الإدراك والوعي
في البدء الإدراك هو ليس الوعي بالشيء. ان تدرك الشيء بالحواس هو احساسك الانطباعي لموجوديته كموضوع مستقل له خواص خارجية وتسمى هذه العملية بالانطباعات الاولية.
اما وعي الشيء او الموضوع فهو معرفة حقيقته عقليا وليس حسيّا فقط. دأب فلاسفة عديدون الى تقسيم الموجود المدرك كموضوع الى مظهر هو الصفات الخارجية له والى محتوى دفين يدعى الجوهر او الماهيّة لا تدركه الحواس. وهي تشبيه مرادف لقولنا شكل الشيء ومضمونه.
وخلاصة القول ان مقولة لماذا لا يكون مضمون الشيء منفصلا عن قابلية ادراكه التي يمتلكها الموجود المادي الشيئي كينونة موحدة شكلا ومحتوى مستقلة؟ هذه مقولة خاطئة وفرضية تعسفية تحاول وضع العربة امام الحصان لاسباب اوجزها بكلمات:
اولا قابلية الإدراك هي كيفية وسيرورة تجمع بين المادة وادراكها كما هي وسيلة معرفية لا تمتلكها المدركات لاتموضعا ماديا فيها ولا تجريدا تعبيريا يصدر عنها. بل يمتلكها الحس والوعي العقلي لها فقط. ويرتبط الإدراك والوعي برابطة تكاملية كونهما حلقتين في منظومة العقل الإدراك ية .
ثانيا مضمون الشيء لا يكون موضوعا لادراك قائم لوحده منفصلا عن موجوديته المادية الموحدة شكلا ومحتوى. المضمون يحتاج دائما لشكل يحتويه وبغير هذه الملازمة لا يمكننا تصور مضمون بلا شكل يحتويه. كما ولا يمكننا تصور شكلا خاليا من مضمون او محتوى دلالي عليه له معنى كما في مثال الرسوم الهندسية المجردة فالخطوط التي يتشكل منها الشكل الهندسي تحدد مضمونه الهندسي الاستيعابي الذي ندركه للوهلة الاولى فارغا ما عدا محدداته المستقيمة في الخطوط. في أن يكون دلالة على مثلث او مستطيل او دائرة او مربّع وهكذا. أي أن أبعاد اشكال الخطوط الهندسية المرسومة غير المنفذّة واقعيا المجردة أعطت للحيّز المكاني الذي احتوته مضمونا تصوّريا فقط متفردا هندسيا غير موجود بالواقع بل هو مرسوم على ورق او سلايد او لوحة وسيلة ايضاح وهكذا...
ثالثا الإدراك لا يجزيء موضوع ادراكه الى شكل هو الصفات الخارجية والى مضمون او محتوى هو جوهره وماهيته. فالإدراك هو وعي كينونة الشيء الموحد في كليته الموجودية البائنة للادراك الخارجي. اما الوعي المعرفي للشيء المدرك انطباعيا حسيّا فهو يستطيع ادراك ماوراء الصفات الخارجية اذا ما اتيحت له وجودا كموضوع مستقل.