ادموند هوسرل 1859- 1938 جيكوسلوفاكي المولد. درس الفلسفة على يد استاذه الفيلسوف السويسري فرانز برينتانو مخترع مصطلح الوعي القصدي بالفلسفة والذي اخذه عنه هوسرل وتم توظيف المصطلح بمعّية كل من سارتر وهيدجر وميرلوبونتي وفلاسفة الوجودية الذين استهواهم مصطلح الوعي القصدي في ادانتهم لكل من ديكارت وكانط. يعرّف هوسرل الوعي القصدي (انه خاصية كل شعور ان يكون شعورا بشيء). ولا اعتقد انه من غير البديهيات ان لا يكون لكل شعور موضوع يدركه.

الحقيقة التي اشرت لها في مقال سابق لي ان مصطلح الوعي القصدي ومصطلح الوعي الخالص كلاهما مصطلحان فلسفيان كاذبان ومزيفان سواء في ألاحتكام للمعرفة المجردة أوفي ألاحتكام للعلم التجريبي الطبيعي.. وذكرت سابقا واشير له هنا اذا كان ديكارت قال في الكوجيتو ان مجرد تفكير العقل كاف لاثبات الوجود الانطولوجي للانسان. والمأخذ الذي ادين به ديكارت من كل من هب ودب انه لم يذكر موضوع تفكير العقل بماذا ؟ (انا افكر اذن انا موجود).

 سبق لي وقلت إن ديكارت لم يكن مخطئا ولا ساذجا فلسفيا كون الحمولة النوعية لتفكير العقل هو ملازمة موضوع تفكيره له بمعنى ينعدم تفكير العقل حين لا يجد موضوعا يفكر به له معنى ودلالة معرفية.. ولا يمكن لتفكير عقلي ينبني عليه تحقق الوجود الذاتي للانسان ادراكيا بمعزل عن التفكير بما له معنى يدركه العقل وهو موضوع الوعي. حين تقول انا افكر وتسكت .فهذا يكون تحصيل حاصل انك تفكر بشيء اي بموضوع يهمك انت وحدك ولا يهم غيرك في ادراكه ومعرفته. الوعي بصورة عامة للمصطلح هو ان يكون إنفراديا يلازمه هدفه القصدي.

هنا كما سأوضحه لاحقا من الخطأ التفكير انه يوجد ثلاثة انواع من الوعي – يرجى مراجعة مقالتي السابقة حول هذا التمييز الذي ساوضحه هنا ايضا -  الوعي كمصطلح فلسفي عام، والوعي القصدي الذي يلازمه هدفه،وثالثا الوعي الخالص بمعنى الوعي المتسامي صوفيا فوق محدودية الادراك العقلي الواقعي. رأيي المثبت لا يوجد بالفلسفة سوى الوعي العام.

ديكارت كما هو معلوم عرّف العقل الفلسفي بمعنى خطاب التفكير او ما يسمى اللوغوس. وليس العقل البايولوجي الذي هو ما تحتويه الجمجمة من الدماغ والمخ والنخاع الشوكي وشبكة الاعصاب. العقل الفلسفي التجريدي الذي قصده ديكارت هو  جوهر خالد خلود النفس في تعبيره اللغوي عن المدركات والموضوعات والاشياء.  العقل جوهر خالد ماهيته التفكير المعرفي.

فاز "شات جي بي تي" بشعبية جارفة منذ اللحظة الأولى التي ظهر فيها للعلن بفضل قدراته الواسعة على توليد النصوص من بضعة أسئلة توجّه إليه، فضلًا عن سرعة الاستجابة التي تشعرك كأنك تتحدث مع شخص حقيقي يجلس في الطرف المقابل من المحادثة.
هذه المزايا دفعت بعض المستخدمين إلى الاعتقاد بأن "شات جي بي تي" هو نموذج ذكاء اصطناعي خارق لا يملك أي نقاط ضعف، ولكن هذا الأمر أبعد ما يكون عن الحقيقة، إذ إن قدرات النموذج قاصرة في العديد من الجوانب المتنوعة. وفي ما يلي 5 نقاط ضعف تعبر عن أوجه القصور في "شات جي بي تي".
1- الافتقار إلى الحس السليم
رغم أن "شات جي بي تي" يمتلك وصولًا واسعًا إلى تشكيلة كبيرة من المعلومات في مختلف القطاعات، فإن هذا لا يعني أن إجاباته دائمًا ما تكون صحيحة، ويعود السبب في ذلك إلى كونه معتمدًا على قواعد بيانات الإنترنت المفتوحة من أجل البحث عن الإجابات المناسبة وتقديمها، لذا يختلط الأمر في بعض الأحيان وتختلط المعلومات مع بعضها بعضا.
بالطبع حاولت "أوبن إيه آي" تخطّي هذا القصور في الإصدارات الحديثة من "شات جي بي تي"، إلا أنها تظهر بشكل عشوائي مع المستخدمين ولا يمكن توقع ظهورها، لذا لا ينصح بالاعتماد على "شات جي بي تي" أو أي نموذج ذكاء اصطناعي في المعلومات الدقيقة التي تتطلب خبراء مثل المعلومات الطبية أو السياسية الحديثة أو حتى أخذ النصح في المواقف الحياتية.
2- قيود على التعامل مع أكثر من أمر في وقت واحد
يستطيع "شات جي بي تي" استقبال عدد من المهام المختلفة خلال الرسالة الواحدة، إذ لا يوجد حاجز أمام هذا الأمر، ولكن النتيجة في العادة تكون مقتصرة على المهمة الأولى دون البقية، وكلما زاد تعقيد السؤال والمهام الخاصة به تكون النتيجة غير مرضية.
بالطبع، يمكن التغلب على هذا القيد بتفكيك المهام المعقدة إلى مهام أخرى صغيرة، وذلك بفضل قدرات "شات جي بي تي" على فهم تذكر الرسائل السابقة وإعادة استخدامها في الإجابة عن الأسئلة والتحديات الجديدة.

مقدمة
"سيكون القرن الحادي والعشرون روحانيًا أو لن يكون كذلك." يبدو أن الصيغة الشهيرة المنسوبة زورا إلى أندريه مالرو صحيحة: الأديان ليست مدفونة ومنسية في عالم يهيمن عليه التقدم، بل إنها تتكيف بل وتتكاثر. ولكن لماذا لا يكتفي الله برفض الموت، ويفعل هذا جيدًا؟ "لقد مات الله (توقيع: نيتشه)." إلى صيغة الفيلسوف الشهيرة، التي تكررت مرات عديدة على مدى قرن من الزمان، سعد شخص ماكر مجهول بإضافة هذا التصحيح: "لقد مات نيتشه (توقيع: الله)." ومنها الفعل: إن إعلان موت الله كان سابقًا لأوانه إلى حد كبير. لقد كان من المعتقد، لمدة قرن من الزمان، أن التاريخ يدين الدين. لقد اتفق علماء الاجتماع والمؤرخون والفلاسفة، من ماكس فيبر إلى مارسيل غوشيه ، على تشخيص "تحرر العالم من الوهم"، على الكسوف الذي لا رجعة فيه للحضور الإلهي في العالم المعاصر. منذ القرن التاسع عشر، كان يُعتقد أن العلم سيحل محل الخرافات بشكل لا يمكن علاجه، وأن التكنولوجيا ستحل محل السحر، وأن الطب سوف يطيح بالصلاة، وأن السياسة سوف تكون لها الأسبقية على المسيحية، وما إلى ذلك. يبدو أن كل شيء يدين الدين. وتميل الحقائق إلى تأكيد التشخيص: ففي معظم البلدان الغربية، كنا نشهد تراجعاً مستمراً في المشاركة الدينية وعلمنة الدول التدريجية. باختصار: الدين لا يستطيع مقاومة الحداثة. بل إن نظرية "العلمنة" شارك فيها معظم المتخصصين، وهو أمر نادر في العلوم الإنسانية. ومع ذلك، لمدة ثلاثين عامًا على الأقل، كان على علماء الاجتماع مواجهة الحقائق: لقد كانوا مخطئين. ويتجلى ذلك في الانبعاث العالمي لجميع أشكال التدين: صحوة الإسلام وصعود الإنجيلية البروتستانتية في جميع أنحاء العالم ، وإحياء المسيحية وانتشار الديانات الجديدة في أوروبا من الشرق. ، انبعاث الأديان في الصين ، وتكاثر الكنائس في أفريقيا، وظهور الشامانية الجديدة بين الأمريكيين الأصليين... في كل مكان، في آسيا، في أفريقيا، في أمريكا اللاتينية أو في الشمال، بقدر ما وتكثر في أوروبا الطوائف والحركات الدينية الجديدة. بينما تكافح الكنيسة الكاثوليكية للعثور على الدعوات الكهنوتية، على الأقل في أوروبا القديمة، يظهر المعلمون والوعاظ والقساوسة في كل مكان... رجال الأعمال في مجال الخلاص يحققون ثروات في جميع خطوط العرض.

لماذا عاد الله؟

يعترف بيتر ل. بيرغر بهذا بصراحة: "إن فكرة أننا نعيش في عالم علماني هي فكرة خاطئة. إن العالم اليوم متدين بشدة كما كان دائمًا." بالنسبة لهذه الشخصية العظيمة في علم اجتماع الأديان، فإن نظرية العلمنة - التي ساهم فيها إلى حد كبير من خلال أبحاثه السابقة - "خاطئة في الأساس". ولذلك بقي معالجة المشكلة من الأعلى إلى الأسفل. لقد شكلت صحوة الدين تحديا للفكر بشكل عام، ولعلم الاجتماع بشكل خاص. في كتابه "خلع السحر عن العالم"(1)، جمع بيرغر مجموعة من المتخصصين لدراسة التجديد الديني: من التأثير السياسي للإنجيلية البروتستانتية إلى ديناميكيات الإسلام، ومن الأهمية المتزايدة للدبلوماسية البابوية إلى يوحنا بولس الثاني ( انتخب عام 1978) لانتشار الأديان في الصين. وفي الخلفية هذا السؤال: لماذا عاد الله؟

هذا العمل الجماعي هو مجرد واحد من العديد من الأعمال التي تراكمت على مدى السنوات القليلة الماضية حول مكانة الدين في الولايات المتحدة، وحول انتشار الإسلام الراديكالي، وحول التقدم العالمي للطوائف. كل هذه الأدبيات، بمجرد وضعها في منظورها الصحيح، تقترح بعض الإجابات المحتملة على سؤال "عودة الله". إذا كانت الأديان تولد من جديد وتتجدد باستمرار، وإذا بدت وكأنها تمتزج بشكل جيد مع الحداثة، فذلك لأنها تستجيب للتوقعات الفردية والاحتياجات الجماعية التي لم يعرفها أي مجتمع حتى الآن. وهذه التطلعات ذات عدة مستويات: أيديولوجية سياسية، وأخلاقية، واجتماعية، وهوية، ومجتمعية، ووجودية، ومادية، وحتى علاجية. لاحظ بشكل عابر أن هذه التوقعات غالبًا ما تكون متشابكة مثل قطع اللغز، مما يجعل أي تصنيف خطيرًا.

تشكل فلسفة أرتير شوبنهاور (1788-1860) الدينية جسدًا وثيقًا، يمكن القول إنه لا ينفصل، مع فلسفته في الفن وفلسفته في الأخلاق. من خلال نشره، بعد أكثر من ثلاثين عامًا من كتابه "العالم كإرادة وتمثيل"، عن الدين (1851)، يقدم شوبنهاور استئنافًا متفرقًا ولكن أمينًا لأطروحات عمله الرئيسي. إن عصر "المنعزل في فرانكفورت" يزيد من حدة خطابه حول آلام العالم المتعددة الأوجه، وهو الكابوس الذي يجب على كل ضمير أن يحاول الاستيقاظ منه - من خلال إنكار نفسه. في عهد البشر، يستعير هذا الجهد للتخلي الجذري الشخصيات الدينية في الغرب والشرق: هل يكتسب هؤلاء مع ذلك مكانًا مشروعًا في الفلسفة؟

من المعلوم أن شوبنهاور هو فيلسوف التشاؤم ومن المعلوم ايضا أن التشاؤم عنده هو ثمرة الوضوح. إذا كان شوبنهاور نفسه لم يحدد فلسفته أبدًا من خلال التشاؤم، فإن الشعور العام المستوحى من نظرية الوجود هو الذي طوره في العالم كإرادة وكتمثيل. ومع ذلك، يعتقد بعض معاصريه أن رغبة شوبنهاور في الاعتراف به وكذلك الاستمتاع بمجده المتأخر يكشفان أنه لم يعيش كمتشائم حقيقي. التشاؤم ينشأ من الوعي بالمعاناة. يفترض شوبنهاور أن المعاناة والموت يجعلان جميع المخلوقات بائسة. ومع ذلك، فإن حالة الإنسان هي الأسوأ. إن اعترافه بوجود المعاناة والموت في كل مكان يزيد من تفاقم محنته، بينما تأخذ الحيوانات الحياة كما هي. لذا، فإن حاجة الإنسان الميتافيزيقية في الأساس - أي حاجته إلى فهم العالم وفهم وجوده - ولهذا السبب فإن مصيره يزداد سوءًا. بالنسبة لشوبنهاور، فإن الحياة البشرية تتكون أساسًا من المعاناة. وعندما لا يعاني الإنسان يشعر بالملل. ومن أجل تجنب الملل يقامر ويشرب وينغمس في الإسراف والمكائد والسفر. ويخلص الفيلسوف إلى القول: “إن الحياة تتأرجح مثل البندول، من اليمين إلى اليسار، من المعاناة إلى الملل؛ وهذان هما العنصران اللذان صنع منهما باختصار” (العالم كإرادة وكتمثيل). تصل المعاناة في بعض الأحيان إلى حد أن العقل البشري ينسى الواقع ليحافظ على نفسه، وهذا يؤدي إلى الجنون، عندما يستبدل العقل الذكريات المؤلمة بالخيال. وأخيرا، فإن بؤس الحالة الإنسانية واضح أيضا من الناحية التاريخية والعالمية. يظهر تدمير بومبي، على سبيل المثال، أن الطبيعة غير مبالية برفاهية البشرية. ولهذا السبب لم يكن شوبنهاور مهتمًا بالسياسة. يرتبط تشاؤم شوبنهاور بالطبيعة البشرية. التشاؤم ينشأ بشكل أكثر دقة من العقل. في الواقع، يعتقد شوبنهاور أن امتلاك العقل هو ميزة مختلطة. إن القدرة على التفكير المفاهيمي والاستطرادي هي بالتأكيد أساس الفرق بين الإنسان والحيوان. ولكنه في الوقت نفسه يعرض الإنسان لعذابات وجنون تحصن الحيوانات ضده. يوضح الفيلسوف: «بالنسبة للحيوان الذي لا يفكر، يمكن أن يبدو العالم والوجود كأشياء تفهم نفسها؛ على العكس من ذلك، بالنسبة للإنسان، هذه مشكلة يتخيلها بوضوح حتى أكثر الناس جهلًا وضيق الأفق في ساعات وضوحهم” (العالم كإرادة وكتمثيل). إن استخدامات العقل على وجه التحديد هي التي تزيد من معاناة الإنسان. وإذا كان العقل مصدر المعرفة واليقين والحقيقة، فهو أيضًا، كما يعترف شوبنهاور، مصدر الشك والارتباك والخطأ. من خلال العقل، يستطيع البشر التواصل بطرق أكثر تعقيدًا وتعقيدًا من الحيوانات، لكن هذه القدرة تجعلهم أيضًا قادرين على الخداع والإخفاء والتضليل، وهو ما لا تستطيع الحيوانات فعله. علاوة على ذلك، فإن اللغة أداة بدائية للغاية بحيث لا يمكنها ترجمة التجربة المباشرة للواقع وكذلك الحدس. وفوق كل شيء، أخيرًا، لا يزال العقل يجعل الإنسان غير سعيد لأنه ينقله خارج الحاضر. يؤكد شوبنهاور أن مصائب الماضي والقلق بشأن المستقبل يسببان معاناة كبيرة، ويتم تبرير التشاؤم في النهاية بغرور الرغبة. ويكمن هذا التبرير في نظرية الإرادة لشوبنهاور. ومن هذا المنظور، فإن المعاناة موجودة في كل مكان لأن العالم عبارة عن إرادة، تُعرَّف بأنها الجوهر الحميم للحياة، والقوة التي تحرك كل الأشياء. الآن، هذه القوة عمياء: فهي لا تسعى إلى تحقيق أي هدف؛ إنها لا تتبع أي خطة. إنها راضية بتأكيد ديمومتها من خلال تحريك جميع الكائنات، بما في ذلك البشر. إذا كان الانزلاق نحو الجنون والعنف والقسوة والهمجية أمرًا لا مفر منه، فذلك ببساطة لأنه يعبر عن ميول لا يمكن تجاوزها للطبيعة البشرية. تشرح الإرادة بشكل خاص منطق الرغبة. بمجرد إشباع رغبته، لا يشبع الإنسان؛ ويتحول ميله إلى شيء آخر، فيظل العقل في توتر الرغبة. يقول شوبنهاور: «الرغبة بطبيعتها هي المعاناة؛ الرضا يولد الشبع بسرعة؛ وكان الهدف وهميا. الحيازة تسلب جاذبيتها؛ تولد الرغبة من جديد بشكل جديد، ومعها الحاجة؛ وإلا فهو اشمئزاز، وفراغ، وضجر، وأعداء أقسى من الحاجة” (العالم كإرادة وتمثيل). ومع ذلك، فإن الحياة ليست محنة كاملة. ومن خلال الكشف الصادق عن القوى التي تحدد الوجود، فإن الخطاب الفلسفي يقلل من معاناة الإنسان. لذلك يعتقد شوبنهاور، على نحو متناقض، أن تشاؤمه يمكن أن يريح قرائه. فاذا كانت الاديان تجلب الرجاء في الخلاص فهل يمكن القول بأن فلسفة شوبهاور الدينية قد تخلصه من التشاؤم؟

الملخص التنفيذي للبحث:

يعيش الإنسان وهو يعتقد أنه يملك وعيا بذاته والذي تم التعبير عنه من خلال تاريخ الفلسفة ب "الأنا"، كما يعتقد كذلك أنه من خلال الوعي بالذات يتحقق له الوعي بالمحيط الخارجي، بل والوعي بجميع علاقاته مع الآخرين/الأغيار، ومعنى هذا أن الإنسان يعتقد أنه على وعي بكل ما يصدر عنه من أفعال وتصرفات وسلوكات وممارسات، لدرجة أنه مع ديكارت اعتبرنا أنفسنا وذواتنا أسيادا على الطبيعة بل وعلى أنفسنا أيضاً نتحكم فيها ونطوعها لخدمتنا، ولهذا كانت مقولة الحداثة هي "الإنسان سيد نفسه فيما يقول ويفعل." ولكن مع فرويد اكتشفنا أن بعض السلوكات والتصرفات والأفعال والانفعالات والنزوات والميولات والممارسات التي نقوم بها أثناء حالات الغضب والانفعال والقلق، أو حتى بعض الأحلام الصادرة عنا أثناء النوم ما هي سوى تعبير عن جانب مجهول وغامض من حياتنا الداخلية النفسية الغير مفهومة بتاتا، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن ذلك الوعي بالذات ليس واضحا وبديهيا ومائزا كما عبر عن ذلك ديكارت، وأن الإنسان في نهاية المطاف ليس هو السيد على نفسه وعلى الطبيعة وعلى الآخرين، بل مع فرويد أصبحنا نقول أن مجمل أفعالنا وأفكارنا ليست كلها صادرة عن وعينا وإرادتنا الذاتية الحرة كما عبر عن ذلك كانط، الذي يجعل من الإرادة الحرة هي القائدة للذات، بل إن جزءاً كبيراً مغموراً منها يرجع إلى فرضية اللاشعور أو اللاوعي، وفي هذا إشارة حثيثة إلى تلك الحياة النفسية اللاواعية التي لها رابطة وطيدة وعميقة بتاريخ الفرد منذ نعومة أظافره وطفولته المبكرة.

إشكالية البحث:

كيف يتحكم الوعي واللاوعي في السلوك الإنساني؟ ما الذي يجعل فرضية اللاوعي فرضية ضرورية ومشروعة وموضوعية؟ هل معطيات الوعي كافية لتحديد الشخص السوي؟ هل الأنا محكوم باللاوعي أم هو مركز الكون أم سيد ذاته؟ أين تتمثل ضرورة ومشروعية الاشتغال بفرضية اللاوعي؟ ما هي طبيعة العلاقة بين الوعي واللاوعي من خلال تمفصلات : الهو -الأنا- الأنا الأعلى في تشكيل الجهاز النفسي؟ بأي معنى يعتبر الحلم متنفسا للرغبة؟ هل الرغبة حاجة لا يفي بها الواقع ولا تستوعبها ممكناته؟

ألا تكشف بعض سلوكاتنا أثناء حالات الغضب والانفعال والقلق، أو الأحلام الصادرة عنا أثناء النوم عن جانب غامض من حياتنا النفسية؟ ألا يدل ذلك على أن الوعي ليس واضحا وشفافا بما فيه الكفاية، وأن الإنسان في نهاية الأمر ليس سيد نفسه؟ ما هي مشكلة علاقة الوعي باللاوعي: ما الذي يتحكم في الحياة النفسية: هل الوعي أم اللاوعي؟ ما هو الفن في تصور فرويد؟ هل يمكن إعتبار الشخصية بناءً دينامياً؟ لماذا لا يعتبر فرويد الأنا هو أساس حقيقة الشخصية ومقومها الأساسي؟ كيف نزع فرويد مركزية الأنا وتقويض تطابقه؟ ما هي أنماط الشخصية غير السوية؟ ما هي صفعات التحليل النفسي للأنا الذاتية ؟ ما تصور فرويد للدولة؟ هل يمكن إعتبار الأنا الأعلى هو نفسه الضمير الأخلاقي؟ هل يعتبر تصور فرويد مقنعاً من حيث تطابقه مع مبادئ العقل أو الواقع الإجتماعي أو العلم ؟ لماذا الحرب؟

  • في جَوَازِيَّةِ فرضية اللاّشعور أو اللاّوعي:

<< يُعْتَرَضُ علينا من سائر النَّواحِي في الحَقِّ في إِفْتِرَاضِ حياةٍ نَفْسِيَّةٍ لاَوَاعِيَّةٍ، وفي الاشتغال على نَحْوٍ عِلْمِيٍّ استناداً على هذا الْإِفْتِراضِ.

وبوسعنا أن نرد على هذا الاعتراض بالقول إن فرضيةُ اللاَّوَعْيِ هي فرَضِيَّة ضَرُوريَّة ومَشْرُوعَةٌ، وإننا نتوفر على عدد من الحُجَجِ تؤكد وجود اللاَّوَعْيِ. >> [1]

ويضيف أيضاً: << إن فرضية اللاَّوَعْيِ ضرورية لأن معطيات الوَعْيِ ناقِصَةٌ جداً.

ذلك أنه كثيراً ما تَحْدُثُ لدى الإنسان السَّوِيِّ والمَرِيضِ على حَدِّ سواء جملة من الأفعال النفسية التي تستلزم، من أجل تفسيرها، أفعالا نفسية أخرى لا تَحْظَى بِاعْتِرَافِ الوَعْيِ.

وإن هذه الأفعال النفسية اللاَّوَاعِيَةُ لا تتمثَّلُ فَحسبُ، في الهَفَوَاتِ والأَحلامِ عند الإنسان السَّوِيٍّ، وكل ما نسميه بالأعراض النَّفسيةِ والظَّواهرِ القَسْرِيةِ بالنسبة للْإِنْسانِ المَريضِ، بل إن تجربتنا اليومية الأكثرَ حَمِيمِيَّة تضعنا أمام أفكار تخْطُرُ لنا من غير أن نعرف مصدرها أي أمام خلاصات تَفْكِيرٍ تَظَل مُفَكّكَةً وغير قابلةٍ للفَهمِ، إذا ما أصررنا على الزَّعْم بأنه ينبغي أن ندرك عن طريق الوَعْيِ كل ما يجري فينا من أفعال نَفْسِيَّةٍ. >> [2]

يعتقد الكثير من الناس أن حياتهم كلها مخططة وأن أيًا كان ما يفعلونه، فإن نفس الأشياء ستحدث حتمًا، كما لو كان الشخص يجذب أنواعًا معينة من الأحداث أو أن شخصين خلقا بالضرورة على حب بعضهما البعض، أو كره نفسك. لقد أحدثت هذه الفكرة فساداً في السلوك، لأنها تجعل الإنسان يتخلى عن نفسه. ما الفائدة من فرض الأمور إذا كانت لا بد أن تحدث كما هو مكتوب على ألواح القدر؟ وهذا ما أطلق عليه لايبنتز مغالطة الحجة الكسولة. لقد آمن اليونانيون منذ فترة طويلة بفكرة القدر. ومع ذلك، في ذلك الوقت، كان بإمكاننا التشكيك في هذه الفكرة، من خلال تطوير الحجة التالية: إذا أخبرنا شخصًا ما أن مصيبة معينة ستحدث له، فسوف يفعل كل شيء لتجنبها، الأمر الذي سيعدل المستقبل. . لذا فإن المعلومات عما سيحدث لنا ستكون كافية لتجنب ما كان يعتبر قاتلاً. لكن كاتب التراجيديا اليوناني سوفوكليس كتب مأساة تهدف إلى إثبات أن أنصار القدر ما زالوا على حق. هذه المأساة التي تحمل عنوان أوديب الملك، تحكي قصة طفل تنبأت له العرافات بأنه سيقتل أباه ويمارس الحب مع أمه. ولمنع والديه من حدوث ذلك، تركا ابنهما بجانب النهر، ونشأ بعيدًا عن والديه. وهذا الاحتياط هو الذي سيجعل التنبؤ حقيقة، لأن أوديب الملك لم يكن يريد قتل أبيه أو ممارسة الحب مع أمه، ولكن لأنه نشأ بعيداً عن والديه، لم يتمكن من التعرف عليهما عندما وجد نفسه وجهاً لوجه. ليواجه أباه، ثم أمه، ففعل ما تنبأت به النبوءات. لذا فإن المعلومات عما سيحدث لنا، لا تجعلنا نتجنب ما هو متوقع، بل على العكس تغرقنا فيه... ولهذا السبب ظلت فكرة القدر صامدة لعدة قرون. لكن إذا كانت معلومات هذا التوقع لم تمنع القدر من التحقق، بل على العكس عجلت أوديب نحو مصيره، فذلك لأنه لم يكن كاملا. ولو كان الأمر كاملاً لكان أوديب قد عرف أن هذا الشخص هو والده وأن اخرى هي أمه، ولتأكد من أن الأمر لم يحدث بهذه الطريقة. ولذلك لا يوجد قدر في هذا العالم، طالما أن لدينا كل العناصر التي تمكننا من مواجهته. بالإضافة إلى مأساة سوفوكليس، غالبا ما يستخدم أنصار فكرة القدر الحتمية كحجة للتبرير. والحقيقة أن هذه الفكرة الأخيرة، والتي تتوافق مع الاكتشافات العلمية، تخبرنا أنه إذا تلقى شخص ما بلاطة على رأسه، فذلك لأنه قرر أن يسلك طريقًا معينًا في لحظة معينة لأن شخصًا آخر قد حدد له موعدًا أو لأنها اضطر للذهاب إلى العمل. إذا سقط البلاط عند مرور الشخص، فذلك يرجع إلى عملية التآكل البطيئة والعاصفة التي حدثت في اليوم السابق. وهكذا فإن لكل حدث سبباً، ومعرفة الأسباب الكاملة تجعل من الممكن التنبؤ بالمستقبل بدقة ملحوظة من الحاضر، مما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن هناك مصيراً في العالم. هذا الكائن العليم الذي يعرف تمامًا حالة الكون في الوقت الحاضر والذي يمكنه التنبؤ بالمستقبل، يُسمى "شيطان لابلاس" على اسم عالم كان من مؤيدي الحتمية. لكن هذه النظرية العلمية لا علاقة لها بفكرة القدر، حتى لو بدت لها نفس الطبيعة. تخبرنا الحتمية أن الأسباب نفسها تنتج دائمًا نفس النتائج، في حين أن فكرة القدر، أي القدرية، تخبرنا أنه مهما كان الحدث السابق، فإن التأثير سيكون دائمًا هو نفسه، أي التأثير الذي تنبأ به القدر. ووفقا للنظرية الحتمية، يمكننا تعديل المستقبل، ويكفي تعديل الأسباب لتعديل النتائج. من ناحية أخرى، وفقا للقدرية، مهما فعلنا، فإن نفس التأثير سيتبع دائما، وهو ما يتعارض مع إنجازات العلم الحديث. كيف أنه في عصرنا هذا، بداية القرن الحادي والعشرين، لا يزال هناك أشخاص يؤمنون بفكرة القدر، وأن هؤلاء يتمتعون بهذه الشعبية؟

يشكل الجسد محوراً قوياً في فكر ميشيل فوكو. في عام 1963، قدم كتاب «ولادة العيادة» نفسه باعتباره تاريخا للتوزيعات المكانية التي تجريها النظرة الطبية على الأجسام. إنما بعد ذلك في السبعينيات، وخاصة عندما أعطى التحول الجينيالوجي الذي أحدثه فوكو للجسد أهمية أساسية: شكل الأخير آنذاك نقطة البداية لتحقيق كان يرتكز على التجربة الجسدية للسجن، في نفس الوقت ظهر، في نهاية هذا التحقيق، كدعم وهدف لسلطة أعيد تعريفها. ولكن من الضروري التأكيد على أن الجسد يظهر في هذا البحث بشكل ثانوي، كمفهوم نسبي دائما: نسبي بالنظر إلى المعرفة المأخوذة من الأجساد المعرضة للنظر، ونسبي قبل كل شيء بالنظر إلى السلطة التي تخترق هذه الأجساد وتشكلها كموضوعات لهذه المعرفة.
لكن من خلال هذه النسبية أيضا استقطب الجسد جوانب مختلفة من كتابات فوكو، مثل كمون لم يلج إليه إلا جزئيا ومن خلال تحقيقات متتالية، دون أي ادعاء يالكشف عنه في حقيقته.
هذا الوضع الغامض للجسد، الذي يبدو أساسيا وثانويا في نفس الوقت، والذي كشف عنه البحث ولم يلج إليه، يجب إلحاقه منذئذ بصعوبة داخلية في هذا الأفهوم. إن تحديد هذه الصعوبة يشكل مساهمة فوكو الأساسية في الفهم الفلسفي للجسد، وفي الوقت نفسه يشير إلى موقع مشكلة أساسية تؤثر على تأويل عمله.
تتمثل لفتة فوكو في اعتبار الأجساد سطحا لطبع سلطة حقيقتها الوحيدة هي العمليات التي تجريها عليها. لكن في المقابل، لا يمكن القبض على الأجساد إلا بالشكل المحدد الممنوح لها من خلال سلطة لا يمكنها الهروب منها. لذلك فإن كل شيء يحدث كما لو أن الجسد والسلطة يكيف كل منهما الآخر بشكل متبادل، والمشكلة التي تتبع ذلك هي مشكلة حقيقة الأجساد خارج السلطة، ولكن أيضًا مشكلة فعاليتها المحتملة ضد السلطة.
من هنا يمكن رؤية هذه المشكلة من ثلاث وجهات نظر. الصعوبة مفاهيمية في المقام الأول. منذ السبعينيات، جنح فوكو إلى تعريف الجسد والسلطة بشكل متبادل، بحيث لا يمكن فصل حداثة تصوره للجسد عن إعادة صياغة أفهوم السلطة. في هذه الصياغة، ليست السلطة جسدية فقط من حيث أن تعريفها يتم من خلال "ميكرو-فيزياء " محايثة للجسد الاجتماعي، بعيدا عن نموذج دولتي، ولكنها تفرز أيضا أجسادا فردية تمارس عليها وتندمج فيها.
بين السلطة المحددة بجسديتها والأجساد الفردية المتأثرة بالسلطة، يطرح السؤال حول التمييز الذي يمكن أن يأتي لتحديد أفهوم الجسد ويمنع من تماهيه بشكل صارم مع أفهوم السلطة.
من محايثة السلطة للجسد تنتج أيضا صعوبة أنطولوجية. وبقدر ما لا تصبح الأجساد مرئية إلا في الشكل المحدد الممنوح لها من خلال استثمارها من قبل السلطة، فإن الأخيرة تظهر في الواقع كشرطها الإبستيمي. فمن خلال السلطة تصبح الأجساد في تعددها متاحة بشكل موضوعي للمعرفة.
يقترح ماتيو بوت-بونفيل تصور التعريف المعياري للجسد باعتباره "علة وجود تعددية الأجساد الأقدم منها، وهي تعددية تمنع بالتالي اعتبار الصيغ المختلفة للفردية الحديثة بديهية، مرضية ونهائية". ومنذ ذلك الحين، يطرح السؤال مع ذلك حول الأساس الأنطولوجي المحتمل للأجساد باعتبارها ركيزة للسلطة. لمتابعة القياس الكانطي الذي افتتحه ماتيو بوت-بونفيل، ألا يمكننا في الواقع التأكيد على أن الأجساد تشكل علة وجود للسلطة؟ عندها لن يتم إنتاج الأجساد بواسطة السلطة بنفس الطريقة التي يتم بها إنتاج الفرد الذي يجعل المعرفة الموضوعية بهذه الأجساد ممكنة؛ أو أن الذات هي التي تجعل من الممكن عودة انعكاسية إلى نفسها. ومع ذلك، يفترض مثل هذا المنظور أن يكشف عند فوكو، خلافا للموقف الاسمي الذي يدعيه، عن حيوية يمكن للإلهام النيتشوي الذي يدعم التحول الجينيالوجي أن يسندها.
إن مناقشة هذا التجذر الحيوي للسلطة يغذي عددا معينا من الاستخدامات المعاصرة لفوكو. كما أنه يلقي الضوء على التأويل الذي اقترحه دولوز، منذ نشر "إرادة المعرفة"، لهذا التمفصل بين السلطة والحياة، من خلال إعطاء هذه الأخيرة أولوية وجودية بالنظر إلى السلطة.

    حينما نتحدث عن الإنسان، نتحدث بشكل مباشر عن مجموع الشروط التي تشرطه وتحده أثناء الفعل والسلوك، هذا الأخير هو ما يجعله مميزا عن الحيوان العادي الذي لا يفعل وينفعل بشكل غريزي فقط، ولهذا نجعل من الفعل الأخلاقي والقيمي الفعل المائز للإنسان كإنسان والذي يرتقي به من مستوى البهامة  La bête إلى مستوى القيمة الغائية Une valeur de finalité

ولعل معنى كل هذا أن للفعل الإنساني بعدا بمثابة شرط غائي هو البعد الأخلاقي والقيمي، حيث يصبح للإنسان شرط يشكل مُثُلاً أخلاقية سامية هي التي تعمل على توجيه وعقلنة سلوكاته كما تنظمها في خيط ناظم يجمع علاقته مع الآخرين.

لهذا تشكل الأخلاق مجموع القيم والمعايير والمبادئ والسنن والقواعد والأطر التي تتضمن القيم الإيجابية والمثل العليا السامية التي تشكل المستوى الأول الكابح للنوازع الشريرة والعدوانية Agressivité  المتأصلة لدى بني البشر، ففي مقابل الإنسان ككائن أخلاقي وقيمي بطبعه، هناك إنسان ذئب لأخيه الإنسان بتعبير توماس هوبز، أو إنسان مريض بالعدوانية بتعبير سيغموند فرويد، كما أننا نحاول دائماً أن نشترط في علاقتنا ونفترض الغير الذي هو أنا ليس أنا بتعبير جون بول سارتر، أن نفترض وجوده بمعنى أن نفعل الخير لأجله، ونتجنب الشر والإذاية لأجله أيضاً.

ولهذا إن كان طموح هذا الإنسان هو التحرر من كل الدوافع الغريزية التي تغرزه وهي فطرية فيه، كان عليه الدخول إلى هذا العالم الميتافيزيقي بمعنى المتعالي، والذي هو عالم مجرد سامي نطلق عليه إسم عالم الأخلاق والقيم أو عالم مملكة الغاياتRoyaume des finalité بتعبير كانط، وذلك كي يغدو هذا المتوحش-الإنسان كائناً أخلاقياً قيمياً، مع مراعاة كونه كائناً عاقلاً طبيعياً بتعبير كل من أرسطو وكانط ورسو.

ولكل هذا نجد أن القيم الأخلاقية هي الفرامل الحقيقية التي تفرمل وتكبح نزوة الإنسان من خلال منحه القواعد المعيارية الملائمة للتصرف، وتجيب عن سؤال كانط ماذا يجب علي أن أفعل ؟ ب يجب عليك فعل كذا وكذا وكذا ... إلى آخره، كي لا تسقط في هيمنة الأهواء والنزوات وما قد يصدر عنها من عنف تجاه غيرك من جنسك.

لهذا يعمل مبحث الأخلاق والقيم على حماية الإنسان وتماسك المجتمع وتلاحمه، والحفاظ على الوجود، من خلال تأكيد بعض القيم وترسيخها، وتحديد الواجبات التي على فرد القيام بها سواء نحو ذاته أو نحو مجتمعه الذي يحتوي أغياره.

 تمهيد
على الرغم من التمزقات والتحولات التي طبعت مسار فكر كارل ماركس، إلا أن رفض حقوق الإنسان ظل أحد نقاطه الثابتة حتى النهاية. لقد كانت أيضًا واحدة من تراثها الكارثي: جنبًا إلى جنب مع الدعوة إلى دكتاتورية البروليتاريا الانتقالية، والتي ترجمتها آنذاك المنشورة اللينينية في المفردات، التي لم يستخدمها ماركس مطلقًا، عن التعارض بين الحريات الشكلية والحريات الحقيقية، كانت بمثابة حل بديل وذريعة لأنظمة الإستبداد الدائم والشمولية الجذرية، التي تدعي وحدتها الأيديولوجية أنها تحقق وحدة الشعب التي لا تشوبها شائبة من خلال القضاء على كل ما يمكن أن يهدد نقائه. لماذا كان كارل ماركس، صاحب المشروع الذي سعى إلى أن يكون إنسانياً وتحررياً، مرتاباً إلى هذا الحد من زعم نظرية حقوق الإنسان الغربية المرافعة على المبادئ الكونية؟ وكيف أماط اللثام عن الاقنعة الرأسمالية للمصالح الكولونيالية؟

الترجمة

"أعلنت الثورة الفرنسية نهاية الامتيازات، ومساواة الجميع أمام القانون، ووجود حقوق طبيعية يجب على الدولة احترامها بشكل مطلق. وفي الوقت نفسه تظهر فكرة حرية الضمير التي ستؤدي تدريجياً إلى فصل الدولة عن الدين. وبهذا المنطق، فإن "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" لعام 1789 هو نص علماني بحت، يؤسس للحقوق الطبيعية، ويستبعد أي إشارة إلى الحق الإلهي الذي قام عليه النظام القديم. كأساس للسياسة، الطبيعة البشرية هنا تحل محل إرادة الله. ولكن إذا تم استبعاد الدين من هذا النص، فهل الروح الدينية أيضا؟ ماركس لا يعتقد ذلك. بالنسبة له، فإن المفهوم الليبرالي (بالمعنى الاقتصادي والسياسي للمصطلح الليبرالية) لحقوق الإنسان يعيد إنتاج النموذج المسيحي، في شكل غير ديني ظاهريًا، بالوهم والاغتراب. في الواقع، تقوم الديمقراطية الليبرالية على ثنائية الإنسان/المواطن، المجتمع المدني/الجماعة السياسية، تمامًا كما يقوم الدين المسيحي على ثنائية المدينة الأرضية/المدينة السماوية ("أعطوا لقيصر ما لقيصر" ولله ما لله." كمواطن، يشارك الإنسان في شؤون الدولة، ويفكر في المجتمع، وفي مصالح الجميع... وهنا تسود المساواة في الحقوق. ولكن كرجل عادي، وعضو في "المجتمع المدني" (عالم العمل، والأسرة، والشؤون الخاصة... وقبل كل شيء المنافسة الاقتصادية) فإن الجميع يتبعون مصالحهم دون القلق بشأن الآخرين. وهنا تسود حالات عدم المساواة بحكم الأمر الواقع (الثروة، والملكية، وعدم تكافؤ الفرص في مجال التعليم، والتوظيف، وما إلى ذلك). وهذان العالمان منفصلان تمامًا، على عكس العصر الإقطاعي، على سبيل المثال، حيث لم يكن الدور السياسي والحياة الخاصة قابلين للفصل. لم يتم تمييز الملكية الشخصية للسيد عن سلطته السياسية على عبده). "تقمع الدولة [الناشئة عن الثورة الفرنسية] بطريقتها الخاصة الفروق الناجمة عن المولد، والرتبة الاجتماعية، والتعليم، والمهنة من خلال إصدار مرسوم بأن المولد، والرتبة الاجتماعية، والتعليم، والمهنة هي اختلافات غير سياسية، عندما لا تأخذ هذه الفروق مع الأخذ في الاعتبار، فإنه يعلن أن كل فرد من أفراد الشعب يتقاسم، على قدم المساواة، السيادة الشعبية لكن الدولة مع ذلك تترك الملكية الخاصة والتعليم والمهنة يتصرفون بطريقتهم الخاصة وتجعل طبيعتهم الخاصة وبعيدًا عن القضاء على هذه الاختلافات الحقيقية، فهي لا توجد إلا بفضلها: فهي تدرك أنها دولة سياسية ولا تسود عالميتها في مواجهة هذه العناصر.[1] إن الدولة السياسية المكتملة هي في الأساس الحياة العامة للإنسان [2] في مقابل حياته المادية. كل شروط هذه الحياة الأنانية لا تزال موجودة، خارج نطاق الدولة، في المجتمع المدني،[3] ولكن كخصائص للمجتمع المدني. وحيثما حققت الدولة السياسية تطورها الحقيقي، يعيش الإنسان، ليس فقط في الفكر والوعي، بل في الواقع، في الحياة، حياة مزدوجة، حياة سماوية وأرضية [4]:

مقدمة
أولا وقبل كل شيء، ما هي المشكلة التي تثيرها العلاقة القائمة والممكنة بين الانسانية وارتكاب الشر للأغيار؟ لأن الشر أنواع: في البداية هناك الشر الميتافيزيقي: ويتعلق بتكوين العالم وترتيب الأشياء والأحداث في العالم. في هذه الحالة، نحن نتحدث عن النقص في العالم. بعد ذلك هناك الشر الأخلاقي: فهو يصف تصرفات البشر، وبشكل أكثر تحديدًا، الفعل الذي لا يتوافق مع ما "يُحسن" القيام به (الفعل الذي لا يتوافق مع "القانون الأخلاقي"). الخطيئة، الجريمة. في حين أن الشر الجسدي في مستوى ثالث: يصف مشاعر الإنسان في مواجهة الشر الأخلاقي والشر الميتافيزيقي: المعاناة والحزن والبؤس...سؤالنا بالطبع يتعلق بالشر بالمعنى الأخلاقي، لأنه يتعلق بفعل الإنسان. الشر هو ما يعارض الخير الأخلاقي، وهو ما يقتضيه القانون الأخلاقي. ولفظ "أريد" يشير إلى الإرادة، وإلى مبدأ العمل و/أو اختيار هذه المبادئ. ويفترض الضمير والحرية. إذا كنت أريد شيئًا فذلك لأنني أقرر بحرية، لا شيء أي: لا العواطف، ولا اللاوعي، ولا الجهل يمكن أن يكون الأصل ولا أي شخص ينمو هناك. إن السؤال عما إذا كنا قادرين على إرادة الشر يعني بالتالي: هل يمكننا أن نفعل الشر عن علم، وبحرية، مع العلم أن ما نفعله هو شر؟ أم أننا لا نفعل الشر إلا بسبب العمى، أو بسبب أهوائنا، أو بسبب تاريخنا الماضي، من خلال عدم إدراكنا حقًا لفعل الشر؟ وهي تشير ضمنًا إلى أنه يبدو من المستحيل أن ترغب في فعل الشر، أو فعل الشر مع العلم أنه شر، أو فعل الشر من أجل فعل الشر. ومن الواضح أنها لا تزال تفترض مسبقًا أن الفرضية التي بموجبها يمكن للمرء أن يرغب في فعل الشر هي فرضية غير مفهومة وغير محتملة، لأن المخاطر مهمة، لأنه اعتمادًا على إجابة السؤال، سنقود إلى الاعتراف بوجود اناس غير إنسانيين أو أن ذلك الانسان ليس كما كنا نظن. هل نفعل الشر لأننا في الأساس "انسان سيء"، منحرف، وحش، وشيطان؟ هل هناك إرادة شريرة؟ أم يجب أن نقول إن هناك بشرا ليسوا بشرًا، وبالتالي فإن حقيقة الشر تعني الاعتقاد بوجود كائنات غير إنسانية؟
أولا-الجهل سبب فعل الشر

 لا يمكننا أن نفعل الشر إلا إذا كنا جاهلينلقد رأينا أن طريقة طرح السؤال تعني أننا لا نستطيع أن نريد أن نفعل الشر، أي أننا لا نستطيع أن نريد أن نفعل الشر من أجل الشر. ومن أجل معرفة الأسباب التي يمكن أن نقدمها لهذه الاستحالة، سندرس الحجج الأكثر كلاسيكية لصالح هذه الأطروحة. نجد نوعين من الحلول "غير الإرادية": 1) الأطروحة الأفلاطونية: من يفعل الشر لا يعرف ماذا يفعل، وهو مخطئ: يريد أن يفعل الخير، لكنه يخطئ في الشر بالخير ظاهريًا جدًا بوضوح في نصين لأفلاطون: بروتاجوراس، 352ب-357أ؛ مينون، 77ب-78أ. بالنسبة لأفلاطون، من يعرف الخير يفعله بالضرورة، ويتجنب الشر. لذلك نحن لا نفعل الشر طوعا أبدا. ملاحظة: تشير أطروحة أفلاطون إلى التعاليم السقراطية، التي تسمى "الفكر الأخلاقي" (الأطروحة التي بموجبها لا يمكن للمرء أن يعرف الخير ولا يفعله). ولكن ماذا يعني "لا إرادياً"؟ وسوف نميز بين ثلاث حالات: أضع السيانيد في قهوة زوجي معتقداً أنها سكر: طوعاً يعني هنا لا عمداً، بسبب الجهل. أدفع وأكسر مزهرية عندما أسقط: لا إراديًا يعني هنا أيضًا غير عمد، حتى لو لم يكن هناك جهل. أضع السيانيد في قهوة زوجي تحت تهديد السلاح: هنا، قسرا يعني دون جهل، عمدا، ولكن، دون إرادة حرة. ما يقوله أفلاطون في محاورة مينون، 78 أ هو أننا يمكن أن نفعل الشر دون قصد. فمن الواضح أن الذين يجهلون ذلك لا يرغبون في الشر، بل يرغبون في الأشياء التي ظنوا أنها خير والتي هي شر، حتى أن الذين لا يعرفون أن الأمر شرير والذين يؤمنون به، كن جيدًا، من الواضح أنك ترغب في الخير، أليس كذلك؟

توطئة
تناولنا في مقالة سابقة متعالقة مع عنونة هذه الورقة مفهوم الوعي الفلسفي عند ديكارت مرورا بهوسرل وهيدجر وسارتر وكذلك ميرلوبونتي،، وناقشنا بتفصيل غيرمسهب مفهوم الوعي بذاته في الموجودات غير العاقلة وأختلافه الجوهري عن الوعي الخالص عند الانسان كما طرحه سارتر، وعلاقة الوعي التبادلي التواصلي الحواري بين المجموع كنوع، كما تناولنا تعالق الوعي بكل من اللغة والصمت، ونستكمل في هذه المقالة جوانب أخرى تهم محتوى هذه الورقة البحثية التي يعتبر وعي الذات من المباحث الفلسفية التي شغلت الفكر الفلسفي عصورا طويلة ولا زال المبحث بحاجة الى معالجات من زوايا رصد جديدة لعلنا نكون موفقين في مقاربة تفسيرية توضيحية لبعض تلك الرؤى..

 وعي الذات بين هوسرل و سارتر

 نرى عقد مقارنة بين عبارة ميرلوبونتي التي ناقشناها من وجهة نظرنا في جزء سابق من هذه الورقة (أنه لا فكر خارج العالم أو الكلمات) وعبارة سارتر ذات العلاقة (أن الوعي الخالص هو فينامينولوجيا جامعة تذهب الى ما يقصد اليه الوعي من أشياء).(1) ولنا هنا وقفة محاورة أوسع في هذا المجال.

ميرلوبونتي في عبارته لم يكن موفقا في أشتراطه سببيا الجمع بين الفكر في العالم الخارجي ومثله في الكلمات كتعبير صامت في الذهن أو أفصاح معبّر عنه باللغة في أدراك ومعرفة الاشياء في وجودها المادي الخارجي...

الفكر في الذهن داخل العقل هو غيره الفكر المعبّر عنه في أدراك العالم الخارجي خارج العقل بلغة تواصل قد تكون اللغة التداولية المعهودة أو تكون غيرها من وسائل التواصل التي تعتمد حركات الجسد الأيمائية.. الفكر داخل الذهن هو تفكير تجريدي لا يعوّل كثيرا على تعبير اللغة، والفكر خارج العقل هو تفكير لغوي ناجز في تعبيره عن المدركات في وجودها الخارجي المستقل، وهنا بضوء تأويلنا معنى عبارة ميرلوبونتي يكون تداخل الفكر بالعالم الخارجي هو أفصاح تعبيري لغوي مرة أو أفصاح تواصلي غير لغوي مرة أخرى بغية أثبات أدراك وجود الاشياء ومعرفتها، فليس باللغة المنطوقة أو المكتوبة فقط يتم التعبير عن الموجودات المدركة عقليا المادية منها والخيالية،، فالصمت والحركة لغتان تواصليتان سيميائيا موحيتان بالمعنى التواصلي المطلوب أيضا لكنهما غير منطوقتين صوتيا ولا مكتوبتين أبجديا... أما أن الفكر لا يكون خارج الكلمات حسب تعبير ميرلوبونتي، فهو خطأ في الفكر قبل خطأ تعبير اللغة المخاتل، ناقشنا عدم صحته في سطور سابقة من الجزء الاول، أذ يمكن أن يكون الفكر خارج الكلمات المنطوقة والمكتوبة، في فعالية العقل التفكيرية بالاشياء والمواضيع تجريدا خياليا مثل الفكرة الصامتة في الذهن المستمدة من الواقع الخارجي أو من مواضيع خيال الذاكرة، أو التفكير الصامت المعبّر عنه في أيحاءات وأيماءات وحركات الجسد الذي لا تلازمه اللغة أو الكلمات المنطوقة ولا يحتاج ملازمة اللغة التعبيرية عنه وأنما يحتاج صور الاشياء المفكربها وترجمتها بلغة الجسد أيحاءا تواصليا حركيا في حمولته المعنى اللامحدود ...

واستحالة أنعدام الكلمات يكون عندما يراد التعبير عن الاشياء والموجودات تواصلا أجتماعيا في تبادل الافكار بلغة الكلام الشفاهي لمعرفة الواقع المدرك الذي هو موجودات العالم الخارجي حيث تكون الكلمات وسيلة تواصل وحوارمن دونها يبقى أدراكنا لها حبيس الذهن فقط..وما يتعلق بلغة الجسد وفعالية الذهن المفكر الصامت فلا تمتلك لغة الكلمات تلك الضرورة في وجوب حضورها..فالذهن لا يفكر بالكلمات التعبيرية عن المدركات بل يفكر بالافكار وصورالاشياء المتمثلة فيه..