" الطفل الفيلسوف هو مستقبل البشرية حيث تنقله الفلسفة من الطفل الموضوع إلى الطفل الذات وتجعله يفكر قبل أن يفعل"
لئن كانت الفلسفة حكرا على الراشد والرجل والسوي والمتحضر وفق الوصفة الإغريقية للتفلسف، فإن عصر الأنوار قلب الموازين وجعل رسالة الفيلسوف تصل إلى الغريب والمرأة وغير السوي وتتيح للإنسان في بعده الكوني أن يتعلم التفكير الفلسفي ويتأمل في الوجود ويغوص في ذاته ويتدبر به حياته.
بعد ذلك تمخض عن ثورة مابعد الحداثة الكثير من الممارسات الجديدة للتفلسف تنبهت إلى الفيلسوف الصغير وأهمية تدريس الفلسفة للأطفال وبينت أن الطفل الفلسفي أكثر ذكاء من الشاب وأكثر جرأة على إثارة الإشكاليات وطرح الأسئلة الشائكة من الكهل وأكثر حكمة وتدبيرا وبراءة أصلية من الشيخ الحكيم.
إشكالية السلطة السياسية عند بول ريكور - تقديم وترجمة د.زهير الخويلدي
تقديم:
لم يقتصر الشغل الفلسفي الذي انخرط فيه الفيلسوف الفرنسي بول ريكور على التأويل والرمز والسرد والاستعارة والخيال وإنما اهتم أيضا بالقضايا السياسية والتجارب التاريخية التي تخص المواطنة والعنف وأثار بشكل بدئي المفارقة السياسية وحاول معالجة آفة الشر السياسي ونادى باللاّعنف والعيش المشترك.
اذ يرى بول ريكور في كتابه "عين الذات غيرا" الذي يثير فيه إشكالية السلطة والحرية أن العلاقة بين الصدقة والعدالة هي الشكل العملي للعلاقة بين اللاهوت والفلسفة. من نفس المنظور، يقترح إعادة التفكير في اللاهوت السياسي ،ويبشر بنهاية لاهوت سياسي معين كان قد بني على الهيمنة / الإخضاع العمودية الوحيدة للعلاقة بين الحاكم والمحكومين وبين الدولة والمجتمع وبين السلطة السياسية والمواطنين. كما ينادي بضرورة تشكيل اللاهوت السياسي جديد الموجه بطريقة أخرى نحو الحرية والمواطنة ويقطع مع لاهوت الهيمنة والقمع ويسعى إلى إثبات الرابط الروحية كمبرر للرغبة في العيش معًا في مؤسسات عادلة. إن اللاهوت السياسي العمودي في تحديد العلاقة بين الله والناس على الصعيد التشريعي قد عفا عليه الزمن ويجدر تعويضه بلاهوت سياسي أفقي يتخلص من الإخضاع والهيمنة ويؤسس للمشاركة والفعل والحياة المشتركة الأفقية بين الأفراد والتعايش الجماعات دون إقصاء أو تمييز على أساس الطائفة والملة . فكيف أعلن بول ريكور نهاية اللاهوت السياسي؟ وماهو المقترح المفهومي الذي يقدمه كبديل مرجعي عنه؟
فوكو ونقد العقلانية السياسية: دعوة للتفكير في احتمالات المقاومة - ادريس شرود
تقديم
تثير أبحاث ميشيل فوكو التي افتتحها بكتاب "إرادة المعرفة"، تساؤلات حول الأسباب والظروف التي دفعته إلى الإبتعاد عن "حقل السلطة"، وولوج "حقل الأخلاق". فقد أثار اهتمامه بتاريخ الجنسانية ردود فعل من طرف العديد من المثقفين والأساتذة والصحفيين والسياسيين، تشير أغلبها إلى دور الأخلاق في إبعاد فوكو عن السياسة. لكن حقيقة التوجه الجدّي لفوكو تتمثل بالخصوص في تركيز جهوده على النقد ونظام الأشكلة؛ أي العمل على إظهار مجال من الأحداث والممارسات والأفكار التي يبدو له أنها كانت تطرح مشاكل على السياسة، وبالتالي صياغة مفهوم آخر للسياسة أكثر تجذرا في الواقع والتاريخ بتعبير فرانسيسكو باولو أدورنو. يبدو أن هذا النوع من البحث والتحليل مطلوب في ظل عالم تهيمن عليه "حقيقة السلطة" وانتشار مفعولها في أدق تفاصيل الجسد الإجتماعي. فرضت هذه التحديات السياسية والأخلاقية على فوكو البحث عن مداخل جديدة لعبور تاريخ فنون الحكم وعقلانيتها من خلال أشكلة سؤال السلطة والذات وعلاقتهما، والتفكير في إمكانية رسم خطوط للمقاومة.
في البحث عن "حداثة مغايرة": فيلسوف الملة وسؤال الكينونة في العالم - ادريس شرود
"ربّما لن تكون الحداثة المغايرة غير مشكلة لغوية، تعترض
كل الذين فشلوا في تعلّم لغة المحدثين السعداء"
فتحي المسكيني *
تقديم
يرى الأستاذ فتحي المسكيني أن تطوير فكر "آخر" أو "مغاير" أو "جديد" بالنسبة للملّة لا يزال في أضعف انفعالاته، ويزداد الأمر صعوبة عند خوض السؤال عن إمكانية بلورة فكر "حديث" ولكن "مغاير" أيضا. رغم ذلك، يقترح فتحي المسكيني التفكير في "حداثة مغايرة"، مفترضا بقوة أن التفكير في "المغايرة" لا يمكن أن يتم خارج أفق السؤال عن "الحداثة" نفسها مادام "أفق الحداثة لا خارج له". يؤكد المسكيني على أن الحداثة عبارة صيغت للإشارة إلى تلك "الأزمنة الجديدة" التي شهدتها أوربا منذ القرن السادس عشر، والتي تميّزت ب"حداثات" متعددة ومتنافسة: من إنسانوية "النهضة" الإيطالية إلى تنوير "الإصلاح الألماني" إلى أنوار "الثورات" الأمريكية والفرنسية والأنجليزية، وهو هاجس "تحديثي" انتهى مع "الثورة المحافظة" للنازيين بانتحار الحداثة في "أسفيتش". لكن ما يجمع بين جملة هذه "الحداثات" ليس هيّنا: إنّه، حسب بيتر سلوتردايك، الهوس بتوحيد "المعمورة" في "كرة" واحدة. في ظل هذه التطورات التي شهدتها الحداثة/الحداثات، وخاصة مع طورها الاخير المتمثل في "العولمة"، أصبح مفروضا على الملّة البحث عن موقع قدم داخل عالم جديد أطلق عليه المسكيني إسم "الإمبراطورية".
أصوليات متمردة- أ.د. علي أسعد وطفة
مقدمة
تشكل الأصولية المنطلق الفكري الاستراتيجي لمختلف الاتجاهات التعصبية التي تنحو دمويا في مجال الحياة الإنسانية المعاصرة . وليس خافيا أن العمق الأصولي يوجد في أصل كل أشكال الإرهاب والقتل والتدمير الذي يشكل ملمحا أساسيا في الزمن الذي نعيش فيه . ومن أجل فهم مختلف اشكال العنف والتطرف القائم في مجتمعاتنا يتوجب علينا أن نعمل على تفكيك الظاهرة الأصولية وفهم أبعادها الفكرية التي تشكل المنصة الدموية الباعثة على توظيف العنف والقتل والإبادة ضد الإنسان والإنسانية.
ومن أجل فهم منهجي للأصولية يتوجب علينا بداية التأمل الثاقب في مفهوم الأصولية ودلالاته المعرفية بأبعاده المختلفة وتجلياته المتنوعة. فالأصولية في جوهرها تعبير فكري أيديولوجي يقوم على تبرير مختلف أشكال التطرف الديني والعرقي والعلماني . ويمكننا في هذا السياق أن نميز بين ثلاثة مفاهيم أو مصطلحات رائجة الاستخدام في الخطاب الثقافي والسياسي للتعبير عن الأصولية وهي: الأصولية Fondamentalisme ، والسلفية Intégrisme ، والتطرف Extrémisme ؟ وقد تأخذ هذه الصيغ الثلاثية أبعادا دينية أو وضعية علمانية . ومما لا شك فيه أن هذه المفاهيم قد نشأت وترعرعت في المحاضن الثقافية الدينية ، فهي مفاهيم خرجت من رحم التعصب الديني بالدرجة الأولى وامتدت لتأخذ طابعا علمانيا وقوميا سياسيا . ومما لا شك فيه أن هذه المفاهيم الثلاثية تتداخل وتتكامل جزئيا، وتتغاير دلالة كل منها وفقا لتوظيفاتها في مختلف الأنساق الدينية والسياسية، كما تختلف باختلاف استخداماتها من قبل الباحثين والدارسين.
فن اللامبالاة - لعيش حياة تخالف المألوف: التضحية والألم رهان إنساني- أسامة حمدوش
"المــتعــة إلــه زائـــف"
مارك مانسون
لماذا نعيش الحياة؟ وما مصادر قلقنا وبؤسنا البشري؟ وهل تدربت البشرية يوما على عيش حياة تخالف المألوف؟ وما هي معايير حكمنا على نجاح تجاربنا أو فشلها؟ وما مغزى القول بنسبية الفشل والنجاح؟ وهل السعادة قيمة ذاتية لأجل كينونتنا أم منظار أن يرانا (الغير) سعداء؟ وكيف يمكننا أن نكون إنسانيين حاملين لقيم عظيمة؟
أليست غريبة هذه الحياة! أليست لعبة مسلية وشاقة في الآن معا! هذه إشكالات وتأملات ولدت من رحم "مارك مانسون" وهذا كتاب ينزاح عن المعيار بلغة "جون كوهن"، كتاب يمتلك سلطة فكرية يمارسها على القراء، تنغمس في رحاب فكرة وتقول في قرارة نفسك هذه حقيقة ثابتة لا فرضية داروينية، لكن مؤلف "فن اللامبالاة" يعمل على تحطيم أصنام كل اليقينيات بمطرقة فريديريك نيتشه تحطيما عنيفا، وكأنه يقول لنا لا وجود لحقائق يقينية في عالم الحياة، هذه الرواية العامرة بالأسرار والمغامرة الجريئة، وحياة العقل ليست قارة وتابثة، فهي متقلبة في كل الأطوار، أولم يقل الفيلسوف المغربي "طه عبد الرحمن":" العقل الذي يبلغ النهاية في التقلب هو العقل الحي الكامل..."[1]. فالعقل هو نبي مقدس، هو سر وسحر الوجود، وبه صنع الأساطير تاريخ البشرية، وأثتوا مجدها الخالد على مر العصور.
فتحي المسكيني والإغريق: سؤال العلاقة مع الذات و الآخر- ادريس شرود
"لا نحتاج إلى فلاسفة بالمعنى الذي حدده التقليد الغربي" فتحي المسكين
تقديم
يعتبر فتحي المسكيني التقاليد الفلسفية طرقا للتعبير عن أنفسنا، يتساوى في ذلك الإغريقي والعربي والروماني والأوربي المعاصر، فهذه التقاليد هيئات لأنفسنا، نحن الذين نطوعها ونخترعها ونعطي لها الكلمة عن طريق استعمال هذا البدء الفلسفي أو ذاك من أجل استئناف مستقبل التفكير الإنساني. ويؤكد المسكيني على أنه لم يكتب عن اليونان -رغم أن العرب تفلسفوا انطلاقا من نصوص اليونان- بل هو مجند أساسا لإعادة هيكلة اللحظة الفلسفية العربية أي الإختصاص العائلي لمن يتفلسف بلغة الضاد، ويعتبر الأمر نوعا من الإستئناف المؤجّل لمفهوم الفيلسوف مرة أخرى(1).
شجّعني موقف الأستاذ فتحي من التقاليد الفلسفية على مساءلة علاقته بالإغريق؛ فكتاباته تحفل بإشارات إلى الإغريق وعلاقة الملة بالتراث الفلسفي الإغريقي. كما أن انتماء المسكيني إلى "ثقافة الملة إلى حد اللعنة" ودعوته إلى العودة إلى "مصادر النفس العميقة" وانفتاحه على نصوص "الآخر الفلسفي" مثله مثل أسلافه (ابن رشد أنموذجا)، يعتبر رهانا لافتتاح عصر جديد وتأسيس حداثة خاصة: "حداثة مغايرة".
تطور علم الميكانيكا عند ابن ملكا البغدادي - د.زهير الخويلدي
" الحجر الساقط من علِ كلما كان موضع بدء هبوطه أعلى كلما كانت شدة وقعه أقسى..."
ولد أبو البركات ابن ملكا البغدادي في البصرة سنة 1087 ميلادي وتوفي في بغداد سنة1165 ميلادي ولُقِّبَ بفيلسوف العراقيين وأوحد الزمان وعرفه عام الناس باسم البلدي وذلك لتخصصه المعمق في الفلسفة ومبالغته في الاهتمام بالعلوم التطبيقية والطب النفسي وبراعته في الابتكار في الفيزياء والميكانيكا والفلك.
تتلمذ في الطب على يد كبير الأطباء في زمانه الحسن سعيد ابن الحسين وكان واسع الاطلاع على مؤلفات جالينوس وطرقه في العلاج ولكنه سار في الطبيعيات ومابعدها على منهج أرسطو وابن سينا والفارابي.
في ما وراء نقد الحكم الأخلاقي -رهانات الحاضر: الوسط، الفكر، الصيرورة، الجسد - (المقالة الرابعة) – ادريس شرود
"أخشى أن تكون ساحرة الفلاسفة، أي الأخلاق، هي التي تمكر بهم هنا لتجبرهم على أن يكونوا مفترين على الدوام"
فريديريك نيتشه
"في العالم شيء يرغم على التفكير. هذا هو موضوع لقاء أساسي وليس موضوع تحقق"
جيل دولوز
تقديم
يجب التأكيد على صعوبة الإنفلات من الاخلاق والأحكام الأخلاقية، والتي فرضت نفسها على الأفراد والجماعات على طول تاريخ البشر والثقافات والحضارات. إن الحكم الأخلاقي هو الذي وجّه الفلاسفة والمؤرخين وعلماء النفس، وإن الفن والدّين والعلم والتاريخ والتقنية نُظر إليها من جهتها الأخلاقية، وذلك بما ثبت من تفحص هذه المجالات من أنها كانت مشروطة للأخلاق في غايتها ووسائلها ونتائجها. فالقيمة الأخلاقية عدت بهذا القيمة العليا(1). لكن ما يتعب أكثر، هو أن نرى في النوازع الأخلاقية ما يحرك عمل الفيلسوف أو المشتغل بالفلسفة، مع ذلك الإعتزاز بالإنضمام إلى الجماعة والخضوع لقيمها وقوانينها، والإنتشاء بخدمتها وتدعيم سلطتها. إنه الشعور بالواجب، والوعي، والعزاء الوهمي بالإنتماء لإرادة عليا؛ إرادة الجماعة. ضدا على هذا النزوع الإرتكاسي، وجب "تجديد الإنطلاقة" والبحث عن مخارج للتشويه الذي أصاب إرادة "الإنسان الأخير" وقيمه ومعاييره الاخلاقية ومعنى و"جوده مع العالم". إنني أدعو هنا والآن، إلى التشديد على الوسط ومزاولة الصيرورة، وإعادة الإعتبار للجغرافيا على حساب التاريخ، وللفكر كقوة رحالة قادرة على زحزحة المثال وتجديد الإنطلاقة.
عمر الخيام واكتشاف العدد المجهول - د.زهير الخويلدي
" لبست ثوب العمر لم أستشر وحرت فيه بين شتى الفكر
وسوف أنضو الثوب عني ولم أدرك لماذا جئت أين المقر"
لقد برع عمر الخيام المولود في نيسابور بخراسان عام 1048والمتوفي فيها أيضا عام 1131 ميلادي في مجال الشعر والفلسفة والعلوم ولكن مجاله الإبداعي هو الرياضيات وبالتحديد علم الجبر والحساب ولقد تناول بالبحث مجالات معرفية وصناعية أخرى مثل علم الفلك والتاريخ واللغة والفقه والفيزياء والحياة.
لقد حاز شهرة عالمية من خلال الرباعيات التي ألفها بالفارسية وتضاربت التأويلات حولها ورأى الفريق الأول بأنها دعوة إلى التمتع باللذات والنعيم الدنيوي ورأى الفريق الثاني بأنها موقف واعي من الوجود.
في نقد الحكم الأخلاقي: الرهان على الجسد - (المقالة الثالثة) - ادريس شرود
"نحن لا نتوفر إلا على مفهوم فقير عن سياسة الجسد لدينا"
فتحي المسكيني
"أي نوع إنساني ينبغي أن نربي، وينبغي أن نريد، كنموذج للإنسان الأرفع قيمة، والأجدر بالحياة، والأضمن للمستقبل؟"
فريديريك نيتشه
تقديم
تؤكد الأحداث التي شهدتها المنطقة الجغرافية الممتدة جنوب وشرق المتوسط منذ نهاية القرن العشرين على فشل ثورات دولة ما بعد الإستقلال، وفشل الرهان على الجيل الجديد (جيل الشباب) في تحقيق طموحات شعوب المنطقة في الحرية والديمقراطية والتنمية. بل تم اكتشاف أن هذا الجيل بلا انتماء هووي جاهز. إنه لا ينتمي أصلا لا إلى الأمة (بالمعنى الحديث) ولا إلى الملة (بالمعنى الديني)(1) ، نتيجة نجاح الدولة في إلهاء الشباب جماليا وتكنولوجيا عن دورها الذي اكتشفته الحركات اليسارية في العالم(2). لكن يمكن قراءة هذا الرفض على أنه رد فعل ضد نوع التربية التي فرضها الإنسان الأخير على أجيال من الشباب كي يصيروا أتباعا ورعايا مخلصين، ونتيجة منطقية لتنصّل نخبة من الأساتذة والمثقفين والمناضلين من تنوير هذه الأجيال الشابّة. وهنا لابد من التساؤل حول جدوى الدعوة إلى "العودة إلى النفس العميقة"، في ظل إحساس قوي ومتزايد عند شريحة كبيرة من الشباب بدور لوحة القيم التي رسمتها هذه النفس في تجميد إرادة النقد والإبداع وإشاعة الخضوع والإنقياد، وعرقلة كل نزوع إيتيقي للإهتمام بالجسد والطموح إلى إبداع قيم جديدة مع عالم مختلف.