souffrance.jpgالأول  :
عرف  بالإنضباط  والإستقامة ...بالتضحية والحكمة....منح عدة أوسمة لشجاعته وتفانيه في الخدمة العسكرية ، في أوقات السلم و أثناء الحروب....وهو يقود فرقة من المدرعات ، تأمل المشهد أمامه....نيران مشتعلة ،دمار في كل مكان ...جثث حيوانات وأطفال متفحمة ...جرو صغير يزحف على بطنه ...فجأة جاءت أوامره صارمة ...دارت المدرعات نصف دورة وبدأت في التقدم وإطلاق النار...
 
الثاني  :
تأمل حياته الحافلة بالأ حداث ...حقق نجاحات كبيرة وأثار غيرة  الأصدقاء والأعداء ...
حصل على كل شيء ......شهادة جامعية عليا ومنصبا رفيعا ....زوجة غنية وعشيقة فاتنة
...باع أصدقاءه وإشترى آخرين.....غير سياراته كما يغير الجوارب...وفي الأخير وعندما

ANFASSEأنتزعُ الخاتم من يده وأكتم صرخة كادت تخرج من بركان فمي لتذيب ما حولي ، يتراجع قليلا ،  يحدق بي مذهولا وينتظر رد فعل امرأة مرتبكة وكأنها لص يعرض بضاعته المسروقة ..!
ألملم اعصابي واستدرك بأن لا ذنب لهذا المشتري أنا من دخلت متجره وانا من تبيع ..
أضع يدي على السلسال الثمين  المعلق في  عنقي ( الذهب ليوم عسر، وقد جاء ) ماتبقى لي من عبق  الماضي ..
والخاتم المنقوش بحروف وتاريخ ، برهان ودليل مرور اسم  رحل وآخر  بقي  على هذه الأرض ليكمل المسير..
بصوت هامس أعتذر ، وأكتفي بما بعت ،  أقبض  المبلغ وأغادر ..
 وجهتي وأين أمضي أعرفها  ، لكني أجهل  كيف ومن أين، فتلك المرة الاولى التي تطأ قدمي منطقة شعبية مترامية الاطراف تدعى مخيم  (الوحدات )  سكنها  اخواننا الفلسطينيون بعد النكبة.
أعلق الحقيبة على كتفي ويتعلق معها حمل  تعب الأيام ، يثقل الجسد ، يتعب الخطوات ، ويرهق الأعصاب .

anfasseالبحر مازال يمدُ لسانه في اليابسة فيكوِّنُ شاطئين، شاطئ لكل ضفة. حلمتُ بالسفر على ظهر سفينة تجوب البحار، لكنني ظللتُ أسافر بين الضفتين اللتين يفصلهما الماء وبينهما قوارب الصيادين. أمشي على ذلك الشاطئ وحدي كل يوم، فأتذكرُ الأيام البعيدة التي حملها البحر في ذاكرته.
******
ولدُتُ مبصراً ولكن مرض الرمد الذي غير حياتي أقبل مع رياح الشمال، التي تأخذ السفن لوجهة بعيدة، أطفأ إحدى الحسنيين، وتعثرتْ الأخرى بعد أن أكملتُ السادسة، فتحققت نبوءة جدتي لأمي بأن أصبح معلماً للصغار.
 وقع اختيار إمام المسجد على ابن صديقه البكر ليكون مؤذن الحارة فأصبحتُ الطفل الشيخ. هكذا لقبونني عندما لازمتُ خطى المسجد منذ أن كنت طفلاً صغيراً.
طفلاً عليلاً بسببه تم طلاق أمه. هكذا سمعتها خلسة من جدتي، التي هددت زوجة أبي الثانية بالطلاق إن لم تنجب الولد القوي المعافى. كان أبي يرى أن المرأة هي سبب رداءة وقوة الطفل الذي تنجبه. رزق والدي بأولاد كثيرين بعدي صحيحي الجسم ولكنهم يموتون فجأة.

anfass.orgأخذ النادل ينظف الموائد، ويلبي طلبات الزبناء في خفة وتفان..بينما اختار "العم بوشعيب" أحسن الحلويات لديه وقدمها للرجلين، لم يأخذاها لأنهما طلبا عصيرا ولم يطلبا حلوى!!..لكنهما قبلا بعد لأي حين أقسم لهما.
وبدأت أتأمل الرجلين في تمعن..كان المشترك بينهما بذلة أنيقة وربطة عنق، وفي يد كل منهما ملف منتفخ أوراقا..ترى ما الذي توجس منه "العم بوشعيب"؟؟!!
كان النادل قد انتهى من تلبية الطلبات فاستراح على كرسي بجانب "العم بوشعيب" قال وهو يتلصص بعينيه وقد ملكته الدهشة:
-    أتعرفهما ؟
-    بالضبط لا، لكن أعرف الحيلة جيدا..إنها لجنة مراقبة الجودة وحماية المستهلك.
-    لكن..

ـ هل تأتي بجديد و هل يكون الجديد موتى هنا و مفقودين هناك؟
  ـ ربما، المهم أن شيئا جديدا يزحزح رتابة الأيام آتٍ.
   يحرّك عليّ رأسه قبولا و هو يتابع دقائق التفاصيل من الطّابق الأوّل.
   ينفخ الزمن من روح الأبد فتعلو رمال الصحراء أكثر، و على الأفق البعيد  ترتسم شامات عاصفة .
    يتابع عليّ السجلماسي من النافذة المعالم الأولى لعرس الصحراء و ينتظر بشوق لقاء المدينة بالرمال متلهفا لوجه ينسيه نمطية الوجه العجوز.
   يقفل الملثمون عائدين تسبقهم قطعانهم التي تعرف طريقها إلى معاقلها، الأطفال يصرخون احتفالا و ابتهاجا بالمشهد الجديد و انتقاما من جبروت الكبار، النساء يجمعن الملابس من سطوح المنازل المبنية من الطين و التبن و عرق الرجال حتى لا يجرفها التيار و تصاب الأسر في كسوة الأولاد و الزوج.

anfasse.netمطر خفيف..يبلل الحيطان..و ينفض عن شجيرة اللوز عناء صيف حار ..غمرتها نشوة طفولية وهي تعترض الرذاذ بلسانها ..لمحت من بعيد قوافل الجند ..شاحنات متهالكة تتلوى في المنعرجات كحية متعبة ..ساورها القلق ..تسارع النبض وهي تخمن في رسالته الاخيرة " سنلتحم قريبا بجيوش العدو ..لا تنسي ان تصلي لأجلي ..واحرسي جيدا شجيرة اللوز ..سيكون زهرها الابيض طوقا يزين جيدك ليلة العرس ..الى اللقاء ".
ترددت قبل اللحوق بالاهالي الى الساحة العامة ..ارتدت معطفها وحثت الخطو لتحظى بموطيء قدم وسط هذا الحشد المتلهف !
اصفرت الشمس مؤذنة بالمغيب ..هي ذي الشاحنات قد دنت لتوقف سيل الظنون ..خيم صمت رهيب على الحشد قبل ان تفرغ الشاحنات ما في احشائها من بقايا حرب مستعرة ..أشباح آدمية ..ما بين مكلوم و مثخن و مسجى على لوح خشبي ..
اندفعت الامهات بلوعة يتفحصن الجثث..تسمرت هي في مكانها ترقب المشهد ..هل ستلقاه راجلا أم محمولا على لوح ..هل مات ؟ كفكفت دموعها و اندفعت تتفحص الاجسام الممددة ..

anfasse.orgالصورة الأولى :
عندما إنتهى من كتابة روايته ،والتي إعتقد أنها ستثير أزمة سياسية وفكرية دولية ....غير عنوانها ليكون أقل حدة ...تأملها مليا ....قام للخزانة وجمع المصادروالمراجع التي إعتمد عليها فوضعها في المدفأة المشتعلة...وضع مخطوطة الرواية في كيس بلاستيكي أسود وألقى به في  آلة الغسيل... ضغط على زر التشغيل و تركها تدور....وهوينزل درج العمارة ....كان صوتها يشبه قهقهة مخمور..
 
الصورة الثانية :
ناضل في شبابه بالجامعة والمنظمة المحظورة التي كان عضوا  فيها آمن بالحرية والمساواة ...
...بالعدالة الإجتماعية .......بضرورة التغيير الجذري ...تعرض للإختطاف ثم السجن ...لكنه
ظل صامدا ومؤمنا بمبادئه....ساوموه،أغروه لكنه زاد تعنتا....وبعد ثلاثين سنة ....أصبح
رئيسا لوكالة وطنية تهتم بصيانة الحيوانات المهددة بالإنقراض.....

anfasse.org "الكَلامُ عَن الطـُّفـولة يفْترضُ طُفولة ًفي الكَلام"
الشاعر والباحث المغربي: محمد أنوار محمد.
    بدأتُ أكتشف بعض تفاصيل الحياة وأنا معلق بظهر والدتي..كنت أقضي نهاري كله وأنا مشدود إليه بطرف من القماش حسبته جزءا مني لفرط ما التصق بجسمي..لم أكن أرى من هذا الوجود إلا ما تسمح لي به المساحة الممتدة بين عنق والدتي وكتفها..كنت أحيانا أتطاول وأدفع بقدميّ في الهواء لألتقط مشهدا يستهويني..وأحيانا أكاد أحس أن والدتي تنحني قليلا لتمكنني من المشاهدة.. لا أدري لمَ كانت تصر على ربطي إلى ظهرها ، رغم أنني أستطيع أن أتحرك باستقلالية تامة عنها..ربما هي عادة متوارثة في قريتنا..وربما هي تعود إلى خشية الأمهات على أطفالهن من لدغات العقارب وسمومها القاتلة..إذ كثيرا ما يذهب الأطفال الذين يلهون في غفلة من أمهاتهم ضحية هذه اللدغات.. لذلك نادرا ما ترى امرأة لا تحمل طفلها على ظهرها حتى وإن تجاوز مرحلة الحبو..كل النساء اللائي يزرننا يأتين محملات بأطفالهن..بالأمس حين زارتنا جارتنا "أم الخيات" استرقتُ النظر إلى ظهرها..كانت ابنتها هي أيضا تشرئب نحوي في فضول..خلتُ أنها ابتسمتْ لي..ورأيتها تمد إليّ يدها وكأنها تهم بقول شئ..وحين ابتسمتُ بدوري كانت أمها قد استدارت فلم يعد يبدو منها إلا قذالها..سمعتُ والدي مرارا ينهر أمي ويأمرها أن تتركني أمشي على قدمي..كان يقول لها ساخرا أو غاضبا:"واتـِّي ما غاد تحيديش عليك هاذيك الحدبة؟راه الطفل كبر!" لا أخفيكم أنني كنت مرتاحا في وضعي ذاك..وشعرت أن والدي يغار مني..أو يحسدني على هذه المتعة..

مفضلات الشهر من القصص القصيرة