يقترح الفلاسفة طريقين لمعرفة الفلسفة : أحدها هو الطريق الماهوي الذي يفترض جوفا ما للفلسفة يسكنها من الداخل و يعمل على تحريك مسارها في التاريخ. وآخر هو الطريق الوظيفي الذي يفترض غايات عليا موجهة للفلسفة من البداية. وإذا كان الأول يحدد ثوابت أولية تضفي الفلسفية على الخطاب، يذهب الثاني إلى اعتبار أن هناك أدوارا محددة للفلسفة لا تكون إلا بها.
فبينما يقول لنا الماهويون إن الرياح كانت تنوي إخراج الموجة نحو الشاطئ، يرد عليهم الوظيفيون أن الأمواج تعرف مصلحة البحر ككل وتتحرك من أجل هذا الهدف. وما وراء هذين الطريقين هناك طريق ثالث لا ينطلق من الماهية أو الغاية بل من عملية الإنتاج الفلسفي ذاتها؛ أي نشاط الفيلسوف المتمثل في العملية المولدة للمضامين الفلسفية، لكن بدل النظر للمضمون الفلسفي يتعين علينا الإنتباه للممارسات المنتجة له؛ تعيين طبيعة هذه الممارسة وتمييزها عما سواها.

تنطلق  هذه المداخلة  من الافتراض الآتي : " إن  فلسفة سقراط جزء لا يتجزأ من المشروع التنويري العام الذي تروم الفلسفة تحقيقه. وحتى يتسنى لنا إيضاح ذلك، فالأمر يقتضي الغوص في دواليب التفكير الفلسفي، من الفلسفة اليونانية إلى حدود الفلسفة المعاصرة. فكما يعلم الجميع أن  الطبيعة  شكلت موضوعا لاشتغال الفلسفة اليونانية لاسيما ما قبل سقراط  أو ما يصطلح عليه بالفلسفة الكسمولوجية، كيف لا وهي التي انطلقت من سؤال ما أصل الكون ؟ هذا السؤال الذي أنعش القريحة الفكرية لفلاسفة تلك الحقبة " القرن 6 و 4 قبل الميلاد" خصوصا طاليس الذي قال بأن الماء أصل كل الأشياء وهي الإجابة التي جعلت منه أول فيلسوف يوناني  على حد قول فريدريك نيتشه[1] ويعزى ذلك  إلى كون فكرته هذه تتضمن أن الكل واحد.

لقد ظل التفكير البشري مند بزوغه مهووسا بالتفكير في الشروط التي يعيش ويحيا فيها، محاولا الرقي بها إلى الأفضل، متجاوزا كل ما هو قديم وغير صالح، طامحا لبناء الجديد الذي لا يمكن أن يكون إلا خيرا وصالحا للمجتمع، وقد كان هدف الانسان عبر تطور العصور هو تحقيق العدالة الاجتماعية التي طالما شكلت حلما لكل البشر، فلولا غياب العدالة لما سعت الممالك القديمة كأشور، وأكد، وبابل وسومر ...إلى تحقيقها، ولولا غياب العدالة لما ظهر حمورابي بقانونه الذي أرسلته الآلهة ليرسيها ويجسدها واقعيا. يحكي لنا حمورابي بان الإلهين أنمول"المرشد الأعلى " وأيليل هما اللذان  :"هتفا باسمي يا حمورابي،أيها الأمير المبجّل الذي يخاف الآلهة، أن أجعل العدالة تعم رحاب الأرض، وأقض على الأشرار، حتى أمنع الأقوياء من اضطهاد الضعفاء، وأشرق كالشمس على التعساء والمظلومين".

   يمكن أن نقول أن الغرض من العدالة حسب تصور حمو رابي هو حماية الضعفاء من بطش الأقوياء، في الدولة القديمة التي كان جهاز السلطة فيها يتميز بالمركزية إلى درجة عالية .

يحيل إصطلاح الفلسفة كمحبة للحكمة - فيما يحيل - على لحظة اِلتقاءٍ بين عالمين: عالم الشعور وقد انضاف لعالم الوعي ليشكلا عالما إنسانيا من الأمل و التأمل. هذه الإرادة ذات النزع الإنساني تتضمن الآخر في أحكامها كضرورة أنطولوجية وكقصدية أخلاقية ، وأيضا كشرط للتفكير بالتصور الدولوزي. ربما لأن ما ترتبط به الفلسفة كما يقول هيدغر1 يقاربنا و يلامسنا في كينونتنا الخاصة. فالإرتباط بالحكمة و معها هو تعلق بفكرة الفكرة وحسم مبدئي بين العيش وفق الفكر أو وفق النزوة و تقلبات الضرورة ؛ لهذا تعرض ذاتها كخيار أخلاقي نابذ للمندفع المتهور ، تثق في الإختلاف و تعترف به بدل نبذه و التشكك فيه. فأي صلات تلك التي تجمع الحب بالحكمة؟ وما الذي يجعل هذا الحب ممكنا ؟ و بأي معنى يكون الحب دعامة لإمكانية الفلسفة ؟

" أن تكون فيلسوفا لا يعني أن تعلم الكثير من الأشياء بل أن تكون دقيقا في كل شيء"
سقراط
لم يتفق الفلاسفة على الكثير من الأمور بما في ذلك تعريف النشاط الذي يقومون به، فالجميع يمنح لنفسه تصورا مخصوصا وطريقة في البحث ينفرد بها عن غيره ويضع لمنطلقاتها نتائج يزعم اكتشافها بنفسه.
غير أن هذا الاختلاف والتباين بين الفلاسفة حول طبيعة مجهودهم ونوعية الشغل الفكري الذي يقومون به لا يلغي وحدة الهدف والمصير والرغبة المشتركة في تدبير المدينة واستهداف حياة جيدة خالية من الشقاء.
لا تقتصر الفلسفة على النظر في العالم وإبراز الحضور الإنساني وتصور مجتمع أفضل وإنما هي فعالية إبداعية فيه ونشاط خلاق وقدرة تحررية وأيضا درب نحو تحقيق السعادة وتمكين الناس من الخير العام.

راودتني فكرة الكتابة حول هذا الموضوع منذ أيام، لكن عندما أردت تصريف الفكرة عمليا عشت، أثناء صياغة العنوان، لحظة تردد بين الصيغة المختارة عاليه وبين الصيغة الأخرى التي تشير إلى مفهوم التسامح بين حقوق الإنسان والفلسفة. إن ما حملني بالأساس على اختيار الصيغة الأولى بدل الثانية هو أسبقية الفلسفة على حقوق الإنسان التي يجرى الآن التأسيس لها فلسفيا.

1 - تأملات فلسفية حول مفهوم التسامح

في البداية، أعلن أن البحث في القواميس عن دلالة ومعنى كلمة «تسامح» لأجل المقارنة بين أشكال حضوره في لغة أو أكثر لا يدخل ضمن مقاصد هذا المقال. نحن نعلم أن هذه المهمة البيداغوجية قام بها، على أحسن وجه، العديد من الدارسين نخص منهم بالذكر سمير الخليل من خلال مقاله القيم عن «التسامح في اللغة العربية» والموجود ضمن كتاب جماعي بعنوان «التسامح بين شرق وغرب». لكن الأهم من كل ذلك، بالنسبة لسياق موضوعنا، هو أن تعني الكلمة نفسها في اللغة العربية ما تعنيه كلمة» TOLERANCE» في اللغة الفرنسية.

موجز عام: اعضال الاستطيقا والاطيقا مع دريدا يطرح اسئلة حارقة؛    كيف نكتب والحال إن الكتابة قد ولّى عصرها وما المكتوب إلا إخفاء لما كان منتظرا ؟  كيف نتفكّر الأشكال الرئيسي : أيّة جمالية في التفكيك؟ وما علاقته بالاطيقا؟ ..قد يمثل استشكال الكتابة الفلسفية والاستطيقا في خضم التفكيك، دافعا إلى ضرورة مواجهة أسئلة أخرى من قبيل: هل يمكننا أن نحيا جماليّا؟ وهل مازال باستطاعة الفيلسوف، أن يحوّل الحياة إلى ''ظاهرة استطيقية''؟

RESUME’ : Esthétique et éthique chez le grand Derrida : quelles problématiques et quelles solutions ??. L’écriture comme jeu de mots et de phonèmes. Voilà la crise de l’occident ; y a-t-il une approche esthétique ??

"لدي تخوف رهيب من أن يتم تقديسي في يوم ما."
نيتشه
يؤكد المؤرخ الكبير زييف سترنهل فكرة مفادها أن العمل الكبير يحتمل دوما دلالتين مهمتين، تلك التي يعطيها الكاتب من جهة، ومن تقدمها الأجيال اللاحقة من جهة ثانية، لذا قد نقول في هذا الصدد إذن، أن كل عمل لا يمثل نفسه بقدر ما يمثل إما نظرة من أوجده، أو قراءة القارئين اللاحقين عنه.. لكن وبغض النظر عن هذا الأمر الذي يقف عند احتمالات لامتناهية، فقد يكون من المجحف الحكم على عمل ما انطلاقا مما نراه فيه، اللهم إلا إذا اعتبرناه قولا عابرا لا يمثل العمل الأصلي.. فكم من مفكر عبر عن امتعاضه المباشر من عديد التفسيرات التي اقترنت بأعماله، مؤكدا أنها حامت ولم تصب، أو أنها لم تحقق الاثنين..بل إن هذه القراءات التي قد تجانب الصواب أحيانا يمكن أن تجني على النص المقروء وصاحبه.. والحال أن مناسبة حديثنا في هذا الشأن، تدور حول موضوع قديم جديد ألا وهو علاقة نيتشه بالنازية، باعتباره موضوعا أسالت مداد العديد من المهتمين باللحظة النازية إبان العقد الثالث من القرن العشرين، بين من يؤيد هذا الارتباط الكبير، وبين من يرى فيه إجحافا للرجل وفهما عاميا لفلسفته.. من ثمة فما هي حدود الالتقاء بين التصور النازي وفلسفة نيتشه؟ أين تنتهي الأولى كي تبدأ الثانية؟ بل بأي معنى سنربط بين الاثنين رغم التباعد التاريخي الحاصل بينهما؟

في يوم 24 (مايو/أيار) من عام 1543م، وبينما كان على فراش الاحتضار، نشر عالم الفلك والرياضيات والفلسفة نيكولاس كوبرنيكوس بحثه الذي يدحض فيه نظرية أرسطو الفلكية والتي تبناها من بعد أرسطو العالم الفلكي بطليموس، والتي تتحدث عن أن الأرض هي مركز الكون، بينما أثبت كوبرنيكوس بالأدلة الرياضية أن الأرض مجرد كوكب يدور حول الشمس، تلك الأطروحة التي كان يعلم كوبرنيك أنها ستقلب عليه الأوساط العلمية والكنيسة حينها، بل ستجعله ضحية جديدة من ضحايا محاكم التفتيش.(1)

أطروحة ستغير السماء في عين كل فيزيائي، مؤسسة بذلك بداية عصر النهضة الأوروبي، والتخلص من سيطرة الكنيسة، إذ مثلت تجسيدا لتحدي المجتمع العلمي للكنيسة الأوروبية، ممهدة لثورات اجتماعية وسياسية وفلسفية وعلمية أخرى شكّلت عالمنا الحالي، ووضعت أسس علم الفلك والفيزياء، واضعة حجر الأساس للثورة الصناعية وبزوغ عصر التكنولوجيا والبرمجيات وكل ما يُشكّل حياتنا اليوم. (2) 

" في الخطابة، الحجج خاضعة لتصديق السامع"[1]
لم يفقد النموذج الخطابي القديم الموروث عن الإغريق والعرب قدرته التوجيهية للأقوال الراهنة سواء في المجال التربوي أو المجال السياسي أو المجال القضائي أو المجال الأدبي أو المجال الأخلاقي والتاريخي.
لقد استفاد كل من فن المحاماة والإشهار وصناعة الأفلام على سبيل المثال من القدرات الخلاقة والمحاسن التي منحها القدامى لفن الخطابة دون ركوب المخاطر وتخليف الضحايا وتضمن مجموعة من المساوئ.
من هذا المنطلق تضمن فن الخطابة تاريخا عريقا تراوح بين حسن الكلام وإجادة المغالطة وفن الإفهام وتفضيل الإصغاء وتفادي الثرثرة والتركيز على توفير شروط الإقناع وخلق ظروف التصديق والتوكيد.

لقد عبر القدامى من العرب والمسلمين عن إشكالية الترجمة، بشكل يٌظهِر وعيهم الكامل بها ودرايتهم العميقة بصعوباتها، فلا يخلوا تأليف من تواليفهم، في مجال من المجالات من ذكرٍ أو إشارة لها، تٌظهر مدى مالقيته عندهم من حفاوةٍ واهتمامٍ.
لذلك نقترح الوقوف على جوانب من ذلك الاهتمام، من خلال نصوص لنموذجين في فكرنا العربي والإسلامي هما الفارابي وابن تيمية.

1-الرابطة المنطقية وإشكالية الترجمة:

يقول الفارابي(260ه339ه/874م950م): "فلما انتقلت الفلسفة إلى العرب واحتاجت الفلاسفة الذين يتكلمون بالعربية ويجعلون عباراتهم عن المعاني التي في الفلسفة وفي المنطق بلسان العرب، ولم يجدوا في لغة العرب منذ أول ما وضعت لفظة ينقلون بها الأمكنة التي تستعمل فيها » أستين « في اليونانية و  » هست « بالفارسية فيجعلوها تقوم مقام هذه الألفاظ في الأمكنة التي يستعملها فيها سائر الأمم، فبعضهم رأى أن يستعمل لفظة » هو « مكان » هست « بالفارسية و » أستن «باليونانية". (كتاب الحروف، ص122) إن هذا النص يلخص وبعمق الإشكالية اللغوية في ترجمة الفلسفة عند العرب والمسلمين، والتي رافقت مسيرة التفلسف عندهم، بداية باكتشافها لدى الأمم المجاورة، ثم انبعاث حركة النقل والترجمة، وتميز هذا الجو الذي رافق تشكل فكرنا الفلسفي العربي والإسلامي، معاناة مشاكل الترجمة وصعوباتها وما تخلفه من إضطراب في المعاني وإشتراك في الأسماء، والأمثلة كثيرة لمصطلحات عجز تراجمنا وفلاسفتنا عن إيجاد  لفظة لها بالعربية.