرسم خطا على «وجهه» كما يقول، باهتمامه ببنيات المعرفة والعلوم، فإن منتصف السبعينيات شكل نقطة تحول كبرى في تفكيره. فالذات، الفرد أصبح عندئذ أساسيا بالنسبة إليه، وذلك حتى نهاية حياته. كيف جاءت نقطة التحول هذه؟
في محاولة جوابية تقول فكتورينا إن فوكو بدأ يحقق نجاحه الأول ككاتب عندما نشر كتابه "الكلمات والأشياء" (1966)، وهو كتاب عن آثار العلوم الإنسانية. ورغم أنه كان جافا ولم يكن بالضرورة موجها لعامة الناس، إلا أنه بيع "مثل الكعك الساخن"، كما أشارت صحيفة لو نوفيل أوبسيرفاتور، وأثار سجالات عديدة – سارتر، على وجه الخصوص، هاجمه بشدة.
في نظر الكاتبة، يتمثل نهج فوكو في تحديد القاعدة المشتركة في تاريخ العلوم، أي المصفوفة (épistémè باللغة اليونانية) التي انطلاقا منها تتطور هذه العلوم، وتفضل هذه المعرفة أو تلك، وهذا الخطاب أو ذاك. يسمح لنا علم الآثار (arkhè، تعني في اليونانية المبدأ) بالعودة إلى مصدر المعرفة المختلفة وتحديد القواعد التي تخضع لها المعرفة.