anfasse18129" الحرية هي المشاركة الفعلية للمواطن في الحياة العامة"
                                                                  بنيامين كونستان
تنتهي كل محاولة في البرهنة على الحرية إلى قتل الحرية و يؤدي كل عمل إرادي في تحديد الاختيارchoix  إلى الوقوع في الحتمية والضرورة وعبث الأقدار، هكذا كتب المفكر الحر آلان مبينا أن إرادة التحقق من وجود الحرية ومحاولة التثبت من تمتع الإنسان بها قد يفضي إلى جعلها من المطالب التي لا يمكن تفاديها وتصورها في شكل إكراهي بحيث يكون من الواجب على كل إنسان أن يتدبر وسائل تحصيلها.
حينما نحاول إثبات الحرية فإننا نرسم لها حدودا ونستخلص وجود نوعين من الحرية الأولى داخلية والثانية خارجية. لقد زادت العلوم العرفانية اليوم في الشكوك حول قدرة الإنسان على حرية الاختيار. علاوة على أن السجل القانوني وعالم الحق ما فتئا يذكرانا بأن حريتنا تنتهي عندما تبدأ حرية غيرنا. على الرغم من أن القانون قد يمثل الإطار الملائم والشرط الصلب والإمكانية الواقعية التي تسمح بالتمتع بالحرية على الصعيد الفكري والاعلامي والفيزيائي والاقتصادي وتؤهل الإنسان إلى تحصيل جملة من الخيرات المادية والفوائد الاقتصادية والحقوق الأساسية في المجتمع الديمقراطي. غير أن الحدود الملموسة للحرية هي نتيجة تفاهم سياسي غير مقبول ولا يصنع البتة سعادة الكل.

anfasse18128العالم لا يسير بصدفته التي ربما كان يؤمن بها الإغريق قديما، كما أن علاقات الأفراد فيما بينهم ليست مبنية  فقط على منطق رياضي محض، منطق لا يؤمن بالعبث حتى في لعبة البوكر، والنرد، والورق... بقدر ما أنه محسوب بلغة الأرقام ولا شيء غير ذلك، لهذا قد لا نجد أنفسنا معصومين من طرح أسئلة لطالما رددها الأمي وغير الأمي، الغني والفقير، والكبير والصغير، العامي والفيلسوف، رجل السياسة ورب أسرة منهوكة جدا،إذ أين بتنا نعيش اليوم؟ وإلى أين سنسير؟ كيف أصبحنا نفكر؟ ولماذا لا نستطيع أن نريد ونحلم ونفكر خارج المألوف والعادة على غرار عظماء التاريخ؟
    كل مجتمع وكما علمتنا كتب التاريخ والفلسفة والسياسة يسير وفق مصالحه المرجوة، لقد سلك العالم طريقا من بين ملايير الطرق التي كان سيسلكها، وفق إرادة قوة كان لها ما أرادت، لهذا أصبح يحكمنا منطق فوق طبيعة الإنسان التي تدعي القوة والحرية، إذ منذ انتقال هذا الكائن من حالة الانغماس في الطبيعة إلى التعالي عليها، تغيرت حالته ومعها تغيرت الحياة برمتها، على العموم ساهمت النقود كمحطة تحول كبيرة غيرت مسار حياتنا، كما لعبت الأديان نفس الدور وبعدها كان للعلوم النصيب الأكبر من ذلك، اليوم نعيش عصر هيمنة الاقتصاد ولا شيء غيره، من ثمة فإن أول حكمة يجب أن ننالها وبقدر كبير من التركيز والحذر هي أن ما نعيشه لسنا نحن المتحكمين فيه، إذ وحدها الحجارة بريئة ولا شيء غيرها، ووحده الإنسان مسلوب الإرادة عكس باقي الكائنات الأخرى، حيث الإنسان لا يريد ما يريد، أما ثاني ما ينبغي نيله فليس يكمن إلا في معيشنا اليومي، في أفكارنا كما في اعتقاداتنا، في اختياراتنا كما في مبادئنا، وفي أحلامنا كما في غاياتنا، الأفكار تصنع كما تصنع الملابس، تضعنا في إطارها الصارم، أنها تصنع حياتنا بكل بساطة.

anfasse18125" ِلنَجُدَّ في استخراج الدواء ،الذي يجب أن يشفي، من الشر في حد ذاته"
جون جاك روسو – شذرات سياسية
منذ الوهلة الأولى تعني الطبيعةnature  ما يوجد خارج العالم الذي تمت أنسنته humanisé وخضع لتغيرات البشر. بهذا المعنى لا يمكن فصل الطبيعة عن الوسط الصناعيartificiel   milieu الذي اخترعه الإنسان بما أنها الحقيقة الخارجية عن الثقافةCulture  أو عن الحضارة civilisation .
 من البديهي عندئذ أن تشير الطبيعة في معناها الأول إلى كل ما يوجد بشكل عفوي وكل ما يحمل في ذاته مبدأ وجوده المستقل ويكون قادر على التحكم في ذاته . وبهذا المعنى كان العالم الطبيعي هو الوجود المستقل عن جهود الإنسان وأغراضه. بيد أن الإنسان في حد ذاته يمكن أن ينظر إليه من حيث هو كائن طبيعي. بناء على ذلك يظهر المعنى الثاني وتبرز مفارقة عند التعامل مع الطبيعة البشريةNature humaine   كمشترك بين الأفراد من جهة وما يختص به كل فرد وما يتميز به عن غيره وخاصة استعداداته الفطرية ومؤهلاته البدنية وقواه وملكاته التي تتعارض مع ما يكتسبه بالتربية من جهة أخرى.

anfasse11121في كتابه «الخطاب العربي المعاصر:دراسة نقدية تحليلية» يحلل المفكر محمد عابد الجابري الخطاب العربي الحديث و المعاصر،من خطاب نهضوي و خطاب سياسي و خطاب قومي و خطاب فلسفي،تحليلا ابيستيمولوجيا يكشف عيوب هذا الخطاب و يشخص التناقضات التي يحملها سواء على سطحه أو داخل هيكله العام.
النقد الابيستيمولوجي للخطاب العربي انتهى بالجابري إلى القول بأنه لم يحصل أي تطور حقيقي في أية قضية من القضايا النهضوية التي عالجها هذا الخطاب«إن الخطاب العربي الحديث و المعاصر لم يسجل أي تقدم في أية قضية من قضاياه،بل ظل سجين بدائل،يدور في حلقة مفرغة،لا يتقدم خطورة إلا ليعود القهقرى خطوة،لينتهي به الأمر في الأخير إما إلى إحالة القضية على المستقبل و إما إلى الوقوف عند الاعتراف بالوقوع في أزمة أو الانحباس في عنق الزجاجة»يقول الجابري قبل أن يتابع مؤكدا:«إن زمن الفكر العربي الحديث و المعاصر زمن ميت أو قابل لأن يعامل كزمن ميت،أو أنه على الأقل لا شيء يغير مجريات الأمور فيه إذا نظر إليه كذلك».
فما الأسباب التي جعلت الخطاب العربي الحديث و المعاصر يدور في حلقة مفرغة،لا يتقدم خطوة حتى يرجع القهقرى ليبدأ من الصفر من جديد،حتى إذا انتهى به التطواف إلى عنق الزجاجة أحال القضية على المستقبل؟

anfasse04125لا نبالغ إن قلنا بأن العدمية تعتبر بمثابة أكبر وأعظم حدث عرفه الغرب الحديث على الإطلاق. هي الحدث الأكبر في الغرب، لأنها تطبع الثقافة الغربية في مختلف مظاهرها بطابعها، ولأنها من جهة أخرى تمثل ضرورة تاريخية وسيكولوجية من حيث هي النتيجة المنطقية لسيادة وهيمنة القيم والمثل العليا للحضارة الغربية. كما تعتبر العدمية بمثابة أعظم حدث عرفه الغرب الحديث، لأن ظهورها سيشكل إيذانا بحدوث انعطاف جذري في التاريخ الغربي، وفي صورة الحضارة الغربية، بحيث لن يعود الغرب مركز الكون ومهد الحضارة الإنسانية ومحورها.
المظهر الأول للعدمية يمكن نعته بالمظهر السلبي، من حيث هو علامة على مرض خطير ألم بالحضارة الغربية يلقبه نيتشه تارة "بالانحطاط" La décadence [1]، وتارة أخرى "بالانحلال" La dégénérescence[2]. أما المظهر الثاني للعدمية فهو يمثل مظهرها الإيجابي، وهو الذي ينعته نيتشه بالعدمية الانتشائية Le nihilisme extatique[3]. وهي تمثل اليوم –في نظر بعض الفلاسفة المعاصرين- الأفق الجديد للتفكير في الغرب المعاصر[4].
وهذه المقالة هي محاولة لتحليل المظهرين المتناقضين للعدمية، مع الوقوف بشكل خاص عند المظهر الثاني، -بما هو الفضاء الجديد للفكر الفلسفي الما بعد-حداثي La poste modernité philosophique وذلك بهدف إبراز قيمته ودلالته بالنسبة للفكر الفلسفي المعاصر.

anfasse04122الواضح أننا ننتمي إلى ثقافة الجواب لا ثقافة السؤال. إن كل الأسئلة التي يمكن أن تتبادر إلى أذهاننا- بدءا بالأسئلة التي تهم الحياة اليومية العادية، ومرورا بتلك المتعلقة بالشأن الإجتماعي والإقتصادي والسياسي والعلمي، وصولا لتلك الإشكالات الميتافيزيقية والوجودية- نملك إجابات مسبقة عنها، فليس لنا إلا أن نعود إلى أسلافنا الصالحين و تراثنا المحاط بهالة تضفي عليه "القداسة " لنلفي فيه ما يشفي غليلنا.  وقلما نكون على استعداد لمساءلة تلك الإجابات. وذلك لأننا نصدر من مسلمات - صريحة ومضمرة- تفيد بأن "السلف خير من الخلف"، وأن الأولين أقرب إلى المنبع والأصل وبالتالي أقدر على مدنا باليقين المطلق...ولهذا لا غرو إن كانت مجتمعاتنا تكن الكثير من العداء للأسئلة ذات الطابع الجذري والتشكيكي التي تروم خلخلة ما ينتمي إلى "آبائياتنا"- إن صح التعبير - وإعادة النظر في آرائنا ومعارفنا الجاهزة. إننا لا نرحب إلا بتلك الأسئلة "البليدة"( من قبيل الإستفسار عن حكم إرتداء البنطلون من طرف الرجال...) أو تلك التي تدور في فلك المتحول دون أن تجرأ على الإقتراب من قلعة  الثوابت المحصنة بفكر ديني  يتسربل برداء أرثوذوكسي يحجر على العقل باسم الدين.

anfasse27118يهدف هذا المقال إلى تقديم نظرة عامة حول مشكلة المكان في فلسفة أبي الوليد بن رشد من خلال بعض تواليفه الطبيعية والمنطقية، لا سيما منها "جوامع السماع الطبيعي" و"تلخيص السماء والعالم" وتلخيص كتاب المقولات، لندرك مدى تطور فكر الرجل بصدد مشكلة المكان وما يحوم في فلكها من معضلات فلسفية تستأثر باهتمام العديد من المفكرين والفلاسفة على امتداد تاريخ الفكر البشري بوجه عام. وقبل أن نمحص طبيعة المكان لدى ابن رشد يحسن بنا أولا أن نبحث عن أصول وجذور مشكلة المكان كما أثارها أرسطو في كتاب "الطبيعة". الأمر الذي يستوجب التساؤل عن الأسباب التي دفعت بالمعلم الأول إلى إثارة مسألة المكان في المقالة الرابعة من كتاب "الطبيعة" دون غيره من النصوص الطبيعية الأخرى.
أصول مشكلة المكان:
إن المتأمل في كتاب الطبيعة لأرسطو سيقف لا محالة على أصلين أساسيين لمشكلة المكان كغيرها من المشكلات الفلسفية والعلمية الأخرى الواردة في هذا الكتاب. هذان الأصلان هما:
أ - أصل علمي: يتمثل في دفاع أرسطو عن إمكانية قيام العلم الطبيعي -ضدا على منكريه- اعتمادا على مبادئ علمية، ذلك أن كتاب الطبيعة لأرسطو يتناول من جهة أولى المبادئ المؤسسة للعلم الطبيعي من قبيل: المادة والصورة والعدم، لا للبرهنة على وجودها، لأن ذلك يتكفل ببيانه صاحب علم ما بعد الطبيعة، بل فقط لحصر عددها، والحديث عن علاقة بعضها ببعض، وبيان ما السبب الذي بالذات والذي بالعرض(1). كما أنه يتناول بالدراسة والتحليل من جهة ثانية، اللواحق العامة للأجسام الطبيعية كالمكان والزمان والحركة واللانهاية… ولما كانت الطبيعة في نظر أرسطو مبدأ حركة وسكون في الشيء"(2) فإنه يستوجب على صاحب العلم الطبيعي أن ينظر في أمر الحركة ليعلم الطبيعة ما دامت الحركة تدخل في حد الطبيعة، ولكي يعلم الحركة يجب على صاحب هذه الصناعة أن يتحدث عن المكان والزمان، إذ لا وجود لحركة بدونهما.

anfasse27116استهلال:
" بديهي أننا كمثقفين نحمل جميعنا فهما عمليا أو ترسيمة معينة للنظام العالمي... على أنه فقط من خلال المواجهة مع ذلك النظام... تخاض المبارزات وربما ينعقد الفوز فيها أيضا." [1]
لا يعتبر ادوارد سعيد مجرد مثقف كوني يحتل مكانة فكرية عالمية تضعه إلى جانب عمالقة الثقافة في الكوكب بل تقول سيرته الذاتية عنه أنه فلسطيني منفي حاول الغرب طمس هويته وتزييف جوهر رسالته ومازالت مجهوداته النقدية ومواقفه السياسية وأفكاره الفلسفية تمتلك راهنية وتمثل مادة خصبة للمعالجة.
لم يمنع حل الدولة الواحدة الذي نادى به سعيد من أن يكون منظورا فلسطينيا للصراع العربي الصهيوني ومن التحول إلى أشد المدافعين على القضية في الدوائر الغربية ومن المتمسكين بالحقوق الثابتة والتاريخية بل صار رقما صعبا في الذاكرة النضالية ضد الامبريالية وناطق رسمي باسم المقاومة الأممية ضد الظلم.
لقد حاول تخليص العرب من الصورة النمطية التي دأب الأدبي الغربي على تقديمها عنهم وبذل جهودا لإيقاف مهزلة تغطية الإسلام وإلصاقه بالإرهاب وأدرك على الفور ضرورة إنارة الرأي العام والتعريف بالقضية والتخصص في مناهضة التطبيع مع الواقع المهزوم والمداومة على التشهير بالعنصرية والتمييز. لقد كان دائم التساؤل:" ِلمَ لا نقوم نحن بدراستهم؟ إن تلك هي الوسيلة لمعرفة من هو جارك أو عدوك، اذا كان هذا حاله" [2]. كما بيَّن سعيد أن الميديا قد غطت التعاليم المنفتحة والمشرقة للإسلام ووضعت مكانها صورة منفرة وعنيفة ولقد شارك خبراء الإعلام في تشكيل صورة همجية ومتخلفة عن العرب والشرقيين وبالتالي تشكل سوء تفاهم مع الآخر وتسربت روح عدائية في نظرتهم إلى بقية العالم وأثرت في تعاملهم مع الشعوب [3]. على هذا الأساس ماهو الدور الذي يلعبه الكتاب في الدفاع عن القيم الكونية ومعارضة الحرب والانتصار إلى ثقافة السلام؟ كيف يمكن للسلطة أن تنبثق من قلب الممارسة الفكرية والمعرفية؟ هل من داخل الجامعة أم من خارجها؟  لماذا يواجه الكاتب أو المثقف في الشأن العمومي العديد من المشاكل والمخاطر حينما يؤثر الكلام على الصمت ولما يخرج من السكون إلى الحركة وعندما يستجيب للأمر الوجودي وينخرط في غمار السياسة؟ وهل توجد طريقة ملموسة وغير قابلة للبرمجة عن التجارب التي تتشكل منها  النضالات اليومية للمثقفين؟

anfasse27114نستهل الحديث عن تأويليات الفيلسوف و اللاهوتي الألماني فريدريش دانيال أرنست شلايرماخر (Friedrich Daniel Erns schleiermacher   ( (1834-1768)  بمقتبس من محاضرته في الهرمينوطيقا   إذ يقول " الهرمينوطيقا بوصفها فن الفهم لا وجود لها كمبحث عام ، فليس هناك غير كثرة من الأفرع الهرمينوطيقية المنفصلة. "
إذا وقفنا قليلا على هذا القول وأمعنا النظر نلاحظ بأن هرمينوطيقا شلايرماخر تعنى في المقام الأول بمسألة الفهم ، وليس أي فهم وإنما يحددها بوصفها فن الفهم (l’art de compréhension )   وهذا الوصف يحيلنا إلى أن الفهم عملية إبداعية بالدرجة الأولى ، فالفن هو قدرة على الإبداع ، وليس تطبيق حرفي آلي  هنا نميز بين الفن ، والآلية (le mécanisme ) في الفهم .
وكما أشرنا سلفا بأن تعريف شلايرماخر للهرمينوطيقا باعتبارها فن الفهم وكل فهم فهو فهم خاص مثال: فهم قصيدة فهم رواية ... ، و كل فن لابد له من قواعد؛ إذن فالفن إبداع في فهم النصوص مع احترام القواعد.
بينما الآلية فهي تطبيق حرفي ميكانيكي فالآلية تقتل الفن وهما من هذا المنظور متعارضان بالنسبة لشلايرماخر مثال فالكل لا يساوي مجموع أجرائه وإنما الكل هو تلك القيمة المضافة .

anfasse27113قراءة في كتاب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال لأبي الوليد ابن رشد- مريم بناصر
يعد كتاب"فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال" من أضخم ما ألف الفيلسوف المسلم ابن رشد، حيث استحضر فيه جدلية العقل والنقل التي ظل يتخبط فيها الفكر العربي الإسلامي.
وقد أراد من خلاله الفصل بين خطابين غير متجانسين: خطاب شرعي مقام على الوحي والإيمان، وخطاب فلسفي مؤسس على الاستدلال والعقل والبرهنة.وطرح العلاقة بين الدين والمجتمع مخاطبا المتكلمين و الفقهاء خاصة الذين نهوا عن النظر العقلي في الموجودات وقاموا بتكفير الفلاسفة.
أكد ابن رشد على أن الشرع حث وأوجب النظر العقلي في الموجودات،مستدلا بقوله تعالى في سورة الحشر فاعتبروا يا أولي الألباب﴾ ،وبقوله في سورة آل عمران ﴿ويتفكرون في خلق السماوات والأرض﴾، و على أن الفلسفة ليست إلا حكمة ونظرا إلى الموجودات، وبالتالي معرفتنا بمن أوجدها وهو الله تعالى. مما يؤكد انه لا تعارض بين الفلسفة والشريعة ، وكلاهما يعتبر  سبيلا للتعرف على الخالق الذي حث على وجوب استعمال النظر العقلي أو البرهان كما سبق الذكر.

anfasse27112عندما نتأمل مطولا تلك العبارة الشهيرة التي حفظناها عن ظهر قلب ونحن لا نزال صغارا في الصف الابتدائي : "خير جليس الكتاب." أو النسخة الموازية لها "الكتاب خير صديق وأنيس" نرى أنفسنا مجبرين على وضع الصداقة كطرف في مقابل الكتاب، إذ الكتاب صداقة والصداقة كتاب، من ثمة وبكثير من الحرص اللغوي والفلسفي توجب علينا تمحيص هذا الحكم الغيبي، ولم لا طلب استئنافه لعل المراجعة تنفع ما اعتقدناه حكما ثابتا قبل اليوم.
    إن من بين المواضيع الشيقة التي أبدعت فيها الفلسفة نجد موضوع الصداقة، هكذا لن نتعجب أبدا عندما نرى أن كبار الفلاسفة وفي منطقتهم الحميمة قد أعطوا كبير نصيب لهذا المفهوم، والحال أن أبرزهم لن يكون إلا أفلاطون وأرسطو وشيشرون وأبي حيان التوحيدي وجلال الدين الرومي وجون جاك روسو وديدرو ودوبرويار وجيل دولوز... بيد أن الصداقة عند هؤلاء الأهرام لم تقتصر إلا على الجانب الذي يربط الإنسان بالإنسان، وليس الإنسان بالأشياء، هكذا ألفيت نفسي وأنا أتأمل مكتبتي ذات يوم رفقة سؤال طالما حيرني: كيف يكون الكتاب صديقا؟