في كتابه العقل السياسي العربي،حاول الجابري بيان محددات الممارسة السياسية و تجلياتها في الحضارة العربية الإسلامية و امتداداتها إلى اليوم.
وإذا أردنا أن نقرب الإشكالية التي يعالجها الجابري ،أمكن القول إن السؤال الذي يريد المؤلف الإجابة عنه هو التالي:كيف تكون العقل السياسي العربي؟و مسار تكوينه في التجربة الحضارية العربية الإسلامية؟
فالجابري يرى أن العقل السياسي العربي انطلاقا من الدولة الأموية مرورا بالعصر العباسي وصولا إلى واقعنا السياسي الراهن،هو عقل بقي حقل التفكير فيه محاصرا باديولوجيات لاعقلانية،هي:إيديولوجية الجبر،و التفكير الخارجي،و الإمامة.
كما بقت الممارسة السياسية التي عرفتها الحضارة العربية الإسلامية تكرر نفسها في إطار محددات أساسية،هي:القبيلة و الغنيمة و العقيدة،مع اختلافات بسيطة بقت كزهرات قليلة في حقول الشوك،لم تغير من طبيعة المسار العام لهذه الممارسة.«من الدعوة إلى الدولة،دولة النبوة و الخلافة،ومن هذه إلى الملك العضوض و الدولة السلطانية:مسار واحد،هو مسار تاريخ ظهور و تشكل العقل السياسي العربي».«فقد بقي هذا المسار يكرر نفسه في الوطن العربي،مع اختلافات جزئية لا تغير اتجاهه و لا من طبيعة حركته،لأن المحددات التي صنعته و التي كانت تعيد صنعه هي هي:القبيلة،الغنيمة،العقيدة».حيث بقي الصدام العنيف و الاقتتال هو الحل الغالب بين الفرقاء السياسيين،بسبب عدم إقرار طريقة واحدة مقننة لتعيين الخليفة،و عدم تحديد ولايته،و عدم تحديد اختصاصاته،و عدم القدرة على محاسبته.
الخوف من العلم ـ هادي معزوز
بمجرد أن أكد العالم الإغريقي الشهير أرسطارك دو ساموس مركزية الشمس بدل الأرض إبان القرن الثالث قبل الميلاد، حتى اتهم الرجل بالهذيان وبالتفوه بأشياء لا يقبلها العقل أبدا، عندها وضع أصابعه على فمه واختفى دون سابق إنذار، حيث بقي التقويم البطليمي هو المنتصر إلى أن جاء عالم فارسي اسمه عمر الخيام، معيدا النظر في ما جاء به بطليموس، مشككا في عديد الأمور خاصة شكل الكرة الأرضية وحساب التقويم السنوي مما جعله من بين مهندسي السنة الكبيسة، إضافة إلى إعادة التقويم الغريغوري، ناهيك عن حساب التقويم الفارسي في عهد الملك ملكشاه خلال القرن الحادي عشر، بعد كل ما أوجده الرجل انتهت حياته باتهامه بالإلحاد فاختفى موروثه العلمي، ومعه لم نتمكن من تأسيس مدرسة قائمة بذاتها في الفلك والتي كان يحلم بها عمر الخيام طيلة حياته.
في أوربا وتحديدا سنة 1543 سطع نجم عالم بولوني كبير اسمه كوبرنيك عندما تجرأ مرة أخرى على تعاليم الكنيسة بخصوص نظامنا الشمسي، مؤكدا على غرار من سبقوه ان النظام البطليمي خاطئ تماما بإقراره أن الأرض هي المركز بدل الشمس، معتبرا أن كل الكواكب بمن فيها الأرض تدور حول الشمس في مسار ثابت، وهو ما أعاد الصراع العلمي مرة أخرى بين الهليوسونطغيزم l’héliocentrisme من جهة، والجيوسونطغيزم le géocentrisme من جهة ثانية، لكن في النهاية تفوق السيف على القلم فبات النظام الكوبرنيكي محصورة نقاشاته بين العلماء فقط، والحال أن جيوردانو برونو بمجرد ما فكر في إحياء منطق كوبرنيك حتى تم حرقه حيا كي يكون عبرة لكل من يؤكد عكس ذلك، ثم استمر مسلسل التنكيل بالعلماء سواء في بعديه المعنوي أو المادي من قبيل ما حصل لغاليلي وتيكو براهي وكبلر ثم أبو بكر بن يوسف في الأندلس...
فلاسفة يمتحنون في الفلسفة ـ ترجمة وتقديم : محمد فرطميسي
تقـديم
يتميز درس الفلسفة من جملة ما يتميز به، بميزة أساسية هي كونه يضع نفسه دائما على دوام البداية. وهو وضع يجعل منه درسا متجددا باستمرار، تتملكه حركة دؤوبة تقوده -على حد قول ميرلوبونتي- من الجهل إلى المعرفة، ومن المعرفة إلى الجهل.
درس يكشف عن اشتغال العقل في معالجته للإشكالات الفلسفية الكبرى، وفي مواجهته للقضايا الشائكة التي تطرح على الإنسان في علاقته بالعالم، والآخرين والذات. يقودنا فعل الفلسفة إلى صلب هذه القضايا وجوهرها، واضعا إيانا أمام الإجابات التي قدمها الفلاسفة عبر التاريخ، وفي اختلاف الحقب والثقافات. من هنا تكون العودة لنصوص الفلاسفة وكتاباتهم مناسبة بامتياز لولوج عالم الفلسفة. هذا العالم الذي اكتشفه الإغريق، وحملت به شعوب وحضارات تاركة إرثها الحضاري علامات على انخراطها في هذا الموروث، وكأن لسان حالها يقول: " لقد مررنا من هنا".
الأمر هنا لا يتعلق بالتفكير في قضايا سبق التفكير فيها، بل هو أبسط من ذلك، وقد يكون أعقد. بحيث طلب من فلاسفة الحلول محل التلاميذ، وذلك للإجابة ضمن شروط تربوية شبيهة بتلك التي تجري فيها الامتحانات،عن أسئلة فلسفية هي في الأصل موضوعات سبق للتلاميذ مواجهتها والإجابة عنها في امتحانات البكالوريا. نحن إذن أمام كتابة فلسفية على نحو آخر، كتابة تستمد خصوصيتها بحكم انتمائها لفضاءين متميزين، فضاء المؤسسة في خصوصيته وإكراهاته، وفضاء الفكر الفلسفي في تميزه وشساعته.
بيير هادو P. HADOT فيلسوف استاذ بكوليج دوفرانس، متخصص في الفلسفة اليونانية والرومانية، يدافع عن الفلسفة بوصفها فنا في العيش ونمطا في الحياة. اهتم بالتجارب الروحية في الفلسفة اليونانية. من مؤلفاته مقدمة لدراسة فكر مارك أوريل (1992) ما هي الفلسفة اليونانية؟ والتجارب الروحية والفلسفة اليونانية (1987).
البؤس الميتافيزيقي للوضع الإنساني عند فلاديمير يانكلفيتش ـ د.زهير الخويلدي
" ليست الميتافيزيقا فيزياء شديدة التميز ، لو كانت هذه الفكرة السهلة صحيحة لما كان لدينا الا الاختيار بين الثرثرة الدوغمائية وتهكمات الواقعية"1[1]
في مقابلة قديمة مع جريدة لوموند الفرنسية بتاريخ 14 جوان 1978 كشف المفكر الملتزم فلاديمير يانكلفيتش عن قدر مسلط على الإنسان في وجوده السياسي مرتبط بأجهزة الدولة ومنظومة الحكم التي تسيرها وبالقوى المتصارعة حول المواقع والمنافع، وتبعا لذلك أوضح صعوبة إيجاد مخرج من هذه العبثية.
هذه الوضعية الهشة لم تكن ناتجة عن سوء تقدير من قبل الماسكين بزمام السلطة ولا عن التباس وسوء فهم لوظيفة الدولة في زمن التحولات بل الجميع كان مع العفوية الثورية ووقف الكل ضد عودة الطغيان.
لم يكن الشعب سيء الحظ حينما وجد نفسه في مناخ اقتصادي متدهور زمن التقلبات ولم يتأسف على ضياع الشعور بالمتعة وحصد المنافع زمن الاستبداد بل جعل من تركيز السلطة الجديدة نصرا على كل أمر محال. غير أن الشعور البرجوازي المتشائم الذي ظهر في الأثناء وعبر عن نفسه في استحالة الاستقرار في الأفق القريب كشف عن واقع نفسي مهتز تعاني منه النخب المثقفة جعلها تشكك في كل الخطوات الواثقة التي قطعها الشعب نحو الصعود والارتقاء وصبره عليهم في زمن انقلاب محبة الوطن إلى كراهية المصير المنتظر والنقمة المتزايدة على الأخلاق الثورية. والحق أنه لا يجب أن تنحرف السلطة الثورية حسب يانكلفيتش إلى استبداد بيروقراطي جديد ولا ينبغي أن تعيد إنتاج أشكال الهيمنة بل من المفروض أن تمنح الكيان السياسي المنبثق من رحم الحراك وجودا تاريخيا يليق به.
بين الإرث والفلسفة ـ هادي معزوز
من النافل القول أن الأديان بكل منابعها ومرجعياتها وأنساقها العقدية منها أو الفكرية، تتفق حول شيء مشترك بينها ألا وهو تنظيم العلاقات بين الأفراد تفاديا لغلبة النزوع الطبيعي الإنساني الميال إلى العنف والوحشية، من ثمة نجد أن الأديان وعلى عكس العلوم والآداب القائمة على فهم وتفسير الكون والإنسان، تتأسس على منطق الوعد والوعيد إضافة إلى الموعظة والصبر والجزاء والنعيم... بيد أن بعض التداخلات التي أحدثت بقوة المنطق وسطوة الواقع، جعلت هاته العلوم تجد رابطا بينها وبين الأديان وإن اختلفت الرؤى والمرامي والغايات، والحال أن الفكر الفلسفي لم يكن إلا خير أنموذج بقدر ما وجه سهامه النقدية إلى عديد القضايا، بقدر ما أعاد قراءة الدين إن بغرض فهمه وهو الغالب، أو بغرض نقده وما أكثره، أو بغرض إعادة قراءته وهو السائد اليوم.
والحال أن أبرز قضية غلبت على الساحة الدينية والسياسية مؤخرا هي قضية الإرث، وتحديدا مسألة المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى، صحيح أنها تمت بلباس حقوقي محض، بيد أنها انعطفت بعدئذ عن هذا اللباس لتأخذ منحى سياسويا مفرطا في خلط كبير بين مجالين لازلنا لم نحدد حدودهما لحد الساعة، وهو ما خلق هذا التنافر الكبير، أو قل هذا النقاش غير القائم على أرضية تؤشكل أكثر مما تحكم بالجاهز، وتعيد القراءة بدل السقوط في منطق التحليل والتحريم، والمقدس والمدنس، من ثمة وكإعادة لقراءة هذا السؤال، كان لا بد من التوسل إلى الفكر الفلسفي علنا نجد فيه تفسيرا سديدا خارج أي حكم معياري.
رسالة في النـزعة الإنسانية ـ مارتن هايدغـر ـ ترجمة : عبدالهادي مفتاح
إننا لا نفكر بعد في ماهية الممارسة بشكل حاسم، لذا فنحن لا ننظر إليها إلا باعتبارها نتاج أثر تكمن حقيقته الثمينة في ما يسديه من خدمات وصلاحيات. هذا في حين أن ماهية الممارسة تكمن في الإنجاز، والإنجاز معناه: بسط شيء ما في تمام ماهيته، وبلوغ ذلك التمام، بحيث يكون الإنجاز هو الإنتاج بمعناه الأصيل.
لا يمكننا إذن أن ننجز على الوجه الصحيح إلا ما "يوجد" مسبقا. والحال أن ما "يوجد" مسبقا هو الوجود. وإذا كانت مهمة الفكر هي أن ينجز العلاقة التي للوجود بماهية الإنسان، فإن هذه العلاقة لا تنتج أبدا عنه ولا تشكل من طرفه، بل إن الفكر لا يعمل سوى على عرضها عن الوجـود باعتبار ما من الوجود يعود على الفكر نفسه. هذا العـرض يكمن فيما يلي: في الفكر على الوجود أن يأتي إلى اللغة. واللغة هي مـأوى الوجود، حيث يقيم الإنسان. المفكرون والشعراء هم أولئك الـذين يسهرون ويحرسون على هذا المأوى. حراستهم وعنايتهم هما الإنجاز التام لتجلي الوجود، إذ من خلال قولهم وبه يحملون إلى اللغة ذلك التجلـي ويحتفظون به هناك. والفكر قبل كل شيء لم يرق إلى مرتبة الفعل لمجرد أن أثرا ما قد نجم عنه، أو أنه قابل لأن يطبق على… أو يوظف في… إن الفكر يتصرف ويمارس بقدر ما يفكر. هذه الممارسة ما دامت تخص العـلاقة التي للوجود بالإنسان، فهي على أعظم تقدير الأكثر بساطة. لكنها ولنفس السبب الأكثر رفعة في نفس الوقت. وعليه فإن كل فعالية إنـما تستقر في الوجود لتتجه من ثم صوب الموجود.
رسالة إلى فيلسوفنا المنتظر ـ هادي معزوز
أي فيلسوفنا المأمول حلوله قريبا، اعلم أننا لا زلنا ننتظر إطلالتك علينا وجديدك حول قضايا واقعنا القابع في واقعيته المفرطة لدرجة الجمود المطلق، فأنت الذي سينقذنا لا محالة من تشردنا الفكري، وتبعيتنا السياسية والاقتصادية، واطمئناننا إلى الهزيمة استسلاما لها بدل قتالها بكل بسالة، وأنت كذلك من سيعلمنا كيف نقرأ ما جادت به قريرة معلمنا وجدنا أرسطو، وكيف أن منطقه وإن عرف اهتزازاته الكبيرة فإننا لازلنا في حاجة كبيرة إليه، لازلنا في أمَسِّ من يعلمنا كيف نفكر تفاديا للعِصْمَةِ من الزّلَلِ، سعيا إلى اكتشاف سحر العقل وإمكاناته التي ما إن تنتهي حتى تبدأ من جديد.
فيلسوفنا الغالي الوقور، إننا نعرف مسبقا أن فعل الانتظار يجثم على القلوب مثلما الأنفاس، خاصة إذا طال وعَمَّرَ إلى درجة فقدان الأمل، لكن ثقتنا فيك لن تَضْمَحِلَّ أبدا ونحن نعقد عليك مهمة تخليصنا من هذا الذي لسنا راضين عنه بتاتا، من ثمة فغنه وكلما طال انتظارك إلا وكبرت معه أمانينا، حيث لازلت تفكر وتتأمل وتقرأ وتكتب بحثا عن وصفة قلما خطرت ببال فيلسوف قبلك، لهذا فكلما تأخرت كلما زادت فعالية ما ستعلمنا إياه تحريكا للخطوة الأولى، وسعيا إلى تشخيص يمكننا من معرفة من نحن بكل واقعية وبكل فعالية أيضا.
الحلم ساحة عراك طبقي ـ رضوان أيار
في أن أحلامنا ليست لنا ..
يقول "جي ديبور" في مؤلفه الشهير "مجتمع الفرجة "، بأن هدف الاقتصاد هو تطوير ذاته، غاية التصنيع مزيد من التصنيع، هدف الرأسمال مراكمة الرأسمال ، و دفع الناس في اتجاه أن يكونوا مجرد متفرجين سلبيين،حشودا من الخاضعين الضائعين، الهادئين، المتواطئين مع الأقلية المالكة للرأسمال و لوسائل الإنتاج ضد بعضهم و ضد أنفسهم أيضا،،،الفرجة عند "جي ديبور" تبدو عندما يتحلق الناس حول رغبات مشتركة، يعتقدونها رغباتهم ، فإذا هي معدة سلفا من قبل الماسكين بخيوط اللعبة، بمعنى أن "النماذج "و "المثل"، سواء كانت أشخاصا أو أنماط عيش أو أفكارا و مواقف و قيم ، يتم تسييدها، تقحم في صميم الحياة اليومية للناس، في صميم "متخيلهم "، تفرض عليهم فرضا..يتخيل الناس بعد إغراقهم في بحر الصور ما يراد لهم أن يتخيلوه ، و يحلمون بما يسمح لهم بأن يحلموا به، تذوب الذوات الفردية في قوالب فتصير شبيهة ببعضها..تعيش الوهم و تعتقده واقعا، و لا تحدد بدقة الفيصل بين الواقع الفعلي و ما يصور أنه الواقع، تتعطل إمكانية بناء وعي طبقي أو وطني،فتهزم الأحزاب و الإطارات المناضلة ، و تستريح الرأسمالية إذ يقدس الناس ما تروجه من وهم و تعيش هي الواقع الفعلي، تهاجم قوت الناس و رؤيتهم للعالم و للوجود ، تضخم إحساسهم بالانتماء إلى ما لا ينتمون إليه فعليا، و تقزم شعورهم بالانتماء إلى بعضهم، تخلط في عمق إحساسهم بين الصديق و العدو، تخلق ضبابية الوجود ، الفوضى العارمة ،الاستيلاب ، لذلك فالمجتمع الصناعي حسب "جي ديبور" يشتغل بالأساس على الصور و تكرار الصور ، يشتغل على بناء متخيل الناس و أحلامهم ، و على إبعاد الناس عن الواقع و عن أحلامهم و متخيلهم الخاص ، الذي يشكلونه بأنفسهم و لا يقترحه عليهم أحد .
الحاجة إلى المواطنة ضمن المنظور الفلسفي العالمي ـ د.زهير الخويلدي
صدر مؤخرا عن المكتبة الفلسفية بلوفان ضمن سلسلة عددها 93 مؤرخة بسنة 2015 وتحت إشراف J.-M. Counet, كتاب جماعي يحتوي على 913 صفحة ويضم تغطية شاملة لأشغال المؤتمر الفلسفي العالمي للجمعيات الفلسفية الناطقة باللغة الفرنسية رقمXXIV الذي احتضنته مينتي بروكسال ولوفان من 21 إلى 25 أوت سنة 2012 حول مسألة المواطنة la citoyenneté من زاوية فلسفية متنوعة .
لقد نقل لنا الكتاب متابعات عن كلمات و محاضرات وورشات تفكير وحلقات نقاش ومداخلات وورقات ومتابعات لشخصيات وآثار وحوارات جرت بين مشتغلين بالفكر الفلسفي ومهتمين بالعلوم الإنسانية. ولقد انقسم الكتاب إلى جملة من المحاور. إذ تم تسليط الضوء من طرف المحاضرين في القسم الأول على "الأديان في الفضاء الأوروبي"(Jean-Marc Ferry) وتناولوا بالنقاش قضايا "المواطنة في إفريقيا"(Jean Onaotsho Kawende) وإشكالية وجود "المواطن بلا مواطنة"(Pierre Pellegrin) و"التعدد الثقافي والمواطنة"(Catherine Audard) وتساءلوا عن التلاؤم بين "الله والديمقراطية"(Paolo Flores d’Arcais).
الفلسفة، السينما والزمان عند دولوز ـ محمد مزيان
أ- الصورة والمفهوم:
إذا كانت الفلسفة تفكر من خلال المفهوم فالسينما تفكر من خلال الصورة المتحركة ذاتيا. وما يربط السينما والفلسفة ببعضها البعض هو صورة الفكر. إن صورة الفكر هي ما يلهم الفلسفة في إبداعها للمفاهيم أما السينما فهي تنشئ صورة الفكر وهي توضّب الصورة ذلك أن «مكوّنات الصورة السينمائية تتضمن التّوضيب أصلا»(1). يتعلق الأمر إذن في مقاربة «دولوز» بإقامة مناظرة بين السينما والفلسفة،هي في العمق علاقة تناظر تعكس من خلالها الواحدة الأخرى على نحو أصيل،فالهوية الحق مفعول لعلاقة. هوية السينما تتكشف أفضل ضمن علاقة مقايسة مع الفلسفة والعكس بالعكس. في خضم هذه العلاقة يتحوّل منتوج الفلسفة أي المفهوم إلى «كتل من الحركات الدائمة والمتلائمة داخل تشكل الأمكنة و الأزمنة… تصبح المفاهيم أكثر قابلية للفهم لأنها عبارة عن تجل مرئي لتجربة معيشة من طرف كل واحد». لكن من جهة أخرى يعتبر «دولوز» أن «قيمة الصورة تتمثل في الأفكار المتولدة عنها»(2).
صورة الفكر هي مايشغل السينما كما الفلسفة أي الأسئلة التي تثيرها الأولى والمفاهيم التي تبدعها الثانية. لذلك ينبه «دولوز» القارئ منذ الصفحة الأولى من عمله عن السينما إلى أن الأمر «لايتعلق في هذه الدراسة بالتأريخ للسينما بل بصنافة وبمحاولة لترتيب الصور والعلامات»(3). إذن، لا يتعلق الأمر بعمل تحقيبي توثيقي بل باستجلاء الإشكالات والانتقالات والتحولات التي عرفتها السينما.
المناظرة الاستقرائية بيكون إزاء بوبر ـ ارنستو شحود
إنّ هدف هذا الدراسة هو البحث في التفاعل القائم بين نظريّات المنهج العلميّ (بما فيها المنطق) والتطوّرات الحاصلة في ميدان الذكاء الاصطناعيّ في العشرين والثلاثين سنة الأخيرة. الموضوع الأول الذي سأدرسه بالتفصيل هو العلاقة بين الجدل المستديم الذي يَخُص المنهج العلميّ (المناظرة الاستقرائيّة) وبعض النتائج الحديثة في مَيدان التعلّم الآليّ. سنعرض في هذا الفصل النقاش القائم بين الاستقرائيّين المتمثّلين بالسير فرانسيس بيكون كما هو متعارف عليه، وخصومهم المتمثّلين بالسير كارل بوبر. وسأحاول أن أعرض هذه المناظرة، بالقدر الذي يتيحه تَخصّص هذا الفصل، مستخدماً مناهج التاريخ وفلسفة العلوم(1) المعهودة.
1.1 مذهب بيكون الاستقرائيّ
لقد طوّرت نظريّة الاستقراء في المذهب العلميّ (المذهب الاستقرائيّ) في البدء، على يد سير فرانسيس بيكون (1564- 1626). وقدم بيكون نظريته في أعمال عديدة إلّا أنّ أشهر معالجاته لهذه المسألة تظهر في كتاب الأورغانون الجديد Novum Organon الصادر سنة 1620 والذي سأستشهد به. إنّ مُجمل كتابات أرسطو في المنطق جُمعت في كتاب حمل عنوان الأورغانون (التي تعني حرفيّاً أداة)؛ وبالتالي فقد كان كتاب بيكون الأورغانون الجديد يهدف إلى تخطي أرسطو كأداة للتعقّل. لقد اعتقد بيكون في الواقع بأنّ المناهج الجديدة التي اقترحها ستكون أكثر خصوبةً من المناهج التي كان يستخدمها اليونانييون القدماء ومفكرو العصور الوسطى في ميدان التطوّر العلميّ والتقانة.