فوق منضدتي الخشبية الصغيرة ، حاولت , لملمت أوراقي المبعثرة ، لم أكن اعرف أني كتبت ذلك كله وسط شعور بهذيان بهيجٍ ، هكذا يكون الإنسان عندما يتخلى عن ذاكرة الآلهة ، نبياً منعتقا من جحيم الخيال ، ويصبح نافراً بلا لجامٍ , يصبحُ غيرَ مأمون الجانب وكأنه مهرة مجنونة !
في ذلك الذوق المفروش بالعوسج ، في ظهيرة يوم عراقي مليء بالخوف والترقب ، وحيث الدخان يدخل إلى القلب ليخدر الحياة فينا , كان صوتها يصلني ، فيدفع أفكاري كأبخرة تتصاعد لتتبدَّد .
ماعدت قادرة على الإحتمال في هذه الأجواء المشحونة ، فبيوتنا التي بُنيتْ منذ عهد بعيد تتماهى فيما بينها وتتلاصق ، حتى يصبح الهمس مشتركاً والألم واحداً ، فلقد كنا نسكن في تلك المنازل المُنَضَّدة على التلال المطلة كالأثداء على ضفاف النهر ...
بيوتٍ شهدت دون إرادةٍ منها او بإرادةٍ ! صنوفَ الحكايات المخبأة والسعيدة الحزينة ، ولازالت تضمنا او نضمها لا ندري ...
بيوت شرقية صغيرة ، أسجيتها العالية تهرأت بمرور الزمن ، وأصبحت تنبئ بخجلٍ ، أنَّ هناك أسواراً بيننا بما تبقى فيها من حجارة ، لكن ما بيني وبين جارتي وابنتها ليس سوى علب الصفيح الصدئة عملنا معاً على ملئها بالطين ، وغرزنا فيها بعض النباتات المشتركة التي كنا نتناولها بحميميةٍ مع أقراص الخبز الطازجة ، كلما أوقدت تنورها الطيني ، وأوقدت معه حكاياتٍ شجية وكثيراً ما تُدعو للإستزادة لغرابتها ، لكنها لا تلبث أن تبترها فتتركني فريسةً لتذمري او لإشفاقي !