لقد وجهت انتقادات عديدة للقائلين بأن معاهدة سلام وستفاليا لسنة 1648، تشكل الأصل التاريخي للمنظومة الدولية الحديثة، مثلما نجد في السردية المهيمنة على نظرية العلاقات الدولية. غير أن تلك الانتقادات رغم أهميتها الكبيرة، سواء بالنسبة لنظرية العلاقات الدولية أو من أجل بناء سردية تحظى بالإجماع، فهي لم تفض إلى صياغة بديل لما اعترضت عليه. فقد شكلت وستفاليا، على ما يبدو، نوعا من العائق المعرفي، في شكل بناء أيديولوجي، يقف أمام فهم موضوعي للمنظومة الدولية الحديثة التي ظهرت إثر الحرب العالمية الثانية. ويهدف هذا المقال إلى اقتراح بعض المعالم التي يمكن أن تمهد الطريق باتجاه تصور جديد للمنظومة الدولية الحديثة. ولذا سأحاول أن أبين، أولا، كيف أن الخصائص الأساسية للمنظومة الدولية الحديثة، وتحديدا مبدأ السيادة وارتباط الدولة بحدود جغرافية، لم تتجسد شروط إمكانها التاريخية-الاجتماعية إلا في القرن العشرين. وفي خطوة ثانية، سأشدد على الأصالة والدرجة العالية من الانتظامية للمنظومة الدولية التي ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، مع تحليل أسسها. وفي قسم ثالث أخير، أسعى إلى البرهنة على أن تلك المنظومة ربما كانت أقل ليبرالية وبعيدة عن صفة اللاسلطوية التي يلصقها بها الكثيرون.
جدير بالملاحظة، ابتداء، أنه لا نص معاهدة وستفاليا لسنة 1648 ولا سياق ذلك العصر، يسمح باعتبارها أصلا للمنظومة الدولية الحديثة. فالأبوة المزعومة ليست مستندة إلى حجج متينة. لقد كانت تلك المعاهدة، في المقام الأول، بمثابة وثيقة دستورية لـ "الامبراطورية الرومانية المقدسة"، لم يرد فيه أصلا مصطلح "السيادة" (دي كارفالو، ليرا، هوبسون، 2011) (1)، بل هي تتحدث في واقع الأمر عن "ممتلكات". كل ما يمكن قوله عن تلك الاتفاقيات أنها كانت تطلعا للسلام لدى جماعة معينة وضمن إقليم محدد في ذلك الوقت (أروبا المسيحية). فاتفاقيتا وستفاليا بتاريخ 24 أكتوبر 1648 تتحدثان في الحقيقة "باسم الثالوث الأقدس الواحد" وتأسفان لـ"سفك الدم المسيحي" وتنشدان "المجد الإلهي والنفع للعالَم المسيحي" (2). ولذا فقد اعتُبرت بمثابة "السلام المسيحي الأخير" (كروكستون، 2013). إن مسألة الأصول التاريخية للمنظومة الدولية الحديثة ربما وقع الإفراط في تقديرها وحظيت باهتمام أكثر مما تستحق. فلا جدوى من البحث عن "شجرة نسب" أو "انفجار كبير" نشأ عنه عالم جديد، أو ابتداع أساطير، والحال أن الأمر يتعلق بنظام دولي حديث أصيل وغير مسبوق تاريخيا، يبقى مستقلا تماما ومتحررا من ماضيه أو تأثيراته المحتملة. أما إن كان هناك "انفجار كبير" حقا، نشأت عنه المنظومة الدولية الحديثة، فمن المرجح أن يكون منبثقا من رماد الحرب العالمية الثانية.
وربما كان من الوهم أصلا، في كل الأحوال، أن نبحث عن شجرة نسب لفكرة السيادة الإقليمية، باعتبارها قاعدة كونية، في اتفاقيات وستفاليا، لأن "حق الدول في التحرر من التدخل الخارجي قد تأسس في القانون الدولي لأول مرة خلال القرن العشرين" (غلانفيل، 2013) . وحتى لو نظرنا خارج اتفاقية وستفاليا، فيمكن للمرء أن يرى أن فلسفة القانون في القرن السابع عشر كانت تعتمد على مفاهيم مثل "الحق في العلوية"، وتتحدث عن "العبيد" كمفهوم قانوني (غروسيوس، 2001). وخلاصة القول فإن مفهوم وستفاليا كان نوعا من "النموذج-المثال الذي تحول إلى ما يشبه الكاريكاتور." (شميدت، 2011).
إن السيادة وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، باعتبارها مبادئ معيارية كونية، لم يكونا ممكنين إلا بعد الحرب العالمية الثانية، على إثر فترة مخاض دامت حوالي ثلاثين سنة، تميزت بصراع كبير من أجل "السلام الدولي" (1914-1945). وربما كان ذلك هو التشابه الوحيد الممكن، وإن كان شكليا، مع وستفاليا التي جاءت على إثر حرب الثلاثين عاما، مثلما قال تشرشل (راغلونيني، 2018).
شهد العالم، إثر الحرب العالمية الأولى، انطلاق مسار يسمح، في رأيي، بظهور شَرطيْن اثنين لظهور السيادة الإقليمية كمعيار مهيمن على المستوى الكوني، وهما، مبدأ "حق تقرير المصير"، من ناحية، ومبدأ "المساواة العرقية"، من ناحية ثانية. فلو نظرنا إلى المسألة من زاوية نظر تاريخية، لوجدنا أن تاريخ العالم، قبل الحرب العالمية الأولى، هو تاريخ الامبراطوريات. فرغم أن "التسوية السلمية لسنة 1919 قد سمحت للامبراطوريات الظافرة بتوسيع أراضيها بشكل غير مسبوق، فقد مثلت بداية النهاية للنظام العالمي الامبراطوري" (3). إن سنة 1919 تشكل قطيعة أكثر منها تواصلا بالنسبة لسنة 1648. وبانتهاء الحرب كان مبدأ "حق تقرير المصير" الذي دافعت عنه الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الاتحاد السوفياتي وهو لا يزال حديث النشأة،(4)، قد فُرض وألهم حركات التحرر الوطني في شتى أنحاء العالم. (5) وسيؤكد ذلك، فيما بعد، ميثاق الأمم المتحدة سنة 1945، وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948.
فإلى حد الثورتين الفرنسية والأمريكية، في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، كانت السيادة من خصائص الملوك الذين يتوفرون على "ممتلكات" ليس لها من حدود جغرافية سوى ما يسمح به السيف أو قوة النار. ومع التركيز على الشعوب، باعتبارها سلطة السيادة الوحيدة، وبفضل البعد الكوني لإعلانيهما المؤسسين، أي إعلان الاستقلال الأمريكي، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن (بين 1776: 1، 5، أوبنهايم، 1905 : 108)، مهدت الثورتان الطريق أما انتصار المبدأ الكوني للسيادة الإقليمية، باعتباره حقا أساسيا لكل "أمة". غير أن هناك مأخذا، يصعب تجاهله، ضد الثورتين الأمريكية والفرنسية، بالنظر إلى التناقض بين كونية المبادئ المعلنة وبين انخراط فرنسا والولايات المتحدة إثرها في مغامرات استعمارية، وفي تجارة العبيد ثم التمييز العرقي، وإن كان ذلك بدرجات مختلفة.
من الجدير بالذكر أن مبدأ "المساواة العرقية" قد تم رفضه في عصبة الأمم (شيمازو، 1995: 311) وينبغي علينا الانتظار حتى نهاية الحرب العالمية الثانية كي يصبح مبدأ مهيمنا، سواء أخلاقيا أم قانونيا. وفضلا عن ذلك، وحتى خلال الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، كان القانون الدولي لا يزال يفرض التمييز بين "المتحضرين" و"المتوحشين" أو "غير المتحضرين" أو بين "المسيحيين وغير المسيحيين" (تويس، 1875 : 15-16، ويستليك، 1904: 120، أوبنهايم، 1905: 31، بونفيس، 1914: 21، فوشيل، 1923: 67-68).
ونظرا إلى أن السيادة، كمعيار، لا يمكن تأكيدها بغير مبدأ الحق في تقرير المصير، ومبدأ المساواة العرقية، فيمكن القول بشيء من الثقة أن السيادة باعتبارها معيارا كونيا يشمل كل دولة، قد كانت ظاهرة تالية على الحرب العالمية الثانية.
إن المنظومة الدولية التي ظهرت إثر الحرب العالمية الثانية، قد وُلدت من رحم تجربة تاريخية غير مسبوقة، بلغت فيها الانسانية الحدود المطلقة تقريبا لما يمكن أن تفعله الحرب (الأسلحة النووية)، وحدود الألم (الإبادة الجماعية) وحدود الخسائر (مستوى تاريخي مرتفع من القتلى). وربما كانت أصالة المنظومة الدولية عائدة إلى تلك التجربة أكثر منها إلى إرادة أو قيَم بلد واحد أو مجموعة من الشعوب. إن "الحلف المقدس" المعلن في ذلك الوقت، بين الدول الليبرالية الغربية والدول الشيوعية وحركات التحرر الوطني على مستوى العالم، كان بمثابة إشارة واضحة في هذا الصدد. وكانت النتيجة ولادة أول منظومة دولية حقيقية ذات درجة عالية من "الانتظامية" على مستوى غير مسبوق في التاريخ. ولذا فإن تسمية أية ظاهرة سابقة "منظومة دولية عالمية" يكاد يكون من باب إساءة استعمال الألفاظ. وأتحدث هنا عن "منظومة" وليس عن "نظام" لأنني أفهم النظام على أنه "الحد الأدنى من شروط التعايش" استنادا إلى التعريف الذي يقدمه ريمون آرون (ماكيل، 2023). وتعني المنظومة، بالمقابل، مجموعة من العناصر (وهي الدول في هذه الحالة) باعتبارها جزء من كل، يمثل آلية أو شبكة مترابطة، يكون انتظامها واشتغالها وفقا لمعايير محددة. إن المنظومة الدولية لما بعد الحرب العالمية الثانية لم تكن فقط مفتوحة لكل دول العالم، على قاعدة التساوي في السيادة كمعيار، بل تستند كذلك إلى مبادئ على درجة من الانسجام. لقد أسس ميثاق الأمم المتحدة، الذي تم تبنيه والمصادقة عليه من قبًل أغلبية واسعة من دول العالم، بالفعل، أول هيئة سياسية كونية مشتركة وعابرة للثقافات. وهو أشبه بميثاق لـ"ناد" كوني ينشد "مجتمعا مفتوحا" لكل دول الكرة الأرضية. كانت تجربة المجموعة الدولية منذ الحرب العالمية الثانية، ثمرة التقاء ثقافات وأنظمة فكرية مختلفة، وتمثل بداية نوع من "الحوكمة العالمية"، رغم كل النقائص الممكنة، سواء ضمن البنية أو في طريقة الاشتغال. ومع ذلك فإن الانتقادات لتلك المنظومة، ولا سيما للأمم المتحدة، تنشد الإصلاح لا الإلغاء أو أي بديل جذري. فإلى حد اليوم لم تقرر أية دولة مغادرة "النادي".
أعتقد أن المنظومة الدولية التي ظهرت إثر الحرب العالمية الثانية، تتأسس على خمسة أعمدة معيارية، تميزها عن "ما قبل تاريخها"، وهي:
- الكونية وتعدد الأطراف الدولية: بمعنى تجاوز كل الحدود السياسية والجغرافية والثقافية، لتشمل كل الدول في العالم، وفقا لمبدأ السيادة المتساوية، كمعيار مقبول عالميا. لقد كان ذلك ممكنا من خلال تجاوز حواجز التمييز العرقي أو الثقافي أو الديني التي كانت سائدة قبل ذلك الوقت. فكل منظومات التكتل الدولي السابقة في التاريخ كانت إما إقليمية أو اقتصرت على "نوايا" كونية، مثل عصبة الأمم. فإلى حد بداية القرن العشرين، كان التصور السائد في القانون الدولي مستندا إلى مزاعم تتحدث مثلا عن "المنظومة الدولية الراهنة للعالم المتحضر" أو "المجتمع الدولي...المتكون من كل الدول ذات الدم الأوروبي، أي كل الدول الأوروبية والأمريكية، فيما عدا تركيا واليابان". (ويستليك، 1904: 40، 41 ).
- حوكمة عالمية شاملة: وقد شمل ذلك البعد السياسي، من خلال محاولة جادة لتجاوز نموذج توازن القوى عبر تبني مفهوم الأمن الجماعي. لم تكن تلك المنظومة مجرد "تفاهم" بل شكلا من أشكال "الحوكمة العالمية"، قُصد منها، على الأقل في البداية، حتى أن تكون "حكومة عالمية" (فايس، 2009). وهي تتضمن كذلك أبعادا قضائية واقتصادية واجتماعية، في سبيل العدالة الكونية والتنمية. وسواء نظرنا إليها من زاوية المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي، أو، انطلاقا من تصور أكثر طموحا، مثل تصور المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة أو المنظمات الأممية التقنية الأخرى، فقد كانت هناك نظرة جديدة بشكل جذري للتنمية الاقتصادية تتميز بنزعة كونية.
- دور مركزي لحقوق الإنسان: الفردية منها والجماعية، أي الأشخاص والشعوب، حتى وإن كان هناك في الكثير من الأحيان تأويلات مختلفة إن لم نقل متنازعة. ولعله من الضروري هنا أن نشدد على "تعدد الأصوات" وعلى "التباس" معنى حقوق الإنسان، نظرا إلى أنه يمكن اعتبارها، على الأقل من وجهة نظر تبسيطية، "إما وسيلة لا لبس فيها للتحرر مما بعد الاستعمار أو حصان طروادة في خدمة الهيمنة الغربية" (برغر، 2023). لقد كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بتاريخ 10 كانون الأول/ديسمبر 1948، منطلقا لمسار توسيع اتفاقيات حقوق الإنسان لتشمل مجالات وآليات دعم مختلفة. وإضافة إلى ذلك، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد في المادة 28 أن "لكل فرد حق التمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن أن تتحقق في ظله الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققا تاما".
- العَلْمَنَة : وربما كان ذلك في الواقع وليس بشكل مُعلن، وهي مستندة إلى قبول ضمني كوني للمبادئ العابرة للثقافات والكامنة خلف حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها. هذا الملمح ربما لم يُقَدر حق قدره، رغم أن مسألة مثل الهوية الدينية كانت لا تزال حتى قبل عقود قليلة مضت، من الصعوبة والحساسية بحيث لا يمكن تجاهلها. وحتى في بداية القرن العشرين، كنا لا نزال نجد في كتب القانون الدولي، أقوالا مثل:" أما مواقف الدول غير المسيحية فهي مشكوك فيها...فحضاراتها مختلفة جوهريا عن الدول المسيحية إلى درجة أن المعاملات الدولية معها بالشكل ذاته السائد بين الدول المسيحية،لا يزال مستحيلا إلى حد اليوم." (أوبنهايم، 1905: 148). هذا دون حاجة إلى ذكر القرن التاسع عشر، مثلا، حيث كان مؤتمر فيينا لسنة 1815 المتميز بـ"تحالف مسيحي"، يدعو صراحة إلى رؤية مسيحية للعالم، تنشد تأسيس القانون الدولي على مبادئ مسيحية (بونفيس، 1914: 7-8).
- هيمنة مبدأ "السلام" كمثل أعلى: من خلال "التحريم" القانوني للحروب العدوانية وتشجيع الحلول السلمية للنزاعات (الفصل 1، المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة). بل إن هذا المبدأ يستند إلى تأكيد على قدر من القوة في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة التي تتحدث عن إنقاذ "الأجيال المقبلة من ويلات الحرب". ولعل ذلك يمكن أن يُعْتَبَر صياغة مُعَلْمَنَةً لفكرة "الخلاص" التي تتحدث عنها أديان كثيرة. (6) لقد صار "السلام العالمي" مفهوما سياسيا وقانونيا في الوقت ذاته (ميثاق الأمم المتحدة، المادتان 1 و 2) تضمنه هيئة دولية مكلفة بمهمة خاصة وهي تحديدا حفظ السلام ( مجلس الأمن). ومن الجدير بالذكر، في هذا الصدد، أنه رغم كل النزاعات المسلحة، فليست هناك دولة تدعي لنفسها حقا في إعلان الحرب. فالحروب، حتى ولو كانت "عدوانية"، فهي تُخاض تحت يافطة "الدفاع عن النفس". وبعيدا عن الجدل، فإن الأمم المتحدة تلعب في الواقع دورا مهما في المنظومة الدولية الحديثة عموما ( ويسترا، 2010) كعلامة مرجعية على الأقل.
إن هذه الأسس المتناسقة، تبين ما أسميه "الانتظامية" في المنظومة الدولية العالمية. ويمكن للمرء أن يرسمها في صورة هرم نجد الكونية في قاعدته والسلام في قمته. ويمكن قراءته كالتالي: إن "نادي" الدول العالمي ينشد السلام باعتباره الهدف النهائي، من خلال حوكمة عالمية شاملة، ضمن إطار العلمنة وحقوق الإنسان. إن تلك "الانتظامية" تشكل الإطار، حتى وإن كان خفيفا وناعما، غير أنها ربما كانت أكثر وضوحا من التصور الكانطي للحالة "المدنية" التي من المفترض أنها تتجاوز ما يسمى بـ"حالة الطبيعة" بين الدول (بورليس، 2023).
لقد تلقت المنظومة الدولية العالمية التي ولدت إثر الحرب العالمية الثانية نوعا من "التعميد بالنار" يشبه "قربانا بشريا" لآلهة بلا اسم. وقد شمل ذلك القربان أوروبيين وأمريكيين، ولكن أيضا ملايين من الأفارقة والآسيويين القادمين من المستعمرات، ذوي خلفيات ثقافية ودينية متباينة. وقد حصل ذلك أيضا خلال الحرب العالمية الأولى. إن هذا الأمر الذي أهمله الكثيرون "كان من المفترض أن يحطم أحد المبادئ المركزية للاستعمار، ألا وهو مفهوم التفوق العرقي والحضاري الأوروبي" (مانيلا). فمن بين أولئك الملايين من القتلى كان هناك أيضا أبناء أمم تحكمها أنظمة غير ليبرالية لعبت دورا كبيرا في تشكيل المنظومة الدولية الناشئة. ذلك ما يمكن أن أسميه "بلاغة الدماء" (7) باعتبارها عاملا حاسما لم يلق ما يستحق من الاهتمام، حتى من جانب المدافعين عن تصورات "الجنوب العالمي" في مجال دراسة العلاقات الدولية، رغم تركيزهم المحق على مسائل مهمة (بن عبد الله، موريو-زامورا، أديتولا، 2017). وإضافة إلى ذلك فإن إزالة الاستعمار كانت في الحقيقة ظاهرة أساسية سواء في تحدي "الادعاءات القائلة بالطابع السلمي للديموقراطيات الليبرالية الغربية (أشاريا، 2014) أو بإضفاء بُعد جديد للدراسات الخاصة بالعلاقات الدولية (جوف، 1992: 19) (8).
من المهم أن نشير إلى أن أحد المعايير الأساسية للمنظومة الدولية الحديثة، أي مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، قد "أُدرج في النقاش العالمي حول مرامي الحرب من قبَل البلاشفة الروس خلال منتصف سنة 1917" (مانيلا)، أي حتى قبل أن يعلنه الرئيس الأمريكي ويلسون.
وبالإضافة إلى ذلك فإن بعض المحللين يشددون على "أن الولايات المتحدة الأمريكية تُعتبر ديموقراطية ليبرالية منذ ولادتها، رغم التاريخ الطويل من العبودية والتمييز العنصري. مع أن تلك الصفات يمكن أن تكذب مزاعم أية دولة تدعي أنها ديموقراطية في العصر الحاضر." (راينرت، 2020). ولا تزال الولايات المتحدة تعترض على إحدى أهم المؤسسات الدولية التي يمكن أن تندرج ضمن "النظام الليبرالي"، وهي المحكمة الجنائية الدولية، رغم وجود رأي عام داخلي مساند لذلك ( زفوبغو، 2020 ).
ونحن نرى أن الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها قوة عظمى، ما كانت تحترم "النظام الليبرالي" في اجتياحها للعراق وأفغانستان، وتبدو، حسب بعض التحاليل، قد "ألهمت" التدخل الروسي في أوكرانيا (شامي وبهر، 2022).
وبعيدا عن أي جدل، فلا شك أن كل المبادئ التي تستند إليها المنظومة الدولية كانت متضمنة في مختلف الثقافات، على الأقل في شكل أفكار ومعايير مجردة. فربما كان لكل بلد، أو ثقافة أو مجموعة إقليمية، ميل إلى الإفراط في تقدير دوره انطلاقا من الاعتزاز بالذات، مثلما سبق أن أشار إلى ذلك هردر، من زاوية أنثروبولوجية (هاهن، 2005: 13). وإذا لم يكن من الصعب تقييم المساهمات المالية للدول في المنظمات الدولية، فإنه يبقى في غاية التعقيد أن نحدد "النسبة المائوية" لحصة كل دولة في تصور حقوق الإنسان أو في إنشاء المنظومة الدولية عموما.
ومع ذلك، فهل أن تلك المنظومة الدولية العالمية متناسبة مع "اللاسلطوية" مثلما تدعي النظرية المهيمنة في مجال دراسة العلاقات الدولية، بإلحاحها على ما يسمى بالطبيعة اللاسلطوية؟
يمكن أن نجد إجابة بسيطة عن ذلك السؤال في المعنى الممنوح للـ"النظام العالمي الليبرالي"، من جانب بعض الباحثين، ربما تعبيرا عن النظرة المهيمنة (إيكنبري، 2018). فصفة "ليبرالي" حسب ذلك التصور، تبدو أشبه بصياغة مهذبة ومتطورة للـ "السلام الأمريكي"، لا تخلو من ملامح امبراطورية ولو كانت مُخففة. إلا أن ذلك يعني في تلك الحالة أن النظام العالمي سيكون "تراتبيا" هَرَميا، حتى وإن تم ادعاء العكس.
ضد تلك النظريات، يمكن للمرء أن يشدد على دور ديناميكيات الحوار والمفاوضات والتنشئة الاجتماعية (جونسون، 2001) الناتجة عن مساهمات كبيرة لمختلف الدول والأقاليم في العالم. وإضافة إلى ذلك، فإن "المقاربة العلائقية" قد بينت ديناميكيات التفاعل والاعتراف في مجال العلاقات الدولية (ديوك، 2018، فيبر، 2020). وكمثال مهم على ذلك، فإن دولة مثل الصين، مع شركاء آخرين من الجنوب العالمي، ومن باب المفارقة، هي بصدد التموقع اليوم باعتبارها مدافعا عن التجارة الحرة وعن العولمة (غيلن، 2017). إن حالة الصين في حد ذاتها تشكل تحديا لأحد المبادئ التي يستند إليها الفكر الليبرالي الغربي، من خلال تبني الرأسمالية وحكم الحزب الشيوعي على حد سواء، أي الجمع بين الاقتصاد الليبرالي والنظام السياسي المركزي.
ربما حان الوقت لتجاوز ما أسميه بـ"فصام البارانويا". فالتصور السائد في مجال العلاقات الدولية يؤدي إلى القول بطريقة ما، أن الحكومات هي في الوقت ذاته "متحضرة" وليبرالية داخل الدولة، في حين أنها "متوحشة" و"مصابة بالبارانويا" حين تواجه حكومات دول أخرى. ذلك من تبعات اعتبار اللاسلطة "إحدى الفرضيات المؤسسة لدراسة العلاقات الدولية" (لايك، 2010). ويعني أنه "في عالم يعول فيه كل واحد على نفسه، فإن الدول باعتبارها تبحث عن مصلحتها فهي إما أن تتحرك من أجل ضمان بقائها أو تفنى." (فيبر، 2010) وحتى من زاوية فكرة "الحالة الطبيعية"، ليس هناك سبب لقبول "اللاسلطة" باعتبارها قدرا. وإذا كانت اللاسلطة مستندة إلى فكرة أن كل دولة يجب أن تسعى إلى أمنها أو بقائها بسبب شعورها بتهديد قادم من دول أخرى، فإن مثل هذه الرؤية للعالم لم تعد كافية للتعبير عن حقيقة المنظومة الدولية العالمية منذ 1945.
إن تاريخ العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية هو تاريخ تراكم التهديدات الوجودية التي قد تنذر باندثار الحياة على وجه الأرض. ولعل التهديدات أصبحت أكثر وضوحا بمرور الأعوام: فمن الأسلحة النووية إلى التغيرات المناخية وصولا إلى الأوبئة والذكاء الاصطناعي. ولذا فإن دراسة العلاقات الدولية ربما كانت أكثر من دراسة تفاعل الدول ضمن حالة طبيعية "متوحشة" (9)، حيث تبحث كل دولة عن مصالحها وأمنها، داخل منظومة لا يمكن فهمها إلا من خلال نماذج مجردة ثابتة.
خاتمة
لقد أدت مبالغات "التفكير التجريدي"، والإفراط في تقدير الذات (دون الحديث عن المركزية الأوروبية) أو إهمال المعطيات التاريخية، إلى تجاهل أصالة المنظومة الدولية الحديثة التي ولدت بعد سنة 1945. فالقرن العشرون يشكل قطيعة ولم يكن تواصلا أو تذييلا للتاريخ الغربي. وربما لم تكن المنظومة الدولية العالمية الحديثة مجرد توسيع للـ"النادي الأوروبي". وبعيدا عن انتقاد وستفاليا، والذي حظي اليوم بدراسات أكاديمية دقيقة، فإن هذا المقال قد سعى إلى إظهار أصالة المنظومة الدولية العالمية الحديثة و"فرادتها" في بعض الجوانب، من زاوية نظر معيارية. ولعل المرء قد لا يبالغ في التأكيد على أهمية التوافق الدولي حول سردية تحظى بما يشبه الإجماع حول ميلاد المنظومة الدولية وما لذلك من تأثير في تشكيل الوعي الدولي وربما بناء أرضية مشتركة لمجتمع دولي متمدن.
إن ولادة المنظومة الدولية الحديثة تشكل بداية أول تنشئة اجتماعية للدول، إن لم يكن لمسار "حضاري" مشترك، ضمن "ناد عالمي" ينشد نوعا من الحوكمة التفاعلية التي لا مناص منها. وقد تدفع التحولات الكبيرة في عالم اليوم، وأساسا التهديدات الوجودية الكونية، باتجاه تصور جديد لدراسة العلاقات الدولية، من شأنه أن يتجاوز انقسامات كثيرة ويأخذ التحديات العالمية الجديدة بعين الاعتبار. (10)
*******
* هذه ترجمة قمـت بها شخصيا لمقال نشرتُه باللغة الانجليزية بمجلة إي-أي أر، الالكترونية البريطانية المتخصصة في مجال العلاقات الدولية:
Beyond The Twilight of The Westphalian Myth
https://www.e-ir.info/2023/12/19/beyond-the-twilight-of-the-westphalian-myth/
ملاحظات:
- يمكن أن نجد هناك ملخصا شاملا إلى حد كبير للنقد الموجه لسردية وستفاليا. ويهتم كُتَاب المقال بمسألة غياب تبعات مهمة لذلك النقد، وهو ما شكل نقطة الانطلاق لمقالي. أما شميدت بالمقابل فيبدو أنه اختار مقاربة جينيالوجية تاريخية، من خلال البحث عن أصل سردية وستفاليا.
- أنظر الترجمة الانجليزية للنص في :
- Manela, Erez: Empire, in the International Encyclopedia of the First World War. https://encyclopedia.1914-1918-online.net/
- Manela, Erez: Wilsonian Moment, in the International Encyclopedia of the First World War. https://encyclopedia.1914-1918-online.net/
- إن فكرتيْ حق تقرير المصير والمساواة العرقية، بعد أن تم إدراجهما باعتبارهما مبادئ معيارية كونية، قد مهدتا الطريق لفكرة السيادة من حيث كونها خاصية لكل دولة-أمة. ذلك يعني أن "الدولة" أصبحت مفهوما قابلا للتطبيق على العالم بأسره ولم تعد ظاهرة "إقليمية"، عرقية أو ثقافية. ولعله لم يكن من باب الصدفة أن العلاقات الدولية باعتبارها اختصاصا علميا مستقلا قد ظهرت في خضم ذلك التحول التاريخي المفصلي. وهذا ما أسميه "الحجة الابستيمولوجية" التي يمكن أن تساعد على البرهنة على أنه لم يكن هناك علم للعلاقات الدولية ولا منظومة دولية كونية قبل القرن العشرين.
- "مُعَلْمَن" بالمعنى الذي يقصده كارل شميت حين قال إن "كل المفاهيم الأساسية لنظرية الدولة الحديثة ...هي مفاهيم لاهوتية معلمنة"
:„alle prägnanten Begriffe der modernen Staatslehre ..säkularisierte theologische Begriffe" seien. In : Ladeur, Karl-Heinz. “Carl Schmitt Und Die Nichthintergehbarkeit Der Politischen Theologie – Die Versuchung Des Totalitarismus in Der Liberalen Gesellschaft.” Politische Vierteljahresschrift 37, no. 4 (1996): 665–86. http://www.jstor.org/stable/24198571.
- دم المسيح، حسب الرسالة للعبرانيين، "يتحدث بشكل أكثر بلاغة من دم هابيل" وأقترح هنا تأويلا "إنسانويا" ومحايدا للنص الديني المسيحي.
- يتحدث إدموند جوف بالأساس عن تأثير إزالة الاستعمار على القانون الدولي. غير أن إزالة الاستعمار لا يمكن الاستغناء عنها في تفسير ظهور المنظومة الدولية في شكلها العالمي الحقيقي، المُقام على مبدأي حق تقرير المصير والمساواة العرقية باعتبارها معايير كونية.
- إن مفهوم "الحالة الطبيعية" لدى فلاسفة مثل هوبز ربما أسيء فهمه أحيانا. فهو قائم على مبادئ مثل المساواة "في ملكات الجسم والعقل" وتجسده حقيقة أن "الأضعف لديه ما يكفي من القوة لقتل الأقوى، إما بمؤامرة سرية، أو بالتحالف مع آخرين":
(Thomas Hobbes: Leviathan, or The Matter, Forme, & Power of A Common-Wealth Ecclesiastical And Civill, Oxford, At the Calderon press, London, 1965, p.94).
هذا المبدأ متى طبقناه على المنظومة الدولية قد يؤدي بالضرورة إما إلى اللاسلطوية، إذا تجاهلنا فكرة العقد الاجتماعي، أو إلى نوع من "الحوكمة" العالمية. إن المقارنة بين صراع "الضعيف" مع "القوي"، من ناحية، والحروب اللامتناظرة، أمر قابل للتدليل عليه.
- سنناقش هذه المسألة في عمل مستقل.
أهم المصطلحات والمفاهيم المستعملة
باللغة العربية |
بالاجليزية |
لاسلطوية |
Anarchism |
منظومة |
System |
انتظامية |
Systematicity |
نظام |
Order |
حَوْكَمَة |
Governance |
علائقية |
Relationality |
فصام البارانويا |
Paranoid Schizophrenia |
المراجع:
- Paine, Thomas : Common Sense, Third edition, R.Bell, Philadelphia, 1776.
- Twiss, Sir Travers: Law of Nations Considered As Independent Political Communities, 2nd Edition Revised, Clarendon Press, Longmans Green and Co., Oxford, London, 1875.
- Westlake, John: International Law, Part I Peace, Cambridge, at the University Press, 1904.
- Oppenheim, L.: International Law, A Treatise, Vol.I, Longmans Green & Co., London, 1905.
- Bonfils, Henri: Manuel de droit international public, Septième édition, Librairie Arthur Rousseau, Rousseau & Co. , Paris, 1914.
- Fauchille, Paul: Traité de Droit international public, Tome Premier, 8ème édition, Rousseau & CCE, Paris, 1923.
- Jouve, Edmond: Relations Internationales, Press Universitaires de France, Paris, 1992.
- Shimazu, N., & Shimazu, N. (1995). The racial equality proposal at the 1919 Paris Peace Conference [PhD thesis]. University of Oxford.
- Buyung-Chul Hahn : Hyperkulturalität, Kultur und Globalisierung, Merve Verlag, Berlin, 2005
****
- Richard Rosecrance, Chih-Cheng Lo, Balancing, Stability, and War: The Mysterious Case of the Napoleonic International System, International Studies Quarterly, Volume 40, Issue 4, December 1996, Pages 479–500, https://doi.org/10.2307/2600888
- Katja Weber, Hierarchy Amidst Anarchy: A Transaction Costs Approach to International Security Cooperation, International Studies Quarterly, Volume 41, Issue 2, June 1997, Pages 321–340, https://doi.org/10.1111/1468-2478.00044
- Joel H. Westra, Cumulative Legitimation, Prudential Restraint, and the Maintenance of International Order: A Re-examination of the UN Charter System, International Studies Quarterly, Volume 54, Issue 2, June 2010, Pages 513–533, https://doi.org/10.1111/j.1468-2478.2010.00597.x
- de Carvalho, B., Leira, H., & Hobson, J. M. (2011). The Big Bangs of IR: The Myths That Your Teachers Still Tell You about 1648 and 1919. Millennium, 39(3), 735-758. https://doi.org/10.1177/0305829811401459
- Sebastian Schmidt, To Order the Minds of Scholars: The Discourse of the Peace of Westphalia in International Relations Literature, International Studies Quarterly, Volume 55, Issue 3, September 2011, Pages 601–623, https://doi.org/10.1111/j.1468-2478.2011.00667.x
- Croxton, Derek: The Last Christian Peace, Basingstoke: Palgrave Macmillan, The University of Chicago Press Journals, Volume 87, Number 4, 2015.https://www.journals.uchicago.edu/doi/10.1086/683548
- Ragnolini, David:From Styria to Syria: A return of a Thirty Years War? E-International Relations, April 30, 2018. https://www.e-ir.info/2018/04/30/from-styria-to-syria-a-return-of-a-thirty-years-war/
- Alastair Iain Johnston, Treating International Institutions as Social Environments, International Studies Quarterly, Volume 45, Issue 4, December 2001, Pages 487–515, https://doi.org/10.1111/0020-8833.00212
- Thomas G. Weiss, What Happened to the Idea of World Government, International Studies Quarterly, Volume 53, Issue 2, June 2009, Pages 253–271, https://doi.org/10.1111/j.1468-2478.2009.00533.x
- David A. Lake, Rightful Rules: Authority, Order, and the Foundations of Global Governance, International Studies Quarterly, Volume 54, Issue 3, September 2010, Pages 587–613, https://doi.org/10.1111/j.1468-2478.2010.00601.x
- Sebastian Schmidt, To Order the Minds of Scholars: The Discourse of the Peace of Westphalia in International Relations Literature, International Studies Quarterly, Volume 55, Issue 3, September 2011, Pages 601–623, https://doi.org/10.1111/j.1468-2478.2011.00667.x
- Luke Glanville, The Myth of “Traditional” Sovereignty, International Studies Quarterly, Volume 57, Issue 1, March 2013, Pages 79–90, https://doi.org/10.1111/isqu.12004
- Acharya, Amitav: Global International Relations and Regional Worlds: A new Agenda for International Studies, International Studies Quarterly (2014) 58, 647-659.
- Mauro F. Guillén, The End of the Global Liberal Order? E-International Relations, Mar. 4, 2017. https://www.e-ir.info/2017/03/04/the-end-of-the-global-liberal-order/
- Lina Benabdallah, Carlos Murillo-Zamora and Victor Adetula, Global South Perspectives on International Relations Theory, E-International Relations, November 19, 2017. https://www.e-ir.info/2017/11/19/global-south-perspectives-on-international-relations-theory/
- Marina G Duque, Recognizing International Status: A Relational Approach, International Studies Quarterly, Volume 62, Issue 3, September 2018, Pages 577–592, https://doi.org/10.1093/isq/sqy001
- John Ikenberry, The end of liberal international order?, International Affairs, Volume 94, Issue 1, January 2018, Pages 7–23, https://doi.org/10.1093/ia/iix241
- Kelebogile Zvobgo, Human Rights versus National Interests: Shifting US Public Attitudes on the International Criminal Court, International Studies Quarterly, Volume 63, Issue 4, December 2019, Pages 1065–1078, https://doi.org/10.1093/isq/sqz056
- Martin Weber, The Normative Grammar of Relational Analysis: Recognition Theory's Contribution to Understanding Short-Comings in IR's Relational Turn, International Studies Quarterly, Volume 64, Issue 3, September 2020, Pages 641–648, https://doi.org/10.1093/isq/sqaa036
- Manuel Reinert: America’s Democratic Shortcomings and the Liberal International Order, E-International Relations, Nov. 13, 2020. https://www.e-ir.info/2020/11/13/opinion-americas-democratic-shortcomings-and-the-liberal-international-order/
- Giorgio Shami and Hartmut Behr: A new World Order? From a Liberal to a Post-Western Order, E-International Relations, Mar. 13, 2022. https://www.e-ir.info/2022/03/13/opinion-a-new-world-order-from-a-liberal-to-a-post-western-order/
- Burles, R. (2023). Kant’s domestic analogy: international and global order. European Journal of International Relations, 29(2), 501-522. https://doi.org/10.1177/13540661221133976
- Tobias Berger, Human Rights beyond the Liberal Script: A Morphological Approach, International Studies Quarterly, Volume 67, Issue 3, September 2023, sqad042, https://doi.org/10.1093/isq/sqad042
- Aaron McKeil, Order without Victory: International Order Theory Before and After Liberal Hegemony, International Studies Quarterly, Volume 67, Issue 1, March 2023, sqad002, https://doi.org/10.1093/isq/sqad002
محمد المهذبي: كاتب ومترجم و دبلوماسي تونسي.