anfasse08042نهدف من خلال هذا المقال إلى الوقوف عند مفهوم الاستدلال المباشر عند أرسطو والمنطق التقليدي، ثم نبين مدى حضور هذا النمط من الاستدلال في البناء البرهاني للعقلانية الأرسطية، على المستوى المنهجي سننتهج منهجا أكسيوميا في البناء والتحليل حيث سننطلق في البداية  من تعريفات ثم نمر للبديهيات ونخلص للعمليات استدلالية  خاضعة لقواعد استنتاجية محددة . أما مسألة  بناء  المبرهنات سنؤجلها للحديث عن  الجزء الثاني الذي سنتطرق فيه لبرهانية نظرية القياس.
1)     تعريفات
-     الاستدلال
نسمي استدلالا كل عملية عقلية تنطلق من مقدمات(على الأقل واحدة) لتصل إلى نتائج، وقد عرفه أرسطو بأنه سير العقل من المعلوم إلى المجهول قصد الكشف عن المجهول وتبيانه . ويهدف الاستدلال  عند أرسطو إلى بناء المعارف على قاعدة منطقية كلية. ويرى أرسطو أن الطريق الذي يسمح بتحقيق هذا الهدف يتمثل أساسا في نوعين من  الاستدلالات وهما: الاستدلال المباشر والاستدلال غير المباشر .
-    الاستدلال المباشر
نسمي استدلال مباشر كل استدلال يسمح باستنتاج قضية من أخرى دون اللجوء إلى واسطة، ففي الاستدلال المباشر نكون في غنى عن قضية ثالثة تتوسط المقدمة الأولى بالنتيجة ، لأننا نستنتج بطريقة مباشرة  نتيجة القضية من مقدماتها أو نحكم على صدق أو كذب النتيجة من خلال مقدمة وحيدة فقط إذا  كانت معلومة لدينا .

anfasse02051إلى أستاذي الكبير.. ادريس الكريوي.
تقديم
    عبر الفليسوف الفرنسي جيل دولوز في عدة مناسبات، عن تخوفه من أفول نجم الفلسفة، اعتبارا لتراجع دور الجامعة في الإهتمام بالعلوم الإنسانية، وبروز منافسين جدد. طبعا وجدت الفلسفة أمامها دائما منافسين، منذ منافسي أفلاطون إلى مهرجي زرادشت، مرورا بالإبستمولوجيا والماركسية واللسانيات والتحليل النفسي. الآن هناك الإعلاميات والتواصل والدعاية التجارية، حيث فعل التسويق يعتبر كأرقى فكر رأسمالي، كوجيطو السلعة. هكذا راحت الفلسفة، تواجه من تجربة لأخرى منافسين وقحين أكثر فأكثر، وشتامين أكثر فأكثر، حتى أن أفلاطون نفسه لم يكن ليتصورهم في أشد لحظاته هزلا(1). أضف إلى ذلك، تهافت حقودي عصر الفراغ، من دعاة نهاية الفلسفة وموتها. في ظل هذه الظروف، انخرط دولوز في إعادة الإعتبار للفلسفة عن طريق خلق لقاءات جديدة مع فروع معرفية وفنية، ومنها الرواية.
التباسات الفكر في مرحلة ما بعد التحرير
     منذ عمله الأول حول هيوم(2)، ودولوز يبحث عن طريقة جديدة لاستئناف القول الفلسفي في ظروف ما بعد التحرير، حيث الإنغلاق في تاريخ الفلسفة والإكتفاء بمداخل إلى هيغل وهوسرل وهايدغر. هكذا شكل تاريخ الفلسفة عاملا سلطويا تكونت عبره صورة عن الفكر تدعى الفلسفة تمنع الناس تماما من التفكير(3). شكل هذا الإحساس القوي بالإنغلاق، تحريضا لإرادة دولوز لطرح مصير الفلسفة ومستقبلها، خاصة وانه لم يكن يميل إلى الوجودية ولا إلى الفينومينولوجيا. ففي ظل هذه الظروف، انطلق دولوز في البحث عن أشكال تعبير فلسفية جديدة، وكان محرضه الرئيسي لركوب هذه التجربة، هو الفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه. فكان من  الضروري متابعة ما بدأه فيلسوف العلم المرح، في علاقة مع تجديد بعض الفنون الأخرى، مثل المسرح والسينما...(4).

anfasse02050سيتقصى هذا المقال أحد أهم المفاهيم التي اشتغل بها وعليها فيلهلم رايش، و جعل منها مفاتيح لمشروعه لا سواء على المستوى النظري أو الممارساتي و المتمثـل في إنشـاء علم نفس ماركسي، هذا العلم الذي أراده أن يجاور الإقتصاد السياسي الماركسي، و كذا علمي الإجتماع و التاريخ الماركسيين، و هو العلم الذي لم يكن ليبرز لولا مدرسة التحليل النفسي و منهجها، فهذه الأخيرة و على حد تعبير رايش هي البذرة التي سينبت عليها علم نفس مادي-جدلي، فالمقاربة الخلاقة التي قام بها رايش كانت متميزة أشد التميز عن باقي المحاولات الأخرى، تلك التي كانت تفرض بعض القراءات تحت لواء الماركسية أو التحليل النفسي أكثر منها محاولة لنقد القراءات الميتافيزيقية اللاجدلية، بغية تأسيس علم نفس مادي-جدلي، يعطي قراءات علمية للظواهر النفسية أكثر دقة، و التي من غير الممكن أن تصير قراءات علمية بدون الإحاطة بكل العوامل ذات التأثير المباشر و الغير مباشر و مراعاتها، قس على ذلك أن هذا المشروع الذي أراده رايش، قد هدم فكرة أساسية أو بالأحرى تصورا أساسيا في المثالية و المتمثل في اللأدرية و تؤسس له بشكل مضمر بعض الفلسفات اللاعرفانية التي تظهر بزي العلم و العلمية.

anfasse02049سعى تشارلز داروين للإجابة عن سؤال: كيف انبثق الجمال الطبيعي وما الهدف منه؟ لقد رفض فكرة أن الجمال في الطبيعة مجرد أمر اعتباطي تولد من قوى مادية، آمن داروين بأن الألوان الجميلة والأنماط المتنوعة الممكن مشاهدتها في الفراشات والعث والأسماك والطيور، ومخلوقات أخرى، من المفروض أن تكون لها فائدة من جانب ما، في “نشأة الإنسان والانتقاء الجنسي” (1871)، قدّم نظرية تقول بأن الجمال هو نتيجة تراكمية للانتقاء الجنسي، دارسًا طقوس التزاوج لدى مختلف الأنواع، استنتج داروين بأن الزينة الباهرة لدى الحيوان، الاستعراض والأبّهة، لا يُعقل أن تكون عبثية، ويستحيل الشك في أن الأنثى لا تُعجب بجمال شريكها الذكر، وهذا يتناقض مع الرؤية التقليدية التي عبّر عنها إدموند بيرك (1767) بأن الجمال أنثوي والرّفعة ذكرية.

anfasse02048بادئ ذي بدئ وقبل الخوض في تحليل وتلخيص هذه المقالة التي بين أيدينا، لابد لنا من إعطاء لمحة موجزة عن هذا الفيلسوف العظيم إيمانويل كانط Emmanuel Kant (1724-1804) فيلسوف وعالم ألماني، مؤسس المثالية الكلاسيكية الألمانية، ولد وتعلم وعمل في كونيجسبرغ حيث كان محاضرا ثم أستاذا ما بين سنة 1770 و 1796 بنفس الجامعة.
يعتبر كانط واضع ومؤسس المثالية "النقدية" أو "المتعالية"، وقد صاغ في المرحلة المسماة بالمرحلة "قبل النقدية" أي قبل سنة 1770 فرضيته الكونية حول مفهوم "السديم"، حيث يذهب فيه إلى أن نظام الكواكب نشأ وتطور عن "غيمة سديمية".
وفي الوقت نفسه الذي قدم فيه كانط فرضيته هاته عن وجود "عالم أكبر" من المجرات خارج مجرتنا، طور نظريات تقهقر دوران الأرض بفعل التمزق الجذري ونسبية الحركة والسكون، حيث لعبت هذه الدراسات والتي كانت توحدها الفكرة المادية عن التطور الطبيعي للعالم والأرض، لعبت دورا هاما في تشكيل الجدل.
كما وقد صمم كانط في أعماله الفلسفية في المرحلة قبل النقدية، وتحت تأثير النزعة التجريبية والشكية عند هيوم، صمم الاختلاف بين الأسس الواقعية والأسس المنطقية، وأدخل إلى الفلسفة مفهوم الأجسام السالبة، ففي كل هذه الأعمال يتقيد دور المناهج الاستنباطية الشكلية في التفكير لصالح التجربة.

anfasse02047" السعادة شيء مستحيل قطعا، لأن الجسد مثقل بعديد الآلام، والروح التي تتشارك والجسد في نفس الآلام تعاني هي الأخرى، وفي نهاية المطاف تمنع الثروة من تحقيق آمالنا المتعددة، من ثمة وانطلاقا من هاته الأسباب ليس للسعادة أي وجود حقيقي."
ـ هيجسياس دو سيرين ـ 
" من يعلم الناس الموت، يعلمهم كيف يعيشون."
ـ مونتين ـ
" التفكير في الانتحار تعزية جبارة، إنها تساعدنا على مرور سلس من ليلة سيئة."
ـ فريديريش نيتشه ـ 

    يضعنا سؤال الانتحار فلسفيا أمام بحر من التناقضات والإشكالات التي رافقت الإنسان منذ ظهوره إلى الساعة، لدرجة أن البعض اعتبره خاصية يشترك فيها كل إنسان، وإن كان الاختلاف يتأسس على الانتقال من التفكير فيه إلى تنفيذه، علما أنه بقي غالبا من المسكوتات عليها، نظرا لألغازه من جهة أولى، وعدم التمكن من الإحاطة ـ منطقيا ـ به من جهة ثانية، وإن عمل عديد المهتمين بسبر أغواره عل غرار عالم الاجتماع الفرنسي إيميل دوركهايم، فقد استعصي على الفهم بما أنه يضعنا أمام جواز الشيء ونقيضه في نفس الآن، لذلك كان من الأجدر أن نربط فعل الانتحار بجانبه الفلسفي في الإنسان، بدل الوقوف عند أسبابه الاجتماعية أو النفسية...

anfasse02044" نحن في حاجة أكيدة إلى الجمال لكي نوسع...حقل قيمنا الممكنة ولكي نفكر على نحو مختلف..."1[1]
بماذا يتعامل الناقد الفلسفي مع الأثر الفني؟ ماهي الشروط التي تتيح عملية التلقي؟ كيف يمكن لأثر فني أن يغير حياة البشرية؟ وبأي معنى يقاوم الفن التفاهة والقبح والانحطاط القيمي؟ وما شرط إمكان نقد الذوق؟
عندما يكون المتلقي أمام أثر فني على غرار أغنية وقطعة موسيقية وقصيدة شعرية وفيلم سينمائي ومشهد مسرحي وتمثال منحوت وهيكل معماري ولوحة مرسومة وفسيفساء جدارية وأنشودة دينية وعمل أدبي فإنه مطالب بأن يتبع الخطوات الذوقية التالية:
1.     التركيز على ماهو جميل في هذا الأثر والاستمتاع به وذلك بالاقتدار على بلوغ العمق في السطح. 
2.     أن يلمح التناغم الذي يوجد في الأثر من وجهة نظر شكلية ويرصد التناسق بصورة تجريدية.
3.     أن يعيش المتلقي المعنى الذي يتضمنه الأثر ويشارك في سبك الدلالة وفهم المرجع والإحالة.
4.     أن يقوم المرء بتصعيد الطاقة الليبيدية في الأثر والتسامي وتحويل إلى هدف ثقافي وفعل ملتزم.
5.     أن يشتغل المتلقي على مهمة تقبل السر وتتبع اللغز والخروج المتاهة وتفكيك اللغة المشفرة التي تعبر بها الآثار عن ذاتية مبدعها.
6.     أن يعتمد المرء على الأثر الفني من أجل بناء الجسور2[2] وردم الهوة التي تفصل بين الذات والعالم ويحقق التواصل بين الذوات ويزيل أشكال سوء التفاهم بين الأنا والآخر ضمن وضعية تشاركية.

anfasse02043استطاع الفيلسوف الفرنسي  إدغار موران  Edgar Morin ( 1928) اختزال التساؤلات التي تشغل بال كل مفكر و فيلسوف معاصر، ويصوغها في تساؤل واحد و الذي هو عنوان المؤلف (هل نسير إلى الهاوية؟).
كثرت في القرن الواحد والعشرون مؤلفات تحدثت عن النظرة المتشائمة أو التي تتجه في سياق شبه يقيني في اتجاه واحد، من هذه المؤلفات "نهاية التاريخ وخاتم البشر" لفرانسيس فوكوياما، "صدام الحضارات" لصامويل هنتنغتون…وغيرها من المؤلفات التي عرضت الوضع الراهن للحضارة الإنسانية.
غير أن هذا الكتاب يختلف عما سبقه، إذ أنّه يتميز بنوع من الشمولية و التوسع في معالجة التساؤلات المختلفة، فهو لم يتناول أزمة الحضارة الإنسانية من الجانب الأخلاقي والاقتصادي فقط كما فعل فوكوياما، ولا من الجانب الإيديولوجي الديني كما فعل هنتنغتون، ولكنه بطريقة تفكيكية  ذكية إستطاع تحليل الأفكار ومعالجتها ثمّ بطريقة بنائية يعيد وصل وربط الأفكار ومحاولة إيجاد العلاقة السببية و بالتالي اقتراح الاليات المناسبة لحل أو تجاوز  مختلف المشاكل، في صورة جزئية والوضع الرّاهن في صورة عامة.  بحيث أعاد ترتيب الأفكار عبر العصر التاريخ بطريقة دقيقة لإيجاد خط التسلسل الذي أخذته الحضارة الإنسانية، وصولا إلى الوضع الكارثي الذي يهدد وجود البشر، يجعل كل عقل يتساءل هل نحن نسير إلى الهاوية؟.  

anfasse02042مما لا شك فيه أن الفلسفة اليوم باتت ضرورية في ظل التحديات الراهنة، وخاصة في عالمنا العربي والاسلامي، نظرا لاستشراء الانغلاق الهوياتي والاقتتالات الطائفية والفوضى التي تشهدها العديد من الدول؛ ليبيا اليمن سوريا العراق الصومال....الخ. لهذه الأسباب وغيرها نحن في حاجة ماسة الى قراءة متأنية لما يحدث في واقعنا، و هذا المقال المتواضع التي أقدم تحت عنوان: "في علاقة الهوية بالعنف" تصور أمارتيا كومار صن نموذجا، لا يدعي الإجابة عن كل القضايا والإشكالات، فواهم من يدعي ذلك. إنه فقط أرضية للنقاش وقابل للتكذيب والتزييف والتطوير. إنه مساهمة في الحل الممكن "فمن يصنع الحرب بإمكانه أن يصنع السلام". هكذا تكلم أمارتيا صن.

إن العنف في معناه العام إلحاق الضرر بالآخر[1]  وعندما نتحدث عن الهوية نقصد الخصوصية المتفردة التي تميز الفرد عن غيره سواء كانت دينية أو عرقية أو ثقافية... والعلاقة التي تربط الهوية بالعنف هي علاقة وطيدة، وبالتالي؛ تصبح الهوية في حالة استغلالها أداة في يد قادة المذابح وصناع الكراهية.

Anfasse25043الدين فكرة أوجدها الإنسان كإجابة عن غموض الطبيعة، والدولة كذلك فكرة صنعها نفس الإنسان، درءا لشره وابتعادا عن جشعه لصالح المصلحة العامة، بيد أن العلاقة بيم الإثنين تكاد تنفصل كي تتصل والعكس بالعكس، فلنتأمل مثلا أهم الحروب التي عرفتها الإنسانية، وأيضا أهم الكوارث التي بصمت تاريخ الإنسان، كي نستخلص أن من بين مسبباتها الكبرى إثنان لا ثالث لهما: الدين والدولة، وهو ما يبرز بالملموس غرابة هذا الكائن، مادامت رسالة كل من الدين والدولة، رسالة تروم إلى التسامح والعدالة والإنصاف، ومعاقبة كل من تتطاول يده على الآخر أو على ما يملك شرعا...
    الدولة تحكم باسم القانون الوضعي، والدين يحكم باسم الحد، الدولة تستمد وجودها من مؤسساتها القانونية والمدنية، بينما يستمد الدين قوته وسلطته من السماء، لحد الساعة قد تبدو الأمور عادية جدا، لكن وبأجرأتها وقراءتها على ضوء التاريخ، قد نعثر على عديد الملاحظات التي من خلالها لم يسلم التاريخ من ذلك الصراع بين الدين والدولة، أي بين الدين والسياسة، والحال أن الجمع بينهما هو كالجمع بين النار والوقود، لسبب بسيط هو أن الدين باجتماعه والسياسة يكاد يفرغها من محتواها، فتتحول هذه الأخيرة إلى مجرد تابع لا غير، ومنه نصبح أمام دولة دين وليس أمام دين دولة.
    والواقع أن الإشارة إلى هاته الثنائية الشائكة، تعيدنا إلى طرح السؤال التالي والذي بقي معلقا إلى إشعار آخر: بأي حق نُحكم، إن باسم القانون أو باسم الدين؟ لهذا كان من الأجدر الوقوف عند أكثر الأشياء إجماعا من طرف الناس، والحال أن هذا الشيء لن يكون سوى الدولة بطابعها المدني وليس بلبوسها الديني، مادام الأول تنظيم للعلاقات بين الناس والثاني تفسير للكون والعالم، ومادامت أيضا طبيعة الأول علائقية تقنية، في حين أن طبيعة الثاني روحانية صرفة، فهل يمكن للدين أن يحقق الإجماع أو شبه إجماع من طرف الناس على غرار الدولة؟

 Anfasse25040    رغم أننا نجهل الكثير عن كتاب ومفكري إسبانيا، فنحن نعرف صاحب العمل الأدبي الرائع، دون كيخوت دولامنشا، لميغيل دي سرفانتيس. في كتابه "حياة دون كيخوته وسانتشو" يستعيد ميغيل ده أونامومنو أسطورة ذلك الرجل الفارس والمغامر، دون كيخوته، تلك الشخصية التراجيدية على الشكل الكوميدي، شخصية ترى فيها الكوميديا البشرية في عمقها المأساوي(1). يؤكد أونامونو عند استعادة هذا العمل الأدبي على أن طموحه هو بث الحياة في عمل كان وما يزال يعده الكثيرون حرفا ميتا، وتقفى أثر فلسفة بلده إسبانيا. ويشير إلى أنه ازداد اقتناعا أكثر بأن الفلسفة الإسبانية، سارية ومنبثة في الأدب والحياة والعمل والتصوف، وليس في مذاهب فلسفية، إذ أن الرواية والشعر والمسرح الإسباني، كلها أعمال تنطوي على حدس في العالم وتصور للحياة. وحتى اللغة الإسبانية، يرى أونامونو أنها تتضمن في ذاتها فلسفة. يبدو لي هذا الإعتزاز بالذات مشروع، لكن أونامونو، سيقرنه بتوق كبير في خلود النفس والحياة الأبدية، وبعملية نفي وحط من ملكة العقل وقيمة العديد من الفلاسفة، وأذكر بالأخص باروخ سبينوزا وفريديريك نيتشه وآخرين. أتوخى من هذه المتابعة، الإقامة وسط  نص "فلسفي"، يعتبر من أحسن أعمال أونامونو، حسب الموسوعة الحرة ويكيبيديا، وذلك من أجل بسط مواقف هذا الكاتب من العقل وخلود النفس، ودفع القراء إلى الإنتباه إلى بعض التأويلات المغالية لآرائه وأفكاره.

أونامونو ضد الروح العلمية لعصره
     يصر ميغيل ده أونامونو على تقييمه السلبي للقرن التاسع عشر، إذ يعتبر نصفه الثاني عصرا لافلسفيا ووضعيا وتقنيا وتاريخيا محضا، وعلميا وطبيعيا، عصرا في جوهره ماديا ومتشائما(2). ويؤكد على أن هذا القرن هو ترجمة للمثل الأعلى الذي أخذ يتشكل انطلاقا من عصر النهضة، مرورا بالإصلاح الديني والثورة الفرنسية، والمبني على مفاهيم التقدم والعقل والعلم والثقافة التي نزعت عن أوربا هويتها الكاثوليكية -المثل الأعلى العزيز على قلب وعاطفة أونامونو- وهي الحياة الأبدية بعد الموت. لقد حل التشاؤم في نظر أونامونو، لأن العلم لا يبعث على الرضا، ولا الثروة والمعرفة والثقافة والضمير الخلقي الحسن يساعد على تحصيل إلسعادة، ولا التقدم يبعث على الرضا أيضا. فالإنسان ما كان ليقنع بالعقلانية، ولا بالصراع الثقافي، بل كان يريد أن يضفي غاية نهائية على الحياة(3)، ممثلة في الإيمان بخلود النفس. على هذا الأساس، لا يعطي ميغيل ده أونامونو أية أهمية للعلوم ولمبتكرات عصره، كالكهرباء والقطار مثلا، فيكفي استعمالها كما تستعمل اللوغاريتمات في بلد من تصورها(4). ويدعو الإسبان إلى عدم الشعور بالنقص، أمام لوم الآخرين لهم بضعف قدرتهم العلمية وعدم امتلاكهم للروح العلمية، ويقول:" لنا مجنوننا السامي ومثالنا دون كيخوته...، كما لنا تصوفنا وفلسفتنا، فلسفة كيخوتية وكيخوتية فلسفية"(5).مقابل هذه النظرة العدمية للتاريخ ولإبداعات الإنسان، يدافع أونامونو على صيغة تدل على موقف جمالي حسب تعبيره، وهو كسب الأبدية، صيغة الموقف الديني. ذلك أننا نقفز من الجمالي والإقتصادي إلى الديني من فوق المنطقي والخلقي؛ نقفز من الفن إلى الدين(6)، يكتب أونامونو.