تقديم
ترافق صعود الرأسمالية مع ميلاد الدولة الحديثة وتطور عقلانية سياسية جديدة، استهدفت تعزيز سيطرة الدولة وأجهزتها الإدارية على ’’السكان’’ ومراقبة نمط عيشهم وما يُهدد صحتهم وأمنهم وحياتهم. ركّزت هذه العقلانية على نشاط الفرد وإنتاجه، واجباته وحقوقه، ومستهدفة بالأخص "عافية الدولة واقتدارها". هكذا تطور مفهوم إداري جديد لسعادة الفرد ونموه أطلق عليه ميشيل فوكو Michel Foucault "السلطة الحيوية". هكذا تمحور تدخل الدولة حول مسائل بيولوجية كالحياة الجنسية والإنجاب وأمل الحياة والعمل والمرض والألم، والإنتباه إلى الحياة والمخاطر التي تخفيها، وبالتالي نشر آليات لتأديب ومراقبة الأجساد والبشر. أما فريديريك غرو Frédéric Gros(1)، فقد اهتم بمواضيع تتعلق ب"العنف" و"الأمن" و"العصيان". الشيء الذي ساعده على تملك معرفة واسعة بممارسات سلطة الدولة الحديثة في ظل النظام الرأسمالي الليبرالي، وبالتالي شجّعه على اقتراح مهام جديدة للدولة الحديثة كالمحافظة على "الأمن" ودعم الحاجة إلى "إعلان عالمي لحقوق الإنسانية".
سياسة الوعود بين إنصاف العدالة وتبادل الاعتراف - د.زهير الخويلدي
استهلال:
"أنا أكون لأني قادر على الوفاء بالوعد"1[1]
يبدو من الجهل القول بأن بول ريكور لا يعرف السياسة من جهة التفكير والممارسة ، فهو قد ترأس قرابة عقد كامل الحركة المسيحية الاشتراكية من سنة 1958 إلى سنة 1969 التي انتمى إليها روكار ميشيل، كما أنه تدخل في الحرب التي اندلعت بين المدرسة الجمهورية والمدرسة الكاثولوكية واقترح جملة من الحلول الجريئة والمبتكرة ولكنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ ، ثم انه قد ترأس الفدرالية البروتستانتية للتعليم وتم تعيينه من أدغار فور الوزير الأول عميد كلية نانتير وبعد موافقة غير مباشرة من شارل ديغول وهي مسؤولية سياسية تحملها في وزارة التربية ولقد قَبِلَ هذا التعيين ضمن منظور تخيلي للمؤسسة ودورها في حوكمة الادارة واصلاح الجامعة2[2]. إن التردد المنهجي الذي وجد فيه بول ريكور نفسه بين الهرمينوطيقا والفنومينولوجيا وبين فن القصص السردي والمعرفة التاريخية لا يمكن تخطيه وفهمه إلا بالاعتماد على الفنومينولوجيا الهرمينوطيقية التي تجمع بين التأويل والوصف وبين النقد وإعادة التشكيل وبين تفكيك اللاّمعنى وإنتاج المعنى حول العالم.
كيف تنظر الفلسفة إلى فيروس كورونا المستجد؟ - أحمد رباص
للجواب عن هذا السؤال، اقترح البداية بوجهة نظر ميشيل دوبوي الأستاذ في المعهد العالي للفلسفة في جامعة كاليفورنيا والمتخصص في أخلاقيات الطب الحيوي والعضو الاستشاري في اللجنة البلجيكية لأخلاقيات البيولوجيا.
أبرز ميشيل دوبوي في مقال رأى النور مؤخرا الصعوبة المحددة في التداول حول موضوع مثل المرض أو الوباء. في الواقع، هذا النوع من المناقشة يعارض حتما الحقائق - بداهة علمية - بالعديد من التمثلات التي تقدم بعدا هاما للذاتية الفردية والجماعية.
لكن هذه التمثلات ليست "علمية"، لأنها تستند إلى الذاكرة الجماعية للحقائق التاريخية (الإنفلونزا الإسبانية والسارس في هذه الحالة)، وعلى ثقافة غربية تتميز بالعلم. لذلك نحن لسنا هنا في معارضة كلاسيكية بين الحقائق العلمية والتمثلات الذاتية، ولكننا نواجه "سيناريو" أكثر تعقيدًا.
على هامش الوجود الإنساني -الوباء التقني-البيولوجي - خالد العمراني
الإنسان يبحث عن المعنى، في عصر الوباء التقني البيولوجي، ويكاد يتلخص في شموليته في غريزة البحث عن البقاء، وليس شيئا أخر سوى البقاء، بشتى أنواع السبل الممكنة، والغير الممكنة، إنه لأمر طبيعي، وغير طبيعي في الآن ذاته، فمن طبيعة البشر دائما البحث عما يبقيهم أحياء، بالرغم من قضية الموت التي ترعبه وتهدد كيان وجوده في كل لحظة.
لقد سبق لمعظم الفلاسفة، خاصة في الفكر البيوإتيقي، أن توقعوا، ونبهوا، بل وشككوا، فيما قد تنتجه الثورة البيولوجية-التقنية من مشاكل أخلاقية-إنسانية، تهم مواضيع، الإجهاض، الاستنساخ، التجارب على البشر، الأبحاث التي تجرى على الحيوانات، البيئة، والأجنة والأنسجة البشرية، التبرع بالأعضاء وزرع أعضاء الحيوانات، الصحة العمومية والأبحاث الوبائية والحروب والأبحاث حول الأسلحة البيولوجية والكيمائية ... لقد صار اليوم، التقدم التقني-البيولوجي أكثر خطورة وأشد فتكا بالإنسان ذاته، وعلى غرار ذلك أيضا، فعلت التقنية بالطبيعة (البيئة- والحيوان)، لقد تجاوز البشر في عدوانيته أشد الحيوانات عدوانية وخطورة، فقد سبق للفيلسوف الألماني نتشه أن أشار لخطورة هذا التطور على الإنسان، حيث، عبر بقوله على ذلك، بأنه "يخاف أن تعتبر الحيوانات الإنسان كائنا من جنسها، فقد فطرته الحيوانية بأكثر الأشكال خطورة، أن تعتبره بمثابة الحيوان الغريب الأطوار، الحيوان الضاحك، الحيوان الباكي، الحيوان الذي مآله التعاسة."[1]
فوكو وشجاعة قول الحقيقة: القول الصريح عند المسيحيين (المقالة السادسة) - ادريس شرود
مقدمة
يميز ميشيل فوكو بين أخلاق الإغريق وفلسفتهم، وتقنيات الذات والفحص الذاتي والمسؤولية الأخلاقية عند المسيحيين. فالناس في أخلاق الإغريق، كانوا يهتمون بسلوكاتهم الأخلاقية وعلاقتهم بذواتهم وبالآخرين أكثر من اهتمامهم بالمشاكل الدينية، بحيث كان موضوعهم الكبير هو تأسيس نوع من الاخلاق تكون بمثابة علم جمال الوجود. أما أخلاق المسيحيين، فقد ركزت على مسألة التطهير واستئصال الرغبات واستكناه الذات وتأويلها. يؤكد فوكو على أن المسيحية تتهم، عموما، بأنها عوّضت نمطا حياتيا إغريقيا رومانيا متسامحا، بشكل كاف، بنمط حياتي تقشفي يتميز بسلسلة من التخليات والتحريمات والممنوعات. لكن يمكن أن نلاحظ أن الشعوب القديمة، في هذا النشاط التي تمارسه الذات على نفسها، قد طورت عددا من ممارسات التقشف التي أخذها المسيحيون عنها مباشرة(1). إن تتبع مسارات الإستمرار والإنقطاع في أخلاق القدامى انطلاقا من العصور القديمة إلى المسيحية، يضعنا أمام حقيقة الإنتقال من أخلاق كانت أساسا بحثا عن إيتيك شخصي إلى أخلاق هي بمثابة انقياد لنسق من القواعد(2). يرى فوكو في عملية الإنتقال هذه، قلبا للثقافة الكلاسيكية عن الذات، بحيث حلت في المسيحية فكرة ذات يجب التخلّي عنها -لأن الإنسان، في تشبثه بذاته كان يعارض مشيئة الله- محل فكرة ذات يجب بناؤها وخلقها كعمل فني(3).
البيوإيتيقا بين علم البيولوجيا وفلسفة الحياة - د.زهير الخويلدي
استهلال:
" ليس الإنساني مجرد جزء بسيط من الطبيعة المطبوعة قديما بل هو تاريخ إبداعي لعين الذات وإعادة تشكيل للكون: بالأحرى الطبيعة القديمة تدخل في تاريخ البشر وفي حميمية حياتهم."[1]
لقد اهتم بول ريكور بموضوع البيوإيتيقا إبان ظهورها في تاريخ الأفكار في مقالات متفرقة وخاصة في كتاب "عين الذات غيرا"[2] وفي كتاب "العادل1"[3] وفي قراءات2 حينما تناول مسألة العلاقة بين فلسفة البيولوجيا والإيتيقا عند هانس جوناس4[4]. ولكنه خصص لها حوارا كاملا مع جان بيير شانجو طبع فيما بعد في كتاب بعد تعديله تحت عنوان: " ما يجعلنا نفكر: الطبيعة والقاعدة"[5]. ولقد دار الحديث أنذاك حول إمكانية تجاوز التعارض بين الخطاب العلمي والخطاب الأخلاقي وجرى البحث عن خطاب ثالث يصادر على وجود قواسم مشتركة وتبادل للخدمات ويتعامل مع مفهوم التمثل بوصفه الرابطة الحقيقية بين الذاتي والموضوعي وقد تمت الاتفاق على أن الأخلاق تظل صالحة لحماية المجتمع من المخاطر السلبية للعلوم والتطبيقات التقنية. كما وقع التطرق في هذا السياق إلى المشاكل الناتجة عن هيمنة الميديا وتردد حكمة المعاصرين أمام إحراجات الثورة البيولوجية واتجه الحوار نحو تشكيل لجان وطنية للإيتيقا الطبية والمهنية والبيئية تكون مهمتها النظر في الحالات المستعصية والتعويل على تظافر المنهجيات المتعددة.
محاولة لتحديد مفهوم الحرية في الفلسفة - أحمد رباص
تعرَّف الحرية سلبا بأنها تتنافى مع الحجر والقيد؛ وتعرف بشكل إيجابي كحالة من يفعل ما يريد. من المدهش أن تكون الحرية مفهوما حديثا إلى حد ما بحيث كان فلاسفة اليونان في شأنها مقلين، مع أخذهم في الاعتبار أن الإنسان يجب أن يفكر في الكون بدلاً من أن يطيع تطلعاته الخاصة. لكن فلاسفة الحداثة، بدءًا من كيركيغارد، ثم هايدغر وسارتر، هم الذين جعلوا من الحرية مفهوما مركزيا في الفلسفة، كما يتضح من الاقتباسات الشهيرة عن الحرية. لهذا تكون المهمة الرئيسية هي تعريف وإثبات الحرية، وتبرير "الشعور الحي والداخلي" (ديكارت) الذي ينتابني عن التحرر والذي يوجد في قلب كل إنسان.
لتعريف الحرية، يكفي إعطاء وصف مناسب:
- على المستوى البيولوجي، يتم تحديد الحرية بالكائن السليم والمعافى. بخلاف ذلك، يشعر المريض بأنه محاصر في جسده؛
المنزع التجريبي في النظرية الأرسطية - د.زهير الخويلدي
"معرفة الحقيقة (الظاهرة ، وما إلى ذلك) هو معرفة السبب: لا يمكن للمرء معرفة الحقيقة إذا كان لا يعرف السبب"1
نحن نجرب وتتكون لدينا خبرة. كما نختبر العالم بألوانه وأشكاله وأصواته وروائحه ، ونختبر الكل ويتم اختبارنا من خلال تقلبات الحياة. على هذا الأساس لا يمكن الاستغناء عن التجربة ويجب أن يكون لكل إنسان تجاربه الخاصة. إن التجربة تصبح خبرة وهي جزء مما يعنيه أن تكون إنسان وتساهم في تطور الإنسان كانسان. لذلك تنعكس الفلسفة بكل طريقة ممكنة على طبيعة التجربة ودورها في تطوير الفن والسياسة والأخلاق والدين والمعرفة وتشمل مختلف مستويات الحياة أي علاقة المرء بذاته والغير والعالم. في البداية يمكن التمييز بين التجربة من حيث هي لقاء الوعي مع الواقع الخارجي يترتب عنه جلب معرفة جديدة لجانب من هذا الواقع من ناحية أولى والتجربة المفهومة بوصفها وقائع معاشة ، من خلال التفكير ، تكشف عن جانب جديد من الواقع من ناحية ثانية .
فوكو وشجاعة قول الحقيقة: الباريسيا الرواقية - المقالة الخامسة - ادريس شرود
"إلى أين إذن ينبغي على المرء أن يسعى؟ إلى هنا فقط:
فكر صائب، وفعل للخير العام، وقول لا يعرف الكذب،
وتقبّل لكل ما يجري كشيء ضروري وعادي ونابع من
مبدإ ومصدر من نفس الصنف"
ماركوس أوريليوس (التأملات)
مقدمة
تحتل الفلسفة الرواقية مكانة متميّزة بين المدارس الفلسفية سواء في الحقبة الهلنيستية أو الحقبة الرومانية وما بعدها. فقد صارت بفضلها الفلسفة طريقة حياة وكيفية وجود، وأصبح الفيلسوف يخط الكتب من أجل عيش حياته وإثبات أقواله، وليس بهدف مراكمة أطروحات ونظريات. إن الأمر يتعلق باهتمام عملي بالنفس، وانشغال حقيقي بالآخرين لقيادتهم بالنسبة للأشياء التي تناسب طبيعتهم. هكذا صار الفلاسفة الرواقيون يدعون إلى حرية التفلسف ويشجعون على السعي إلى الحكمة والفلسفة العملية وعلى تحقيق السعادة والطمأنينة. لكن الفوز بهذه الفضائل، يتطلب من الفيلسوف الإستغراق في الحاضر، وعيش الحياة في دفقها اليومي حيث الكمال الخلقي "يتطلب أن نقضي كل يوم، وكأنه يوم أخير لنا" بتعبير ماركوس أوريليوس.
من أجل تعلمية فلسفية تُعلمن الديني وتُجذّر التواصل - د.زهير الخويلدي
استهلال:
" كل فلسفة جديدة تبني ذاتها على أنقاض ما كانت قد رفضته من الفلسفات السابقة لها"1[1]
يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى التعليم بصفة عامة وتعليم الفلسفة بشكل مخصوص إلى الشروع في عملية تغييرية جذرية في المشهد التربوي وذلك بعد التراجع الملحوظ في المستوى والفشل في التكوين والاكتفاء بالبرمجة الآلية للعقول وإعادة إنتاج الأنظمة المعرفية والمراتب الاجتماعية القائمة والتغاضي عن الابتكار واتساع الفجوة الرقمية الفاصلة عن الدول التي حققت أرقاما وبلغت مستوى عالي في الجودة.
أيديولوجيا البعد الواحد في النقد الثقافي والنسوية + ليلى والذئب وما بعد الحداثة - حمزة عبد الأمير حسين
تحطيم الأصنام هي حرفتي ، ذلك أنّه ما أن ابتُدِعَتْ أكذوبة عالَمِ المُثُل حتى تمَّ تجريد الواقع مِن قيمتِهِ ، و مِن معناه ، و مِن حقيقتِهِ. (نيتشه - مقدمة كتابه هذا هو الإنسان)
منحتنا ما بعد الحداثة مساحة مفتوحة لنقد المراكز التقليدية، ولكن غالبية النقد تركزت على الرجل دون المرأة، وهذه النظرة الأحادية محاولة عكسية في صناعة المراكز واستبدال مركز بمركز آخر، وكل مركز هو نموذج ومثال، يمكن أن يصبح عالما من المثل، عالم تستمد منه القواعد والمقاييس والنظريات والقيم أو اللاقيم، فمعه يعرّف الخير وضده يعرّف الشر.