" يمكن أن يكون الطب بالنسبة للفلسفة العامة في العلوم مناسبة التفكير الابستيمولوجي الأساسي في العلاقة بين النظرية والتطبيق داخل العلم" -  ألودي جيرو - فلسفة الطب،1[1]
لقد انتهت الفلسفة في الآونة الأخيرة أن اتخذت دلالة واسعة جدا بحيث لم تعد تفيد أي شيء تقريبا بالنظر  إلى معناها الأصلي الذي كان يشير إليه اسمها المنحدر من التراث الإغريقي: فيلوصوفيا أي محبة الحكمة.لعل الاستعمالات الضعيفة لمفردة الفلسفة هي التي تسببت في هذا الانحباس الدلالي والقصور الوظيفي عندما غدت الصناعة تقتصر على ابتكار المفاهيم وتمثيل العالم وتحليل اللغة العلمية والتفكير في المعرفة، بينما تم إهمال المعاني الجذرية للفلسفة الأصيلة والحية والتي احتمت بها البشرية عند الشدائد سابقا للدفاع عن نفسها وللاحتماء بالقيم الكونية لما كانت تربطها بالحكمة العملية وتتخذها سلاحا ثوريا ضد الظلم والتفاوت وفنا في الحياة الجيدة، وتزج بها في معركة ضمان البقاء في صراع إرادات من أجل حسن الوجود للأكثر صلابة واقتدار.

" يمكن أن يحل نقد العقل الأداتي مكان نقد العقل الوظيفي"
هابرماس يورغن، نظرية الفعل التواصلي، المصنف الثاني.
يتميز الفكر السوسيولوجي عند يورغن هابرماس بالتشخيص المروع والرهيب للعقلانية الحديثة ولم يكتف بإجراء نقاش قوي وجدي حول الميتافيزيقا مع مارتن هيدجر بل خاض نقدا موسعا حول الحداثة ضمن مشروع جدلية التنوير مع هوركايمر وأدورنو ولم يتوقف عند النقد السلبي للعقلانية الأداتية التي قامت به مدرسة فرانكفورت لما كشفت خضوع الفردانية للتنظيم الإداري ومعاملة الأفراد بوصفهم أرقام وليس لهم سوى قيمة تبادلية بل حاول إيجاد حلول للأزمة التي تعاني منها البيروقراطية والاستعمال التقني للعقل من خلال مفهوم العقلانية التواصلية وفكر في الاستعمال الحواري للعقل بين الذوات ضمن الفضاء العمومي.

استهلال:
" ليس أمام الفلسفة الشخصية عمل أهم من اكتشاف الواقع الأصيل الذي يختفي وراء ستار العموم المصطنع"1[1]
لقد مارس نيقولاي برديائيف (1874-1948) تأثيرا عميقا على الفكر الفلسفي في الحقبة المعاصرة وذلك ليس من خلال تناولها لقضايا الحرية الخلاقة وبحثه الأساسي في الشأن الإنساني من زاوية وجهه ومعنى وجوده بل عندما ساهم في قيام أنثربولوجيا جديدة تضع الإنسان في مواجهة إمكانية صناعة مصيره بنفسه عن طريق الوعي الباطني بالفعل وتنمية الموهبة الإبداعية وتمكين الذات من الابتكار والتجديد والإضافة.
لقد عُرِفَ على نيقولاي برديائيف التصاقه بالإيمان وانتمائه للمؤسسة الدينية ولكن هذا الارتباط لم يمنعه من ممارسة النقد التاريخي ليس من حيث الماهية والجوهر وإنما من جهة الحضور التاريخي والممارسة السلطوية وتأثير الانفعالات الإعتقادية في السلوكيات الدنيوية وتدخل رجال الدين في الشؤون البشرية.

"في أقصى درجات تقلّبي، لم أكن في يوم من الأيام ملحدا بمعنى منكر لوجود الإله"
(تشارلز داروين)
باستعراض سريع لمسار الإلحاد ومنشئه، فإننا -بقدر من التأمل التاريخي- سنجد الإلحاد، الجازم بإنكار الإله، أمرا مستحدثا على التاريخ الإنساني، فهو، كما يرى "سلطان العميري"[2]، وإن كان موجودا في العصور القديمة بنسب ضئيلة وحالات شاذة، فإن صيحته الحديثة تلك ما هي إلا نتاج لثورة الحداثة على الكنيسة الأوروبية في قرون متأخرة.
بدأت القصة من العصور الوسطى، إذ كان للطغيان الكنسي حينها، وانقطاع المسيحية التاريخي عن أصل الوحي الإلهي وتحريف الكثير من مبادئها، أثر بالغ في نمو هذه النظرة المتمردة تجاه الكنيسة، حتى ظهرت الشيع الملحدة التي، وفقا لـ "ول ديورانت"[3]، كانت قد تخطت مئة وخمسين طائفة خلال القرن الثالث عشر.    

"الفيلسوف هو من يعرض حياته كشهادة فاضحة عن الحقيقة"
 فريديريك غرو
تقديم
    وقفت في مقالة سابقة على التجربة الفريدة للفلاسفة السنيكيين، وأكدت على تميّز كيفيتهم في الوجود وأسلوبهم في العيش، واعتبرتها مثالا ل"الحياة الفلسفية"(1). فالإيمان ببراءة الوجود والعيش وفق نواميس الطبيعة ، والرغبة في ابتكار "عالم آخر"، كلها ملامح لحياة نبيلة وجميلة حسب الفيسلوف السنيكي. فالبراءة تدرك عنده كلعبة الوجود والقوة والإرادة مثلما أدركها الفيلسوف هيراقليط، الذي فهم الوجود انطلاقا من غريزة لعب وجعل منه ظاهرة جمالية. أما نواميس الطبيعة، فهي المرشد الحكيم لسلوك الفيلسوف السنيكي، وليس أخلاقيات العادات ولا قوانين المؤسسات وأعراف المجتمع. إنه من يشرّع خيره وشره باستعمال عقله وتفعيل إرادته، واضعا أوامر ونواهي "القيم العليا" على محك النقد، ومنخرطا بالفعل في تحويلها. لكن إنجاز هذا المشروع الإيتيقي، تطلب من الفيلسوف السنيكي عملا زهديا متكاملا ومتواصلا، وانهماما خاصا بذاته(بجسده وروحه/تفكيره)، مرتكزا في كل ذلك على سلاح الحقيقة والجرأة على قولها للذات وللآخرين.

" من يمتلك الإيمان الكافي لمقاومة تيار الجمهور هو استثناء غالبا ما يضحك عليه معاصروه وما يكون موضع إعجاب بعد عدة قرون"  - ايرك فروم
تضاءل الاهتمام بالفلسفة من جهة المتابعة للورشات الفكرية وحلقات النقاش والمطالعة للكتب المنشورة والمقالات المكتوبة والنصوص المدونة ومن جهة الحضور والمواكبة للدروس والحصص الييداغوجية.
ما مرد هذا العزوف؟ هل يعود إلى اتصاف الفلسفة بالتعالي والتعفف أم إلى الأزمة الروحية والفراغ القيمي؟
هل هو الإفراط في تناول تاريخها وذاكرتها بدل التركيز على احراجاتها ومفارقتها واستهداف مقاصدها؟
لقد حازت مختلف التصورات الوجودية والرؤى المعرفية والأنماط التعبيرية على قسم هام من المتابعين المثابرين وشرائح من المجتمع والحريصين وجاء الدين والرياضة والفن والسياسة في المراتب الأولى.

تقديم : يتوخى الباحث سعيد بوخليط، الاشتغال تأليفا وترجمة، على رافدين، اعتبرهما، باستمرار مسارين أساسيين، بالنسبة لهواجسه المعرفية:
- شعرية غاستون باشلار، ومن خلالها المرتكزات الأساسية للنقد الأدبي الحديث.
- العلاقة بين الأدب والفلسفة.
وقد شرع فعلا،بهذا الخصوص،منذ أواخر سنوات التسعينات،في تقديم أولى بواكير تطلعاته تلك،بإصداره بداية لمقالات وإنجازه لترجمات،نشرت في ملفات مجلات أكاديمية مغربية وعربية،من صنف التي كان يشرف عليها محمد عابد الجابري أو مطاع صفدي.ثم تطور العطاء مع عناوين عشرات الكتب،صدرت تباعا….آخرها،عن دار عالم الكتب الحديث الأردنية،تحت عنوان :''آفاق إنسانية لامتناهية،حوارات ومناظرات".   

"كل سفينة لا تجيئها ريحُها منها فهي فقيرة"
 - ابن عربي -
يتميز الفيلسوف ابن عربي المولود في مرسية بالأندلس سنة  ميلادي1164والمتوفي في دمشق عام 1240 ميلادي عن غيره من الحكماء بالتعمق في البحث والتبحر في العلوم وفي امتلاك اللغة الرمزية والنباهة الفكرية والحدس الاشراقي واستخدام للمسلكية المنطقية والتجربة العيانية والتأويل المجازي.
لقد مر المتصوف الأكبر بتونس وأقام فيها مرتين لمدة زمنية مهمة وترك الكثير من المؤلفات والمراسلات والأقوال من أبرزها الفتوحات المكية وفصوص الحكم وترجمان الأشواق وشجرة الكون وكتاب اليقين.
لقد زار مختلف المدن والعواصم العربية بداية بغرناطة وفاس وتونس والقاهرة وبغداد ومكة والطائف وحلب ودمشق والتقى بكبار المتصوفة والحكماء مثل السهروردي وجلال الدين الرومي وذكر المؤرخون لقاء مفترض جرى شبابه بينه والفيلسوف الكبير ابن رشد وحدوث مناقشة بينهما عن منهج الحقيقة ورؤية الكون ولكنه انتهي إلى العزوف عن طريق البرهان والتجربة واتبع مسلك الكشف والإلهام والإشراق.

لا يوجد فيلسوف أوروبي في القرن العشرين أفلتَ من تأثير الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر (1889_ 1976). وهذا يشير بوضوح إلى مكانة هذا الفيلسوف في النسق الفلسفي الغربي . فما الذي جعله يتبوَّأ هذه المكانة رغم كثرة القامات الفلسفية في أوروبا عبر تاريخها الطويل ؟
إن النقطة الجوهرية في فكر هايدغر هي عدم تقليده للآخرين، لقد كانَ نفْسَه ولا شيء آخر، ولم يَعبأ بالنقد والاتهامات، فقد آمنَ بأفكاره الشخصية وفلسفته الخاصة، ومضى في طريقه وحيداً نحو الهدف الذي رسمه بنفْسه، ووصل إلى أبعد نقطة ممكنة، لأنه كان يعرف مسارَه وهدفَه ، ولو كان متردداً لما حقَّق أيَّ إنجاز، وكما قِيل : لا يذهب بعيداً مَن لا يَعرف إلى أين هو ذاهب، وهذا الأمر يُحسَب له بغض النظر عن طبيعة أفكاره.

" لا راحة لمن تعجل الراحة بكسله...وليس العاطل من لا يؤدي عملا فقط بل من يؤدي عملا وبوسعه أن يؤدي أفضل منه" – سقراط-
الفئة الشابة هي العصب الحيوي للمجتمع وعماد المستقبل والطاقات البشرية التي يعول عليها الجميع من أجل المحافظة على المكاسب والاستمرار في العطاء والجد والاتجاه نحو صناعة الغد والقيام بالإصلاحات الضرورية والتجديد الجذري للواقع السائد والانطلاق من الموجود نحو المنشود ومن الكائن إلى الممكن.
يتميز الشباب بالحماس والديناميكية والإقبال على الأمور العظيمة والاستعداد للفعل والاندفاع نحو العمل والإقدام على المغامرة والمشاركة التلقائية في التضحية والالتزام بالتجربة والعودة إلى المبادئ الجماعية والاستعداد للتعلم من الآخرين والاستفادة من النصيحة ومحاكاة النماذج الناجحة والاقتداء بالرموز القوية.

من المعلوم أن التفكير الفلسفي أقام منذ أفلاطون أهمية أساسية للمفاهيم و الاشتغال عليها نظرا لما ينشأ عن تعدد المعاني للكلمة الواحدة من سوء تفاهم أو مغالطات سفسطائية مقصودة, حيث خصص أفلاطون عدة محاورات لتحديد مفاهيم مثل العدالة و النفس و الوجود و غيرها ,و هو نفس الأمر الذي  دفع أرسطو بعده إلى إحصاء المغالطات المتعلقة بالألفاظ و استعمالاتها في كتابه " الدحوضات السفسطائية ". و قد خصص العديد من الفلاسفة المسلمين كذلك مؤلفات تعنى بدلالات الألفاظ المنطقية و الفلسفية يمكن أن نذكر منهم على سبيل المثال  لا الحصر الفارابي في كتابه "الحروف" و الغزالي في "كتابه معيار العلم". رب أمر بمثل هذه الأهمية جعل فيلسوفا معاصرا مثل جيل دلوز يعرف الفلسفة نفسها بكونها " إبداع للمفاهيم ". في هذا السياق , يمثل الاشتغال الفلسفي على معنى الهوية أهمية كبرى في التفكير الفلسفي سيما في العصر الراهن إذ هو لفظ متعدد الاستعمالات , مثقل بالدلالات , يستخدم في المنطق و الميتافيزيقا و العلوم الإنسانية كالانتروبولوجيا و علم النفس و علم الاجتماع وحتى في الخطاب السياسي و الإعلامي.