Anfasse.orgتبدأ القصة و طائر ارجواني غريب يحلق على الساحل الصخري و تنفض الموجة زبدها على الصخور الاصطناعية التي تحمي الساحل من الالتهام و التبدد  .تبدأ القصة و هو يقرران ينهي الحياة بصوت الارتطام الذي بلغ سمعه قبل أن يحدث.
هو مقامر لم يلعب يوما لعبة رند. ولم تستهوه لعبة الأوراق ولا سباق الخيل .مقامر بغير مقامرة .وضع كل حياته على أرجوحة أكلت الأرضة لوحها، و نخر الزمان حبالها و اقتلع الصدأ قاعدتها .تأرجح و هو يعرف انه الى سقوط لا محالة في سير حثيث ،لكنه عمي .استهواه الارتواز حتى سقط و كان في هذا السقوط رعد مطر يفيض في عين أمه بكا.
كان يقف أمام نفسه وهو مترع بالحزن و الكارثة .كان يلوك في فمه الحياة و هو يبكي النوازع .تتعاظم الكارثة وهو يجالس الوقوف و يترنح في السكون منذ زمن أصبح في العد الرياضي دهرا طويلا. كان يعجبه ان يقول لمن يلقاه إني أترنح .ترنح مرض لا ترنح سكر و نشوة .افقد طريقي .انغمس في العته السفه .ازداد في الحزن يوما بعد يوم و يزداد شقائي و التباسي و ازداد في الصمت مساحة ملك.
كان بحق بحق في يأس قاتل و انسداد. يتألم وهو يشاهد عائلته الصغيرة فيزداد في الحزن و يزداد في شقاء مقيت . لماذا يرتكب الحزن و كلام أطفاله ضحك وبراءة.

Anfasse.orgيقذف قلبي أرقام المسائل، أحس بهدوء صوتي الذي يملأ غرفة الفصل، ويخاصم الانتباه عقلي، أتأمل وجوه الطالبات، تلمع عيونهن بالحيرة، وترسل براءة الوجوه أسئلة صامتة: لماذا تغيرتي يا أستاذة شمس؟ أين كلمات التودد؟ أين ابتسامتك الناصعة؟
تحرجني الأسئلة الخفية وتمتلأ عيني بالضيق، أتهرب من أسئلة العيون، أشاغل الطالبات بأحدى المسائل، تتباطأ خطواتي بل لا تتجاوز طاولة الفصل لأسبح في رحلة تفكير أخرى، ها هي الساعات تعلن اقتراب عودة " زوجي" من شركة البترول الكائنة وسط الصحراء.
أغصب ذاكرتي على استحضار جملته الشهيرة التي رقص قلبي على نغماتها: " أنت أغلى أنسانه في حياتي"، لكن الكلمات الحلوة تبخرت، واللحظات الرائعة تلاشت، لأنها اصطدمت بكابوس خطير وهم طويل يرافقني في كل الأوقات، فقد مضت ثلاث سنوات ولم نرزق بطفل، بحثت عن العلاج في مختلف الأمكنة وفتشت عن الحلول في كل الوجوه.
 أصبحت في نظره شجرة يابسة بعدما كنت شجرته المثمرة التي تغذيه بالحنان، إنها الأبوة المفقودة التي سلبت الابتسامة من وجهه، وتسلق الوهن سفوح قلبه، أتذكر جيدا حرارة غضبه وسخريته من أمومتي المسلوبة، أحسست بعدها أن قلبي يتفتت..يتحطم..يتبعثر.

anfasse.orgالمرأة التي كانت جالسة قبالتي...لم تكن أمي!! كانت أي امرأة  أخرى إلا أمي.  بل حتى لم تكن تشبهها في شيء. ترى ما الذي جعلني أتخيل, ولو لجزء من الثانية, أنها أمي؟ أكنت أبحث عن وجه أمي في أي شيء؟ في أي وجه؟!
  لم أعد أذكر جيدا أين كنا جالسين؛ في مقهى, في غرفة مكتب ما, هي صاحبته وأنا أجلس أمامها. هل كنت أنا صاحبه وهي أمامي؟! شيء واحد أتذكره جيدا هو أننا كنا جالسين متقابلين, صامتين وهادئين. تلبس ثوبا أسود يظهر منه أعلى صدرها الممتلئ وينكشف عن ساعدين أبيضين. شعرها الكستنائي ممشوط إلى الوراء. كان قصيرا يصل بالكاد إلى كتفيها. كم أحب مثل هذا اللون في الشعر!. كثيرا ما طلبت من زوجتي أن  تصبغ شعرها ليصبح كستنائيا. فمها رقيق مدور كخاتم. هل كان كذلك حقا؟؟ وأنا أتذكر تخيلته كذلك. كانت تبتسم من عينيها تماما مثل أمي وهي تنظر إلي أو إلى أحد من إخوتي. لكني قلت بأنها لم تكن تشبه أمي في أي شيء. أغلب الظن أن جميع الناس يتشابهون في طريقة الابتسام خاصة من العيون.ربما!!

anfasse.orgفي مدينة الخليل، ليس بعيدا عن الحرم الإبراهيمي.. بينما كان عبد الرحيم الفلاح الشاب البسيط واقفا قرب نافذة غرفة المعيشة،المطلة على حديقة منزله الموروث عن أبيه.. يحاول بأنف متأهب استنشاق أكبر قدر ممكن من رائحة ورود القرنفل الفائحة بإغراء شهي، وقد كانت تتدفق بعذوبة باذخة عبر النافذة المفتوحة على آخرها كفم إنسان يتثاءب في كسل هادئ وديع.. مدّ عبد الرحيم رقبته كما الإوزة، وأخرج رأسه بكاملها ودلاها إلى أسفل تحت شمس ساخطة كانت تنظر إليه بغضب جامح، وتحط أشعتها بعصبية على شعر ناعم ناصع السواد وقصير، وبقسوة أخذت تنقر أذنيه وصفعت قفاه الرفيع الخمري. ثم بدأ بشغف يقرب أرنبة أنفه العريض من ورود تحملها فروع تطاولت أغصانها بإسهاب، ليشم بنهم أكبر عبيرها الغزير المنساب في سطوع يدغدغ الخياشيم.. مستحوذا على معظم الرائحة، باذلا أقصى جهده لئلا يفلت شذاها ويبتعد عن طاقتي أنفه الواسعتين.. وترك جسده مقوسا في الداخل.
وظل عبد الرحيم في وضعه هذا يشم ويستنشق حتى هدر أنفه وفرقع بعطسة شديدة طيرت الحمام عن أغصان شجرة الأكاسيا المنتصبة في آخر أطراف الحديقة. وقبل أن ينتهي من حمده لله لأن روحه لم تطلع، ولم يقف قلبه مع قوة عطسته الشديدة المدوية.. لحظتها سمع صراخ ابنته الصغيرة وقد أفزعتها الفرقعة.. والتفت عبد الرحيم وهو يمسح أنفه بمنديل كرمشه في جيبه، فرأى زوجته تهب لتلتقط صغيرتها وتسحبها من تحت الطبلية، حيث اعتادت أن تحشر جسدها الطري لاهية عن الدنيا ومن فيها.. واحتضنتها، وطبطبت عليها.. ومع هذا دشن فمها أول ابتسامة مكتملة التكوين تألقت في شفتيها منذ الأمس.. وبان نابها الناصع البياض النافر عن بقية الأسنان.. واستمرت تهدهد وتطبطب حتى هدأتها.. فسكتت.. وعادت الدنيا إلى سجاها.

anfasse.orgللماضي نفحات رخوة تتجمع في ليالي التأمل، فتبدو كجراح مستعذبة، أو كسهام من ورود تدوس القلب فتنعش روحه إنعاش النسيم  للزهور الأقحوانية البيضاء.
وشيئا فشيئا يسيح الماضي في محيط الكلمات القاتمة . التي تغادر الأفواه بأناة ودلال ، لتلامس قطيرات المطر المتداخلة – بداهة – مع هدوء الزمان والمكان ، والمحدثة طقطقات تلاعب الفؤاد : فقطرة تحيل على ماض بئيس ، وقطرة تلي فتحمل في جوفها حاضرا مضطربا لعوبا ، وتعقب ذا وذاك قطيرة مطرية ينقبض لها القلب الجاثي تحت شعاع القمر .
وفي هذا الليل المنساب ، وعلى مرأى من النجيمات الرقراقة ، ومن تحت الأرض الرطبة من جراء منسوب المياه ، تتمرد يد على قرارة الأغوار ، وتخترق نمطية الانبساط ، فتبدو وكأنها يد ميت ترتفع تأوها من آلام العذاب في العالم الآخر ، أو دعوة للأحباب أن سارعوا إلى نعيم الخلود السرمدي.
وتبدو اليد ل"أمل" من بعيد ، وكأنها يد الحقيقة تتجبر على أرض الباطل . كيد النور المنسي تذكر الناس أنهم يستنيرون بالعتمة منذ زمن طويل...
كانت راحة اليد الجبارة تتسع ، و تتفرق الأصابع بسرعة ثم تعود للانقباض ، كأنها تتماوج طربا بسمفونية صاخبة ، تنطلق من تحت أقدام صاحب اليد. هذا إذا كان مخلوقا يفترض أن تكون له أقدام.

anfasse.orgײַ في هذه المدن الصغيرة يخاف الإنسان شيئين:الملل و الرقابة ײַ
حيدر حيدر
لم يكن هناك هاجس محدد يفرض علي نفسه ساعة ولوجي مقهى أم الربيع في تلك العشية التائهة.
فقط كنت أريد تخفيف بعض من قلقي و نسيان ما بي من ضيق. بالمقهى لوحات بشرية دائمة التعليق تثير فضول البصر، تؤثث لذاكرة، تحتضن ثلة معكوفة على الدوام على لعب الورق. تتعالى أصواتهم مهللة بالاحتجاج، ضجيجهم السرمدي يفتض بكارة الفضاء. دائما كانت تأسرني هذه الجغرافيا السفلى، أحس بأشياء من الأعماق تطفو على السطح، أحمل مآسيها و أحزان أعماقي الجارحة.
في البدء عندما طوح بي في هذه المدينة ، كان الحلم بعالم حميمي، بنبض جماعي يحتضن الصراخ العنيف للذات، بأيادي دافئة متشابكة على خاصرة الغد. كنت أحلم بفضاء تمتد أبعاده داخل القلوب يمارس أحلامه علانية في فضاء داخلي مكشوف مع بشر من نفس الكوكب الوجداني.

anfasse.orgليس عندي ما أخفيهِ
ما أنا إلاّ فضيحةٌ مُتوارثةٌ
ولن تنفع حوّاءَ أو آدم ورقةُ توتٍ
حتى ولا غابةُ توت !
---------
كان مستغرقاً في الإصغاء لموسيقىً شرقية تراثية يتصادح فيها العود والطبلة عندما دخل شقته المُطلِّةَ على نهر دجلة الذابل الآمل ! صديقُهُ القديم الذي يسكن معه منذ إسبوع بعد أن قام بزيارة لبغداد مدينتهِ لأول مرة منذ ما يقرب من ثلاثة عقودٍ قادماً من منفاه البارد , واليوم يدخل شقة صديقه راجعاً من زحام بغداد وحزن شوارعها وهو يتأفف ثم جلس قبالته وفيما كان صديقُهُ الموظف العاطل منذ شهور يسكب من زجاجة العَرَق القوي على مهلٍ في كأسه وكان الوقت مساءً , سمع صاحبَهُ النحَّاتَ يقول : حقيقة أعجبُ من لامبالاتك وقدرتك على الإحتمال فها أنت سادرٌ في نعناعياتك وتتفاوحُ كحديقة !
فردَّ الموظف بانكسارٍ : تمنيتك الآن أن تطرق أبواب قلبي فلن يستقبلك بابتسامةٍ إلاّ الجروح ! ولكن ما جدوى أن أشكو ؟

anfasse.orgها هو القمر يطل بوجهه النحاسي من خلف الجبال الداكنات. قرص كبير يشق السماء بسلاسة ليعتلي كبدها. لا غيم يعكر صفوه الليلة. سيضيء ويضيء حتى آخر رمق في ليلته هذه.
صوت إغلاق باب حديدي يصدر من مكان قريب. إنه "وسام" خرج من منزله ليستنشق هواء هذه الليلة القمرية المنعش، وليخفف شيئا من ثقل الحرارة على جسمه. إنه فصل الصيف، فصل الحرارة والبعوض الفاقد للحياء، والذباب الذي ينام ليستعد ليوم جديد من الشغب والمغامرات مع الأواني المتسخة ببقايا الطعام، وزجاج النوافذ، وفخاخ العناكب المثبتة في زوايا المنزل.
خطوات حثيثة على الرصيف تصاحبها فرقعة الأصابع كعادة "وسام"؛ فهو يحب أن يمشي ببطء كي يستمتع بمحيا السماء تعلوه حبيبات النجوم اللامعة ويتوسطه القمر الساطع. وما فرقعة الأصابع سوى عادة لا تفارق " وسام" فحسب. سار هذا الأخير في خط مستقيم إلى أن بلغ جدار حديقة لمنزل كان يسكنه أحد أصدقائه القدامى أيام الدراسة، إلا أنه الآن غير مأهول، ومالكه وضعه تحت رحمة البيع.
أسند ظهره للجدار متكأ رافعا رأسه قبالة السماء، قائلا للقمر « طاب ليلك يا قمر ». هذا الأخير قد تقلص حجمه في مشواره كي يتوسط قبة السماء. كأنه كان في حمية لينقص وزنه. ومن يدري.. ربما كان يود أن يكون وسيما وهو وسط السماء. محياه لم يعد نحاسيا كما كان. لقد صار ذا لون فضي مشع. أكان القمر يضع مساحيق وأقنعة كي تكتمل وسامته ! ؟ لا أظن.. فالقمر صريح مع عشاقه..

مفضلات الشهر من القصص القصيرة