يذكر هوسرل ان كوجيتو ديكارت ( انا افكر اذن انا موجود) انه كان الأجدر كي تكون العبارة اكثر مقبولية فلسفيا حسب احالة العبارة ورؤيتها الى مرجعية فلسفتة في الظاهريات(الفينامينالوجيا) قوله : (انا افكر- في شيء مقصود - اذن انا موجود.) ولنترك قليلا إضافة هوسرل وهل هي ضرورية ام لا ؟
عندما اقول انا افكر في لوحة امامي اذن انا موجود، فهذا يعني ان لكل شخص وعي مفارق يترتب عليه وجودا مفارقا عن غيره بالنسبة لاختلاف الشيء الموجود او الموضوع المفكّر به، وتعدد حالات اثبات الوجود المرتبطة به. بمعنى ان الذي يفكّر بأمراة اذن هو موجود ايضا، والذي يفكر بشراء سيارة هو موجود أيضا، وهكذا يستمر بنا الحال الى ما لا نهاية له من حالات اثبات الوجود للفرد الواحد والمجموع أيضا في تباين اثبات وجودهم باختلاف الشيء المفكّر به، من حيث ان وعي الوجود خاصية ذاتية محكومة بالفرد والنوع الانسان، ويختلف وعي الأشياء باختلاف مواضيع الادراك الحسي او الحدسي او الخيالي او العقلاني لها.
لذا عمد ديكارت اختزال كل هذه الحالات والتجليّات الوجودية في عبارته ان الانسان موجود لانه يفكّر ولم يقل يفكر بماذا ؟، لان موضوع التفكير بديهية لوظيفة العقل الذي يفكربما له معنى فقط دونما إظهاره صوتيا ، بمعنى اوضح لاوجود لتفكير من فراغ او عدم بلا موضوع متعيّن يفكّربه ويكون هو محايث الادراك والتفكير في اثبات الوجود النوعي للانسان، حتى وان كان موضوع التفكير متخيّلا فكريا خارج المعطى المحسوس او العياني الواقعي للاشياء.

يذهب والتر ستيس وهو فيلسوف متصوف في كتابه الذي نناقش بعض أفكاره (التصوف والفلسفة) تقديم وترجمة امام عبد الفتاح امام، الى ان : المشكلة الأساسية في وحدة الوجود الصوفي تتصل بالعلاقة بين الله والعالم من حيث الهوية والاختلاف ، هل الله والعالم متحدان في هويه واحدة ؟ ام انهما متمايزان تماما ؟ (1) كما يذهب له الادراك والتفكير الذهني العقلي واللاهوت الديني في مختلف الديانات السماوية وعديد من الديانات الأخرى من الذين لا يؤمنون بوحدة الوجود ويعتبرون ان الله والعالم متمايزان ومختلفان بالهوية والكيف والماهية ولا علاقة اتحاد بينهما في أي شكل من أشكال الترابط او الحلول الصوفي بينهما.

ولا بد من المرور برأي اسبينوزا في وحدة الوجود الذي قال به فلسفيا ان الله شأنه شان جميع الظواهر الطبيعية والموجودات يتكون من جوهر وصفات ، لذا نجده يتحدث عن الله والطبيعة او العالم والكون انهم جميعا مترادفات لمدلول ومعنى واحد، ولا يمكن الفصل بينها من حيث انها جميعا تعني معنى واحدا، ولا تفريق هوياتي مختلف متمايز ذاتيا من أي نوع بينهم. (كما لا يسلّم اسبينوزا باي وجود خالص خارج الطبيعة )2.

بمعنى اكثر وضوحا ان الله وجوده ملحوظ في توزع صفاته على الطبيعة والانسان والكوني وما عدا ذلك فلا وجود الهي خارج الطبيعة يمكننا ادراك وجوده خارج صفاته الموزعة التي تحتويها الطبيعة وخلقه لها التي نحيا بها ومعها، ومن الملاحظ  ان فيورباخ ذهب نفس المذهب في تاصيله نشأة الدين في علاقة الانسان بالطبيعة ولا وجود من أي نوع من المقدس عابر لهذه الحقيقة (ان عبادة الله تعتمد فقط على عبادة الانسان لنفسه) عبارة فيورباخ.

1
طبيعةُ المجتمعِ مُندمجةٌ معَ فلسفة اللغة ، باعتبارها منظومةً عقلانيةً تتحقَّق في داخل السُّلوكِ والوَعْي به ، وكَينونةً منطقيةً تتكرَّس في الفِعل الاجتماعي ، الذي يتعامل معَ التاريخ ككائن حَيٍّ ، يَنبعث في أنساق الحياة المُعَاصِرَة ، ويَنمو في العقل الجَمْعِي ، ويُفَعِّل دَوْرَ القواعد الأخلاقية في الأحداث اليومية ، ويُؤَكِّد على علاقة الوَعْي بالآلِيَّات المعرفية التي تُحلِّل مَضمونَ الأنظمةِ المادية الاستهلاكية المُسيطرة على الإنسان والطبيعة معًا ، مِن أجل تَكوين ظواهر ثقافية تَنبع مِن تفاصيل الواقع الإنساني المُعَاش ، ولا تتمركز حَوْلَ عَقْلِ الآلة الميكانيكية كبديل لعقل الإنسان المُبدِع.وهذا مِن شأنه تَكوين نظام فلسفي جديد لرؤيةِ العَالَمِ الكامن في داخل الإنسان ، ورؤيةِ العَالَمِ الخارجي المُحيطِ بالإنسان ، والضاغطِ عليه ، والمُؤثِّرِ في شُعوره ووَعْيِه وإدراكه . وهاتان الرُّؤْيَتَان تُساهِمان في استخراجِ الأحلام المنسيَّة مِن أعماق المُجتمع . وحركةُ الوَعْي ( الحقيقي لا الزائف ) في الزمان والمكان يُعاد تشكيلُها وَفْقَ كَيْفِيَّة رؤية العَالَم ( الداخلي والخارجي)، وهذه الكيفيةُ تتأثَّر بطريقة مُمارسة الإنسان لِسُلطته على تراكيبِ البناء الاجتماعي، وتقاطعاتِ التاريخ، والقيمةِ الوجودية للظواهر الثقافية في البيئة، وشُروطِ الثورة الصناعية في الطبيعة . وهذه السُّلطةُ مُرتبطةٌ بالبُعْدِ الأخلاقي في التجارب الحياتيَّة ، بِوَصْفِهَا طريقًا إلى بناء المَنْطِق في العلاقات الاجتماعية، ومُرتبطةٌ كذلك بالبُعْدِ التعبيري في اللغة، بِوَصْفِهَا وسيلةً للتفاهم والحِوَار، وقاعدةً معرفيةً لعقلانية المُجتمع . والسُّلطةُ على الأشياءِ تُمثِّل فلسفةً خَاصَّةً لفهم ماهيَّة الأشياء .

مقدمة
تخول الحقوق المرء لأداء أعمال معينة (أو أن يكون في دول معينة) و (عدم) جعل الآخرين يؤدون أفعالًا معينة ، فهي تحكم طرق التصرف والمعاملة. يُعتقد أن هذه الحقوق مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بواجب، سواء كان ذلك واجبًا للتصرف، وسواء كان هذا الواجب قانونيًا أو أخلاقيًا. هناك صراع حول ما إذا كانت الحقوق متأصلة (الأشياء التي يمتلكها جميع البشر سواء اعترف بها الآخرون). أولئك الذين يدافعون عن الحقوق الطبيعية يؤكدون أنه يجب احترام الحقوق بحكم امتلاك البشر لها ، بينما يجادل أولئك الذين يجادلون ضد الحقوق الطبيعية بأنه يجب احترام الحقوق لأنها تُستخدم كأدوات لتحقيق النتائج المثلى في حياتنا. لا تتحدى هذه الاختلافات مبررات الحقوق فحسب، بل تتحدى وظيفتها أيضًا. وتكثر الانتقادات لنظريات الحقوق، حتى أن البعض يزعم أن الحقوق المعنوية لا توجد بدون عقوبة قانونية، وأن الحق بحكم تعريفه مفهوم قانوني.

من خلال قراءة في كتاب الأديب والمفكر والقانوني المصري محمد سعيد العشماوي بعنوان "تاريخ الوجودية في الفكر البشري"، سنقف على بعض دلالات مفهوم الوجودية في تاريخ الفكر البشري عموما وتجلياته في مختلف الثقافات. نستهل القراءة بكون الوجود هو الواقع، وكل فكر يهتم بالواقع الإنساني هو فكر وجودي، وما عداه مما يهتم بالفكر في ذاته هو فكر تجريدي. لفظ الوجود شحنة التعبير ورمز الفكرة، إنه يحمل معنى الخروج من الشيء، ولغة معنى الكينونة كوجود عام، والوجود الخاص الذي نعنيه هو موضوع الفلسفات الوجودية الحديثة باعتباره الشعور بالوجود شعورا حيا وتحقيق ما فيه. له كذلك معنى الحضور لينقل اللفظ إلى معنى الكون أو العالم، ثم نقل اللفظ إلى الفرد بفعل الحضور الدائم للإنسان في الفكر البشري، من حيث إثبات وجوده. يمكن أن نلخص كون الوجود العام دلالة على الكون والوجود الخاص دلالة على عالم الفرد. لغويا الفرق بين لفظ الوجود في اللغات الأوربية والعربية هو أنه في الأولى يعني الخروج من الذات إلى العالم وفي الثانية يعني الحضور أمام الغير.

أما عن الكينونة والوجود، فالكينونة تعني الخروج إلى الكون عند الولادة في ذات تتفاعل مع الكون. وقد تعني القوة الذاتية الكاملة التي فاض عنها الوجود المطلق الذي لا يتفاعل مع غيره. وعن الوجود والإنية فبينهما ما بين المبدإ وتطبيقه، فالإنية تعني الذات في تميزها وتفيد معنى تحقيق الوجود في مرتبة ذاتية تعكس شخصية الفرد التي تتحقق في تفاعلها مع الوجود. إن الوجود تعبير الحياة، فالوجود هو ما يميز الإنسان عن غيره، لما يثيره من تفاعل إيجابي يعكس وعي الفرد وتعبيره الجديد المتفرد عن الحياة، تعبير إما بطريقة نفسية تنتهجها الفنون المختلفة، وإما بطريقة عقلية يهيمن عليها الفكر. فالإنسان يحيا معبرا عن ذاته وغيره يعيش منفعلا.

الترجمة
"أود أن أعود إلى موضوع تكلمت عنه بالفعل، الخلق المستمر لحداثة لا يمكن التنبؤ بها والتي يبدو أنها مستمرة في التكون. من ناحيتي، أعتقد أنني أختبر ذلك في كل لحظة. عبثًا، أنا أمثل لنفسي تفاصيل ما سيحدث لي: كيف يكون تمثيلي ضعيفًا، مجردا، تخطيطيًا، مقارنة بالحدث الذي يحدث! يجلب الإخراج معه شيئًا لا يمكن التنبؤ به ويغير كل شيء. يجب علي، على سبيل المثال، حضور اجتماع؛ أعرف من هم الأشخاص الذين سأجدهم هناك، حول أي طاولة، وبأي ترتيب، لمناقشة أي مشكلة. لكن دعهم يأتون ويجلسون ويتحدثون كما توقعت، دعهم يقولون ما اعتقدت أنهم سيقولونه: كل شيء يعطيني انطباعًا فريدًا وجديدًا، كما لو أنه تم رسمه الآن دفعة واحدة من قبل يد فنان. وداعا للصورة التي صنعتها منهم، تجاور بسيط، يمكن تحديده مسبقًا، لأشياء معروفة بالفعل! أوافق على أن اللوحة لا تحمل القيمة الفنية لرامبرانت أو فيلاسكيز: إنها غير متوقعة، وبهذا المعنى، أصلية تمامًا. سيقال إنني لم أكن على دراية بتفاصيل الظروف، ولم يكن لدي الشخصيات، وإيماءاتهم، ومواقفهم، وإذا كان الكل يجلب لي شيئًا جديدًا، فذلك لأنه يوفر لي عناصر إضافية. لكن لدي نفس الانطباع عن التجديد قبل انكشاف حياتي الباطنية. أشعر به، أكثر من أي وقت مضى، أمام العمل الذي رغبت فيه والذي كنت أنا الوحيد المسيطر عليه. إذا كنت أتداول قبل التمثيل، فإن لحظات المداولة تقدم نفسها إلى وعيي مثل الرسومات المتتالية، كل واحدة من نوعها، التي يمكن أن يصنعها الرسام من صورته: والفعل نفسه، في تحقيق، دون جدوى تحقيق المطلوب وبالتالي المتوقعة، إلا أن لها شكلها الأصلي. سيقولون "فليكن". ربما يكون هناك شيء أصلي وفريد من نوعه في حالة ذهنية؛ ولكن المادة هي التكرار. العالم الخارجي يطيع القوانين الرياضية؛ الذكاء الخارق، الذي يعرف موقع واتجاه وسرعة جميع ذرات وإلكترونات الكون المادي في لحظة معينة، من شأنه أن يحسب أي حالة مستقبلية لهذا الكون، كما نفعل بالنسبة لكسوف الشمس أو القمر. - أوافق عليها، إذا لزم الأمر، إذا كانت مجرد مسألة تتعلق بالعالم الخامل، وعلى الرغم من أن السؤال يبدأ في إثارة الجدل، على الأقل بالنسبة للظواهر الأولية.

تمهيد: طيلة فترة بروز عمالقة الفلسفة المادية التاريخية يتقدمهم ماركس وانجلز وفيورباخ وهيجل ونيتشة في القرن التاسع عشر والى اليوم لم نجد فلسفة غربية مثالية راسمالية لم تشن حربا لاهوادة فيها على الماركسية وماركس كفيلسوف انصفه غالبيتهم و كتابه راس المال. نجد ذلك في الفلسفة الوجودية لدى سارتر يتقدم صفوف فلاسفة ومفكرين عديدين في استهدافهم كتاب راس المال وفعل مثله كلا من هوسرل وهيدجر.. ثم زامنت الوجودية الفلسفة البنيوية بدءا من شتراوس وفوكو وبول ريكور وجاك دريدا ولم يختم الدائرة التوسير في استهدافهم كتاب راس المال في عموده الفقري المادية التاريخية.

اهم ميزة جاء بها فلاسفة البنيوية ليس تعدد اهتماماتهم الفلسفية بعد اجتيازهم مرحلة التحول اللغوي وفلسفة اللغة التي بدأها دي سوسير وانما إتباعهم اسلوب (نقدي) لكل الفلسفات التي جاءت بها الحداثة فنجد شتراوس اهتم بنقد كتاب راس المال مع الاهتمام بحفريات اركيولوجيا اقوام ما قبل التاريخ اي ماقبل التدوين، واهتم جاك لاكان في نقده علم النفس الفرويدي، واهتم دي سوسير بفلسفة اللغة، واهتم فوكو بالسجون والسلطة والجنس، واهتم رولان بارت بالنقد الادبي الجديد، وقام البرتو ايكو بالهورمنطيقا، واهتم جاك دريدا في التفكيكية، واهتم التوسير بنقد الماركسية وكتاب راس المال وهكذا.

  " إنّ فنّ الرسم فنّ تفكير "  ( روني ماغريت)
  اتسم الموقف الفلسفي إزاء الصورة لوقت طويل بحذر بل وبكراهية، كان الأصل فيها نظرة أفلاطونية محتقرة للفنّ عموما وللصورة باعتبارها نسخة مشوّهة " للمثال " أو الفكرة  المطلقة القائمة في عالم المعقولات، عالما أرفع منزلة أنطولوجيا من عالم المحسوس الذي تنتمي إليه الصورة، بوصفها شيئا مرئيا يدرك بالحواس. وكان لابدّ من انتظار العصر الحديث، و" الثورة الفكرية والنهضة الفنية"  لبدء " الاهتمام" فلسفيا بالوجود الحسّي ودوره في المعرفة وغيرها وللانتباه فيما بعد وبشكل تدريجي لأهمية التخيل والصورة في مجال الإدراك وفي مجال الإبداع الفنّي بوجه خاص . وقد ساهم العلم بفروعه في تأكيد منزلة " المحسوس" أو العيني عموما ولفت الانتباه إلى أهمية الخيال ودوره في العملية الإبداعية عموما، بل وأدى تطوّره تاريخيا إضافة لعوامل عدّة إلى  ما نعيشه اليوم من ثورة اتصالية رقمية جعلت الصورة تملأ حياتنا بل وتحدّدها على وجه من الوجوه. وقد أدّى هذا طبعا إلى تجاوز النظرة الأفلاطونية للصورة بل وإلى اهتمام فلسفي متزايد بمنزلة الصورة ودورها في مجالات الحياة عموما ومنها الفنّ، والمرئي منه بالذات . يشهد بهذا ما يكتب من مؤلفات حول فنّ الرسم وعلاقته بالفلسفة، وما تجده مؤلفات فلسفية كثيرة من حاجة إلى الارتكاز إلى أعمال فنية لرسامين بارزين كأمثلة وأسانيد لتناول موضوعات فلسفية كالإدراك ومنزلة المرئي واللامرئي لدى مارلوبونتي مثلا، الذي يجد في لوحات " بول سيزان" سندا مُعينا على التفلسف بل على التفكير فلسفيا وعلميا أيضا في موضوعات شتّى . ولنا في فرويد وجيل دولوز وفوكو و هيدجر  وغيرهم أمثلة بارزة على ما بات يسمّى بالتصاق الفن والفلسفة و بالحركة الحرّة أو الهجرة بين الفن والفلسفة وغياب التخوم بينهما وارتحال الفيلسوف وتجواله ضمن سائر الميادين الفنية والعلمية ... ناقدا محللا مؤولا على نهج نيتشه الذي كان بداية حقيقيّة لهذا " التشرّد الفلسفي" إن صحّ التعبير، و الذي اقتضاه تحوّل اجتماعي وثقافي وفكري الخ لعصرنا الراهن.

1
فلسفةُ الظواهرِ الثقافية تُمثِّل مشروعًا اجتماعيًّا لتحريرِ الفِكْر مِن أوهام الواقع ، وتخليصِ الواقع مِن أدْلَجَة الفِكْر . وإذا كانَ الفِكْرُ يُؤَسِّس أنساقَه الحياتيَّة لإعادة ترتيب فَوضى الواقع ، فإنَّ الواقع يُؤَسِّس مرجعياته الفِكرية لتوليد التَّصَوُّر النَّقْدِي في فلسفة التُّرَاث وتُراثِ الفلسفة . وتمركزُ الفلسفةِ في الظواهر الثقافية والسِّيَاقات التُّراثيَّة ، يُحدِّد أبعادَ صُورة المُجتمع عن ذاته ، ويَكشف كَيْفِيَّةَ تَوظيفِ التاريخ في عمليَّة الاندماج الاجتماعي ، وإنشاءِ الروابط الوجودية بين الفرد والمُجتمع ، وترسيخِ الوَعْي في مصادر المعرفة ، بِوَصْفِها جُزْءًا أساسيًّا مِن البناء الاجتماعي ، ولَيْسَتْ نظريات هُلاميَّة عاجزة عن بناء التواصل بين الفِعل الاجتماعي والفِعل اللغوي . وكُلُّ فِعْلٍ سواءٌ كانَ اجتماعيًّا أَمْ لُغَوِيًّا يُعْتَبَر تَحَوُّلًا جذريًّا في العلاقة التي تربط الفِكْرَ والواقعَ ، وهذا التَّحَوُّلُ يُعَزِّز تَصَوُّرَ الفردِ لفلسفة الظواهر الثقافية ، باعتبارها الحاضنةَ الشرعية للأفعال الاجتماعية ، التي تَعْمَل على تَوحيدِ الاتجاهات في البُنية الوظيفية للمجتمع ، وإزالةِ التناقضات الجَوهرية في منهج التأويل الرمزي الذي يُحدِّد معالمَ الصراع على اللغة ، ويُوضِّح ملامحَ الصِّدَام في اللغة ، ويُبيِّن دورَ الفردِ والمُجتمع في التعامل معَ اللغة ، لَيس بِوَصْفِهَا أداةً للاتِّصال والتَّوصيل والتواصل فَحَسْب ، بَلْ أيضًا بِوَصْفِهَا آلِيَّةً معرفيةً وجوديةً لإعادة فَهْمِ الفرد لأعماق النَّفْس الإنسانية ، وفَهْمِ المُجتمع لأبعادِ العقل الجَمْعِي .

مقدمة
درس ادموند هوسرل الرياضيات أولاً، ثم كرس نفسه للفلسفة من أجل التأمل في أسس علمها ومعناها. أول عمل عظيم له بعنوان البحوث المنطقية. في عام 1913 ، نشر نصًا أساسيًا يعيد النظر جزئيًا في تحليلاته السابقة: أفكار في الفنومينولوجيا (أو بشكل أكثر شيوعًا: أفكار 1). في عام 1929 ، تمت دعوته إلى فرنسا لإلقاء محاضرتين في جامعة السوربون ، والتي من شأنها أن تعطي كتاب التأملات الديكارتية ، وهو نص تأليفي يلخص الأسئلة العظيمة للفنومينولوجيا المتعالية. مُنع من الوصول إلى مكتبة جامعة فريبورغ تطبيقاً للتشريع المعاد للسامية الذي اعتمده النازيون في أبريل 1933 ، ثم تم فصله من هيئة التدريس في عام 1936. وفي فيينا ، ثم في براغ ، سوف يلقي محاضراته الأخيرة ، وتوفي في 26 أبريل 1938. نُقلت مخطوطاته غير المنشورة إلى لوفان على الرغم من التهديدات النازية وسلبية خليفته مارتن هيدجر. هذا هو المكان الذي لا تزال فيه أرشيفات هوسرل موجودة. في هذا الإطار "الفنومينولوجيا "هو الاسم الذي أطلقه هوسرل على الفلسفة التي أصبحت الآن، وفقًا له، علمًا صارمًا. بالنسبة إلى هوسرل ، ليست الطريقة التي يظهر بها العالم لنا على الفور هي التحيز الذي يجب على العلم أن يتخلص منه ، بل على العكس من ذلك العلم هو الذي يغذينا بالأحكام المسبقة التي يجب التخلص منها بالعودة إلى الوعي على الفور. تسعى الفنومينولوجيا إلى إيجاد الشيء نفسه، تحت ترسانة الهياكل النظرية التي غطاها العلم والفلسفة. التصور، على سبيل المثال، لا ينبغي وصفه من خلال الإنشاءات النظرية التي من المفترض أن تشرح كيف "يعمل" ، ولكن كطريقة بسيطة وفورية للاتصال بالعالم. لذلك لا تهتم الفنومينولوجيا بالخصائص الموضوعية للشيء، ولكن بالطريقة التي يظهر بها للوعي على الفور. هناك طرق متعددة لظهور الشيء نفسه لي: هذه الشجرة لا تظهر لي بنفس الطريقة اعتمادًا على ما إذا كنت أراها، أو تصطدم بها، أو أتخيلها، أو أتذكرها، أو أعبدها. يُقصد بالفنومينولوجيا أن يكون علمًا للوعي والطرق المختلفة التي ينظر بها إلى العالم.

 هؤلاء الذين يستعملون مصطلح "فلسفة اللغة" يستعملونه عادةً للإشارة إلى الاشتغال في مجال الفلسفة التحليلية الأنجلو أمريكية وجذورها في الفلسفة الألمانية والنمساوية في أوائل القرن العشرين. لدى العديد من الفلاسفة خارج هذا التقليد وجهات نظر حول طبيعة اللغة واستخدامها، وبمرور الوقت أصبحت الحدود بين الفلسفة "التحليلية" و"القارية" أكثر سهولة، لكن معظم الذين يتحدثون عن هذا المجال يجتذبون مجموعة معينة من التقاليد، من المؤلفين والطرق المتعارف عليها. 
بدأ تاريخ فلسفة اللغة في التقليد التحليلي بتحقيق التقدم في المنطق وبتوترات داخل الحسابات التقليدية للعقل ومحتوياته عند نهاية القرن التاسع عشر. نشأت ثورة من نوع ما عن هذه التطورات، المعروفة غالبا باسم "المنعطف اللغوي" في الفلسفة. ومع ذلك، واجهت برامجها المبكرة صعوبات خطيرة بحلول منتصف القرن العشرين، وحدثت تغييرات كبيرة في الاتجاه نتيجة لذلك. 
يتناول القسم الأول من هذه الدراسة الأسلاف والمراحل الأولى من "المنعطف اللغوي"، بينما يتناول القسم الثاني تطويره على يد الوضعيين المنطقيين وغيرهم. بينما يلخص القسم الثالث التحولات المفاجئة التي نتجت عن أعمال كواين وفيتغنشتاين، ويوضح القسم الرابع والأخير المقاربات والمناهج الرئيسية التي اتبعت من منتصف القرن إلى الوقت الحاضر.
1. فريجه، راسل والمنعطف اللغوي
أ. النظريات المرجعية في المعنى
حدث الكثير من الإعداد لما يسمى بـ "المنعطف اللغوي" في الفلسفة الأنجلو أمريكية في منتصف القرن التاسع عشر. تحول الانتباه إلى اللغة حيث اعتبر الكثيرون أنها نقطة محورية في فهم الاعتقاد وتمثيل العالم. أصبحت اللغة ينظر إليها على أنها "وسيلة للتصور"، كما حددها ويلفريد سيلارز لاحقا. لقد طور المثاليون العاملون في أعقاب كانط حسابات "متجاوزة" أكثر تعقيدا لظروف إمكانية التجربة، وقد أثار هذا ردود فعل قوية من فلاسفة أكثر واقعية والمتعاطفين مع العلوم الطبيعية. حقق العلماء أيضا تقدما في ستينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر في وصف الوظائف المعرفية، مثل إنتاج الكلام والفهم، كظواهر طبيعية، بما في ذلك اكتشافهم لمنطقة بروكا ومنطقة فيرنيك، وهما مركزان عصبيان للنشاط اللغوي.