anfasse.orgبسرعة، أحاول تفادي جموع المسافرين. أشق طريقي إلى الحافلة الزرقاء المخططة بالأصفر كما أخبرني موظف التذاكر. أجر ورائي حقيبتي الرمادية تماما مثل هذا اليوم.. كم يبدو السفر حزينا حين نركبه وحيدِين!
لسبب ما كان يجب أن أحزم ثيابي، أن أرتبها في الحقيبة، أن أبعثر بينها شيئا من خوفي، ثم أرحل. لا شيء يربطنا إلى الأمكنة غير الأوهام. وهم الحب، وهم الأسرة، وهم العمل، وهم الاستقرار أو الهدوء..
قررت إذا أن أخلف كل شيء ورائي وأبتعد. وحده الخوف يصاحبني. أحسه يتربص بي في الأمكنة وفي فكرة السفر وفي ظلي، كطفيلي يرتزق من محاولاتي أن أكونَ ليوجِد كيانا لنفسه.
أهرب إذا أو أسافر.. هما رديفان إن لم يكن هناك مجال لعودة محتملة. أهرب من الوجوه المتكررة والمعلومة مسبقا، المتشابهة حد التطابق. مثلي، تحاول أن تكون. مثلي، تشرب بُنا بسكر أو بدونه. مثلي، تؤجل النوم أو لا تفعل حين ينسدل الليل على المدينة الرتيبة. مثلي، تعرج على شارع جديد محاولة استكشاف طريق آخر للبيت المشابه للبيوت الأخرى. مثلي تختلي بنفسها في التواليت حيث لوهلة تتلمس معنى أن تكون "حقيقية" وبدون أقنعة.

anfasse.org"من ينظر إلى ساعة رملية ير انحلال إمبراطورية "                          
خورخي  لويس بورخيس     
اتفاق:
يعطي المسدس انطلاقة السباق، لكن الخيول لا تسابق الضوء ولا الرياح...تمشي الهوينى في حركات متناسقة كأنها في رقصة أو استعراض..يذهل الجمهور ..يقلق المراهنون ..يبتهج المضمار ..تدخل صفا واحدا وتفوز بالرهان

خطوتين:
يحط الصبي فوق الجدار
خطوة...خطوتين...تميل محفظته الثقيلة ..
فجأة تسقط الفراشة وينكسر الجناح

anfasse.org" الحضارة القصوى تنتج البربرية القصوى"
 (لاروشيل)

حين التقيته ، لم يكن في رأسه غير هدف واحد: كان يريد أن ينشئ فرقة موسيقية تحدث الالتقاء بين الموسيقى العربية و الموسيقى الكلاسيكية الغربية و موسيقى الجاز ذات الأصول الافريقية.
و كان قد وجد لها اسما:" الجسور"
كان يقول لي متحمسا :" أريد أن ألم شعث الموسيقى عبر العالم...أريد أن أؤسس لنوع جديد هو خلاصة الشرق و الغرب معا في الابداع الموسيقي."
فقلت له يوما : أنت تريد اذن أن تنجح حيث فشلت السياسات...لعل الأمر مستحيل.
رد وكله عزم و ثقة:" بالعكس ، الأمر ممكن ...السياسات فشلت لأنها قائمة على الكذب و النفاق و المصلحة ..الموسيقى ستنجح لأنها قائمة على الصدق والمتعة المقتسمة ".
أعجبني الزخم المشاعري فيه ، و تلك النظرة الفوقية الى العولمة التي لم يرد أن تستهلكه و تجعله مضحكا أمام نفسه و لو كان نجما أمام ملايين المستهلكين .
كنت أقدر فيه كثيرا تلك القيم الشرقية التي نفتقدها في الغرب.كان حين يحدثني عن قريته الصغيرة في القدس، أرى القدس في عينيه وطنا ..مرارة..منارة..أرى القدس في عينيه على بعد خطوة أو خطوتين .

anfasse.orgمن كان في حِلٍ مما يعوق وصلَه بمحبوبه وقال: أحِبُ.
فإني في تصديقه بين شك و يقين،
لأن الثبات على التعلق بالشيء دون وجود ما يعكر صفوه،
قد لا يقوم دليلا على المثال فيه.
أما من اجتمعت عليه صروف الدهر تقصم ظهره،
و ظل ثابتا على هواه يقول: أحب .
لا يرى عمن يحب بديلا،
فإني مصدقه إطلاقا لشهادة الحال عليه،
في المعنوي منه قبل المادي،
لما يكابده من تمزق و صراع.

anfasse.orgالمشهد الأول  :
صاح المخرج بعصبية  :  أكسيون......
الأضواء خافتة ، تحركت الكاميرات في إتجاهات مختلفة ، ترقب الجميع تصوير المشهد الأخير والإحتفال.....إقترب منها ضمها إليها برفق وقبلها ....تحسس عنقها براحتيه ثم بدأ يضغط .....جحظت العينان وكتمت الصرخة ...إنسابت دمعتان من مقلتي مساعدة المخرج.....رفع عنها يديه وتركها تنهار على الأرض .....
سطوب صاح المخرج مرة أخرى ...رائع جميل....عانق مساعدته ....تعالت التصفيقات .....أنارت المصابيح المكان.... لكنها ظلت ممددة بلا حراك.
 
المشهد الثاني :
ضرب المخرج كفا بكف بإنفعال زائد .....سكوت .....تراجع التقنيون نحو الخلف ...ساد الصمت....إقترب من الجثة
تأملها قليلا ، أشعل سجارة بيد مرتعشة وأخذ نفسا عميقا .....رماها  على الأرض وداسها بقدمه ....تقدم نحو النافذة وأزاح الستار ...تأمل الأفق البعيد  ....إرتقى حافتها .....قفز المخرج من مقعده ....سطوب ....لكن الارض كانت تقترب منه والأشياء تزداد وضوحا  .

anfasse.orgمواربة
في المتون استدراكات للعب على المعنى، و ثمة كاميرا تصور كل شيء، و ينحدر الأمر إلى ر كح المسرح لكن الأتربة و الجنون سيكونان أرضا لحج المعنى… ثمة رجل على حافة الجنون و ثمة رجال يرون المجنون و وراء النافذة، سيمسكون بالشمس قليلا لتدخل إلى الفراغات الفاصلة بين الكلمات و يقيسون المسافة…نحن فقط سنصفق عندما نعود وحيدين إلى بيوتنا لنخبر أحلامنا أن الشمس كانت معلقة على جبين مرآة سحرية….
هذيان
الدنيا حلوة ..أدركت الشمس تألقها،..مرت على جسدي، و مرت على الشارع، ثم انبسطت في عليائها..صباح الخير يا شمس المدينة …هل تحبين العيد…عيد سعيد يا شمس المدينة..لا تلتفتي إلى غيري..كلهم أغبياء..إنهم يصعدون السطوح لإمساكك، …يتصايحون فتعلو جلبتهم و يكون صوت مكرهم مثل لهب في طواحين الهواء..الشمس شمسي…إنهم خائنون يا صفراء يحبون القمر..يشدونه إلى أمتعتهم و أشعارهم بالحبال الغليظة…ويرتلون الخدود…وجه القمر صار بدرا..لكنهم يلهجون بالهلال..الم يخبرك احد أن الحِربة غرست في ظهرك..

anfasse.orgتعطلت كل الأفكار في رأسه حين دخل فضاء المقهى، وناوشه شعور بأنه عاد إلى الوراء عشرات السنين في سلم الحداثة.. فالمكان ليس فيه من المقهى إلا  الاسم الذي كتب بخط رديء على صفحة قصدير بالية.. هي أرض بلا سقف، انتظمت في شكل مصطبات مبلطة متدرجة تنتهي عند حافة سحيقة تطل على البحر.. أُثثت بطاولات وكراسي موغلة في البدائية.
      وقف في الممر الأول يمسح بعينيه الفضاء محاولا أن يرمق طاولة شاغرة، لكن كثافة الظلام حجبت عنه الرؤية فاضطر إلى الانحدار يستطلع المصطبة تلو الأخرى. وفي كل مرة كان ينفر مهرولا إما بسبب روائح الحشيش التي تباغت أنفه أو بسبب قبلا ت ماجنة تفرقع من فرط عبث الريق بالريق.
      أخيرا عثر على طاولة فارغة في الممر الأخير المطل على الحافة.. أغلب الظن أنها تبقى شاغرة لصعوبة الجلوس فيها، حيث تجثم عليها شجرة منسية يبدو أن أغصانها لم تشذب منذ مدة. اضطر إلى كسر بعض العيدان التي قد توخز الظهر، وجلس منتشيا بغنيمته. كان أكبر انتصاراته أنه أَوْلى ظهره للأضواء والمدينة التي توليه ظهرها باستمرار. وأطلق نظراته في المدى البعيد تخترق الظلام.. لم ير إلا مصابيح نائية لا تضيء إلا نفسها، وعلى مقربة منها رأى ضوءا يظهر ويغيب.. أدرك أنه منار يدور. واستبد به الضوء المشاكس الهارب من كل اتجاه، ورأى هالة الضوء تكبر وتقترب منه حتى أحاطته أضواء بكل الألوان، وألفى نفسه في قاعة فسيحة تعبق بأطياف الغواية والجمال. بدا أنيقا يختال وسط حضور كبير في سهر مشهود هو نجمه.. كان يغني وهم ينصتون ويتفاعلون. وطاوعته اللحظة فتفتقت جوارحه شعرا ونغما. لم يغن أغنية معروفة، إنما كان ينتج الكلمة بتلقائية ويلونها بوجدانه وإحساسه:

anfasse.orgإنني كالنهر الذي يجري في باطن الأرض
تحت الحجر الجيري للأيام
و منبعي
هو ليل الطفولة البعيدة

من قصيدة" الحلم "للشاعر المقدوني
بلاجيه كونسكي


أريد أن أرى المدينة ليس القمر المدينة
المدينة بكفيها المقرحتين
المدينة بعمالها الموسميين
المدينة التي تؤمن بالخبز وبالقبضة
                                 
من قصيدة" سوناتا" ضوء القمر للشاعر اليوناني يانيس ريتسوس
…………………
الاهداء الى منتظر الزيدي

الشمعة الأولى تشرف على النهاية , شخير الجدة يصلني منتظما بشكل يجعلني اعتقد أنها راحت في نوم عميق, سأتمكن اذن من إشعال الشمعة الثانية دون أن تشعر .
الجدة تغضب عندما استهلك شمعتين في يوم واحد !!
ستغضب وتوجه لي كلامها صارخة

مفضلات الشهر من القصص القصيرة