وغير بعيد ، تراءت له الجبال بوجهها الشاحب ، وقد صممت على الشموخ وتحدي الصعاب ، ولد المنظر في قلب إدريس إحساسا بضعف بشري مسيطر ، أطلق إثره تنهيدة مدوية آتية من الأعماق .
آه......ما أضعفني ..ما أشد خيبتي..كيف يمكن لهذا الجبل الجاهل أن يبقى راسخا وهو الذي لم يتلق درسا عن الصبر والشموخ وعزة النفس ؟
كان الجميع في القرية يتحدث عن فشل إدريس ، وتصميمه الأزلي على الهجرة إلى المجهول ، رغم إصرار أبيه الحاج علي على بقائه إلى جانبه للاعتناء بهكتارين من الأرض طالما فجرا جدالا حادا بين الطرفين يصل أحيانا حد الخصام ، فالأب يشم خلال الهكتارين رائحة الأجداد وعبق الماضي ، بينما يرى الابن في بيعهما حلا لا محيد عنه لكل هواجسه المادية ، ولم لا .وهو الشاب المثقف المتخرج قديما من كبرى جامعات البلاد ، دون أن يشفع له ذلك في الظفر بوظيفة تحقق له أدنى التطلعات .
خطا إدريس خطوتين أمام الباب ، ثم جلس على كرسي من القش ، أجال بصره في المكان ، أثارته زقزقة عصافير ملحاحة تحوم حول بعض الكروم ونباتات الصبار المحيطة بالكوخ.