anfasse75" ان الصورة علامة تتمثل في كونها خاصية قابلة للتأويل"1
اذا ابتعدنا عن تناول الصورة من جهة تأثيرها في المجتمعات وعن النظر اليها كتقنية لتحريك التاريخ واقتربنا من البحث فيها من جهة اندراجها ضمن أنظمة الاعتقاد والمعارف المنظمة والأشكال الفنية التي تنسج علاقات متقاطعة بين تاريخ الفنون وتاريخ الأديان وتاريخ التقنيات فإننا نتخلى عن التعامل المجسد والمادي مع الصور ونشتغل على التمثلات الذهنية والوقائع الرمزية ونحاول الكشف عن القوانين غير المرئية للمرئي ونطرح اشكاليات حياة الصورة وموتها والصورة بين المنع والاباحة وبين الاتصال والانعزال والأصل في الصور والنسخ المحاكية لها ونبحث في الأساليب الاستعراضية للصورة وتراوحها بين التزيين والمناسبة. لكن ما هي الحاجة إلى الكتابة الفلسفية عن ماهية الصور وما هي أساليب النقد في تطور الصورة وأنواعها؟ وما هي طبيعة الصورة وخصوصيتها؟ وكيف هي قدرة الصورة في التعبير عما هو واقعي وخيالي؟ وهل يمكن تفسير مصدر قوتها وطرق تأثيرها على الحشد؟ كيف تشكلت الصورة؟ وما الهدف من تشكلها؟ وماهي مصادر انبعاثها؟ ومن أين تستمد سلطتها؟ وما علاقة الصورة بأشكال ثقافية أخرى مثل الفن والدين والعلم ؟ وماذا أضافت التقنية الى وظيفتها؟
لقد تشكلت الصورة في زمن أقدم من حيث الوجود التاريخي من الخطاب الشفوي والنص المكتوب وأكثر تجذرا وانغراسا في اللاّوعي والذاكرة والخيال والذهن وارتبطت بالعين والمرآة والطقوس. بهذا المعنى ظهرت الصورة في القرون الوسطى مع المسيحية وأصبحت تاريخ الصورة هو تاريخ الدين وقامت بدور تبشيري كبير وأقامت الدعاية للمعتقدات وبعثت الحياة في الرسالة الايمانية ولكن بعد ذلك اكتسبت الصور حركية اجتماعية واقتصادية وسياسية أكثر من الكلمات والأفكار وتحولت الى وسيلة للاتصال السياسي بالجماهير وقوة إنتاج مادي وفضاء للاستثمار الاقتصادي وتحقيق الأرباح ومراكمة الثروات.

anfasse73على الفلاسفة أن يعيدوا ترتيب العالم بعد أن وصل إلى ما وصل إليه اليوم، مثلما أعادوا ترتيبه في عديد الحقب مانحين للإنسان نفسا آخر، وروحا أخرى، ومنهجا جديدا لإدراك الوجود وتفسيره وتأويله أيضا، ربما أصبح سؤال : إلى أين يسير العالم؟ سؤالا ملحا وبكثير من الحذر في الخوض فيه، فلنتأمل مآلات الإنسان على أصعدة عدة، كي نجد أنفسنا أمام الانخراط في هاته الدعوة، ولنعد لبنية العالم أيضا كي نلمس هذا التغيير السريع، بناء على جملة من مظاهر ذلك، كالتعصب الديني، والحروب فارغة المغزى، والثلوث الذي يصيب كوكبنا في كل آن وحين، ناهيك عن التقلبات المناخية، وأزمة القيم، ونذرة الماء...
    بعودتنا إلى ما سبق ذكره نحاول البحث عن عِلَّةِ هذا الأمر، إذ يمكن إرجاعه أولا إلى طبيعة الإنسان التي تميل إلى الهيمنة والسيطرة وتطويع كل شيء حيث للفلسفة الديكارتية كبير تأثير على ذلك، أما من الجهة الثانية فإنه لا مراء من أن روح الأزمنة الحديثة قد تميزت وبفضل اكتساح التقنية للمعيش اليومي للإنسان، تميزت بتغييرها لسيرورة الوجود أو قُلْ لسيرورة كينونة الإنسان، مما جعلنا بلغة هايدغر نفرط في نسياننا لسؤال الوجود من ثمة ابتعادنا بالمطلق عن الحياة في شكلها الطبيعي.

anfasse71سأل غربي عربياً عن أحلامه. أجابه العربي بأنه يحلم بعمل وبيت وسيارة، ردَّ الغربي متسائلا كتوضيح بأنه سأله عن أحلامه وليس حقوقه ! هناك شبه إجماع عربي على أن أحلام هذه الفئة (العرب) تتحقق بالبلدان الغربية أكثر منها في بلدانها العربية. ذلك ما يفسر نسب انتحار العرب والأفارقة على شوطئ المتوسط.. طبعا إذا كان الانبهار بالغرب ناتج من مخيلة شريحة اجتماعية لا تتجاوز قدرتها الفكرية سن طفل في الثامنة من عمره ـ يؤمن بملاقاته يوما ما لسلاحف النينجا ـ فذلك أمر متقبل ومفهوم؛ أما أن تأتي هذه الهلوسات من جانب مفكر له تأثير سياسي كبير ومختص بمعالجة الهلوسات فكريا ومقاليا ـ نسبة للمقال المكتوب ـ فهذا يكشف عن اختلاط أدوات المفكر في تطرقه لموضوع أيديولوجي حساس.
العفيف الأخضر، العقلاني بامتياز، سبينوزا العرب كما يلقبه البعض، والجريء في تدميره للصرح الديني بما يخفيه من أشباح وشياطين تُخضع العقل لسلطة الأموات وماضيهم الضبابي، المفكر الذي شرّح سيكولوجية الديانة الإبراهيمية ـ بتركيز دقيق على الإسلام ـ كما لو أنه يفكك مقولة إميل سيوران "الله نفسه ليس سوى هلوسة صوتية" ليتبثها كمعطى استنتاجي بالأخير.. نجده بعد ذلك يبدي ـ بانفعال مراهق متأثر بقناة Vevo الموسيقية باليوتيب Youtube ـ تأثرا باهرا بمؤسسات الغرب السياسية والثقافية.

haidar-ali-salamaتمثل ترجمة الأستاذ محمد إبراهيم عيد لمؤَلف الفيلسوف إيهاب حسن (دورة ما بعد الحداثة)، شكلا من أشكال المجازفة الفلسفية والأبستمولوجية والميتودولوجية المنهجية،وذلك لطبيعة التداخل الإشكالي والمفاهيمي المعقد بين المصطلحات الفلسفية من جهة؛ والمصطلحات الجمالية والميتا-جمالية في خطاب ما بعد الحداثة من جهة أخرى.
لهذا، سوف نتخذ من الأطر المنهجية والمفاهيمية إلى جانب إشكالات الترجمة الاصطلاحية، القاعدة الأساسية والمحورية لمحاولتنا الفلسفية الرامية إلى إعادة فهم تاريخ فلسفة الجمال وبنية العمل الفني منذ أفلاطون إلى مرحلة ما بعد الحداثة. وستكون أطروحات الفيلسوف إيهاب حسن في مؤلفه المذكور أعلاه، الرافد الأساسي لمجمل مقارباتنا المنطقية والجمالية واللسانية.

    ما بعد الحداثة: الجدل الاصطلاحي لمفاهيم الدورة والمنعرج الثقافي
 يُعد مصطلح "turn" من ابرز المصطلحات الإشكالية التي استوقفتنا عند مطالعتنا لكتاب (دورة ما بعد الحداثة) الذي كان عنوانه الأصلي   " The Postmodern Turn". حيث جرى ترجمة ذلك المصطلح بمفهوم "دورة". على الرغم من أننا نلاحظ أن العنوان الفرعي للكتاب "Theory and Culture Postmodern" تضمن على إشارة إلى طبيعة الثيمات الفلسفية التي سيرتكز عليها عمل الأستاذ إيهاب حسن حول بنية الجدل الحاصل بين نظرية ما بعد الحداثة والثقافة، بعبارة أخرى، بين نظرية "مابعد الحداثة" "ونظرية الثقافة". وهذا يعني أننا سنكون إزاء خطاب من التحولات والمنعرجات الأبستمولوجية واللسانية والأستطيقية. فكان لزاما علينا ان نتساءل فيما ينبغي عليه ان تكون ترجمة مصطلح "turne " بالدورة أم "بالمنعرج" أم"بالمنعطف" ؟ وهل يمكن لمصطلح الدورة أن يؤسس لنظرية ثقافية جديدة أم هو مفهوم يُعيد إنتاج أشكال ثقافية تقليدية قديمة ؟ وهل أن معنى مفهوم "الدورة" ينسجم مع تحولات مفاهيم وتصورات ما بعد الحداثة الكونية ؟ وأين يمكن أن نضع فلسفة الجدل الثقافي والمابعد الحداثي: هل مع مفهوم الدورة "التوتولوجي" ؛ أم مع مفهوم المنعرج/والمنعطف السوسيو-لساني ؟

anfasse67ظل الفكر الفلسفي قديماً وحديثاً، فكراً نقدياً، يعمل ويشتعل كما تشتعل النار في الهشيم، رغم محاربته ينبعث من رماده، لمحاربة التسلط، وإنارة العقول، من خلال منح العُكاز للقاصرين فكرياً. لذا صار هذا الفكر ـ الفلسفي ـ نقمة على ابن رشد، بعدما كان نعمة، أيام لقائه بأمير المؤمنين أبي يعقوب، فأمره هذا الأخير برفع القلق عن عبارة أرسطو، كانت هذه اللحظات جميلة في حياة ابن رشد إلى حدود توليه طبيباً بعد رحيل ابن طفيل، الذي كان يشغل هذا المنصب. لكن النقمة على ابن رشد ستظهر عندما قرّر الخليفة يعقوب المنصور الموحدي، إلحاق الأذى بابن رشد وجماعة من العلماء، فأصدر منشوراً يتهمهم فيه بتهمة الانحراف عن الدين. في هذا المنشور رسالة واضحة إلى العوام، ونحن نعلم أن ابن رشد العدو اللدود للعوام (العامة)، يقول فيها المنصور "ومن عُثر له كتاب من كتبهم [ابن رشد وباقي العلماء]، فجزاؤه النار التي يعذب بها أربابه.."[1].

قبل سرد الروايات التي فسرت سبب هذه النكبة، نطرح سؤلاً، مفاده كيف نفسر هذا الانقلاب على ابن رشد، من حبيب وطبيب الخليفة المفضل، إلى عدو الدين؟ ثم إذا كان الخليفة الموحدي قد أبقى على الجانب العلمي، كالطب والحساب والفلك، بينما وضع الحظر على الفلسفة، فما هو هذا الإنتاج الفكري الذي به صُنف ابن رشد ضمن خانة المنحرفين عن الدين؟

  تعددت الروايات بخصوص مسألة النكبة، فمن بينها نجد صاحب "المُعجِب" عبد الواحد المراكشي يقدم رواية، يفسر فيها أسباب هذه المحنة، فيقول لها سببان: جليٌّ وخفيّ؛ فأما سببها الخفي وهو أكبر الأسباب، فإن الحكيم أبا الوليد ـ رحمه الله ـ أخذ في شرح كتاب "الحيوان" لأرسطو طاليس صاحب كتاب "المنطق" فهذّبه وبَسط أغراضه وزاد فيه ما رآه لائقاً به، فقال في هذا الكتاب عند ذكره "الزرافة" وكيف تتولّد وبأيّ أرض تنشأ، "وقد رأيتها عند ملك البربر[2]..." جارياً في ذلك على طريقة العلماء في الإخبار عن ملوك الأمم وأسماء الأقاليم، غير ملتفِت إلى ما يتعاطاه خَدمهُ الملوك ومتحيٍلو الكتَّاب من الإطراء والتقريظ وما جانَسَ هذه الطرق؛ فكان هذا مما أحنَقهم عليه غير أنّهم لم يظهروا ذلك[3]..

Noir-et-Blanc-7يُقال، لا شيء يفتح الأبواب كامرأة جميلة، رائعة، أو "فوغميدابلوه" ـ كما يتغنى بذلك البلجيكي ستروماي. إن الجمال سلاح ـ يرى المغني الفرنسي سيرج غينسبور بأن "الجمال هو الانتقام الوحيد للنساء"، هاهنا المفتاح الأول : ورغم أن الجمال أحيانا لا حظ له، فهو يظل أفضل من حظ بلا جمال : مزيف ومؤقت (لأنه مصبوغ فقط بالجمال).
المفتاح الثاني : المال. لديك حياة، عائلة، أصدقاء وصديقات، لكن ما الفرق بينك وبين القردة طالما أنك لا تمتلك مالاً؟ حتى أن القردة لديها قابلية القيام بحركات بهلوانية (الأكروبات)! وأنت بحكمتك ـ كسوبر حيوان ـ لا تعرف لا كيف تقوم بالأكروبات، ولا كيف تصبح ثرياً !
الفقراء، الطبقى الوسطى أو البروليتاريا، حتى يقوموا بلفت انتباه الأغنياء، يختلقون نكتا عن الأغنياء، أحيانا حول أنفسهم بالذات! وذلك ليس بالأمر المضحك، بل أمر سخيف !
المفتاح الثالث : وهو مزيج لكلا المفتاحين، فإذا لم تكن تمتلك مالا، ولا جمالا ـ قال يوربيديس ذات مرة "حياة بدون جمال ليس سوى عبءٍ ثقيل" ـ فتخيّل معي، كيف أو من أين ستأتيك الأناقة (وهي ثالث مفتاح) ؟ بناءً على ماذا ؟!
أنتوني ترولوب ـ الشبيه قليلا بكارل ماركس ـ وضع سؤالا بوذيا : " أي شيء بالعالم سيكون أكثر فخامة من أريكة، كتاب، وكوب من القهوة ؟" .. لكن ماذا عن الحب؟ أرى بأن ماهو أكثر فخامة هو إيجاد شخص يحبك، أن تكون معشوقا من قبل شخص، والذي سيمنحك قيمة : حيث تصبح سوبر حيوان أكثر حظا من القردة..  فأي فخامة هي! مشهد شعري يتراءى.

Absa0898 1346171942لا خفاء في أن من بين المواضيع التي وجب أن تنال الحظ الأوفر من التمحيص والمساءلة والشرح هو تلك العلاقة التي تربط بين الدين كدين، أي المعرفة العقلية بالله الصادرة من الإنسان والمبنية على الإدراك الواعي والخالية من الوسائط، والدولة كفكرة مرتكزة على روح القوانين، وقوة المؤسسات، بالإضافة إلى رسم حدود ثنائية الحق والواجب، سيبدو لنا الأمر في أول وهلة واضحا لا يحتاج إلى زخم التفاسير والقراءات، بيد أن مشكلنا اليوم ليس يكمن إلا في سوء فهمنا للإثنين وذلك عندما نتأمل واقعنا من المحيط إلى الخليج، وكيف أن الدراسات والإحصائيات تكاد تجمع إن لم نقل كلها على أن الاستبداد وغياب روح القانون لصالح الشطط في استعمال السلطة، وتسجيل نسبة كبيرة جدا من الفساد والرشوة، هم ديدن ولسان حال واقعنا، الدين هو الآخر وفي نفس الصدد يستأثر بهكذا مفارقة من خلال ما هو منصوص عليه في الكتب وبين ما يُتداول، أي بين الدين كنص رسمي وبين استيعاب الثقافة للدين، حيث نقف على مفارقة كبيرة مفادها أن من أكثر الشعوب تدينا هم أكثر الشعوب المعروفة بالغش والرشوة وارتكاب ما تم منعه وتحريمه في الكتب، في تطبيق كبير لتلك القاعدة التي تعتبر أن كل ماهو ممنوع مرغوب.

anfasse7789مثلما اكتسح "اللوغوس" حلم "الميثوس" وبخس أحلام الشعراء مقيما جمهورية تتفاضل فيها الفئات بحسب طبائعها ومعادنها، ووفق خصائصها النفسية، أو بحسب جنسها ذكرا أو أنثى ،فإنه قد كرس عنصرية بين الحضارات وفق مقياس تمدنها أو توحشها.
 كما أقام تفاضلية معرفية بحسب مدى معيارية تلك المعرفة  وبحسب درجة تخلصها من سجن الجسد وعروجها إلى عالم الأفكار والمثل.  وازتها تفاضلية عملية، من خلال وضع حدود بين مختلف الصنائع، النظرية والعملية، وبين الحرف الشريفة والخسيسة، وتفاضلية قيمية تتحرر من نفعية الإنسان العادي وانفعاليته وتحقق التجردية وتنسلخ عن تجربة الحياة اليومية لتسكن محراب التأمل ولا يستطيع نيلها إلا من أوتي الكمال.
  نفس السيناريو سيتكرر خلال القفزة الثانية في ظل انبثاق العصر الحديث مع الفارق الزمني والثقافي.
إذ سيعمل فلاسفة  الفترة الحديثة على تكريس تسلطية اللوغوس من خلال النهوض أولا بعبء إعادة شحذه وصقله وتطهيره من كل ما علق به من أوهام، سواء منها، ما ارتبط بالذات والجسد من انفعالات وأهواء وميولات.

Dark-Abstractستنصب هذه المقارنة على الجوانب النظرية للجدل عند الفلاسفة والأصوليين خارج إطار تطبيقاتها. طبيعي أن تتعدد الأنماط الحوارية، إذ الحوار من المشترك اللفظي الذي إذا أطلق دل على أكثر من مدلول. ولذا فتحديد المفهوم يسهم بشكل كبير في تحديد نوعية التفاعل الحواري، فيمكن أن يكون قريبا من المناظرة أو من الجدل أو من السفسطة وذلك بحسب طبيعة الموضوع والقصد منه والظروف المحيطة بعملية التحاور. وبناء على ذلك، يمكن وضع المناظرة في أعلى سلم الترتيب يليها الحجاج فالجدل ثم السفسطة التي توجد في أدنى درجات التفاعل بين الطرفين([1]). ورغم هذه الاختلافات، فإن القاسم المشترك بين مختلف التفاعلات الحوارية هو استحالة تحققها بدون وجود طرفي أو أطراف الحوار. وغني عن البيان أن انتصاب فرد ما للدفاع عن أطروحة معنية يتم بالحجاج، لأن تنكب سبيله يعني التوسل بما هو مذموم عند العقلاء على السواء، فالآليات الحجاجية هنا تعادل الطريقين التجريبي والاستنباطي في المجالين الفيزيائي والرياضي، وحتما افتقاد الحجاج في ميدان القضايا الاحتمالية يؤدي إلى تنامي النزوعات اللاعقلية من عنف وقمع... ([2]). ومن المفيد التذكير بأن كل فعل يتوخى كسب الميل يسقط خارج حقل الحجاج بمقدار عدم توسله باللغة كأداة للتفسير والإقناع([3]). 
لما كان المرء في عملية التناظر يتخذ من المفكر فيه ميدانا للفحص والتمحيص "بغية تحصيل مقصود لم يكن حاصلا في العقل ولا داخلا في مجال إدراك الناظر"([4])، لزم استنبات تقاليد تحاورية تأبه لقيم التسامح والتواضع... وينتعش في فضائها تداول الأفكار والمذاهب طبقا لمنظورية معينة (Perspective).
وإذا كان قد تحصل في الدراسات المنطقية المعاصرة أن المناظرة كانت وسيلة لتنمية المعرفة الصحيحة وممارسة العقل السليم باتباعها طرقا في الاستدلال أقل قيودا من تدقيقات المنطق الأرسطي([5])، فإن الجدل الفلسفي الإسلامي وإن تعددت فوائده يبقى قياسا من مقدمات مشهورة أو متسلمة يحتاج إلى غلبة وإلزام، ومن المتعارف عليه أن الشهرة لا تنبني على الحقيقة بقدر مناسبتها للأذهان اعتبارا للونيات القوة والضعف فيها([6]).

abstract-565777" الحدث يفقد طبيعته الانفجارية ويفعل فعله بوصفه بالأحرى عرضا أو بَيِّنة"[1]
يشير الحدث événement في اللغة العادية الى الأمر الذي يقطع نسيج وتلاحم الحياة اليومية ويسترعي الانتباه. ومن المعروف أن المؤرخين والصحفيين يستعملون المصطلح بهذا المعنى ويدعون بأن مقابلة معينة قد تثير الضجيج حولها وتلفت الأنظار وتهز الرأي العام لكونها خرقت النسق المعتاد للأخبار ولكن في الحقيقة لا يمكن أن تعتبرحدثا حقيقيا وتاما بما أنها فارغة من كل قيمة وخالية من كل معنى وبالتالي هي لاحدث أو حدث مضاد.
على هذا النحو تدعي العلوم التاريخية ضمن جدول زمني أنها مطالبة بمسك الحدث وتوليه عناية لازمة وتعطيه القيمة التي يستحقها وتنزله ضمن احداثية خاصة بنسق اجتماعي معين. على خلاف ذلك تأتي الفلسفة لتطبق مصطلح الحدث على كل ما يأتي ويحدث وتبرر ذلك بأن كل ما يصير يمتلك أهمية معينة بالنسبة الى مجرى الأشياء ومسار الأفكار وصيرورة التاريخ. ان الصيرورة قد تكون مشوهة وقد تسقط في التكرار وتفقد القيمة وتبعث على الملل اذا لم تشهد بروز أحداث جديدة وقدوم أشياء مختلفة ووقوع ظواهر غريبة وغير معهودة وظهور فاعلين غير معروفين على مسرح السياسة والمجتمع والتاريخ. من جهة أخرى يدرك الحدث في الفيزياء على أنه نقطة في الزمكان أي الذي يتم انتاجه هناك وفي لحظة ما ضمن البعد الرابع حيث يلتقي الزمان والمكان في نقطة معينة من التكثف.

abstra-technologyمن المعقول أن التقنية اليوم لم تعد تلك الأداة الطَيِّعَةَ في يد الإنسان، كما لم تعد تلك الوسيلة التي نقضي بواسطتها مآربنا ثم ينتهي الأمر، لقد تعدى الأمر وخرج عن طبيعة الإنسان، حيث أصبح هذا الأخير هو اللعبة وهو الأداة وهو المفعول به أمام اجتياح التقنية له، بل ولأن التاريخ يتميز بالمكر أكثر من أي شيء آخر، فقد حول التقنية من مجرد وسيلة إلى قدر ليس يمكن للإنسان الانفلات منه بتلك السهولة التي قد يعتقدها البعض، والواقع أن التقنية حاليا بفضل الثورة الرقمية قد انتقلت من روحها الأداتية إلى منطقها التجريدي الصرف، أي أنها انتقلت من الإدراك الملموس إلى الإدراك التجريدي.
هل يمكن أن نتخلص اليوم من التقنية؟ بل هل يمكن التخلص من نظرتنا الآلية للتقنية التي تحصر هاته الأخيرة في كونها مجرد قنطرة لتحقيق ما نصبو إليه ثم يتم التخلص منها بعدئذ؟ هل يمكن لمدينة كبيرة ما أن تعيش يوما واحدا بدون كهرباء مثلا؟ سيكون من الصعوبة بمكان اليوم أن ننخرط في لعبة الحياة دون الانصياع للتقنية بمعناها الحالي، أي باعتبارها قدرا وليست أداة كما كان عليه الامر في غابر السنين، بيد أننا ما ننفك نساءل التاريخ على سر هذا التحول العميق الذي أثر على الأخلاق كما على نمط عيش الإنسان وقس على ذلك في أغلب المجالات إن لم نقل كلها.