هل معرفة عالمنا الخارجي تنفي واقعية ذلك العالم؟ وهل صحيح أن كل معرفة تستنفد نفسها حينما تكون محصورة بواقعية معرفتها؟ يقول شيلر ويؤيده دلتاي بذلك أنه لا يوجد غير ثلاثة مناهج معرفية هي معرفة استقرائية علمية، ومعرفة تنصب على الماهية، وثالثا منهج المعرفة الميتافيزيقية. هذا ليس موضوع مناقشتي لهذه الاطروحة حاليا.
كما يذهب شيلرومعه دلتاي أن (العالم الخارجي وجود حقيقي، واذا كان كل موجود ينحصر في معرفته لما كانت لهذا الوجود "واقعية" لان الواقعية تصنع المقاومة في وجه مقاصدنا. وما يثبت الشيء هو الصدمة التي تحدثها لنا "المقاومة". نقلا عن دكتور زكريا ابراهيم.
هذا التجريد الفلسفي العصّي على التلقي لا يمنعنا من تثبيت مايلي:
- يقر شيلر أن العالم الخارجي وجود حقيقي بمعنى أنه قابل للادرك حسيا وكذلك معرفته بإي منهج علمي متاح، وهذه المعرفة لا تنفي حقيقته الموجودية كينونة مستقلة. لا يصح التعميم ان موجودات العالم الخارجي تنتهي واقعيتها بمجرد الانتهاء من معرفتها التي تحدثها الصدمة التي مبعثها لنا المقاومة على حد تعبير شيلر. لا يشير شيلر ولا دلتاي توضيح علاقة ثلاث مفردات اقحمت مع بعضها إعتسافا غير فلسفي واضح. هي الواقعية والصدمة والمقاومة.
- معرفة العالم الخارجي طالما هو وجود حقيقي فهو يكون بالضرورة وجودا ماديا ولا يحتاج برهان اثباته الواقعي. وطالما موجوداته واقعية فلا تنحصر معرفتها الابستمولوجية بجانب فلسفي او بمنهج احادي. كما لا يمكن للمعرفة الادراكية في منهج الاستقراء العلمي تجريد موجودات العالم الخارجي من واقعيتها بعد استنفاد منهج الاستقراء العلمي معرفتها..
- موجودات عالمنا الخارجي هي موجودات حقيقية واقعية قابلة للمعرفة المنهجية. وليس لموجود بالمواصفات التي ذكرناه تسنفد واقعيته في تمام معرفته. ولا يوجد كما ذكرنا موجود تنحصر موجوديته في جانب معرفته المنهجية التي تنفي واقعيته الموجودية امام المعرفة الادراكية للعقل.
- يذهب كانط الى أن العقل ليس كافيا للمعرفة ولا بد من توفر ما اسماه "مدخلات" نحصل عليها من العالم الخارجي لامتلاكنا المعرفة. وبدوري اجد المعرفة هي تراكم خبرة العقل في فهمه وتفسير الحياة والتعايش المتّكيف أو الاحتدامي المتصارع معها احيانا.
- لماذا كل موجود تتحدد موجوديته كمعرفة تنبعث عنه ما اطلق عليه شيلر" المقاومة" أية مقاومة يقصدها شيلر.؟ موجودات العالم الخارجي التي تمتلك خاصية انها تحمل معنى ادراكيا لغويا هي معطى للمعرفة ولا يحدث في خصيصته هذه انه يحمل المعنى لا صدمة ولا مقاومة. عالمنا الخارجي بموجوداته المدركة معرفيا منهجيا علميا او غير علمي فهو لا يمتلك وعيا ذاتيا مدّخرا في رفضه امتلاك مقاومة ذاتية طاردة لامكانية معرفته المتاحة لنا كموضوع.
- ما سبق واشار له فيلسوف اللغة لوفيدج فينجشتين أن تجريد موضوع الفلسفة لغويا من غير وضوح ملزم في المعنى يكون الصمت في هذي الحال أجدى. وإعتبر فينجشتين وأيده بشدة جورج مور عضو المنطقية الانجليزية بأن الوضوح الفلسفي اللغوي عامل اساسي في أن يكون للفلسفة وبخاصة فلسفة اللغة واللسانيات مستقبلا امام طغيان التقدم العلمي الذي يتهدد الفلسفة عامة.