قليلة هي النصوص أو المناسبات التي تحول الباحث الأكاديمي إلى مبدع؛ ومقال الأستاذ محمد المصباحي تحت عنوان "فشل لقاء الشعر والفلسفة بالتصوف"، يدخل في هذا الإطار، فهو يبرز معالجة فلسفية عملت على تحويل المكتوب إلى تناص، يتداخل فيه القديم والحديث والمعاصر؛ مع محاولة لرصد أوجه الوحدة والاختلاف بينهما أو الاتصال والانفصال: بحيث إن مرجعية المعالجة رسمت عمقا فلسفيا، استحضر فيه الكاتب إشكالية كبرى وهي علاقة "الفلسفة بالتصوف": ابن رشد/ابن عربي، متجها نحو بناء أسئلة أعمق تضع للتصوف مكانة في علاقته بالشعر والفلسفة دون التضحية بأحدهما، مع رسم الحدود الممكنة معرفيا، لأن اللقاء في نظره بين هذه المجالات المعرفية باء بالفشل.
فلقاء الشعر بالتصوف في زاوية معينة في نظره بقي محدودا بحدود المظاهر الحاجبة للباطن؛ من هذا المنظور يثار السؤال التالي: هل بإمكان القول الشعري النفاذ إلى الأعماق غير المستوية على قرار؟ وألا يمكن اعتبار هذا القول ممارسة أكثر تحررا من الأقاويل الأخرى في الإنتاج والإبداع؟
أما إشكالية لقاء الفلسفة بالتصوف، فتتضاعف أهميتها مع د.محمد المصباحي في اللقاء التاريخي بين الرجلين: ابن رشد-ابن عربي: ونظرا لأهمية هذا الحدث التاريخي، وانطلاقا مما أثاره الباحث في مقالات "فكر ونقد"(1)، من قضايا تستحق التفكير والمعالجة وتساعد على تصحيح نظرتنا لأسلافنا وتراثنا، وتساهم في تحديث رؤيتنا لهذا التاريخ؛ مع نبش هذه الذاكرة التي لا يمكن الاعتماد فيها إلا على مفاصل محدودة، والتي لا تتعدى الفقرتين، وهذا هو المتوفر اليوم في "متن" الشيخ الأكبر: فالقارئ مهما بحث في متن شيخنا لن يجد إلا تلك الإشارات المحدودة حول اللقاء في الفتوحات المكية"(2). وهذا ما يدعو إلى التساؤل التالي: لماذا شكل اللقاء موضوع اهتمام من طرف ابن عربي دون ابن رشد؛ هل هذا راجع إلى غضب "شيخ الفلسفة" على "الشيخ الحاتمي"، بعمل هذا الأخير على إفشال العلاقة بين التصوف والفلسفة، أم أن فيلسوف قرطبة ومراكش، كان يعي جيدا مآل الفلسفة بعد موته؟
علامات على التصور البوبري للفلسفة ـ د.زهير الخويلدي
" يوجد عدد من الفلاسفة العظماء حقا، وأيضا عدد قليل من الفلاسفة الذين يثيرون الإعجاب حتى وإن لم يكونوا مبجلين في الواقع"1[1]
لقد اشتهر كارل بوبر بمناهضته للتيار الوضعي المنطقي في كتابه "منطق الكشف العلمي" وتنديده بعقم المنهج التاريخي في كتابه "المجتمع المفتوح وأعدائه" وانتشرت فكرته عن الدحضانية في عالم الثقافة ودنيا المعرفة ولكن إسهامات الإبستيمولوجي الألماني في المجال الفلسفي ظلت مطمورة وجرأته النقدية بقيت مهملة ووضعها مؤرخو الفلسفة خارج الخدمة وأُدرِجَ اسمه ضمن الموجة الريبية من مؤرخي العلم.
من المفترض أن تكون المقاربة الإبستيمولوجية لتاريخ الفلسفة التي أنجزها بوبر ناجعة وترتبت عنها المراجعات الجذرية في الاتجاهات المعاصرة له وأثرت على شبكة العلاقات المفهومية بين العلم والفكر واللغة. لقد طرح في كتابه غير المعروف "في البحث عن عالم أفضل" أسئلة خطيرة على شاكلة: كيف أتصور الفلسفة؟2 [2] هل ينتمي كارل بوبر إلى الجماعة الفلسفية الأكاديمية أم أنه يدعو إلى الاستعمال العمومي للفكر الفلسفي؟ وهل هو متفائل بخصوص إيجاد حلول للمشاكل المعالجة أم أنه متشائم حائر؟ وما الذي يتعين على المرء أن يفعله في مواجهة فلسفة تثير الحزن إلى هذا الحد؟ وما العلاقة الواقعية والممكنة بين الفلسفة والحس المشترك؟ وكيف ترتبط المصالح البشرية بالأهواء الطبيعية؟ وأي دور للنظريات العلمية في بناء الأنساق الفلسفية؟ ولماذا يخضع بوبر النشاط الفلسفي إلى النقد؟ وما قيمة نظرية المعرفة التي تتحرك ضمنها الفلسفة الوضعية؟ وأين يمكن العثور على الحقيقة؟ وهل الإنسان قادر على بلوغ المعرفة؟ والى أي مدى تساعد ملكات المعرفة الإنسان على إدراك الحقائق والوقائع؟
القراءة والقراءة الأخرى ـ هادي معزوز
إن أول جميل يمكن أن نسديه للقراءة هو قراءتها كما ينبغي أن يكون عليه الأمر، إذ ما ليست القراءة ذلك الفعل الذي من خلاله نتيه بين الأسطر محققين استمتاعا، لا وليست نشاطا أو عملية نتحكم فيها، حيث نقرأ ما نريد ونطرد ما لا رغبة لنا في قراءته، القراءة قراءتان، قراءة ساذجة يكون القارئ فيها هو المفعول به، والثانية يكون القارئ فيها محاربا، للقراءة الأولى نتائج وخيمة على صاحبها كما للقراءة الثانية معالم ليست تستنبط إلا بفضل التمكن من فعل القراءة.
ليست القراءة عل العموم هبة من القدر أو من الرغبة في القراءة، كما ليست ترفا أو حاجة نقضي بها مآربنا ثم ينتهي الأمر وكأن شيئا لم يكن، القراءة أفعى تبدو أنها ترقص لنا طواعية، في حين أنها تتحين الفرصة السانحة للانقضاض على ضحيتها، حيث نصبح مجرد لعبة في يدها، تحركنا في كل آن وحين، وتلعب بنا أيما لعبٍ، لهذا سنكون أمام نوعين من القراء، القارئ اللعبة والقارئ المغامر، أي قارئ مفعول به وآخر فاعل مؤقتا أو دوما، الأول أي القارئ اللعبة هو الذي يعتقد أن القراءة مجرد تسلية، أو مجرد هواية وترف من خلاله نحصل على معارف ومعلومات نناقش بها من لهم نفس الاهتمام ثم ينتهي الأمر، وبما أنه لعبة فإن قراءته هاته تكون قراءة بليدة جامدة لا غير، على النقيض من ذلك تعتبر القراءة الثانية قراءة متحركة جدا، قراءة يكون القارئ فيها هو البطل، حيث يستغل المادة التي يقرأها فاتحا بذلك عوالم لفائدة أخرى، ومانحا لنفسه فرصة أكبر للفهم والتحليل.
في السياسة والعنف ـ عبدالسلام شقراوي
تعرّف السياسة عادة بأنها علم تدبير شؤون المجتمعات على جميع المستويات. مثلما يعرّف العنف بأنه إلحاق الأذى بالغير ماديا أو معنويا. لكن إلى أي حد نستطيع القول بأن السياسة تسعى فعلا إلى تدبير شؤون الناس وتحقيق متطلباتهم وعلى رأسها إشاعة الأمن والإستقرار بينهم؟ ألا تنفي الصراعات الإيديولوجية التي نشهدها اليوم في شتى بقاع العالم، والتي تتحول في كثير من الأحيان إلى صراعات دامية، أية إمكانية لمحاربة العنف بواسطة ممارسة السياسة؟ ولكن، أليس الصراع الإيديولوجي والمادي على وجه التخصيص محايث للوجود الإنساني وللسياسة التي تشكل الدولة الإطار الذي تمارس داخله؟
لقد تحدث الفيلسوف اليوناني أريسطو قبل ميلاد المسيح بقرون قائلا بأن الإنسان حيوان سياسي/ مدني بالطبع، وهو قول يعني من بين ما يعنيه أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش منعزلا عن الآخرين، بل إن وجوده الطبيعي ووجوده الإنساني الذي يجعله متميزا عن الحيوان، يتطلب بالضرورة الاجتماع مع بني جنسه والدخول معهم في علاقات اجتماعية متعددة الأبعاد.
الإساءة للفلسفة باسم محاربة التطرف ـ هادي معزوز
سنتحدث في هذا الباب عن الفكر الفلسفي بالمغرب من خلال بعدين رئيسيين، بعد فكري محض، وآخر بيداغوجي تربوي، الأول نحصره في جانبه المعرفي، في مؤلفات مفكرينا وإشكالاتهم كما في قضاياهم التي تنزلت منزلة الأس من البنيان في كتاباتهم، في حين أن البعد الثاني سيتمحور بالأساس حول سؤال تدريس الفلسفة بالمغرب ومجموع نتائج ذلك على ذهنيات الناشئة وطرق تفكيرهم، سنحاول أن نُعَرِّي أكثر مما نُسْهِبُ، كما سنعمل على تكريس خطاب نقدي بدل الغرق في دائرة جلد الذات.
يعتبر جل المستشرقين الذين عملوا على إعادة قراءة تراثنا الفلسفي أن كتابات فلاسفتنا القدامى لم تكن إبداعا فلسفيا كان له كبير أثر على التاريخ الإشكالي للفلسفة، بقدر ماكانت مجرد إعادة تأويل للتراث الفلسفي الإغريقي، خذ بنا مثلا شيخ الفلاسفة المسلمين الكندي نستشف مشروعه الفلسفي، أو قل مشكلته الفلسفية ولنعرج إلى ما كتبه الشيخ الرئيس أو المعلم الثاني، حيث الإشكالات الأنطولوجية هي هي، والفلسفة السياسية لم تستطع إلا أن تعيد ما قاله كل من أفلاطون وأرسطو، أما فيلسوف قرطبة فإن كتاباته لم تبرح منطق الشرح والتفسير والتعليق، سواء مع فلسفة المعلم الأول، أو نحو الفلاسفة المسلمين ناهيك عن المتكلمين وفي مقدمتهم المعتزلة والأشاعرة، إذا قرأنا هذا الشأن بحياد مطلق يمكن أن نسير في ما سار فيه المستشرقون، حيث تغيب الإشكالية الفلسفية ومعها يغيب أي إبداع فلسفي، حيث تتغذى كل فلسفة بإشكالاتها وليس بترفها.
الشغل بين الفلسفة والتاريخ ـ حسن قرنفل
يعتبر العمل من الوظائف الأساسية التي تميز الإنسان عن الحيوان، إلا أن هذا الأمر لم ينظر إليه بنفس الطريقة من طرف الباحثين والمهتمين. فالبعض رأى في ذلك إكراها فرض على الإنسان فرضا، والبعض الآخر وجد فيه تفجيرا للإبداع الإنساني الذي يرقى به الإنسان على باقي الكائنات. ولا يخلو الأمر من البعدين معا.
فمما لا شك فيه أن العمل إكراه حيوي مفروض على الإنسان، لأنه مضطر للعمل لتلبية حاجياته البيولوجية المرتبطة بالتغذية والحماية من الأخطار ذات المصدر الحيواني أو الطبيعي، وهذا الإكراه هو الذي يجعل من العمل أمرا إجباريا تحول بفعل التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها الإنسانية إلى نوع من الإكراه الاقتصادي في مجتمعاتنا الحديثة[1].
ويملك الناس بصفة عامة، تصورا مثاليا عن الماضي، إذ يعتقدون أن الأمور كانت أحسن مما يه عليه الآن، وأن كل شخص كان يحصل على ما يحتاجه دون عناء ولا جهد. وقد ازدادت هذه الفكرة رسوخا مع المذهب الطبيعي الذي دافع عنه بضراوة المفكر جان جاك روسو. وأصبح كثير من الناس يظنون أن الحياة كانت أفضل وأسلم في السابق. إلا أن الواقع يكذب ذلك بشكل جذري. فما تمنحه الطبيعة للإنسان من خيرات لا يمكن استهلاكه بالشكل الذي تقدمه، ولا بد من تدخل الإنسان من أجل تطهيره أو تنقيته من السموم والأخطار التي يحملها. فالحليب الطبيعي للأبقار الطبيعية، على سبيل المثال، يصيب بداء السل. كما أن الحياة الطبيعية الماضية كانت تجعل طفلا من ضمن ثلاثة أطفال يموت قبل اكتمال السنة، في حين لم يكن يتجاوز معدل عمر الاثنان الباقيان 25 سنة، وذلك في حدود سنة 1800 بفرنسا على سبيل المثال[2].
فلسفة الحجاج التعددية وإشكالية البلاغة الجديدة ـ شاييم بيرلمان ـ ترجمة: أنوار طاهر
من المتعارف عليه أن اغلب المفاهيم الفلسفية تتضمن على خصائص من الخلط الاصطلاحي وعدم الدقة في التحديد والتعريف، وهذا ما ينطبق بالضبط على مفهوم التعددية’’pluralisme’’ وعلى نقيضه أيضا أي مفهوم الأحادية ’’monisme’’. وذلك يعود في احد أهم أسبابه إلى اختلاف سياقات الحقول المعرفية التي يجري فيها تطبيق تلك المفاهيم، والذي يؤدي بالضرورة إلى إحداث تغيير جذري في معاني تلك المفاهيم ونطاق فاعليتها.
فبينما تكشف الخبرة expérience في مفهوم الحس المشترك sens commun عن ظواهر phénomènes الوجود اليومي المتكثرة والمتباينة، نجد أن صاحب القصائد العظيمة واحد رواد المدرسة الايلية الفيلسوف اليوناني بارمنيدس Parménide (حوالي 512-450 ق.م) الذي تشكلت معه جينالوجيا تاريخ الميتافيزيقا الغربية التقليدية métaphysique occidentale قد عارض مفهوم كثرة المظاهر multiplicité des apparences بمفهوم الوجود réalité Être/ essence / الثابت والجوهر المطلق الأبدي والنظامي المتناسق uniforme والمتطابق مع ما هو ضروري في العقل وليس عرضي. لهذا السبب، تُعرّف فلسفة بارمنيدس بوصفها فلسفة أحادية أنطولوجيةmonisme ontologique في استبعادها أي ظاهرة يزعم بوجودها الرأي العام opinion commune، بوصفها ظاهرة لا يمكن لها أن تكون سوى مظهرا نسبيا للجوهر الثابت للأشياء.
من هنا، تمثل النزعة التوحيدية monothéisme احد أشكال الأحادية monisme، وذلك يتضح من خلال استنادها على فكرة وجود إله واحد حقيقي وجوهري في الكون وهو الخالق لكل الموجودات في العالم. واستبعادها صور التعددية الإلوهية في الديانات القديمة لكونها ليست إلا أوثان. وقد تبلورت تلك النزعة في المفهوم الفلسفي لفكرة الإله الواحد في العصور الوسطى واعتباره الإله الكامل، وأنموذجا modèle للعقل الإنساني والضامن الوحيد لكل حقيقة في العالم. ولم تعد تمثل المعارف الإنسانية سوى انعكاس باهت وغير كامل للمعرفة الإلهية حسب رأي الفيلسوف وعالم اللاهوت المسيحي القديس أوغسطين saint Augustin (354-430 ق.م). نتيجة لذلك، ظلّ المثال الحقيقي بالنسبة للعلماء ولعدة قرون، يتمثل في ضرورة العثور على الحقائق vérités التي لا يدركها سوى العقل الإلهي منذ الأزل.
ابن رشد: فيلسوف التنوير ـ علي خليل حمد
1- المقدمة
ولد محمد بن أحمد بن رشد، عام (520 = 1126م) في قرطبة، التي كان جده كما كان والده قاضياً فيها؛ وقد أتاحت له البيئة العلمية التي نشأ وترعرع فيها التمكن من كلتا العلوم الشرعية والعقلية في سن مبكرة من حياته.
ولعل أدق ما يوصف به إقبال ابن رشد على المعرفة ونشرها، أن يقال إنه نذر نفسه وحياته لهما؛ حتى حكي عنه أنه لم يدع النظر ولا القراءة منذ عقَل، إلا ليلة وفاة أبيه وليلة بنائه على أهله، وأنه سوّد فيما صنّف وقيّد وألّف وهذّب واختصر نحواً من عشرة آلاف ورقة.
وقد دفع ما اشتهر به من تضلع من العلوم، ومن استقامة ونزاهة، وبصيرة ثاقبة_ دفع ذلك الخليفة الموحدي الأول، عبد المؤمن، إلى أن يطلب منه المشاركة في لجنة إعداد"الأطر"الشابة التي أراد لها أن تصبح قيادات المستقبل في دولته الناشئة.
أما الحادث الأكثر أهمية، وربما يكون الحادث المصيري، في حياة ابن رشد، فكان استدعاء الخليفة الموحدي المتنور، يوسف بن يعقوب له، وطلبه منه إعادة كتابة أرسطو بما يقرّبه من أفهام الناس؛ وقد روى ابن رشد نفسه كيف بدأت هذه الحادثة بقوله(الجابري، ص ص 46-47):
"لما دخلت على أمير المؤمنين أبي يعقوب وجدته هو وأبو بكر بن طفيل، ليس معهما غيرهما. فأخذ أبو بكر يثني عليّ، ويذكر بيتي وسلفي، ويضم، بفضله، إلى ذلك أشياء لا يبلغها قدري. فكان أول ما فاتحنى به أمير المؤمنين، بعد أن سألني عن اسمي واسم أبي ونسبي، أن قال لي: ما رأيهم في السماء، يعني الفلاسفة أقديمة هي أم حادثة. فأدركني الحياء والخوف، فأخذت أتعلل وأنكر اشتغالي بعلم الفلسفة، ولم أكن أدري ما قرر معه ابن طفيل. ففهم أمير المؤمنين مني الروع والحياء، فالتفت إلى ابن طفيل وجعل يتكلم على المسألة التي سألني عنها ويذكر ما قاله أرسطوطاليس وأفلاطون وجميع الفلاسفة، ويورد مع ذلك احتجاج أهل الإسلام عليهم. فرأيت منه غزارة حفظ لم أظنها في أحد من المشتغلين بهذا الشأن المتفرغين له. ولم يزل يبسطني حتى تكلمت، فعرف ما عندي من ذلك. فلما انصرفت أمرلي بمال وخلعة سنية ومركب".
الهذيان الديني وسؤال نزع القداسة ـ هادي معزوز
" الذهنية العتيقة، ذهنية التقديس الساذج لنبي الإسلام، السائدة إلى اليوم، لم تعد ملائمة للذهنية الحديثة النقدية، التقبل الأعمى لكل ما ترويه السيرة من معجزات محمد، ينبغي أن يخلّى مكانه للارتياب، للبحث والتنقيب، لاكتشاف أن التصديق بهذه المأثورات هو من تأثير الإنبهار الأعمى بها..."
ــ العفيف الأخضر ـ
" على الكيميائي العلمي أن يحارب في داخله الكيميائي السحري ليتغلب على العائق الإبستيمولوجي..."
ـ غاستون باشلار ـ
لقد توجب علينا وبكثير من الدقة أن نفصل بين القرآن كقرآن، وبين ما يمليه الفضاء العمومي على سلوكاتنا، كما أصبح لزاما علينا إعادة قراءة هذا الكتاب قراءة نقدية باعتباره الدستور الناظم لحياة المسلمين فيما بينهم، وإلا فما بال كل هذا القتل الذي بات يستوطن كل البرامج الإخبارية حيث سفك الدماء في كل آن وحين باسم الدين ولا شيء سواه، من ثمة ولكي نكون على جانب كبير من الواقعية لا بد من الوقوف عند أسباب ومسببات جرائمنا التي أعادتنا إلى غابر الأزمان، مسيئة إلى الدين وإلى العرق وإلى الأمة كما تسيء إلى المنطقة برمتها، وعليه فلنكن واضحين مع أنفسنا بداية مؤكدين أن لا أحد توجب عليه أن يكون محاميا لله أو للدين، كما لا أحد منا وجب عليه أيضا أن يكون واسطة بيننا وبين السماء، أو يكون ناطقا باسمنا، بما أن الدين لا يقتصر على الصلاة فقط، بقدر ما أنه تربية قبل كل شيء، والواقع أن هناك عدة عوامل ساهمت إما من قريب أو من بعيد في هذا الداء الذي أصابنا ليس الآن فقط، وإنما منذ وفاة النبي باسم الصراع حول السلطة، الذي ثم إلباسه ثوبا دينيا لنيل مزيد من الشرعية.
رسالة في التقدم ـ هادي معزوز
"لا يوجد للإنسان أي شيء ذي أهمية سوى التفكير في أن المستقبل الذي سيعدو أفضل من الحاضر، أو أفضل بكثير من الماضي."
ـ وليام بفاف ـ
" أيها المواطنون، اعلموا أن القرن التاسع عشر قرن عظيم، بيد أن القرن العشرين سيكون قرنا سعيدا."
ـ فكتور هيجو ـ
" نسيان التقدم سيصبح تقدما في حد ذاته."
ـ بيير أندري طاكييف ـ
لا يمكن للعالم اليوم ـ نتحدث عن العالم المتحكم في كبريات القرارات ـ ألا يمر عليه يوم واحد من دون ذكر مفهوم التقدم le progrèsمئات ومئات المرات، وكأن هذا المفهوم لا يمكن إلا أن يضفي طابع الرخاء والفضيلة على العالم، فلنعد مثلا لخطابات جل كبار رجال السياسة نحللها ونستشفي خبايا سطورها، كي نستنتج إما بسذاجة مفرطة أو ذكاء مبالغ فيه، أن هذا الخطاب لا تدور رحاه إلا على فكرة التقدم، فهذا برتراند تفرنيي يؤكد في أحد تدخلاته على شرف لقاء حضره آنذاك وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي في السادس والعشرين من أكتوبر 2002 عندما قال وبعبارة لا تخلو من دلالات إيديولوجية: "إنه إقتراب، وتقدم يحمل كبير اعتبار." (1) مادامت غاية السياسة في نهاية الأمر تحقيق التقدم على كل المستويات، في معرض آخر قد لا يكاد يأخذنا العجب عندما نلفي أنفسنا أمام قول آخر حول فكرة التقدم، والذي ليس إلا من مفكر من عيار ثقيل ألا وهو جون ماري غويو، حيث يرى أن "الاعتقاد في التقدم هو اعتقاد حاط من قيمة الماضي لصالح الحاضر والمستقبل."(2)، إنه ذلك الوعد الذي يساعد العالم في تخطي معضلاته ومشاكله، أما بدونه فإن الجميع سيسقط في العبث وغياب كل الخيوط التي من شأنها تنظيم حياتنا نحو تحقيق الأفضل.
موت الإله في فلسفة نيتشه ـ هادي معزوز
" العدمية حركة تاريخية، وليست رأيا أو نزعة لهذا الشخص أو ذاك (...) العدمية ليست ظاهرة تاريخية من بين الظواهر الأخرى، أو تيارا روحيا كالمسيحية أو الإنسية أو الأنوار."
ـ مارتن هايدغر ـ
" أتوسل إليكم أيها الإخوة أن تحتفظوا للأرض بإخلاصكم، فلا تصدقوا من يمنونكم بآمال تتعالى فوقها، إنهم يعللونكم بالمحال فيدسون لكم السم، سواء أجهلوا أم عرفوا ما يعملون، أولئك هم المزدرون للحياة، لقد رعى السم أحشاءهم فهم يحتضرون، لقد تعبت الأرض منهم فليقلعوا عنها."
ـ نيتشه ـ
عندما أعلن نيتشه موت الإله، لم يكن الرجل يقصد الإله أولا بوصفه الخير المطلق le souverain bien، كما لم يكن يعني الإله كمحرك لا يتحرك، لا ولا دَلَّ معناه على الإله كخالق للكون، أو الإله كجوهر أو كَموناد monade، كما لم يعني قوله الإله بوصفه ضامن الوجود، أو الإله كفكرة مطلقة... بقدر ما أن فيلسوف المطرقة قد أعلن موت الإله لغرض فلسفي محض بمعزل عن كل حكم قيمة سواء باسم الدين أو باسم الأخلاق، إذ يتجلى هذا الغرض بالتدقيق في التمهيد للتأسيس لفكرة الإنسان الأعلى le sur-homme، وعليه فقد كان الأمر مدروسا قبليا قبل عرضه على المشتغلين في الشأن الفلسفي، لهذا فلا شك أنه من الضروري ربط فكرة موت الإله بنقد الميتافيزيقا الغربية بداية، ثم العدمية تثنية، فتجنب الخواء تثليثا بغية تعويض الإله بالإنسان الأعلى، أي بغرض التأسيس لعالم جديد بتصور جديد ـ وإن كان الفلاسفة الطبيعيون سباقين له منذ القرن السادس قبل الميلاد إلى حدود فلسفة سقراط ـ