anfasse07084" كي نعرف اذن ، فكرة القدرة أو الاقتران الضروري معرفة تامة، علينا أن نفحص انطباعها، وكي نعثر على الانطباع بيقين أكبر، علينا أن نبحث عنه في جميع المصادر التي يمكن أن يصدر عنها"1
ولد دافيد هيوم ( 1711- 1776) في مدينة أيدنبرغ من عائلة تنتمي إلى صغار النبلاء بحيث كان وضعه المادي كافيا من أجل متابعة دراسته في القانون في جامعة التي تتبع مدينته وانتقل بعد ذلك إلى مدينة لافليش بفرنسا أين قام بتأليف معظم كتبه. لقد أقام سنة 1763 بباريس والتقى بمعظم الفلاسفة وربطته بهم علاقة صداقة وتم الاعتراف به كأحد أهم الرواد الذين أخذوا عنه الكثير من الأشياء الفلسفية. بيد أن علاقته مع جون جاك روسو وفر له الحماية واستقدوم هذا الأخير إلى أنجلترا ولكنهما عرفت نهايتها مفضلا العودة إلى بلده.
لقد ترك هيوم جملة من المؤلفات أهمها "مقالة في الطبيعة البشرية"1739 التي تتكون من جزأين وموجز1740 وكتب بعد ذلك بسنة محاولات أخلاقية وسياسية ومحاولات فلسفية في الذهن البشري التي أصبحت تعرف فيما بعد "تحقيق في الذهن البشري" و"تحقيق في مبادئ الأخلاق" وكذلك ألف في مجال الاعتقاد كتابين" التاريخ الطبيعي للدين" و"محاورات في الدين الطبيعي". لقد تمثلت طرافة بحوثه الفلسفية في محاولته تطبيق المنهج التجريبي أثناء دراسته الطبيعة للبشرية والمعتقدات والفضائل الأخلاقية والقوانين وقد ترتب عن ذلك تشييده لنسق فليفي جديد من المعرفة يتفادى التشذر والتجزئة. لقد تأثر بفرانسيس بيكون وجان لوك واسحاق نيوتن ورأى في التحليل الدقيق للإنسان شرط الفلسفة الأول لكي تحمي الحقيقة العلمية من الوقوع الزلل ولكي تعثر المعرفة الإنسانية على قاعدة صلبة.
لقد طرح دافيد هيوم للنقاش العلمي فلسفة طبيعية تنظر وفق رؤية شاملة وترفض أن تكون العقول البشرية مجرد نسخ عن العقل الكلي وتشكك في كون العالم كما هو يمثل البشر وارتاب من التأمل الفلسفي. في سبيل ذلك فند كل الحجج المعقدة وبراهين الأديان على وجود الله ودعى إلى تطبيق المبادئ التجريبية عند تفسير نشاط الذهن البشري بالاستفادة من فيزياء نيوتن وبالتالي قام بتأسيس علم الإنسان بدل علوم اللاّهوت.

anfasse27075"البحث في الحقيقة الأساسية بصدد شيء ما بأنه موجود إنما هو في الواقع بحث في الوجود ولكنه بحث يمضي في اتجاه ظل غير مطروق ضرورة في كل البحث السابق في وجود الموجودات"1[1]
يمكن  للمرء أن يقر بأن الله موجود وبأن الإنسان طيب بطبعه ولكن في ذات الوقت يجب منح الاعتراف لأي شخص يعتقد ماهو مختلف عن ذلك بل يمكن أقرار بشرعية تبنيه للرأي المناقض طالما الأمر يتنزل ضمن قناعة ورأي واعتقاد ووجهة نظر وموقف وجودي وتصور شخصي وحكم ذاتي. على خلاف ذلك توجد قضايا مشتركة  حقائق يقينية مثل: " أنا كائن مفكر" و"3+4 = 7" و" يتشكل الثلج إذا بلغ الماء درجة حرارة مساوية للصفر". لكن لو أخذ الإنسان هذه القضايا على أنها اعتقادات فإنه من الممكن التمسك بكونها حقائق مع الإبقاء على حق الآخرين في بناء رؤية متباينة والاعتراف بمشروعيتها. لكن
كيف يمكن أن أعرف بأن الذي أراه حق هو كذلك على صعيد الواقع؟ وكيف أكون على يقين من أن الرأي هو بالفعل مجرد رأي ؟ وماهي المعايير التي تميز بين الحقيقة والوهم؟ أليس اتفاق الناس هو الذي يضمن حصول اليقين بإمكانية بلوغهم الحقيقة ؟ والى أي مدى يمثل الإجماع بالمعنى المعرفي معيارا صائبا؟

anfasse19079" لكي أوضح ما اعنيه وأقربه إلى الأفهام بإعطائه اسما، فقد رأيت أن أسمي أحدهما استباق العقل والآخر تفسير الطبيعة"1[1].
لقد انقسم العالم مع حلول عصر النهضة على أوروبا إلى عدة أجزاء وانفصل الإنسان جذريا عن الطبيعة وأثبت تفوقه على الكائنات الحية بالفكر واللغة واختفى نموذج الإنسان الذي يحمل في ذاته صورة عن العالم. لقد حمل لنا القرن السابع عشر نبأ تفجر الثورة العلمية مع غاليلي وديكارت ونتج تطور في الأفكار والنظريات وصارت معرفة الطبيعة تقوم على الملاحظة والقيس mesure وليس على التأمل كما كان عند الإغريق والجدل الفكري بالاعتماد على أدوات اللغة.
بيد أن مساهمة فرنسيس بيكون )1561-1626) في التنظير للمنهج التجريبي وجعل العلم الفيزيائي تجريبيا هو أمر لا يمكن إنكاره في تاريخ العلوم وأهم من ديكارت لكونه أول من نقد العلم الأرسطي وأسس نظرية العلم التجريبي.

anfasse09081" إن عالمنا يضم الانسجام بطبيعة الحال إلا أنه يرتبط باللاانسجام ، وهذا بالضبط هو ما قاله هراقليطس: يوجد الانسجام في اللاانسجام ويوجد اللاانسجام في الانسجام"1[1]
يشهد الوضع البشري تأزما لافتا نتيجة الهشاشة الإنسانية على المستوى النفسي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي بعد تفشي التوتر بين الغرائز والمؤسسات واشتداد نزعات التدمير الذاتي والعنف والاضطهاد المسلطة على الغير وتزايد الآفات الاجتماعية مثل البطالة والانتحار والفقر والركود وسطوة الاستبداد والفساد وهو ما اقتضى استعجال التدبير والتوجه الفلسفي نحو معالجة دقيقة ومتأنية لهذه المشاكل قصد تأهيل شروط الوجود وتجويد فن الحياة. غير أن الإشكاليات التي تطرح يمكن أن تصاغ على النحو التالي:
بماذا يتصف الوضع البشري في اللحظة الراهنة؟ هل تبدو عليه علامات الفوضى أم ملامح النظام؟ وأيهما الأحسن بالنسبة إليه النظام الذي يتسبب في اندلاع الفوضى أم تفشي الفوضى التي تستوجب إعادة تركيز قواعد النظام؟ وكيف السبيل للإبقاء على الفوضى الخلاقة والنظام المرن؟ وبعبارة أخرى هل يراوح الوضع البشري مكانه بين النظام والفوضى أم من زاوية الفكر المركب يمكن تجديل العلاقة بينهما؟
على هذا الأساس يمكن معالجة المشكل الفلسفي الذي وقع اثارته حول شروط وجود الانسان بتحليل العناصر المقترحة التالية :
- تدهور الوضع البشري وانحداره من النظام والتمدن إلى الفوضى والهمجية
لقد ساهم تردي النظام وانغلاقه وشموليته الى تفجر بركان مدمر من الفوضى
- استعجال الخروج بالوضع البشري من الفوضى إلى النظام
يمكن للفوضى الخلاقة أن تمثل شرط إمكان التوق إلى النظام المعقول
-  بناء علاقة جدلية بين الفوضى والنظام بالنسبة إلى كل وضع بشري تتكامل فيه الحاجة إلى الثورة والحرية والحق مع مطلب تشييد الدولة وبناء المؤسسات وتركيز المدنية والتحضر.

anfasse09077 "إن مقام الفلسفة الرفيع هو الإيطيقا"
صلاح الداودي

مقدمة
شهد العالم في القرن العشرين طفرة في حقول معرفية وعلمية مختلفة، أدت إلى بروز فروع جديدة، وفرت لها التقنية شرط ازدهارها وانتشارها، كمبتكرات التكنولوجيا الحيوية، والثورة البيوتقنية. وتم فسح المجال لفرع معرفي فلسفي جديد هو البيوإتيقا. هكذا طفت على السطح القضايا المتعلقة بالأخلاق والقيم، وتم الإستنجاد بالإرث الفلسفي المتعلق بمبحث الإيتيقا. لكن "تسارع التاريخ"، واكتساح التقنية لكل مجالات الحياة، لم تترك الفسحة المطلوبة للتساؤل عن ما يحدث. فأصبح الإنسان فريسة قوى تعمل وراء ظهره، في دهاليز المختبرات، ليست فقط الطبية، بل الثقافية والسياسية والجيوستراتيجية. هكذا ارتمى الكائن الحديث في صيرورة مطبوعة بفعالية التقنية وأنظمة التوجيه، تطلبت منه إعادة التفكير في ذاته ومستقبله.  في هذا السياق، توجه اهتمامنا منذ نهاية القرن الماضي، بفلاسفة ومفكرين، يشكلون جزءا من فلسفة التاريخ، لكنهم ينفلتون منه جزئيا أو كليا، فكانوا بمثابة التيار الهوائي الدافع من الخلف، على حد تعبير جيل دولوز. لقد منحنا هؤلاء "النجوم" لمعانهم، فكانت حياتهم القصيرة والكبيرة وصحتهم الهشة، تعبيرا عن إيمانهم بهذا العالم، وشغفهم المطلق بالحياة. في هذا السياق، نقوم بترتيب اللقاء مع مفهوم الإيتيقا عند ميشيل فوكو وجيل دولوز، وهدفنا هو إزالة ما علق بهذا المفهوم من تشويه، والزج به في دائرة التنافس حول القيم ومعنى الحياة التي نريد.

anfasse09074الكلمات المفتاحية:
 دلالة،   اللغة الأولية، الأنماط، الالفاظ المنطقية، البنية النحوية، البنية المنطقية، اللغة –موضوع، ماحول اللغة، اللغة المثالية، رابطة منطقية.
ملخص:
 تكمن أهمية هذه الدراسة في أهمية موضوعها وراهنيته في الفكر والفلسفة المعاصرة، إذ تعد مسألة البحث في المعنى و التحليل المنطقي للغة محور البحث في الفلسفة المعاصرة، من هنا صاغ  برتراند آرثر وليم راسل (Bertrand Russell (1872-1970  نظرية الذرية المنطقية، واتّبعه في ذلك فيجنشتين وظلا يدافعان عنها لسنوات، وذلك لبناء لغة مثالية رمزية تخلو من أي عيب من عيوب اللغة الطبيعية وقصورها، وتحقق الدقة، الصدق، والوضوح، بحيث يكون لكل مفرداتها معنى محددا، ونصل في نهاية التحليل إلى لغة تكون كل مفرداتها عبارة عن أسماء أعلام، وأوصافها محددة بحيث يمكن إدراكها بطريقة مباشرة، ومنها يمكن اشتقاق القضايا المركبة.  ولتحقيق ذلك ميز راسل بين التحليل المنطقي والتحليل النحوي للغة.

anfassa01084الكلمات المفتاحية:
التحليل المنطقي، اللغة العادية، الذرية المنطقية، مذهب التعدد، العلاقات الداخلية، العلاقات الخارجية ، الواقعية.
ملخص:
يهدف هذا المقال  إلى توضيح فكرة  الذرية المنطقية والمذهب الفلسفي الذي يتبناه راسل، و تحليل نظرية المعرفة عنده،  باعتبار أنه ثار على المعرفة التقليدية وانتقدها لاقتصارها في البحث فيما هو ذاتي وموضوعي، وذهب من خلال منهجه الى تحليل معارفنا وتصنيفها الى معارف أساسية و معارف مستنتجة، وقسم المعرفة الى معرفة مباشرة ومعرفة بالوصف، من هنا تتمحور  الذرية المنطقية حول التساؤل عن مكونات العالم، وانواع الموجودات فيه، والتساؤل حول انواع القضايا المعبرة عن هذه الموجودات، بالإضافة إلى مكونات هذه القضايا.  
يعتبر برتراند راسل، إلى جانب جورج ادوارد مور (1873-1958) خاصة في مقاله "تفنيد المثالية"، رائدا الثورة على الفلسفة المثالية1 في بريطانيا، وقد ظهر هذا التيار في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ويعتبر انه باستطاعة الانسان ان يدرك الواقع المستقل عن الذوات والخارج عنها ادراكا مباشرا.
بدأ راسل حياته الفلسفية متأثرا بآراء برادلي (1846-1924)  ، وظل لبضع سنوات أحد تلامذته، كما اعجب بالفيلسوفين كانط  (1724-1804) فيلسوف  وهيجل (1770-1831)  ، إلا انه خلال عام 1889 بدات آراءه تتغير، وذلك بتاثير من زميله جورج مور، ووجد نفسه احد اتباع مذهب التعدد2، التي سيتمسك بها طوال حياته. ومن المحاور الرئيسية في فلسفة راسل، وعند اغلب الواقعيين الجدد، نقده لفلسفة برادلي في العلاقات الداخلية3 ، إذ يرى راسل انه لا توجد علاقات داخلية، وان العلاقات القائمة هي علاقات خارجية، وقد أبدى راسل ذلك في سلسلة المحاضرات التي عنونها بـ: الفلسفة الذرية المنطقية La philosophie de l’atomisme logique، والذي يعرف اختصارا بالذرية المنطقية L’atomisme logique، وهو اتجاه فلسفي معاصر، اتخذ مكان الصدارة في الحقلين المنطقي والفلسفي. ظهر هذا المصطلح تقريبا سنة 1918 بعد أن ألقى راسل سلسة من المحاضرات في لندن نشرت في مجلة "The Monist".
تتألف هذه المحاضرات من ثمانية موضوعات فلسفية ومنطقية، هي:

anfassa01082«"نحن" سكان جنوب الحداثة، الذي نتفلسف بلا "يوم ميتافيزيقي يخصنا"»
فتحي المسكيني
«ليس من السهل دائما أن يكون المرء هيدغريا»
دولوز-غتاري

تقديم

نتج عن نشر سياسية "الأمر الواقع"، وممارسة السلطة كونيا بمنطق التحكم والمراقبة والإخضاع والعقاب، إعادة التفكير في منطق الوجود المشروع، وفي أفضل طريقة لتدبير حياة الناس وتربيتهم. لقد شغلت طريقة حكم الأفراد والجماعات والشعوب جل الفلاسفة والسياسيين والمفكرين الأخلاقيين. فمنذ المدينة- الدولة اليونانية ظهر تفكير جدي في طريقة حكم الناس وتدبير حياتهم وشؤونهم الإجتماعية والسياسية، وهذا يعني البحث عن أفضل شكل للحكم، يسمح بانخراط المواطن في الحياة ورعاية وجوده في التاريخ. لكن مع ولوج عصر "الإمبراطورية" وتراجع دور الدولة الوطنية والقومية، افتقد إنسان الجموع البوصلة، وتاه في دروب لا تؤدي إلى أي مقام.
يمنحنا سؤال الأستاذ فتحي المسكيني، إمكانية ولوج عصرنا -الإمبراطوري الجديد- فلسفيا عبر بوابة قراءة  الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر:
كيف نقرأ هيدغر في ضوء العصر الإمبراطوري الذي بدأت أولى ملامحه مع بداية انهيار نموذج الدولة-الأمة وانحسار مشروعيات السرديات الكبرى؟(1).
يفتحنا المسكيني، على شكل جديد للعالم سماه ب"الإمبراطورية" على غرار أنطوني نيغري وميشيل هاردت. هكذا ينخرط في مساءلة وجودنا الراهن، المتميز بشكل جديد من السيادة على البشر، في ظل جهاز "حكم بلا مركز أو إقليم" ولا حدود. إنه "نظام" يؤبد الوضع الراهن للقضايا ويتغلل في أعماق اليومي ويقضم فضاء العالم كرة بعد أخرى ويخلق كل مرة ملامح العالم الذي يسكنه. إنه "سلطة حيوية تسبح في الدماء لكنها تهدي عملها للسلام - سلام دائم وكوني يقع خارج التاريخ"(2).
فكيف يمكن ضمان وجود مشروع في عصر الإمبراطورية؟

anfassa01080قبل أن يبذل الإنسان مجهودا فلسفيا أو علميا لمعرفة العالم المحيط به ، والذي يشكل أحد عناصره ، انتابته مشاعر التعجب والذهول والاندهاش من النظام الذي تبدو عليه الطبيعة وتسير وفقه الكائنات والأشياء وخاصة الحركة المنتظمة للأجرام والكواكب والترتيب الذي توجد عليه الظواهر الحية.
لقد قاد التفكير في نظام الكون الفلاسفة إلى اعتبار الكائن الحي خاضع إلى قانون معين يتحكم في تطوره الداخلي والانتباه إلى قدرة الحياة على مقاومة كل الاعتداءات المتأتية من الوسط والى التعامل مع الطبيعة بوصفها كوسموس.
ماهي العلاقة بين اللوغوس وفكرة الطبيعة؟ وكيف تصورت الفلسفة الإغريقية العالم؟ و ماذا كان يقصد الإغريق فلسفيا بكلمة كوسموسِCosmos ؟ وهل كان مفهوم الطبيعة غائبا بشكل تام في المحاورات الأفلاطونية أم أنه سجل حضوره في جميع المحاورات بصورة لافتة ؟ كيف يمكن الانتقال من مستوى المعنى المتداول إلى مستوى المعنى الفلسفي والعلمي؟ وماهو هذا  النظام القائم الذي يسمح بالتأليف بين الطبيعة بوصفها مجموع الكائنات والطبيعة بوصفها ماهية الشيء؟ أي النظام الداخلي يجعل ذلك الشيء على ماهي عليه ؟ هل الطبيعة هي النظام العقلي أم الترتيب الكوني؟ من أين جاءت فكرة ماوراء الطبيعة عند أفلاطون؟ هل يوجد فعلا ؟ أين يوجد؟ وماهي خصائصه؟ أليست الطبيعة هي الخارجية المحضة؟ ماهي الحركة الطبيعية عند أرسطو ؟ ألا توجد حركة ضد الطبيعة؟ كيف أكمل حاول كل من ديمقريطس وأبيقور ولوكراس تأسيس التصور الوضعي للطبيعة؟

anfasse24068"الفيلسوف الأخير، هكذا أسمي نفسي، وذلك لأنني الإنسان الآخر". فريديريك نيتشه
"الله غاية الدين، والإنسان غاية الأخلاق". عبد العزيز بومسهولي

مقدمة
من هو الإنسان؟
بالنسبة لكائن حداثي، الإنسان يعتبر ذاتا تعرف وتعمل وتأمل، وتبحث عن مسلك تنويري، اعتمادا على فتوحات العلم والتقنية والفن والثقافة، إنه يرى الإنسان بعين براغماتية. فهو يبحث، أولا عن الطريقة التي يستعمل بها الإنسان نفسه، وثانيا يعلن عن طموحه في تأسيس "مجتمع المواطنة العالمي"، أي تحقيق المطلب المدني المعاصر. يصير الإنسان وبالأخص "الإنسان الأخير"، مع هذا التعريف، تجربة وجودية خاصة بالإنسان المعاصر، ونمط بشري جديد، في حين يعرفه هايدغر بالصيغة التالية: "الإنسان هو نفسه" أو "الإنسان هو نفس ما". لكن مع الأستاذ فتحي المسكيني، ينزاح هذا التعريف، عبر الإنتقال من طرح السؤال حول "من هو الإنسان؟" إلى مواجهة سؤال "ما هو الإنسان؟".
السؤال نفسه، طرحه فرانسيس فوكوياما احتفالا بانتصار النظام الرأسمالي الليبرالي ومنظومته القيمية، عندما أشار إلى الطريق المسدود الذي وصل إليه السؤال ذاته(1)، وكان موجها إلى أولئك لا يريدون فهم معنى "مفهوم الإعتراف".
يفترض سؤال: "ما هو الإنسان؟" عند فتحي المسكيني تقديم تفسير للإنسان، ليس بوصفه موضوعا وذاتا متعالية، بل موضوعا وراثيا. بهذا التحوير، ينزاح الإنسان الأخير عن دلالته النيتشوية، ليأخذ تأويلا جديدا، صار بموجبه في عصر الإمبراطورية الرقمية للعالم الذي تسنه أمريكا، مشكلا إمبراطوريا، وراثيا، وإيكولوجيا. فقد فهم الإنسان آخر الأمر أنه "جينوم"(2).

anfasse24065"بهذا الانعطاف لفك الرموز القديمة فإن الايمان ليس صرخة ولكن فهم"[1]1
لم تمنع استقلالية الخطاب الفلسفي بول ريكور من الاهتمام بالدين في العموم من وجهة نظر تأويلية نقدية ، ولم تشكل صعوبة الطريق المؤدي الى فهم الديني عائقا أمام تفكيك العلاقات الموروثة والمترسبة بين التيولوجي والأنثربولوجي وتطبيق المنهج الفنومينولوجي المنحدر من هوسرل وهيدجر على الحياة الدينية وتطعيمها بقراءة هرمينوطيقية للوجود الديني تتحرك ضمن دائرة تأويلية متكونة من مساري التفسير والفهم ومنفتحة على مناهج علوم اللسان والذهن والمجتمع. في هذا السياق تتكون اشكالية المداخلة من ابراز مواطن التوتر بين الفلسفي والديني في النصوص الريكورية وتقصي مزايا وحدود طريقة التجسير التصالحي بين النقائض التي اتبعها بول ريكور بغية استثمار ما تجود به التقاطعات بين الذاكرة والنسيان وبين المقدس والدنيوي وبين الاثم والغفران من كشوفات أنطولوجية وما تسبعده من أوهام كوسمولوجية وأغراض ايديولوجية.
لقد كان رهان ريكور هو التخلص من آفة الشر وتخطي مأزق الخطأ وإماطة اللثام عن العمق الخير الذي يوجد في فطرة الانسان وعن البراءة الأصلية التي تتميز بها الطبيعة البشرية، وظل شغله الشاغل استخراج الأبعاد الاتيقية للقصص الديني من خلال ازالة الأسطرة عن المقدس وتشفير اللغة الرمزية وبناء علمانية ثالثة تخرج من مضيق اللاهوت القروسطي للدولة الدينية والتصور اللائكي المعادي للإيمان وتضع الخطوط الأساسية لقيام دين مدني يتوافق مع التصور الجمهوري لدولة الحقوق.